إذا نظرنا إلى ما ذكرته الآلية نلاحظ عليها ما يأتي :

أولاً : أن الآلية بنت ما سبق على افتراض غير جائز فقهياً في نظري ـ كما سبق ـ .

ثانياً : ومع كون المبنى والأساس غير مقبول فقهاً (على الأقل في نظري) فنتطرق إلى تحليل هذا الذي بنى على الأساس السابق من خلال ما يأتي :

1ـ فعلى ضوء الافتراض الذي ذكرته الآلية لا تكون العلاقة بين البنك والشركة علاقة مشاركة ما دام احتساب العائد يتم طبقاً للربح المحقق على أساس نسبة متوسط رصيد التمويل خلال فترة التمويل إلى رأس المال طبقاً لصيغ التمويل التقليدية التي تقوم بها البنوك التقليدية . 

 وذلك لأن المشاركة في الفقه الإسلامي تقتضي أن يكون الربح القابل للتوزيع ربحاً محققاً إما حسب نسبة الأموال المشتركة ، أو حسب الاتفاق بما لا يقطع المشـاركة            ـ كما سبق ـ فإذا حدد للبنك الإسلامي الشريك نسبة محددة مثل 10% من رأس ماله فإن هذا التحديد مهما كان مبناه يقطع المشاركة الحقيقية ، ويخرج العقد حينئذٍ من الشركة إلى القرض بفائدة أو إلى شركة فاسدة  .

2ـ وما ذكرته الآلية في الفقرة (أ) من أن دور البنك الإسلامي (يتمثل بصفة أساسية في انه ممول (أو صاحب رأس المال) لا يبرر مشروعية ما ذكر ، بل يؤكد خروج العملية من الشركة إلى عقد قرض بفائدة . 

3ـ وكذلك فما ذكرت الآلية في الفقرة (ب) من أن الشركة كيان معنوي ….الخ لا يمكن أن يكون مبرراً لما ذكرته الآلية ، ولكن يمكن للبنك تحميل الشركة المسؤولية عن تابعيها من الموظفين عن كل ما يصدر منهم من مخالفات ، أو تصرفات تضر بالمشاركة .

4ـ وما ذكرته الآلية حول العلاقة الأولى من أنها علاقة مضاربة بين الشركة والعاملين (كصاحب عمل) يحتاج إلى تفصيل ، وذلك لأن الظاهر الغالب هو أن العلاقة بينهما علاقة عقد العمل ، أو حسب التكييف الفقهي هي علاقة بين المؤجر والأجير (الخاص في الغالب وقد يكون عاماً ومشتركاً) ، لأنهم يأخذون مرتبهم ، وليس لهم استقلال في إدارة المشروع ، بل الشركة هي التي تديره وهي التي تشرف وتعمل وتخطط وتبرمج ، وهؤلاء الموظفون سواء كانوا على شكل إدارة للمشروع ، أو غيرها ينفذون الخطة المرتبة من الشركة ، وأنه من المعلوم أن من أهم قواعد المضاربة عدم تدخل رب المال في شؤون المضارب  . 

  وإنما تكون العلاقة مضاربة إذا سلمت الشركة المشروع لإدارة مستقلة عنها تقوم بالإعداد والتنفيذ في مقابل نسبة من الربح ، وهذا قد لا يكون متحققاً في الصورة التي عرضتها الآلية .

  وقد تكون العلاقة علاقة الوكالة إذا قامت بالعمل مقابل أجر محدد أو نسبة من رأس المال .

4ـ وحول العلاقة الثانية تريد الآلية أن تجعل العلاقة بين البنك الممول فقط علاقة مضاربة ، وهذا لا مانع منه ، لكن الأسس التي تقوم عليها المضاربة تختلف عن الأسس التي تقوم عليها المشاركة في الأموال ، فمثلاً أن أهم أساس للمضاربة هو أن يسلم رب المال المبالغ المطلوبة إلى المضارب ، ويحدد معه نوعية المضاربة إما مطلقة أو مقيدة ، ثم لا يجوز لربّ المال التدخل في شؤون المضاربة ـ كما سبق ـ  .

  وهذا ما نص عليه معيار المضاربة في البند 9/03   كما أن المضارب لا يتحمل أي خسارة في ماله سوى جهده الذي بذله .

 في حين أن الأصل في الشركة أن يعمل الشركاء جميعاً ، وأن الإدارة من حقهم جميعاً ، وأن كل واحد يتحمل الخسارة بقدر ماله ….الخ  .

  وقد اشترطت الآلية أن تكون الشروط بين الطرفين بما لا يخل بمبادئ الشريعة الإسلامية ، وهذا أمر جيد ولكن مع إضافة : (وأحكامها) .

 ثم مضت الآلية في طريقها ، وبنت على اعتبار العلاقة بين الشركة والبنك علاقة أصحاب رأس المال (أي كأنه مساهم) وبالتالي تساءلت عن الرأي الشرعي في أن يتم الاتفاق بين البنك الإسلامي والشركة على أن أي خسارة يقوم البنك بتحملها خلال فترة التمويل يتم تجميعها في حساب خاص (مجمع خسائر البنك) ويتم سداد أصل التمويل للبنك على أساس صافي رصيد التمويل الفعلي (أي أصل التمويل مطروحا منه مجمع خسائر التمويل) مع احتفاظ البنك بحقه في استرداد نصيبه من مجمع الخسائر المحققة (والتي لم يتم سدادها إلى البنك) من الأرباح المستقبلية إذا تحققت ، مثله في ذلك مثل رأس المال ، وطالما لم يتم انتهاء فترة نشاط الشركة ، أو تصفيتها ؟ .

للإجابة عن ذلك نقول : إن هذه الفرضية تتعارض مع ما سبق من أن البنك ليس مساهماً ، كما لها عدة احتمالات :

الاحتمال الأول : أن يكون تمويل البنك للشركة لمشروع خاص بأسلوب المشاركة ، وفي هذه الحالة تتم المشاركة بينهما بالتصفية ، ولا يجوز الاتفاق على تحميل الشركة أي خسارة ما دامت لم يكن لها دور فيها حسب القواعد السابقة .

الاحتمال الثاني : أن يكون تمويل البنك للشركة تمويلاً عاماً يتم بموجبه أن يصبح البنك شريكاً لها بنسبة ما قدمه إلى نسبة موجودات الشركة ، فلنفترض أنه أصبح شريكاً لها بالنصف حيث قدرت موجودات الشركة بعشرة ملايين ريال ، والبنك أيضاً دفع عشرة ملايين ، ففي هذه الحالة نكون أيضاً أمام أحد الأمرين :

الأمر الأول : أن تكون الشراكة مؤقتة لسنة أو أكثر ، ففي هذه الحالة يتم تصفيتها في الفترة المحددة ، ولا يجوز تحميل الشركة بأي شيء في المستقبل ، إلاّ إذا غيرا الاتفاق وأعطيا مهلة أخرى ، وحينئذٍ ما دامت الشراكة قائمة فمجمع الخسائر يتحمل الخسارة بنفس النسبة السابقة إذا تحققت أرباح في المستقبل ، كما أنه لا مانع أن يطالب البنك بتمديد الفترة المشاركة للتعويض عن الخسائر السابقة إذا خاف من تحقق الخسارة في الفترة الراهنة .

الأمر الثاني : أن تكون الشراكة غير مؤقتة وفي هذه الحالة يكون من حق البنك أن يستفيد من مجمع الخسائر إذا تحققت أرباح في أي وقت ما دامت الشراكة قائمة ، لأن ذلك يدخل في جبر الخسارة بالأرباح المتحققة في فترة المشاركة حيث قال الفقهاء : (مهما بقي العقد على رأس المال وجب جبر خسرانه من ربحه وإن اقتسما الربح)  .

 ولكن في جميع الأحوال لا يجوز تحميل الشركة بتحمل خسائر لم يكن لها دور فيها بعد تصفية الشراكة ، لأن ذلك تضمين لها من غير حق  ، ولا يمكن قياس هذه الحالات على الأسهم لأنها باقية ببقاء الشركة ، وأن أصحابها يتحملون غرمها كما يستفيدون من غنمها ، فكيف يقاس الخارج المؤقت على الداخل الثابت المستمر .

 كما أن فترة نشاط الشركة هي غير فترة نشاط المشاركة بين الشركة والبنك ، فلا يجوز تحميل أحدهما بآثار الآخر ، ومن جانب آخر أو ليس احتمال بقاء الخسارة ، بل زيادتها في الأعوام اللاحقة وارداً ؟!!.

  ولكن من الحلول المناسبة في هذا المجال أن يشترط البنك أنه في حالة الخسارة تمدد المدة إلى فترة يتم الاتفاق عليها ، أو أن تكون المهلة طويلة ، فإذا أراد فسخها فيكون له الحق في ذلك لأن عقد الشركة عقد غير لازم عند جمهور الفقهاء  ، فحينئذ يكون الخيار للبنك في الاستمرار أو عدمه ، ولا أرى في هذا الاشتراط ، أو فسخ المدة أي مخالفة للشريعة الإسلامية في أحكامها ومبادئها هذا والله أعلم .  

 ومن الملاحظ أن الآلية تسير بخطى متدرجة للوصول إلى أمرين هما ضمان رأس المال ، وضمان ربح محقق ، وهما بعيدا المنال بصورة قطعية مع الشركة أو المضاربة إلاّ بحيل فقهية مثل حيلة الحنفية في اعتبار معظم رأس المال قرضاً ، مع زيادة نسبة الربح على الباقي  ، وهي حيلة غير مقبولة ليس هذا مجال بحثها .

 ولكن ما دام الأمر هو السعي لتحقيق الضمان للمال ، والربح ، فإن أمام البنوك الإسلامية هو المرابحة والوكالة بالاستثمار مع اشتراط أن يكون عمل الوكيل بالمرابحة حيث إن الضمان فيهما كبير ، وذلك لأن المال يتحول خلال فترة وجيزة إلى دين مضمون في ذمة المشتري ـ كما هو معروف ـ ولكن هذا ليس هو الذي تريده الآلية ، حيث تستهدف الخروج منهما إلى عالم المشاركة .

5ـ وبنت الآلية على افتراض جواز ما سبق ما يأتي فقالت : (وإذا جاز ما سبق ، ما هو الرأي الشرعي في الحالات التالية والتي تم تصورها كأساليب تنافسية جاذبة للتعامل مع البنوك الإسلامية (خاصة لتلك الشركات التي تحقق عائد ربحية عالياً :

أ ـ أن يقوم البنك الإسلامي بتمويل 50% من احتياجات المشروع التمويلية ويتم الاتفاق على أن البنك سيحصل على نسبة أقل (مثلاً 30% فقط من الأرباح وكذلك ألا يتحمل غير 30% من الخسائر .

ب ـ أن يقوم البنك الإسلامي بحساب العائد المستحق الدفع من الشركة في نهاية كل فترة مالية وإذا ما زاد العائد المحتسب عن نسبة معينة (ولكن مساوية لأسعار الفائدة السارية في البنوك التقليدية بالإضافة إلى نسبة محددة) يقوم البنك بالتنازل عن هذه الزيادة على ألا يتحمل البنك أي خسائر تحققها الشركة ، هذا مع وجود تذبذب في طبيعة الصناعة التي تعمل بها ، فمثلاً من الممكن ان تقوم الشركة بتحقيق عوائد تصل إلى 40% في حين أن البنوك التقليدية تقرضها بفائدة قدرها 15% فقط وترغب الشركة في تخفيف عبء تكلفة الفوائد وتقليل مخاطر النشاط في ظروف الكساد ، فتقبل ان تعطى للبنك الإسلامي عائداً لا يزيد عن 20% فقط في ظروف السوق الجيدة على ألا يتحمل البنك الإسلامي بأي خسائر في ظروف الكساد .

ج ـ وإذا كانت الحالة السابقة جائزة ، هل يجوز للبنك الإسلامي أن يقبل أن يأخذ ضمانات عينية على أساس أنه تم الاتفاق على عدم تحمل البنك أي خسائر مقابل تنازله عن الأرباح التي تزيد عن حد معين .

د ـ هل يجوز للبنك في حالة التمويل مع المشاركة في الأرباح والخسارة طبقاً للمذكور أعلاه ، أن يحصل على ضمانات عينية (رهن حيازي ، رهن عقاري ، رهن تجاري ، أوراق قبض ، أوراق مالية….الخ) ولا تكون هذه الضمانات بغرض ضمان أصل القرض في حالة الخسارة العميل أو إفلاسه ولكن بغرض حماية البنك من قيام العميل بأي غش أو استغلال لموقف البنك (كان يقوم برهن الأصول التي تم تمويلها بواسطة البنك الإسلامي إلى بنك آخر مثلاً) أو بغرض مراقبة نشاط العميل مثل مراقبة حركة التحصيلات وحركة المخزون حتى يكون هناك تحذير مبكر في حالة تدهور أداء العميل .

هـ ـ وهل يجوز اجتذاب الشركات التي تتعامل مع البنوك التقليدية عن طريق منحها تمويلاً مباشراً طبقاً للآلية أعلاه ، يتم استخدامه في سداد القروض الربوية القائمة مع تلك البنوك على أساس مبدأ نشر المعاملات الإسلامية وكذلك تعظيم توظيف فوائض الأموال التي لدى البنوك الإسلامية بدلاً من استثمارها لدى البنوك الربوية العادية ، وذلك بالطبع بعد التأكد من المراكز المالية والسوقية لهذه الشركات جيدة .

وـ وبالنسبة للمشروعات الجديدة ، فهل يجوز أن يتم الاتفاق مع الشركة على التمويل بأسلوب المشاركة المتناقصة ويتضمن هذا الاتفاق أنه في حالة عدم وجود مشتر بعد ابتداء النشاط يقوم البنك بمنح الشركة تمويلاً بالمشاركة في الأرباح والخسائر يتم استخدامه في شراء أسهم الشركة نفسها التي ساهم فيها البنك (أسهم خزينة) على أن يتم سداد تمويل البنك على عدة سنوات تالية بمعنى أن تكون العلاقة بين البنك والشركة علاقة مساهمة في رأس المال في فترة إنشاء المشروع ثم تتحول إلى علاقة تمويل بعد ابتداء النشاط) .

 وللإجابة عن ذلك نقول : إن الفرضية فيها تفصيل ، ومع ذلك نجيب على الأسئلة مع قطع النظر عن المبنى الذي ذكر لها وهي :

أ ـ بالنسبة للفقرة (أ) لا مانع فقهاً من اختلاف نسبة الربح عن نسبة المال عند الحنفية ، والحنابلة ، لأن الربح حسب الاتفاق عندهم ـ كما سبق ـ ولكن لا يجوز أن تكون نسبة الخسارة أقل من نسبة المال ، حيث أجمعوا على أن الوضيعة في المشاركة بقدر المال  .

ب ـ وبالنسبة للفقرة (ب) لا يجوز للبنك أن يتبرأ عن الخسارة في مقابل التنازل عن الزيادة عن نسبة معينة ، لأن القواعد التي تتحكم في الخسارة غير القواعد التي تتحكم في الربح ـ كما سبق ـ .

ج ـ الحالة السابقة في ـ ب ـ غير جائزة ، وبالتالي فلا يبنى عليها ، حيث لا يجوز أخذ ضمانات على عدم تحمل البنك أي خسائر مطلقاً .

د ـ لا مانع شرعاً من أخذ ضمانات عينية تكون مخصصة للحالات التي تكون الشركة فيها مسؤولة عن الخسائر لأي سبب مشروع كان (أي حالات التعدي ، والتقصير ، ومخالفة الشروط ، والعرف التجاري…) ولكن لا يجوز استعمالها إلاّ لهذه الحالات .

هـ ـ لا يجوز ما جاء في الفقرة (هـ) لما سبق ذكره في (ج) .