تغير
قيمة النقود بالغلاء والرخص:
اختلف
الفقهاء في أثر تغير قيمة النقود بالغلاء والرخص على العقود والالتزامات الاجلة:
* فذهب جمهورهم[1]:
إلى أن الرد يكون بالمثل، وأنه لا عبرة بالرخص والغلاء في رد المثليات (ومنها
الدراهم والدنانير، والفلوس).
* وذهب جماعة منهم
أبو يوسف، ومحمد في بعض الأحوال وبعض فقهاء المالكية، ووجه للشافعية، وبعض
الحنابلة[2]
إلى اعتبار القيمة وقيدها البعض بحالة تغير القيمة تغيرًا يؤدي إلى الظلم ــ سيأتي
لذلك تفصيل ــ .
هل
تنزل هذه النقود السابقة على النقود الورقية؟
أعتـقد
أن معـظم هذه النقول والنصوص الفقهية على الرغم من أهميتهـا لكنهـا لا يمكن
تنزيلها بصـورة كاملـة على نقودنـا الورقيـة، إذ إن النقود السابقة كانت من معادن
ذهبية، وفضية، ونحاسية، فتبقى حتى بعد إلغائها قيمتها المعدنية، في حين أن النقود
الورقية لا تبقى بعد إلغائها أية قيمة، بل ولا يستفاد منها كورق، فقيمتها في
قيمتها المعتبرة في السوق، ولكنه مع ذلك فإن أقرب شيء إليها هو الفلوس لذلك يمكن
الاستئناس بما قاله الفقهاء حول الفلوس وأحكامها، حيث أرى أن الفلوس أحسن حالاً من
نقودنـا الورقيـة، فـإذا كان بعـض كبار فقهائنـا السابقيـن قـد قالـوا برعايـة
القيمة في الفلوس، فإن هذا الحكم لا بد أن يسحب على نقودنا الورقية بطريقة أولى.
تأصيل
القضية، وبيان المعايير والحالات الاستثنائية:
إذا
سرنا على اعتبار أن الوفاء بالمثل هو الأصل والمبدأ، والقاعدة العامة بحيث لا نخرج
عنها إلا عند حالات استثنائية، فحينئذ ينبغي البحث عن هذه الحالات وبيان نوع من
المعيارية لهذه الحالات.
ثم
إن هذا الخروج عن الأصل إنما يتحقق في الديون والالتزامات الاجلة والعقود التي
تؤجل آثارها عنها، وذلك مثل القرض الحساب الجاري في البنوك، والبيع الاجل،
والإِجارات المؤجلة والمهور، والرواتب والأجور، وعقود المقاولات والاستصناع التي
تؤجل أثمانها أو بعضها إلى مدد آجلة، وكذلك الأمر في الودائع الاستثمارية
والمضاربة والمشاركات ونحوها.
فالأصل
والمبدأ العام والقاعدة العامة في كل ذلك هي: الرد بالمثل، وأن العبرة في الرد
إنما هي بالنقد الذي تم الاتفاق عليه جنسًا وكمًّا وكيفًا إلا إذا حدث تغير بين
قيمة النقد وقت نشوء الالتزام والعقد، وقيمته وقت الدفع والأداء.
معيار
التغيُّر:
وهنا
يثور التساؤل حول معيار التغير:
هل
هو مجرد تغير خفيف (غبن يسير) أو هو الغبن الفاحش أو هو الانهيار الكامل، أو تغير
العملة بالكامل وإلغاء رسميتها؟
ومن
المقرر فقهًا أن الكثرة والقلة والفحش، واليسر، والغلبة والقلة لها آثارها على
العقود، حيث يعتد الفقهاء في كثير من الأشياء بالغلبة والكثرة، ففي باب الصرف
فالعبرة بالغالب من النقد، أو العرض، وكذلك الحال في أبواب أخرى في الفقه، حتى
أصبح ذلك قاعدة فقهية وهي: أن العبرة للغالب الشائع لا النادر[3].
فالكثرة
من الناحية اللغوية[4]
تتحقق بما زاد على النصف (50 ) ولكن هذا لا يعني أن ما نقص عن هذا المقدار لا
يترتب عليه الاثار الشرعية مثل الثلث، ونحن هنا نذكر ما يتعلق بموضوعنا هذا.