ثانياً : البصمة الوراثية من منظور الفقه الإسلامي

مقدمة

أسير على ضوء ما طلب منا مجلس المجمع الموقر مركزاً على النقاط التي يمكن الاستفادة منها ، فأبدء بالتعريف المتفق عليه للبصمة الوراثية ، ثم أتناول المجالات الثلاثة الأساسية وهي مجالات النسب إثباتاً أو نفياً ، ومجال التعرف على المجرمين والجثث والأشلاء في الحروب والكوارث وتتفرع منها الحالات التالية :

1. مدى إثبات النسب البصمة الوراثية ممهداً بوسائل إثبات النسب في الإسلام بإيجاز شديد.

2. مدى نفى النسب بها ممهداً بوسائل النسب في الشريعة بإيجاز شديد .

3. الاستفادة من البصمة عند التنازع على المولود .

4. الاستفادة منها حالة الاختلاط بين المواليد في المستشفيات .

5. الاستفادة منها في حالة ادعاء مجهول النسب إلى أفراد أو قبيلة .

6. لمنع اللعـــــان .

7. في بعض حالات الاختلاف بين الزوج والزوجة .

8. في حالات الاغتصاب ونحوه .

9. الاستفادة منها في حالات الاشتباه في طفل الأنابيب .

10. في حالة الحروب وعودة المفقودين والأسرى الذين طال عهدهم .

11. الاستفادة منها لإثبات الجرائم .

12. الاستفادة منها للتعرف على جثث الضحايا أثناء الحروب والكوارث ونحوه .

وقد أشار القرآن الكريم إلى أهمية النظر والبحث في أسرار النفس الإنسانية والكون كله ، فقال تعالى : (وفي الأرض آيات للموقنين وفي أنفسكم أفلا تبصرون وفي السماء رزقكم وما توعدون فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون)[1] .

بل بين الله تعالى أنه يريهم آيات وأسراراً عن النفس ، والكون يوماً بعد يوم حتى يتبين لهم أن الله هو الحق المطلق ، وأن قرآنه صدق لم يأته الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، لأنه تنزيل من عزيز حكيم حميد فقال تعالى : (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أو لم يكف بربك أنه على كل شئ شهيد)[2] .

وحقاً إنه مع كل هذا التقدم العلمي الرهيب وكل مجالات الكون والإنسان والحياة لم يظهر أي تناقض بين قول إلهي ثابت في الكتاب والسنة الصحيحة وبين قاعدة وحقيقية علمية ثابتة ، بل إن القرآن الكريم قد تطرق إلى مجموعة من الحقائق العلمية اكتشف بعضها العلم الحديث فوجدها في غاية من الدقة سواء كانت في مجال مراحل الأجنة وكيفية خلقها ، أو في مجالات كيفية خلق الكون ، وأصله وعناصره الأساسية ونحو ذلك ، وهذا دليل آخر على وجود الله تعالى وصدق رسالته .

وكما كانت آيات الله تعالى سبقت العلم الحديث في كشفها حقائق علمية ، وأسرار النفس ، فإن شريعته كذلك قادرة على التواصل مع هذه الحقائق ، وذلك لأن كل ذلك يعود إلى أمر الله تعالى الشامل للأمر التكويني ، والأمر القولي ، ولذلك لم تجد الأمة الإسلامية منذ نزول هذه الشريعة مشكلة استعصت عن الحل والعلاج الناجح على الرغم من اختلاف الحضارات التي قابلها الإسلام ، وعلى الرغم من تقدم العلوم وظهور المشاكل المعاصرة ، وهذا دليل آخر على صلاحية هذه الشريعة لكل زمان ومكان ، وعلى شموليتها وقدرتها على البقاء والاستمرار ، ومواكبة العصر مهما تطور وتقدم .

ونحن في هذه الدراسة المتواضعة نلقى الأضواء على موضوع جديد جداً وهو : البصمة الوراثية ـ من منظور الفقه الإسلامي ، وسنرى أن الفقه الإسلامي استطاع التعامل مع آثارها ، ووضع الضوابط المطلوبة .

والله أسأل أن يكتب لنا التوفيق والسداد وأن يجعل أعمالنا كلها خالصة لوجهه الكريم ، إنه مولاي فنعم المولى ونعم النصير .

التعريف بالبصمة الوراثية :

عرفت ندوة الوراثة والهندسة الوراثية ــ التي عقدت بالكويت برعاية المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية في الفترة من 23-25 جمادى الآخرة 1419هـ الموافق 15/10/1998م ــ البصمة الوراثية بأنها : (البنية الجينية ” نسبة إلى الجينات أي الموروثات ” التي تدل على هوية كل فرد بعينه) .واقر المجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي في دورته الخامسة عشرة هذا التعريف ، وأضاف بأن البحوث والدراسات تفيد بأنها من الناحية العلمية وسيلة تمتاز بالدقة لتسهيل مهمة الطب الشرعي والتحقيق من الشخصية ومعرفة الصفات الوراثية المميزة للشخص ، ويمكن أخذها من أي خلية من الدم ، أو اللعاب ، أو المني ، أو البول ، أو غيره .

لقد استطاع العالم الإنجليزي جيفري من خلال دراسته المستفيضة على الحامض النووي أن يلاحظ بعض التكرارات وتتابعاتها منتظمة ومحددة ، صغيرة أو دقيقة ، أو كبيرةDNA فكأنها اقمار أو أجرام صغيرة تسبح في مجرات كبيرة على حد تعبيره ، والتفاعلات الصغيرة تتكون تتابعاتها من 10-15 قاعدة نيتروجينية ، والتفاعلات الدقيقة تتكون من قاعدة واحدة أو اثنتين ، أو ثلاث ، أو اربع قواعد ، ويطلق عليها مجتمعة ” البصمة الوراثية “[3].

طريقة الكشف عن البصمة الوراثية :

كان الطب الشرعي يهتم بالكشف عن الأسوار الغامضة للجريمة مهما كان نوعها ، كما كان الخبراء يولون عنايتهم بالمشاكل الناتجة عن النزاع حول الأبوة ، فكانت هناك تجارب واختبارات تقليدية اعتمدت على موائمة الصفات الوراثية للأب و الابن عن طريق الفحوصات التي تشمل فحص زمرات الدم ، والانزيمات ، والدلالات الخلوية ، ومع تطور علم الوراثة ، وظهور البصمة الوراثية استعملت لتحقيق الأهداف السابقة[4] ، ففي البداية كانت تعتمد على ما يسمى بالدلائل الوراثية للحامض النووي DNA حيث يتم الكشف عن التتابعات القصيرة بأخذ عينة من دم الأب (المشكوك في أمره) والأم والابن ، ويتم فصل الحامض النووي ، ثم تكبير هذه التتابعات .

واستخدم جهازPCR ثم بعد ذلك الكشف عن هذه التتابعات بواسطة المجسات Probes التي تتم من خلالها عملية تهجين ، ثم بعد ذلك يتم الطرد الكهربي للهلام ثم صبغها بمادة (ethioium bromide ) فتظهر الشرائح باطوالها وانماطها تحت جهاز الوميض الفوق بنفسجي .

وفي عام 1985 اقترحGILL) ) التطبيق الشرعي للبصمة مبينا بأن استخدام مجسات اكثر تقلل من احتمالية التشابه إلى حد كبير[5] وباستخدامDGGE أمكن الحصول على نتائج دقيقة جدا .

وقد أثبتت دراسة عام 1997 لاستعمال البصمة الوراثية لاثبات ، أو نفي الأبوة في 348 حالة من كولومبيا : أن 50 حالة نفي الأبوة بنسبة 99% و 34 حالة إثبات الأبوة بنسبة 99% و 85 حالة لاحتمال إثبات الأبوة و 179 حالة لم يكن هناك جواب لا بنفي ولا بالإثبات والسبب هو قلة الصفات الوراثية المستعملة في هذه الحالات في حين نجحت البصمة الوراثية من خلال عينة الدم ، أو المني في كشف المجرم بكل دقة ، وكذلك الحال في إثبات الأنساب إلى الأعراق المختلفة من الأفارقة ، والقوقازيين ونحوهم[6].

ومن المعروف ان مصادر المواد لإثبات البصمة الوراثية هي الدم ، والمني ، وجذر الشعر ، والعظم ، واللعاب ، والبول ، والسائل الأمينوس ، والخلية من البويضة المخصبة ، والخلية من الجنبك[7] .

البصمة الوراثية وإثبات النسب ، أو نفيه بها :

تمهيد :

نتحدث فيه بإيجاز شديد التعريف بالنسب ، ووسائل إثباته ، ونفيه في الشريعة الغراء .

التعريف بالنسب :

النسب لغة وفقها : القرابة ، أي العلاقة بين شخص رجلاً كان أو امرأة وأقاربه من جهة الولادة أصلا وفرعا وحاشية ، حيث يشمل الآباء والأمهات وان علوا ، والأولاد وان نزلوا والاخوة والأخوات والأعمام والعمات والخالات وبقية أولو الأرحام ، وهذا على معناه العــــــام ، ويطلق النسب على القرابة من جهة الآباء باعتبار أن الإنسان ينتسب إلى أبيه فقط [8] ولا ينسب الولد إلى أمه إلا في حالتي اللعان والزنا .

رعاية الشريعة للنسب :

أحاطت الشريعة النسب برعاية منقطعة النظير ، وأولته عناية فائقة حفظا ووقاية وحماية وعلاجا ، وجعلته ضمن الضروريات الخمس (أو الست) حسب تعبير الفقهاء والأصوليين ، ونظمته تنظيمًا دقيقًا من حيث الحقوق والالتزامات الناشئة منه فقال تعالى : (وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض من كتاب الله)[9] كما امتن الله تعالى بذلك فقال :(يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً)[10] وقال تعالى : (والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ورزقكم من الطيبات افبالباطل يؤمنون وبنعمة الله هم يكفرون)[11].

ولأهمية ذلك نظم الله هذه العلاقة من خلال الزواج والأمر به ، ومن خلال تنظيم الأنساب حيث حرم التخلي عن انتساب الإنسان إلى أبيه ، أو عن نسبة ابنه عليه كما حرم التبني وإسناد أحد إلى غير أبيه فقال تعالى : (وما جعل ادعاءكم أبناءكم ذلكم قولكم بأفواهكم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل أدعوهم لآبائهم هو اقســـط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم)[12] ، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم – عندما نزلت آية الملاعنة – : (أيما امرأة أدخلت على قوم من ليس منهم فليست من الله في شيء ولن يدخلها الله جنته ، وأيما رجل جحد ولده وهو ينظر إليه احتجب الله عنه يوم القيامة وفضحه على رؤوس الأولين والآخرين)[13] .

والخلاصة ان الحفاظ على الأنساب (وعدم الخلط والكذب فيها) مقصد شرعي من أهم مقاصد الشريعة ، وان تنظيمها قد اخذ مكانة كبيرة في الأحكام الشرعية ، وذلك نجد القرآن الكريم ـ الذي يكتفي حتى في باب الشعائر الدينية بالإجمال دون التفصيل ـ قد فصل القول في أحكام الأسرة بكل تفاصيلها وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أهمية النسب وخطورته[14] .

أسباب النسب :

تعود الأسباب لصحة الأنساب إلى أمرين هما عقد النكاح ، والاستيلاد الذي يقصد به معاشرة السيد لجاريته بشروطها المعتبرة ، وبما أن هذا الأمر قد انتهى في العصر الحاضر فإننا نوجــــز القول في عقد النكاح الذي يتفرع منه نوعان هما العقد الصحيح ، والعقد الفاسد .

أ ـ عقد الزواج الصحيح :

إذا اصبح العقد صحيحا بأن توافرت فيه أركانه وشروطه وانتفت فيه موانعه – على تفصيل كبير واختلاف بين المذاهب الفقهية فيما هو ركن ، وما شرط ، وما هو مانع – فإن ذلك العقد سبب لصحة الأنساب ، وان نسب الولد الذي انجبته المرأة المتزوجة زواجا صحيحًا بعد ستة اشهر عن الدخول ثابت بالإجماع لقول الرسول صلى الله عليه وسلم : (الولد للفراش والعاهر الحجر)[15].

أما إذا كان الزواج صحيحًا ، ولكن لم يعلم دخول الزوج بزوجته ، ولا امكن الاتصال بينهما مثل زواج رجل بأقصى الشرق بامرأة في أقصى الغرب ولم يعلم اللقاء بينهما ، ثم أتت بولد بعد ستة أشهر من تأريخ العقد فهذا محل خلاف بين الفقهاء حيث يثبت نسبه منهما عند أبي حنيفة ، وكذلك الحكم إذا جاء الولد لأقل من ستة أشهر من عقد الزواج ، أو كان الزوج صغيرا لا يتصور من مثله الإحبال حيث يثبت النسب منه عنده خلافا لجمهور بمن فيهم صاحباه قال شيخ الإسلام السفدي ت461هـ : (المولود من فراش (من نكاح) يلزم الزوج فحلا كان أو صبياً ، مجبوناً أو عنيناً ، عاقلاً كان أو مجنوناً ، مسلماً أو كافراً ، غائبًا أو حاضراً إلا إذا كان الزوج صغيراً لا يتصور من مثله الإحبال ، أو ولدت بعد النكاح لأقل من ستة اشهر ، أو غاب الزوج وتزوجت زوجًا آخر وولدت فإنه لا يلزم الأول في قول أبي يوسف ومحد وأبي عبد الله ، ويلزمه في قول أبي حنيفة ، ولا يثبت نسب الولد في هذه الأحوال الثلاث وإن ادعاه الزوج ، ولا يجب بنفيه حد ولا لعان)[16].

ومستند أبى حنيفة رحمه الله وجيه ومعتمد على عموم الحديث الصحيح المتفق عليه الدال على أن الولد للفراش دون الدخول في التفاصيل ، وعلى عدم استحالة ذلك عقلا ولو كان بعيدا إضافة إلى تشوف الشارع إلى إلحاق النسب ، وعدم تضييع المولود وتركه للضياع ، وعدم المسؤول عنه فهذا مقصد شرعي يتفق مع روح الشريعة السمحة التي كرمت الإنسان ، ونزلت لأجل إكرامه وخيره وسعادته في الدارين .

ب ـ الزواج الفاسد :

يثبت النسب بالزواج الفاسد المختلف في فساده وبالباطل الذي لم يعلم الزوج بحرمته ، أما المتفق على فساده ولكن لا يحد الناكح حد الزنا فيلحق به الولد وهناك تفاصيل في هذا الموضوع ليس هذا البحث محل إثارتها[17].

وسائل إثبات النسب :

1ـ الفراش : الناتج عن عقد زواج صحيح ، او فاسد مختلف في فساده – كما سبق – والاستيلاد .

2 ـ الاستلحاق ( الاقراء ) : وهو أن يقر الأب – لا غيره – بان هذا الولد ابنه ، أو بنته فيثبت له الأبوة ويستتبع ذلك جميع آثار النسب الصحيح بالشروط التالية :

أ ـ أن يكون الولد الذي يراد الحاقه مجهول النسب كلقيط ، أو نحوه .

ب ـ ان يكون استلحاقه به ممكنا من حيث العقل والعادة ، فلو اقر رجل عمره ثلاثون سنة ببنوة شخص آخر وعمره ثلاثون سنة مثلا فلا يقبل هذا الاقرار والاستلحاق.

ج ـ ان لا يكذب المستلحق – بفتح الحاء – إن كان أهلاً للإقرار .

د ـ ان لا ينازعه فيه أحد ،لأنه لو نازعه فيه أحد تعارضا فاحتاج الأمر إلى مرجح . وان كان الإقرار عليه وعلى غيره كالاقرار باخ له اعتبرت الشروط الأربعة مع كون المقر جميع الورثة[18].

3ـ الشهادة : ويثبت النسب بشهادة رجلين إجماعًا واختلف الفقهاء في إثباته بشهادة رجل وامرأتين ، أما إثبات الولادة فتثبت بشهادة امرأة واحدة عند جماعة من الفقهاء منهم الحنفية[19] .

4ـ القيافة : هي لغة تتبع الأثر للتعرف على صاحبه ، والقائف هو الذي يتتبع الآثار ليعرف شبه الشخص بأبيه ، أو أخيه[20] ، وفي الاصطلاح الفقهي الفائف هو الذي يعرف النسب بفراسته ونظره إلى أعضاء المولود[21] ، وقد اختلف الفقهاء في إثبات النسب بالقيافة حيث ذهب جمهورهم ( المالكية على تفصيل ، والشافعية والحنابلة ) إلي إثبات النسب بالقيافة[22] في حين ذهب الحنفية إلى عدم إثباته بها[23] .

ولسنا نحن بصدد أدلة الفريقين ومناقشتها لكن الراجح هو قول الجمهور للأحاديث الصحيحة الواردة في هذا المجال حيث روى الشيخان بسندهما عن عائشة رضي الله عنها ان رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليّ مسرورا تبرق أسارير وجهه فقال : (ألم تري أن مجزراً نظر آنفًا إلى زيد بن حارثة ، و أسامة بن زيد فقال : إن هذه الأقدام بعضها من بعض)[24] وذلك أن بعض العرب كانوا يقدحون في الجاهلية في نسب أسامة ، لأنه (كان اسود شديد السواد مثل القار ، وكان زيد ابيض مثل القطن)[25].

ووجه الاستدلال أن سرور النبي صلى الله عليه وسلم بقول القائف إقرار منه بجواز العمل به ، إضافة إلى أن الخليفة عمر رضي الله عنه كان يدعو القافة لإلحاق أولاد الجاهلية بمن يدعيهم في الإسلام ويعمل بقولهم بحضور الصحابة دون إنكار منهم[26] .

وقد اشترط الفقهاء في القائف ان يكون ذا خبرة عادلا عند جمهور الفقهاء وذهب بعضهم إلى عدم اشتراط العدالة مطلقا ، وبعضهم إلى عدم اشتراطها إذا كان اكثر من واحد ونفـس الخــلاف جار في اشتراط الإسلام ، كما ذهب الجمهور إلى اشتراط التعدد والذكورة[27] .

كما اشترطوا في صحة حكم القائف أن لا يكون هناك مانع شرعي من الإلحاق بالشبه ، فلا يعتمد على قول القائف في حالة اللعان ، لأن الله تعالى شرع اللعان عند نفي النسب ، وكذلك لا يعتد بالقيافة في نفي النسب عند وجود الفراش ، يدل على ذلك الحديث الصحيح الذي قال فيه الرجل ” إن امرأتي ولدت غلاما أسود ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (هل لك من إبل ؟ قال نعم . قال : ما ألوانها ؟ قال : حمر . قال فهل فيها من اورق ؟ قال : نعم . قال صلى الله عليه وسلم . فأنى هو ؟ فقال : لعله – يا رسول الله يكون نزعه عرق له ، قال : (فلعل ابنك هذا نزعه)[28] فبين الرسول صلى الله عليه وسلم أنه لا عبرة للشبه عند وجود الفراش ، وذلك لأن الولد للفراش ، ولا يثبت عكسه إلا باللعان .

ويدل على ذلك أيضا الحديث الصحيح المتفق عليه عن عائشة قالت : (اختصم سعد بن أبى وقاص ، وعد بن زمعة في غلام فقال سعد : هذا يا رسول الله ابن أخي عتبة عهد إليّ انه ابنه ، انظر إلى شبهه ، وقال عبد بن زمعة : هذا أخي يا رسول الله ولد على فراش أبي من وليدته ، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شبهه فرأ ى شبها شبها بينا بعتبة ، فقال : هو لك يا عبد بن زمعه ، الولد للفراش وللعاهر الحجر)[29].

فالقاعدة الأساسية في هذا الباب هو لا يعلو على الفراش شيء من الأدلة سوى اللعان الذي حصره الله فيه جواز نفي النسب الثابت به ، ولذلك يبقى دور القيافة في الإثبات بشروطها وضوابطها .

ومن المعلوم ان الرجوع إلى القيافة انما يكون عند تنازع اكثر من واحد على ولد واحد . كما اشترط بعض الفقهاء حكم الق