الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه إلى يوم الدين

وبعد ،،،

     فإن مما لا شك فيه أن نظام الزكاة في الإسلام أهم نظام مالي يؤدى إلي خلق توازن بين طبقات المجتمع ، فلا يزداد الغنيُّ غنى على حساب الفقراء, ولا الفقير فقرا ، بل يجعل المال دولة بين الجميع ، ويؤخذ من الغني ليعطي إلي الفقير حتى يكون لديه حد الكفاية والحاجة، فيعيش الجميع في ظل أمن وأمان وحب ووئام بعيدا عن الحقد والبغض والحسد والشحناء ليصبحوا كجسدا واحد إذا اشتكي منه عضو تداعي له سائر الجسد بالسهر والحمى ، إضافة إلي أن الزكاة عبادة وقربة الله وأجر ومثوبة عنده يوم القيامة ، وتزكية للنفس ، وتطهير من أدرانها وصلة وسكينة .

    غير أن الزكاة هي الركن الواجب الأساسي والقاعدة العامة للعلاقات المالية بين المسلمين بحيث يؤدى أداؤها بالشكل المطلوب إلى القضاء على آثار الفقر المدقع والمجاعة والمشاكل المالية التي يعاني منها كثير من المجتمعات البشرية، ولكنها على الرغم من أهميتها ليست هي كل النظام المالي الإسلامي ولا الحق الوحيد في المال وإنما يوجد في المال حقوق مالية أخرى كحقوق النفقة ، والكفارات ونحوها ، بل إن فيه حقا سوى الزكاة ولاسيما عند الأزمات والشدائد حيث أعطي الإسلام الحق لولي الأمر في فرض حق آخر سوى الزكاة عند الحاجة وبضوابط شرعية ، فبحثنا عن الحق الذي يسمي في الأنظمة الوضعية بالضريبة التي هي يراد بها حق الدولة في فرض قدر من المال حتى تستطيع الوفاء بالدفاع وتقديم الخدمات ونحوها ، كما سيأتي ، إضافة إلي الإنفاق الطوعي الذي دعا إليه الإسلام وسماه قرضا مع الله فيضاعفه أضعافاً مضاعفة والسؤال الذي يجيب عنه هذا البحث هل تستطيع الدولة الإسلامية فرض الضرائب بجانب الزكاة ؟ وماهي العلاقة بينها وبين الزكاة؟ وما هي الفروق الجوهرية بين النظامين من حيث الصرف ، والأسس النظرية والوعاء ، ومبادئ العدالة ؟ وهل يمكن خصم الضريبة عن الزكاة في ظل ظروفنا الحالية ؟ وهل يمكن وضع نظام ضريبي يغني عن الزكاة ؟ ونحو ذلك وقد تبنت الهيئة العالمية للزكاة بالكويت مشكورة عدة ندوات حول هذا النظام المالي الإسلامي ( الزكاة ) وخصصت جزءا من ندوتها الرابعة للبحث عن الزكاة والضريبة ، وطلبت مني بحث هذا الموضوع ، وهأنذا أقدم بحثي المتواضع إلي الندوة الموقرة معتذرا عن أوجه القصور ، ،،

   سائلاً الله تعالى أن يسدد خطانا على طريق الحق ، ويلهمنا الحق ويعصمنا من الزلل في العقيدة والقول والعمل ويجعل كل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم فهو مولانا فنعم المولى ونعم النصير .

الضريبة لغة واصطلاحاً :

الضريبة لغة  : مؤنث الضريب وهو: الرأس ، والموكل بالقداح ، أو الذي يضرب بها[1].

وجاء في المعجم الوسيط ( الضريبة مؤنث الضريب )، ثم بعد أن رمز إلى المعنى الجديد لها قال:هو ما يفرض على الملك والعمل ، والدخل للدولة، وتختلف باختلاف القوانين والأحوال … وجمعها ضرائب[2].

الضريبة في الاصطلاح  (حسب تطور معناها)[3] :

  لا يسعنا أن نعرف (الضريبة) تعريفا واحداً دون النظر إلى تطورها، وتغير مفهومها، وملاحظة عنصر الزمن والتاريخ فيها، قد كانت في عهد الإمبراطوريات الرومانية والفارسية من أعمال السيادة حيث تفرضها السلطة بقصد تغطية نفقات الحرب والدفاع والخدمات العامة، وبدل نفقات القصر، كما أن جبايتها كانت تتم في أغلب الأحيان دون مراعاة قواعد العدالة والإنسانية[4].

ثم أدى التطور في الفلسفات الاجتماعية والسياسية منذ القرن الثامن عشر الميلادي إلى تطوير مفهوم الضريبة ، حيث أصبحت في مقابل ما تقدمها الدولة للأفراد من خدمات ولذلك كان البرلمان ينظر إلى تقدير ثمن الخدمات في مقابل الضريبة طبقاً لنظرية التعادل، ومن هنا تعددت الاتجاهات في تكييفها ، فرأى البعض أنها تنبثق من فكرة العقد الاجتماعي التي نادى بها (جان جاك روسو)، بل سماها البعض بالعقد الضريبي على أساس أن المواطن كما قال (مونتسكيو) يعطي جزءا من دخله للدولة في مقابل ضمانها للنظام والعدالة، وكيفها (ميرابوا) على أساس أن دفع الضريبة تعبير عن رضا مسبق من قبل المواطن للحصول على حماية السلطة لشخصه ولأمواله، بينما صورها بعض آخر بأنها عقد تأمين بين الدولة والمواطنين ضد الأخطار التي يتعرضون لها في مقابل سدادهم للضريبة، واعتبرها (ثيرس) بمثابة عقد الشركة، حيث يسهم كل من الدولة والمواطن في تحمل أعباء الحماية، واعتبرها (آدم سميث) بمثابة عقد إيجار يستأجر المواطن بمقتضاه ما تقدمه الدولة من خدمات مقابل ما يدفعه من ضرائب، كما اعتبرها (هوبز) و(لوك) بمثابة ثمن للسلام، بينما عرفتها مدرسة الطبيعيين في دستورها عام 1789م بأنها: دين عام على جميع المواطنين وثمن للمزايا التي يزودهم بها المجتمع[5]. لكن هذه النظرية تعرضت لنقد شديد أكثر من نظرية العقد الاجتماعي، لأن من المستحيل تقييم ما تقوم به الدولة من مزايا ومعاملات، كما أنه من المستبعد فكرةُ مقابلةِ ثمنِ التضحيات الضريبية بقيمة ما تقدمه الدولة من خدمات، إضافة إلى أن التزام الدولة بالحماية ليس منشؤه التزام المواطن بدفع الضريبة، فضلا عن أن في صبغ الضريبة بطابع الثمن مجافاة لظاهرة تفاوت أعباء الضريبة على الأفراد التي لا شك أنها لا تستقيم مع مبدأ وحدة الثمن[6].

وحاولت الفلسفات السياسية حتى أوائل القرن العشرين أن تضفي على مفهوم الضريبة طابعاً حياديا يتثمل في إستعانة الدولة بها لتغطية النفقات اللازمة للقيام بمهامها المحدودة، غير أن هذا الطابع الحيادي لها لم يتحقق بسبب ما يتطلب من ضرورة توافر المساواة التامة في تطبيق الضريبة من ناحية، وانخفاض عبئها إلى أقصى حدود من ناحية أخرى، كما تنازع هذا المفهوم مبدأ وفرة الحصيلة التي يتطلب العمومية والشمول لجميع المواطنين، ومبدأ العدالة التي تقتضي مراعاة التفاوت بين مستويات الدخول من خلال فرض الضرائب التصاعدية على الدخول المرتفعة لتمويل الخدمات العامة التي يستفيد منها أصحاب الدخول المنخفضة[7]، لكن العدالة في الضريبة قد ثار في تفسيرها اختلاف حيث فسرها البعض تفسيرا ضيقا يكمن في أنها المساواة في التضحية أو التوزيع العادل للأعباء الضريبية بين المواطنين ، فقد فسرها (آدم سميث) بأنها المساواة في المقدرة التكليفية حيث يتناسب إسهام كل مكلف في النفقات العامة ومقدار يساره، بينما فسره الآخرون تفسيرا واسعا بحيث يشمل جميع جوانب الضريبة من تحصيلها إلى إنفاقها، ويتخطى النطاق التقليدي لها الذي ينحصر في مجرد تحقيق عادل للعبء الضريبي[8].

وأما مفهوم الضريبة المعاصر ( منذ بداية القرن العشرين ) وبالذات منذ عام 1929م فيكمن في اعتبارها أحد المصادر الرئيسية للتمويل ووسيلة فعالة تمكن الدولة من التدخل في الحياة الاقتصادية ، والاجتماعية ، وتوجيه النشاط الاقتصادي وجهة معينة[9] .

وبعد هذا العرض الموجز نرى أن معظم المعاصرين يكادون يتفقون على هذا التعريف الآتي للضريبة أو نحوه وهو : اقتطاع نقدي جبري نهائي يتحمله الممول ويقوم بدفعه بلا مقابل وفقا لمقدرته التكليفية مساهمة في الأعباء العامة ، أو لتدخل السلطة لتحقيق أهداف معينة[10] .

وإذا شرحنا مفردات هذا التعريف نرى فروقا جوهريا بين الضريبة بمفهومها الحالي عن السابق ، فالضريبة اليوم إلتزام نقدي كقاعدة عامة إلا استثناءات نادرة بينما كانت الضريبة في السابق تجبي عينيا أيضا، كما أنها ينظر إليها بأنها كانت في مقابل – كما سبق – بينما أصبحت اليوم ينظر إليها بأنها بدون مقابل، كما أنها تختلف عن الرسوم حيث أنها اقتطاع نقدي يدفعه الفرد مقابل نفع خاص يحصل عليه، إضافة إلى أن دفع الرسوم اختياري من حيث إنه يمكن أن لا يطلب الفرد تلك الخدمة، وبالتالي لا يدفع الرسوم، أما الضريبة فلا مندوحة من دفعها، ولكن أهم مميز للضريبة هو أنها فرض الضريبة يستهدف تغطية النفقات العامة أو أهداف المجتمع الأخرى[11].

أسس فرض الضرائب :

يمكن تلخيص هذه الأسس في الإنتاج القومي، والدخل القومي، والإنفاق القومي، حيث نظر إلى هذه الأسس الثلاثة عند فرض الضرائب، ولا يمكننا في هذا البحث أن نتطرق إلى تفصيل هذه الأسس وما يدور في فلكها[12].

الضريبة في القرآن الكريم, والسُنَّة المطهرة:

لم يرد لفظ (الضريبة) في القرآن الكريم، ولكنه ورد في السنة المشرفة أكثر من مرة حتى عقد البخاري بابا باسم: باب ضريبة العبد وتعاهد ضرائب الإماء، أورد فيه حديث أنس بن مالك الذي رواه مسلم أيضاً قال: (حجم أبو طيبة النبي صلي الله عليه وسلم فأمر له بصاع، أو صاعين من طعام، وكلم مواليه فخفف عن غلته أو ضريبته)[13]، قال الحافظ ابن حجر : الضريبة – بفتح المعجمه – فعيلة بمعنى مفعولة: ما يقدره السيد على عبده في كل يوم وضرائب جمعها، ويقال لها: خراج وغلة، وأجر .. ولعله أشار بالترجمة إلى ما أخرجه هو في تاريخه من طريق أبي داود الأحمري قال: خطبنا حذيفة حين قدم المدائن فقال: تعاهدوا ضرائب إمائكم … قال ابن المنير في الحاشية  كأنه أراد بالتعاهد التفقد لمقدار ضريبة الأمة ، لاحتمال أن تكون ثقيلة فتحتاج إلى التكسب بالفجور ، ودلالته من الحديث أمره – عليه الصلاة والسلام – بتخفيف ضريبة الحجام ، فلزوم ذلك في حق الأمة أقعد وأولى لأجل الغائلة الخاصة بها[14] قال الحافظ: ولابن أبي شيبة من هذا الوجه أنه صلى الله عليه وسلم قال للحجام : ( كم خراجك ؟)  قال : صاعان قال : فوضع عنه صاعا[15]، وفي رواية لأحمد (كم ضريبتك؟) قال : ثلاثة آصع قال فوضع عنه صاعا[16].

والحديث برواياته يدل على جواز الضريبة اليومية المفروضة من السيد على عبده وجاريته مقابل عملها الحر، كما يدل على تدخل الدولة لمراقبة ذلك حتى لا يحدث ظلم أو حيف، وهل أن تقاس عليه الدولة في فرض ضرائب عادلة؟ هذا ما سنجيب عنه إن شاء الله في هذا البحث.

تعريف الزكاة لغة واصطلاحا :

الزكاة لغة من زكا يزكو زكاء بفتح الزاي وزُكَّوا بمعنى النماء والريع ، والزكاء بضم الزاي ما أخرجه الله من الثمر، ويمكن تلخيص معانيه في اللغة في: النماء والبركة ، والريع ، والطيب والصلاح ، والإصلاح ، والتطهير ، والطهارة ، وصفوة الشيء, ونحو ذلك[17] .

وفي اصطلاح الفقهاء:

عرفها فقهاء الحنفية بأنها: إسم لفعل أداء حق يجب للمال ، قال ابن الهمام:

ومناسبته اللغوية أنه سبب له إذ يحصل به النماء بالإخلاف منه تعالى في الدارين والطهارة للنفس من دنس البخل والمخالفة ، وللمال بإخراج حق الغير منه إلي مستحقه .. [18] وجاء في الدر المختار : ( شرعا هي تمليك جزء مال عينه الشارع من مسلم فقير غير هاشمي ولا مولاه مع قطع المنفعة عن المملك من كل وجه لله تعالى ، ثم ذكر بأن كل لفظ يخرج به مالا يسمى بالزكاة فقوله (تمليك) خرج به الإباحة ، فلو أطعم يتيماً ناوياً الزكاة لا يجزيه إلا إذا دفع إليه المطعوم ، وقوله (جزء مال) خرج المنفعة ، فلو أسكن فقيراً داره سنة ناوياً الزكاة لا يجزيه ، وهكذا[19].

وجاء في حاشية ابن عابدين: ونقل القهستاني: أنها شرعا: القدر الذي يخرجه إلى الفقير، ثم قال: وفي الكرماني: أنها في القدر مجاز شرعاً فإنها ايتاء ذلك القدر وعليه المحققون[20] .

وجاء في شرح الخرشي تعريف الزكاة فقال: وشرعا اسم لجزء من مال شرط وجوبه لمستحقه بلوغ المال نصابا ، ومصدرا إخراج جزء من المال شرط وجوبه الخ[21] .

وعرفها فقهاء الشافعية بأنها: اسم لأخذ شئ مخصوص من مال مخصوص علي أوصاف مخصوصة لطائفة مخصوصة[22].

  وعرفها ابن قدامة الحنبلي بأنها في الشريعة: حق يجب في المال[23] .

  وهذه التعاريف وان وجد بينها اختلاف في الألفاظ والتعبير حيث أطلق على الإخراج نفسه وعلى القدر ولكنها متفقة من حيث الجوهر والمقصود[24].

الفرق بين الزكاة والضريبة من حيث التعريف :

على الرغم من أن كلا من الزكاة والضريبة يجمعهما كونهما إجباريين من حيث المبدأ حيث ليس هناك خيار في الدفع وعدمه، بل تجب الزكاة بحكم الشرع، والضريبة بحكم القانون وإذا امتنع فان الدولة تأخذ المطلوب جبرا، كما أنهما قدر مالي ونسبة محدودة ، لكنها تختلفان في أمور كثيرة يفصلها البحث من حيث الحكمة والهدف، ومن حيث المصرف، والأسس والوعاء، ومن حيث المبادئ العامة ونحوها ، ونذكر هنا الفروق بينهما من حيث التعريف:

1- الزكاة واجبة بحكم الله تعالي ورسوله صلي الله عليه وسلم بينما الضريبة تفرضها الدولة، ومن هنا فليس لأحد الحق في تغيير حكم الشرع في الزكاة ( وغيرها ) مهما تغيرت الظروف والأحوال والمصالح ، بينما الضريبة يعود إيجابها،إلى السلطة التشريعية فلها الحق في أن تفرض، أو أن تعدل عن إيجابها،  وتجعلها اختيارية وكذلك تغيير نسب الزكاة وأحكامها القطعية, بينما للدولة الحق في التصرف بكل ما يخص الضريبة زيادة ونقصاناً وإنشاء وإلغاء.

2- الضريبة حسب تعريفها المعاصر:(اقتطاع نقدى..) بينما الزكاة تشمل اقتطاعا نقدياً وعينيا ، بل إن زكاة الأعيان تدفع منها مباشرة ، بل لا يجوز تغييرها إلى شئ أخر عند جمهور الفقهاء وحتى الذين قالوا بجواز دفع النقود بدل الأعيان قالوا: إن ذلك من باب القيمة ، فاعتبروا العين أصلا ثم قوموها بالقيمة[25].

3- إن دفع الضريبة من حيث المبدأ ليس لها أجر وثواب بل ليس لها مقابل، بينما الزكاة لها مقابل عظيم عند الله تعالي من الأجر والثواب والقربة إلى الله تعالي .

4- إن الضريبة تكون وفقاً للقدرات المالية وحاجات الدولة بينما الزكاة محددة لا يجوز فيها الزيادة ولا النقصان .

5- الزكاة عبادة دينية وركن من أركان الإسلام الخمسة، ومفروضة على المسلمين فقط ، وأنها محتاجة في قبولها إلى النية بينما الضريبة ليست كذلك .

6- الزكاة قد تجمعها الدولة، وقد لا تجمعها، وقد تجمع من الأموال الظاهرة دون الباطنة، وفي حالة عدم قيام الدولة بهذا العمل أو عدم وجود الدولة، فان الواجب لا يسقط بل يجب على الأفراد أن يدفعوا زكاة أموالهم ويصرفوها في مصارفها، بينما الضريبة مرتبطة بالدولة ، أو السلطة.

اعلى الصفحه

الحكمة من فرض الزكاة ، ومن فرض الضريبة :

الحكمة من فرض الزكاة :

بين القرآن الكريم والسنة النبوية المشرفة الحكمة من فرض الزكاة فقال تعالى :

” خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم والله سميع عليم “[26]، وقال صلي الله عليهم وسلم: (تخرج الزكاة من مالك، فإنها طهرة تطهرك)[27]،حيث دلت هذه الآية الكريمة على أن دفع الزكاة تطهير للنفس والمال، وتزكية وسكن لهم ، ودلت آيات وأحاديث أخرى على أن الزكاة لدفع حاجة الفقراء، وتحقيق التكافل الاجتماعي، ومجتمع الخير والكفاية والرفاه، وأنها سبب الفلاح في الدنيا والآخرة، ولزيادة الأموال ومضاعفتها، ويمكن ذكر هذه الحكم الآتية :

1- إن أداء الزكاة يحقق عبودية المسلم لله تعالى، بحيث لا يقف المال حائلا بينه وبين تنفيذ أمر الله تعالى، وبعبارة أخرى هل عبودية الشخص لله تعالى كاملة شامة لجميع الأمور أم لا؟ وذلك لأن بعض الناس مستعدون للعبادة البدنية ولكنهم ليسوا مستعدين للبذل والعطاء، أو بالعكس، فبأداء الصلاة والزكاة تتكامل العبودية مع بقية العبادات الأخرى، فالمال عزيز على النفس فمن ذا الذي يكون قادراً على التضحية بالمال كما هو قادر على التضحية بالبدن والنفس؟

2- الزكاة تطهير للمال من الشبهات ، ولنفس الغني من البخل والشح وحب المال وقد قال الله تعالى : ” ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون”[28]، كما أنها تطهير لنفس الفقير من البغض والحسد، والحقد الأسود كما يحدث ذلك في المجتمعات غير المسلمة حتى يصل الحقد الأسود إلى مرحلة القتل، وهذه الأمراض القلبية في غاية من الخطورة ، ولذلك أراد الله تعالى تطهير المجتمع فقراء وأغنياء من هذه الأرجاس والأدران وأن يعيشوا إخوانا متعاونين متحابين كجسد واحد وكبنيان مرصوص يشد بعضها بعضا، كما أن لفظ الزكاة يعنى التزكية وقد قال صلى الله عليه وسلم: (تخرج الزكاة من مالك فإنها طهرة تطهرك ) .

3- الزكاة زيادة في المال ومضاعفة له، حي يقول الله تعالى: “وما أتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون”[29]، جاءت هذه الآية بعد قوله تعالى:” وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس فلا يربو عند الله وما آتيتم من زكاة.. “، حيث تدل على أن ميزان الزيادة والنقصان عند الله تعالى يختلف عن الموازين التي يزن بها الكافرون ، فالربا الذي هو زيادة ظاهرة في المال نقص في الحقيقة والمآل، والزكاة التي هي في ظاهرها نقصان لكنها زيادة عند الله تعالى حيث يضاعف الله تعالى الأموال المدفوعة التي دفعت زكاتها ويبارك في صاحبها ، وقد ورد في الحديث الصحيح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى عليه وسلم: (من تصدق بعدل ثمرة من كسب طيب ولا يقبل الله إلا الطيب، فإن الله يتقبلها بيمينه، ثم يربيها لصاحبه كما يربي أحدكم فلوه حتى تكون مثل الجبل )[30] .

4- الزكاة فلاح وفوز بالجنة ونجاة من النار (بإذن الله تعالى) حيث وعد الله تعالى المؤمنين الذين يؤدون زكاتهم بالفلاح والفوز والجنة، فقال:” قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون والذين هم عن اللغو معرضون والذين هم للزكاة فاعلون”[31]، وقال تعالى:” قد أفلح من تزكي”[32]، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم : (اتقوا النار ولو بشق تمرة )[33] بل إن الزكاة إذا أديت دون إيذاء ومن، وبخفاء تؤدى إلى أن يكون صاحبها في ظل عرش الله تعالى كما ورد في الحديث الصحيح ( سبعة يظلهم الله تعالى فيظله يوم لا ظل إلا ظله .. ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه )[34].

5- الزكاة تنمية للمال وسبب للاستثمار والتجارة وبالتالي تدوير الأموال، والزيادة في الدورات الاقتصادية” كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم[35]، وذلك لأن المسلم العاقل إذا علم بوجوب دفع الزكاة فانه يبحث عن استثمار أمواله حتى لا تأكلها الصدقة والنفقة، وقد أكدت هذا المعنى أحاديث منها ما رواه الشافعي بسنده عن يوسف بن ماهك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:(ابتغوا في مال اليتيم، أو في أموال اليتامى، لا تذهبها ، أو لا تستهلكها الصدقة)، وقد صحح البيهقي والنووي إسناده، وروى الطبراني في الأوسط عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اتجروا في أموال اليتامى لا تأكلها الزكاة)، قال الهيثمي: أخبرني سيدي وشيخي – أي الحافظ زين الدين العراقى – إن إسناده صحيح[36] ، وقد روي بسند صحيح موقوفا على عمر ، رواه عنه البيهقي وصححه بلفظ: (ابتغوا في أموال اليتامى لا