أولاً ـ علاقة مشاكل الأمة الإسلامية بالفتاوى :
فقد أشار الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم إلى خطورة الفتوى وتأثيرها في إضلال الأمة حيث قال : ( إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من الناس ، ولكن يقبضه بقبض العلماء ، حتى إذا لم يبق عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا ) [1].
ومن نظر نظرة فاحصة متبصرة إلى أحوال أمتنا الإسلامية اليوم لوجد بكل وضوح أن بعض مشاكلها (إن لم يكن أهمها) تعود إلى فتاوى مضطربة وفتاوى صادرة من غير أهل العلم ، وفتاوى متشددة تكفر بعض الدول ، وبعض الجماعات الإسلامية ، وبعض المسلمين ، مما أحدث خلافات ونزاعات شديدة أدت إلى تمزق المسلمين والجماعات الإسلامية بشكل أكبر وأخطر .
ولست بصدد البحث عن أسباب هذه الفتاوى التي ترجع أسباب بعضها إلى المظالم الكبيرة التي ارتكبت بحق شباب الصحوة الإسلامية من الإعدام والسجن والتعذيب لهم لا لعمل سوى أنهم يطالبون بتمكين شريعة الله تعالى ، ولكن رد الفعل يجب أن يكون وفق أحكام الشريعة وضوابطها ، ولذلك لما ظهرت جماعة التكفير والهجرة بقيادة شكري مصطفى وكفروا الحكام والمجتمع تصدى لهم الأستاذ حسن الهضيبي (المرشد السابق للإخوان) وكبار الدعاة معه من خلال كتاب (دعاة لا قضاة) مع أنهم أيضاً كانوا في السجون وهم يعذبون ويجلدون وقد أعدم بعض كبارهم .
وإنما حديثي حول الضوابط الشرعية للفتوى ، ومن توافرها في هؤلاء الذين أفتوا بالتكفير ، أو التفسيق، أو بقتل المؤيد للحكومات (كما صدرت بعض الفتاوى التي أجازت تلك المذابح البشعة في الجزائر) .
فهؤلاء المفتون حينما تضعهم أمام مرآة هذه الضوابط والآداب التي ذكرها السلف الصالح للفتوى ترى فيها صورة سوداوية لمعظمهم ، ولا تتوافر فيهم تلك الضوابط والآداب كلها أو معظمها ، وهنا أذكر ما نقل عن ربيعة بن أبي عبدالرحمن شيخ مالك ، حيث رؤي أنه يبكي ، ( فقيل : ما يبكيك ؟ فقال : ظهر في الإسلام أمر عظيم ! : استفتى من لا علم له ، ثم قال : من يفتي بغير علم أحق بالسجن من السراق ، وقد علق بعض العلماء ـ كما نقله ابن القيم ـ فقال : فكيف لو رأى ربيعة زماننا ، وإقدام من لا علم له على الفتيا وتوثبه عليها ، ومد باع التكلف إليها ، وتسلقه بالجهل والجرأة عليها مع قلة الخبرة وسوء السيرة وشؤم السريرة ، وهو من بين أهل العلم منكر أو غريب …… )[2] .
ونحن ماذا نقول في زماننا الذي كثر فيه المفتون الذين يفتون في أخطر المسائل وأشدها على الإطلاق وهي تكفير المسلمين لشبهة أو وهم يتوهمونه ، ، يقول العلامة الشيخ القرضاوي : ( وكيف أصبح يفتى في قضايا الدين الكبرى من لا علم له بالأصول ولا بالفروع ، ولم يتصل بالقرآن والسنة اتصال الدارس المتعمق ، بل اتصال الخاطف المتعجل ؟ بل كيف أصبح بعض الشباب يفتون في أمور خطيرة بمنتهى السهولة والسذاجة مثل قولهم بتكفير الأفراد والمجتمعات …. وكثير من هؤلاء ليسوا من ” أهل الذكر ” في علوم الشريعة … لأن لكل علم لغة ومصطلحات لا يفهمها إلاّ أهله العارفون به المتخصصون فيه … )[3] .
ويقول ابن القيم : ( وكان شيخنا ” أي ابن تيمية ” شديد الإنكار على هؤلاء فسمعته يقول : قال لي بعض هؤلاء : أجعلت محتسباً على الفتوى ؟ فقلت له : يكون على الخبازين والطباخين محتسب ولا يكون على الفتوى محتسب ؟ وقد روى الإمام أحمد وابن ماجه عن النبي صلى الله عليه وسلم مرفوعاً : ( من أفتى بغير علم كان إثم ذلك على الذي أفتاه )[4] وقال ابن أبي ليلى : ( أدركت مائة وعشرين من الأنصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل أحدهم عن المسألة فيردها هذا إلى هذا ، وهذا إلى هذا حتى ترجع إلى الأول ، وما من أحد يحدث بحديث ، أو يسأل عن شيء إلاّ ودّ أن أخاه كفاه )[5] وقال أبو الحسن الأزدي في بيان خطورة هؤلاء الذين يتساهلون في إصدار الفتوى : ( إن أحدهم ليفتي في مسألة لو وردت على عمر بن الخطاب لجمع لها أهل بدر … وكتب سلمان إلى أبي الدرداء رضي الله عنهما وكان بينهما مؤاخاة : بلغني أنك قعدت طبيباً فاحذر أن تكون متطبباً أو تقتل مسلماً…. )[6] .
وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم خطورة تصدى الجهال للفتاوى والرئاسة في العلم حيث يضللون الأمة ويهلكونها حيث قال في حديث صحح : ( إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من صدور الرجال ، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء ، فإذا لم يُبق عالماً اتخذ الناس رؤساء جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا )[7] .
فالمفتي هو الموقع عن ربّ العالمين فليستحضر خطورة هذا الموقف ولذلك قال مالك رحمه الله : ( من سئل عن مسألة فينبغي له قبل أن يجيب فيها أن يعرض نفسه على الجنة أو النار ، وكيف يكون خلاصه في الآخرة ؟ ثم يجيب فيها ، ثم سئل عن مسألة ، فقال : لا أدري فقيل له : إنها مسألة خفيفة سهلة ، فغضب وقال ليس في العلم شيء خفيف ، أما سمعت قول الله تعالى : ” إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً “[8] فالعلم كله ثقيل ، وخاصة ما يسأل عنه يوم القيامة ، وقال : ما أفتيت حتى شهد لي سبعون أني أهل لذلك …)[9] .
وقد سئل الإمام أحمد عمّن حفظ مائة ألف حديث هل يكون فقيهاً ” أي قادراً على الاجتهاد والفتوى ” فقال : لا ، قال : فمائتي ألف حديث ؟ قال : لا ، قال فثلاثمائة ألف حديث ؟ قال : لا ، قال : فأربعمائة ألف حديث ؟ قال بيده هكذا ، وحركها )[10] . أي أنه مقبول نوعا ما .
لذلك فمن الشروط الأساسية لإصلاح الأمة إصلاح نظام الفتوى من جانبين هما :
-
اختيار المفتين المثقفين المؤهلين علمياً الذين يقولون الحق ولا يخافون في الله لومة لائم لا من السلطان ولا من العامة ، حتى تعود ثقة الجمهور وبالأخص الشباب بعلمهم وبتقواهم وورعهم .
-
منع أي شخص من التصدي للفتوى ما لم يكن أهلاً للفتوى حسب الشروط والضوابط السابقة ، والحجر على كل مفت جاهل ، أو ماجن ، أو متشدد .
دور الدولة الإسلامية في الفتوى :
إن من واجبات الدولة في الاسلام أن ترعى شؤون الدين والدنيا ، وتسعى لتحقيق مصالح العباد في عاجلهم وآجلهم فإن عليها أن لا تغفل هذا الجانب المهم من الرعاية والعناية والتنظيم دون التدخل في استقلالية الفتوى ، وحرية الاجتهاد بضوابطه المعتبرة ، نعم لم تقم الخلافة الراشدة بتنظيم رسمي للافتاء ، فلم يكن هناك دار للافتاء ، ولكن في الوقت نفسه لم تكن الفتوى فوضى ، وإنما كان المفتون معلومين محددين لم يكن يجرء على الفتوى إلاّ قلة قليلة من علماء الصحابة ـ كما سبق ـ .
لذلك يجب على الدولة ان تنظر في أحوال المفتين ، فتمنع من يتصدر للفتوى إلاّ إذا كان أهلاً للفتوى ، وتتوافر فيه الشروط المطلوبة ، بل عليها أن تحجر على المفتي الماجن ـ كما سبق ـ قال الخطيب البغدادي : ( ينبغي للإمام أن يتصفح أحوال المفتين ، فمن صلح للفتوى أقره ، ومن لا يصلح منعه ، ونهاه وتوعده بالعقوبة إن عاد ….. ثم قال ( وطريق الامام إلى معرفة من يصلح للفتيا أن يسأل عنه علماء وقته ، ويعتمد اخبار الموثوق بهم )[11] .
وقال ابن القيم : 0 من أفتى وليس بأهل فهو آثم ، ومن أقرهم من ولاة الأمور فهو آثم أيضاً ، قال أبو الفرج ابن الجوزي رحمه الله : ويلزم ولي الأمر منعهم … وهؤلاء بمنزلة من يدل الركب ، وليس له علم بالطريق… وبمنزلة من لا معرفة له بالطب وهو يطبب الناس ، بل هو أسوأ حالاً من هؤلاء كلهم ، وإذا تعين على ولي الأمر منع من لم يحسن التطبيب من مداواة المرضى ، فكيف بمن لم يعرف الكتاب والسنة ولم يتفقه في الدين )[12] .
ثم نقل عن ابن تيمية فقال : ( وكان شيخنا شديد الانكار على هؤلاء ، فسمعته يقول : قال لي بعض هؤلاء : أجعلت محتسباً على الفتوى ؟! فقلت له : يكون على الخبازين والطباخين محتسب ، ولا يكون على الفتوى محتسب ؟! )[13] .
ومما نحب ملاحظته هنا أن معظم دور الافتاء الرسمية قد فقدت ثقة الناس بها بسبب هيمنة الدولة عليها وتوجيهها نحو ما تريد ، وتعيين المفتين بها ليس على أساس الكفاءة والاختصاص والاخلاص ، وإنما على أساس الولاء والاستجابة لمتطلبات رئاسة الدولة، أو الوزارات .
ولذلك إذا تدخلت الدولة أو نظمت الافتاء يجب أن يكون ذلك لخدمة الافتاء وتقويته ، واعطاء مزيد من الهيبة والتقدير إليه وإلى أهله من خلال منح الحرية والاستقلال إليه ، وليس لأجل جعله منحازاً لتوصيات الدولة حتى ولو كانت غير صحيحة .
الملاحظات العامة على معظم الفتاوى المباشرة الصادرة حتى من بعض المتخصصين :
وقد تتوافر الشروط المطلوبة في المفتي ، ولا توجد الملاحظات الخاصة السابقة ، ولكن توجد مجموعة من الملاحظات العامة على بعض هذه الفتاوى ، وهي :
1ـ تسييس الفتوى ، أي استعمال الفتوى لصالح جهة معينة بعيداً عن منهج العدل المطلق وعدم الانحياز إلى الحق .
2ـ سيادة روح التعصب القومي ، أو التعصب القبلي ، أو التعصب الوطني ، بعيدة عن أممية الإسلام ، وعن روح الاخوة الايمانية الخالصة لله تعالى المذكورة في قوله تعالى ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ )[14] وقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى )[15] .
فنرى مع الأسف الشديد أن هذه الأراوح المتعصبة( القومية ، والقبلية ، والوطنية ) جاثمة ومؤثرة في معظم الفتاوى فقد رأيت رأيين متضادين لأحد الشيوخ الكبار أحدهما يخص بلده بالجواز في الاستعانة بأمريكا ، والثاني لبلد آخر مثله بعدم الجواز ، مما يؤدي إلى عدم وجود معيار شرعي عادل موحد في الموضوع ، أو ما يسمى بالازدواجية الحقيقية لدى هؤلاء ، فمثلاً منذ أكثر من 70 عاماً يتحدث القوميون العرب عن القومية العربية ، ومع ذلك لم يستطيعوا تنفيذ أبسط مقومات القومية وهي المساواة في الحقوق والواجبات ، فهل العرب المواطنون متسوون مع العرب المقيمين في بلد واحد في الحقوق والواجبات ؟
وأخوف ما أخاف على بعض الإسلاميين أن يتبعوا سبيل القوميين في ادعائهم الاخوة الايمانية عندما يتمكنون في الحكم فلا يطبقونها على سبيل الحقيقة .
مما ينبغي علمه أن أن الاسلام لا يحاب الانتماء والقومي والقبلي ، والوطني في إطاره الايجابي والتعاوني ، وإنما يحارب التعصب ، وجعله أيدلوجية للتنقيص من الآخرين .
3ـ الروح المذهبية المتعصبة لا زالت سائدة في معظم الفتاوى ، حتى العلماء الذين يدعون السلفية فإذا بمعظمهم ينشرون مذهباً معيناً بدلاً من الفقه المقارن بضوابطه ومنهجيته التي تؤدي إلى ترجيح ما يرجحه الدليل .
4ـ عدم استقلال معظم المفتين لأي سبب كان، وبخاصة معظم المؤسسات الرسمية للافتاء .
5ـ عدم التفريق بين الفتاوى العامة ، والفتاوى الخاصة .
6ـ استدراج المفتي للتوظيف المراد للفتوى من قبل مقدمي البرامج ، أو من قبل السياسيين بسبب عدم خبرته ومعرفته بالمكر والناس ، ولذلك اشترط العلماء في المفتي أن يكون عارفاً كيساً فطناً ذكياً بالناس ، وبحيل بعضهم ، واستدراجهم .
7ـ الاعتماد على ظاهرة السؤال دون الاعتماد على باطنه وحقيقته ومحتواه ، ودون النظر في مؤدى جوابه ، ومآلاته ، ونتائجه .
8ـ تتبع الرخص ، والتلفيق ، أو التشدد وسد الأبواب كلها إلاّ ما فتح بدليل ، في حين أن الأصل في العادات والمعاملات والشروط الاباحة .
9ـ عدم التفرقة بين ميزان العبادات ، وميزان العادات والمعاملات .
10 ـ الخضوع للرأي العام ، والمسايرة مع عواطف الجماهير ، وهذا ففي الخطورة مثل الخضوع لسلطة الحاكم ، بل قد يكون أخطر منه ، لأن المفروض من العلماء أن يقودوا الجماهير بحق وعدل ، وأن يرتقوا بهم ، لا أن يخضعوا للأهواء والعواطف ، وتقودهم العامة .
آثار هذه الفتاوى المباشرة :
لهذه الفتاوى ( بخاصة الفتاوى التي تخالف أصلاً من أصول الإسلام ، أو نصاً من نصوص الشريعة ) آثار خطيرة على الفرد ، والمجتمع ، وعلى مسيرة الأمة الإسلامية وصحوتها المباركة ، من أهمها :
-
إصدار بلبلة وحيرة بين صفوف المسلمين .
-
التأثير على هيبة العلماء واحترامهم بين الناس ، بل والتشكيك في قدراتهم ، أو نزاهتهم ، وذلك من خلال ايجاد مبررات لاتهامات عامة باطلة لا تصدق إلاّ على قلة قليلة ولكن تعمم على الجميع مع الأسف الشديد .
-
تحليل الحرام ، وتحريم الحلال الذي هو من الكبائر بلا شك ، وقد يصل إلى مرحلة الشرك إذا كان عن عمد ، وهذه كانت آفة علماء أهل الكتاب والجاهليين ، الذين حرموا ما أحل الله ، وقالوا بزعمهم هذا حلال وهذا حرام .
ولخطورة هذه الآثار الناجمة عن هذه الفتاوى التي يمكن وصفها بالفتاوى الشاذة نوقشت على أعلى المستويات العلمية ، فقد نوقش موضوع الفتوى وضوابطها في الدورة السابعة عشرة لمجمع الفقه الإسلامي الدولي التي انعقدت في عمان بالأردن في الفترة 28 جمادى الأولى – 2 جمادى الآخرة 1427هـ الموافق 24-28 يونيو /حزيران 2006م وصدرت بشأنها القرارالآتي : (( إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي المنعقد في دورته السابعة عشرة بعمان (المملكة الأردنية الهاشمية) من 28 جمادى الأولى إلى 2 جمادى الآخرة 1427هـ، الموافق 24 – 28 حزيران (يونيو) 2006م،بعد اطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع الإفتاء: شروطه وآدابه، وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله، قرر ما يلي:
أولاً: تعريف الإفتاء والمفتي وأهمية الإفتاء:
الإفتاء بيان الحكم الشرعي عند السؤال عنه، وقد يكون بغير سؤال ببيان حكم النازلة لتصحيح أوضاع الناس وتصرفاتهم.
والمُفتي هو العالِم بالأحكام الشرعية وبالقضايا والحوادث، والذي رزق من العلم والقدرة ما يستطيع به استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها وتنزيلها على الوقائع والقضايا الحادثة.
والفتوى أمر عظيم لأنها بيان لشرع رب العالمين، والمُفتي يوقّع عن الله تعالى في حُكمه، ويقتدي برسول الله صلى الله عليه وسلم في بيان أحكام الشريعة.
ثانياً: شروط المُفتي:
لا يجوز أن يلي أمر الإفتاء إلا من تتحقق فيه الشروط المقررة في مواطنها، وأهمها:
-
العلم بكتاب الله تعالى وسُنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وما يتعلق بهما من علوم.
-
العلم بمواطن الإجماع والخلاف والمذاهب والآراء الفقهية.
-
المعرفة التامة بأصول الفقه ومبادئه وقواعده ومقاصد الشريعة، والعلوم المســــاعدة مثل: النحو والصرف والبلاغة واللغة والمنطق وغيرها.
-
المعرفة بأحوال الناس وأعرافهم، وأوضاع العصر ومستجداته، ومراعاة تغيرها فيما بني على العرف المعتبر الذي لا يصادم النص.
-
القدرة على استنباط الأحكام الشرعية من النصوص.
-
الرجوع إلى أهل الخبرة في التخصصات المختلفة لتصور المسألة المسؤول عنها، كالمسائل الطبية والاقتصادية ونحوها.
ثالثاً: الفتوى الجماعية:
بما أنّ كثيراً من القضايا المعاصرة هي معقدة ومركبة فإنّ الوصول إلى معرفتها وإدراك حكمها يقتضي أن تكون الفتوى جماعية، ولا يتحقق ذلك إلا بالرجوع إلى هيئات الفتوى ومجالسها والمجامع الفقهية.
رابعاً: الالتزام، والإلزام بالفتوى:
الأصل في الفتوى أنها غير ملزمة قضاء، إلا أنها ملزمة ديانة فلا يسع المسلم مخالفتها إذا قامت الأدلة الواضحة على صحتها، ويجب على المؤسسات المالية الإسلامية التقيّد بفتاوى هيئاتها الشرعية في إطار قرارات المجامع الفقهية.
خامساً: مَن لا تؤخذ عنه الفتوى:
-
لا تؤخذ الفتوى من غير المتخصصين المستوفين للشروط المذكورة آنفاً.
-
الفتوى التي تُنشر في وسائل الإعلام المختلفة كثيراً ما لا تصلح لغير السائل عنها، إلا إذا كان حال المطلّع عليها كحال المستفتي، وظرفه كظرفه.
-
لا عبرة بالفتاوى الشاذة المخالفة للنصوص القطعية، وما وقع الإجماع عليه من الفتاوى.
سادساً: مِن آداب الإفتاء:
على المفتي أن يكون مخلصاً لله تعالى في فتواه، ذا وقار، وسكينة، عارفاً بما حوله من أوضاع، متعففاً ورعاً في نفسه، ملتزماً بما يفتي به من فعل وترك، بعيداً عن مواطن الريب، متأنيا في جوابه عند المتشابهات والمسائل المشكلة، مشاوراً غيره من أهل العلم، مداوماً على القراءة والاطلاع، أميناً على أسرار الناس، داعياً الله ســــبحانه أن يوفقه في فتواه، متوقفاً فيما لا يعلم، أو فيما يحتاج للمراجعة والتثبت.
التوصيات:
-
يوصي المجمع بدوام التواصل والتنسيق بين هيئات الفتوى في العالم الإسلامي للاطلاع على مستجدات المسائل، وحادثات النوازل.
-
أن يكون الإفتاء علماً قائماً بنفسه، يُدرس في الكليات والمعاهد الشرعية، ومعاهد إعداد القضاة والأئمة والخطباء.
-
أن تقام ندوات بين الحين والآخر للتعريف بأهميـــة الفتوى وحاجة الناس إليها، لمعالجة مستجداتها.
-
يوصي المجمع بالاستفادة من قرار المجمع رقم 104(7/11) الخاص بسُبل الاستفادة من الفتاوى، وبخاصة ما اشتمل عليه من التوصيات التالية:
( أ ) الحذر من الفتاوى التي لا تستند إلى أصل شرعي ولا تعتمد على أدلة معتبرة شرعا، وإنما تستند إلى مصلحة موهومة ملغاة شرعا نابعة من الأهواء والتأثر بالظروف والأحوال والأعراف المخالفة لمبادئ وأحكام الشريعة ومقاصدها.
( ب ) دعوة القائمين بالإفتاء من علماء وهيئات ولجان إلى أخذ قرارات وتوصيات المجامع الفقهية بعين الاعتبار، سعيا إلى ضبط الفتاوى وتنسيقها وتوحيدها في العالم الإسلامي.
والله أعلم …………………..انتهى قرار المجمع .
وحاول بعض العلماء أن يعالج فوضى الفتاوى الفضائية من خلال اقتراح أجهزة رقابية على القنوات الفضائية ، مثل فضيلة الشيخ الدكتور علي جمعة مفتي مصر فقال : إنه تقدم بمشروع حول تأسيس جهاز رقابي على القنوات الفضائية يتولى مراجعة الفتاوى التي تذاع على الناس لمنع انتشار الفتاوى الشاذة[16] .
وقد صرحت مصادر سعودية مطلعة لاسلام أون لاين : أن وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بصدد إصدار نظام رسمي ( قانون ) بمنع الفتاوى التي يصدرها غير المتخصصين عبر الفضائيات ، وذلك لكبح جماح ظاهرة فوضى الفتاوى الشرعية بسبب تجرء البعض على إصدار فتاوى خطيرة .
وفي اعتقادي أن الحل الجذري لن يتحقق من خلال تدخل الحكومات ، أو إنشاء جهاز فحسب ، وإنما يتحقق من خلال التوعية الشاملة ، وتعاون العملماء المخلصين مع الإعلاميين ، وبالعكس للوصول إلى فتاوى منضبطة ، وذلك لأن الفتاوى الفضائية ليس كلها ضارة ، بل هناك برامج وفتاوى فضائية نافعة نفعاً شاملاً ، وأن الأمة الإسلامية تحتاج إليها فلا يجوز منعها منها .
وقد نبه أيضاً إلى خطورة هذه الفتاوى عدد من العلماء منهم فضيلة العلامة الشيخ يوسف القرضاوي ، وفضيلة الشيخ عطية صقر ، وفضيلة الشيخ الدكتور صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ وزير الأوقاف السعودي ، وبينوا أن خطورتها قد تصل إلى تحريم الحلال ، وتحليل الحرام ، وهذا من أعظم الذنوب عند الله تعالى[17] .