جريدة العرب – الدوحة
حذر الشيخ د. علي محيي الدين القره داغي الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين من خطورة ازدياد الفقر في بعض البلاد الإسلامية وتراجع مشاريع التنمية والتعليم والوحدة.
وقال في خطبة الجمعة التي ألقاها أمس بمسجد السيدة عائشة بفريج كليب أمس إن الله عز وجل أراد لأمتنا أن تكون الأمة الخالدة التي كتب على يديها الخير والرحمة للعالمين. مبيناً أنها إذا ضعفت في فترات من الزمن فإنها لن تموت أبداً لأنها الأمة الوحيدة التي جعلها الله صاحبة الرسالة الخالدة رسالة الإسلام وحاملة لواء القرآن الكريم كلام الله رب العالمين، الذي تكفل بحفظه بنفسه سبحانه «إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون».
وقال اجتهد الأعداء لقتل هذه الأمة والقضاء عليها أو إزالتها عن دورها الحضاري فإنهم لن يستطيعوا، ولكنهم قد ينجحون في تأخرها وتخلفها لفترة من الزمن وإشغالها بقضايا هامشية داخلية، فتتخلف علميا واقتصاديا واجتماعيا وسياسيا، فينتشر الفقر والجهل والمرض في كثير من شعوبها شرقا وغربا، وهو ما يحصل في أيامنا هذه، فتجد أفقر الدول في العالم هي أغلبها من الدول الإسلامية، ونسبة الجهل والتخلف كذلك ترتفع نسبتها في عدد كبير من هذه الدول الإسلامية.
مشاكل استعمارية
وروى قائلا: كنا منذ أيام قليلة في أقصى شرق هذه الأمة في إندونيسيا، ثم بعدها في أقصى غربها في إفريقيا، وتحديدا في السنغال فوجدنا أن هذه الدول، وبالرغم مما تتمتع به من خيرات وثروات باطنية، استطاع أعداء الإسلام أن يجعلوها تعاني من مشاكل اقتصادية، وانتشار مظاهر الفقر لنسبة كبيرة من شعوبها. هذه هي السياسات التي يحاول أعداء الإسلام فرضها في أجزاء كبيرة من هذه الأمة، وقد نجحوا في الكثير منها خلال المائتي سنة الأخيرة، ولكن في المقابل والحمد لله نشهد صحوة طيبة مباركة تجتاح كامل شعوب الأمة، ولكن هذه الصحوة رغم أنها أحيت القلوب وأحيت المشاعر وأعادت الأمة إلى هويتها ولكن لا يكفي، لأننا ببساطة قد اكتشفنا اختلالات في مجالات أخرى التي كان من الواجب أن يتزامن التقدم فيها بالتوازي مع هذه الصحوة المباركة، ومن هذه المجالات التي ما زلنا نزداد تخلفا فيها وبعدا عن المنهج الإسلامي الصحيح هي قضايا التعليم والتنمية والوحدة.
مع وجود الصحوة
وقال رغم وجود هذه الصحوة فلا بد أن نعترف بأن هناك تراجعاً خطيراً في هذه القضايا، فالفقر يزداد يوما بعد يوم في أمتنا حتى في بعض البلاد التي حباها الله بوفرة الثروات، وكذلك في الجانب التعليمي والجانب الصحي.
أين الخلل؟
وتساءل د. القره داغي قائلا: أين الخلل مع وجود هذه الصحوة وهذه العواطف؟ حيث لا نتقدم رغم هذه الصحوة، فهل يكفي أن نحمّل العامل الخارجي كل هذه المظاهر التي عددناها، أم أن هناك عوامل أخرى؟ إن ما يقوم به أعداء هذه الأمة أو ما عبرنا عنه بالعامل الخارجي هو في الأصل متوقع منهم وقائم، ما داموا هم أعداء، يقول تعالى «ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا»، إذن هذا هو منهج الأعداء، ولا يجب أن نتوقع منهم غير ذلك، ولكن القرآن وبعد أن حسم منهج الأعداء تجاه أمة الإسلام أراد أن يبين لنا منهجا آخر بقوله تعالى «أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم» الآية، إذا نحن كذلك مسؤولون أمام الله على كل ما أصابنا ويصيبنا، وليس فقط ما يحيكه لنا الأعداء.
وأوضح أن الخلل يكمن فيما وضحه الله سبحانه في أول آية نزلت من القرآن الكريم ممثلاً في مكانة العلم والتعليم ونظمنا التعليمية، فهذه الصحوة المباركة قد أحيت القلوب والعواطف، ولكن من للعقول وما تحتاجه من سلامة التفكير وعلمية المنهج فتركيز هذه الصحوة على القلب فقط وعلى النفس فقط لن يؤدي إلى النتائج المطلوبة، ولن يرفع التحدي الذي يواجه هذه الأمة، فنحن في حاجة كذلك إلى الاهتمام بالعقل بالعلم والحكمة واتباع المنهج العلمي في تحليل كثير من الظواهر والعمل على حلها، ولذلك نجد أن أول سورة لم تتحدث عن الصلاة على أهميتها ولا عن العقيدة على أهميتها وأساسيتها، بل تحدثت على مسألتين اثنتين هما العلم والقراءة من جهة، وكرامة الإنسان ومنع الاستبداد والدكتاتورية من جهة أخرى، وهذا تشخيص متكامل من منزل هذه الرسالة، على أن حل مشاكل هذه الأمة وتقدمها لن يتحقق بكثرة الصلوات فقط، ولا بتركيز العقيدة فقط، فالعقيدة الصحيحة والصلوات والعبادات بصفة عامة يجب أن تكون ضمن منهج شامل متكامل، يكون العلم والقراءة هما العمود الفقري الذي يرتكز عليه هذا المنهج الشمولي، وكرامة الإنسان وتخليصه من الاستبداد والظلم غايته يقول تعالى «اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق»، ولم يقل الله سبحانه اقرأ القرآن، وإنما قال اقرأ في العموم، وهي دعوة لقراءة العلوم وقراءة الكون والتدبر في خلق الله تعالى، فأنت يا محمد قد أرسلت ومن ورائك أمتك إلى تعمير الأرض، والأرض لا تعمر إلا بالعلم، ولذلك عندما كانت الأمة في عزة عهدها كانت تقرأ كل شيء، وكانت تزن كتب الأمم الأخرى بالذهب من أجل الاطلاع على ما تحمله من علوم وخبايا، ولذلك ازدهرت العلوم في شقيها الديني والدنيوي، إن صح التعبير، فانتشرت العلوم الشرعية وازدهرت وتفرعت، وكذلك ازدهرت علوم الطب والكيمياء والفيزياء والجغرافيا بالتوازي.
واستدرك قائلاً: إذا كنا ومن خلال الصحوة الإسلامية المباركة قد خطونا خطوة طيبة في إحياء العقول، ولكن ما زال الطريق طويلاً أمامنا من أجل إحياء العقول بالعلم والحكمة، وإحياء النظام الاجتماعي الذي يكرم الإنسان ويرفع عنه الظلم والاستبداد.
وقال في ختام الخطبة إن الاستعمار والأعداء عرفوا قضية التمكين وأرادوا السيطرة والنيل ولو مؤقتا من هذه الأمة، فوضعوا خططا تعليمية تخدم أهدافهم الاستعمارية الاحتلالية مرتبطة أحيانا بقيم الإلحاد وقيم الغرب حتى يحققوا أهدافهم في صرف هذه الأمة عن مصادرها العلمية والشرعية الإسلامية، وكذلك تخريج نخبة متأثرة بالقيم الغربية أمسكت بمقاليد الحكم مباشرة بعد أن خرج الاستعمار من بلاد المسلمين، فترى مثلا في أغلب الدول الإفريقية الأغلبية من المسلمين، ولكن الذين يمسكون بمقاليد الحكم هم إما من النصارى أو من العلمانيين، فهناك بلد إفريقي عدد المسلمين فيه لا يتجاوز الـ%25 في حين يمسكون بنسبة %94 من اقتصاد البلاد، والبقية أكثر من %70 يتحكمون بنسبة %6!