أيها الإخوة المؤمنون
نحن اليوم مقبلون على هذا الشهر الفضيل الذي يتمناه كل مسلم أن يصل إلى هذا الشهر لينال فضائله وثوابه وأجره الذي أعده الله سبحانه وتعالى في هذا الشهر للصائمين القائمين العاكفين في مساجد الله تعالى.
وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم حينما يحل هذا الشهر يقول لصحابته الكرام هذا شهر فيه تفتح أبواب الجنة وتغلق فيه أبوب النيران وفي كل ليلة من ليالي رمضان عتقاء.
بل إن الرسول كان يقول الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان؛ مكفرات ما بينهن إذا اجتنبَت الكبائر) فإذا قام العبد بأداء هذه الواجبات ودخل شهر الفضيل فإن الله سبحانه وتعالى بفضله ومنه كتب له المغفرة والكفارة من الذنوب كما ورد في الحديث الصحيح (من صام رمضان إيماناً واحتساباً ، غُفر له ما تقدم من ذنبه) وقال أيضاً بالنسبة لقيام رمضام (من قام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه) فصيام رمضان بفضله ومنه سبب لأن يغفر الله تعالى ذنوب الإنسان التي تكون بين الإنسان وربه أما حقوق العباد فمردّها إلى رد هذه الحقوق إلى أصحابها أو تبرئة الذمة منها فإن صيام رمضان كما ورد حتى الاستشهاد في سبيل الله لن يحول دون أصحاب الحقوق أن يطالبوا بحقوقهم في الدنيا وإذا لم يحصلوا عليها فإنهم يطالبون بها في الآخرة ولكنه أجر عظيم وثواب كبير حينما يصل الإنسان إلى هذه المرحلة من أن يغفر الله تعالى كل ذنوبه فيما بينه وبين ربه ما تقدم من الذنوب بسبب الصيام والقيام.
والأحاديث في بيان فضل رمضان بل الآيات القرآنية الكريمة في عظمة هذا الشهر أكثر من أن نحصيها في هذه الخطبة الوجيزة يكفي أن نقول أن الله سبحانه وتعالى سمّى هذا الشهر بشهر الهداية والفرقان فقال تعالى (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ) ووردت أحاديث كثيرة في بيان خصائص هذا الشهر منها ما رواه الإمام أحمد من قول الرسول { أُعْطِيَتْ أمَّتِي خمسَ خِصَال في رمضانَ لم تُعْطهُنَّ أمَّةٌ من الأمَم قَبْلَها؛ خُلُوف فِم الصائِم أطيبُ عند الله من ريح المسْك، وتستغفرُ لهم الملائكةُ حَتى يُفطروا، ويُزَيِّنُ الله كلَّ يوم جَنتهُ ويقول: يُوْشِك عبادي الصالحون أن يُلْقُواْ عنهم المؤونة والأذى ويصيروا إليك، وتُصفَّد فيه مَرَدةُ الشياطين فلا يخلُصون إلى ما كانوا يخلُصون إليه في غيرهِ، ويُغْفَرُ لهم في آخر ليلة، قِيْلَ يا رسول الله أهِيَ ليلةُ القَدْرِ؟ قال: لاَ ولكنَّ العاملَ إِنما يُوَفَّى أجْرَهُ إذا قضى عَمَلَه } فالله سبحانه يعنق كل ليلة من صام رمضان مادام هذه الصوم مقبولاً عنده سبحانه وتعالى.
هذه الفضائل الكثيرة و غيرها مما لا تعد و لا تحصى فرصة كبرى لهذه الأمة التي أكرمها الله سبحانه وتعالى بهذا الشهر و بهذه الخصال العظيمة و وجود ليلة القدر فيها وجعله الله شهر رحمة ومغفرة على كل من يلجأ إلى باب الله سبحانه و تعالى.
كل هذه الفضائل لمن يصوم صوماً حقيقياً تتوافر فيه الأركان و الشروط الظاهرة من أنه يلتزم بالإمساك من الفجر إلى الليل وبالامتناع عن الشهوات شهوة البطن والفرج طوال هذا الوقت ومن أهم الشروط والضوابط لهذا الصوم المقبول أن يكون الصوم ليس للبطن والشهوة فقط وإنما لكل الإنسان لما في قلبه و داخله ولسانه وجوارحه فالصوم الحقيقي هو صوم الإنسان والإنسان يتكون من ثلاثة عناصر أساسية الداخل من القلب والنفس بحيث يكون القلب سليماً وطاهراً ومحباً للناس ولا يكون فيه الحقد والحسد والبغضاء وأن تكون النفس مطمئنة راضية مرضية وتعمل جاهدة لتنال رضاء الله ولا تكون نفساً أمارة بالسوء و لا تكون نفساً تبحث عن الشهوات وإنما تكون نفساً لوّامة تلوم نفسه على التقصير في العبادات أو ارتكاب المعاصي لهذه النفس أن تصوم بحيث تصلى إلى النفس المطمئنة وليست إلى النفس الثائرة الغاضبة التي تثور من أي شيء .
إذا كان العبد يمتنع في هذا الشهر عن المباحات وقد حرم الله سبحانه وتعالى عليه في هذا الشهر طوال ساعات الصيام الأكل والشرب والمعاشرة الجنسية مع أهله كلها من المحرمات وأساساً من المباحات فإذا كانت المباحات قد حرمت في هذا الشهر فكيف يجوز للإنسان المسلم أن يرتكب المحرمات الدائمة مثل الكذب وشهادة الزور والنظر والمحرمات الأخرى، لذلك ورد في الحديث الصحيح يقول الرسول (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) وبين الرسول جزئية مهمة من جزئيات ومما يفعله لسان الإنسان من قول الزور و الكذب فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه.
حينما يصوم الإنسان عم أشياء المباحات ولكن لا يصوم عن المحرمات أليس هذا تناقضاً ! هذا الإنسان يصوم شكلياً لأن الله ربط الصيام بالتقوى ولم يربطه بالامتناع فالله ليس بحاجة إلى أن نجوع أنفسنا أو أن نجعل أنفسنا تعطش وإنما هذه وسيلة للترويض والتهذيب والتدريب والتعويد هي مدرسة لمدة شهر نعود أنفسنا على ترك المباحات حتى نعود أنفسنا على ترك المحرمات.
يريد الله ورسوله أن يجعل هذا الشهر شهر تغيير بكل ما تعني هذه الكلمة تغيير في نفس الإنسان (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) نفوسنا مريضة وياليتها مريضة فقط بل نفوسنا ضعيفة وياليتها ضعيفة فقط بل متعدية انظر إلى بعض الناس كيف يعتدون ويتجاوزون ويقتلون ويغتصبون وهم يصلون ويصومون هذه الازدواجية وهذا تناقض في شخصية الإنسان فالإنسان المتوازن هو الذي يتزن تماماً في كل الأحيان فإذا أنت عبد لله فكما أمرك الله بترك المباحات في نهار رمضان أمرك في كل الأحوال بترك المحرمات جميعها.
وفي حديث صحيح يريد الرسول منا أكثر من ذلك ولا يقبل من الصائم الذي يريد هذا الأجر العظيم وهذه الخصال الخمس أو العشر أن لا يكتفي بألا يتكلم بالزور أو لا يعمل المحرمات بل يريد من الإنسان الصائم أن يكون متحملاً أذى الآخرين ( وَإِنِ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ ، فَلْيَقُلْ إِنِّي صَائِمٌ إِنِّي صَائِمٌ ) أي أن تبتسم له وأن تصل بنفسك إلى هذه المرحلة وتعطيه درساً وتقول إني صائم وهذا هو وصف عباد الرحمن الذين يجزون الغرفة الذي يستحق الجنة فأول صفة لهم (وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً ) تصرفاتهم الفعلية مباركة لا يريدون أن يؤذوا أحداً، فحين يمشي يخفف من وطأة مشيته حتى لا يؤذي الآخرين وأما قولهم والقول ثلاثة أنواع القول السيء والمباح والأحسن والله يصف عباد الرحمن الذين صبروا على هذه الأمور ( وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً ) و الجاهلون بمعنى الذين يغلطون وليس الأمي، القرآن في هذه البيئة العربية الجاهلية العصبية يربي القرآن المسلم أن لا ترد وإذا رد، رد بالسلام .
هذه هو مطلب الصوم أن تتهذب النفوس والقلب وأن تتخلق بأخلاق الصيام وأن يستفيد الإنسان من هذه المدرسة العظيمة بالتغيير إلى الأحسن والتخرج بشهادة النجاح.
وهذا الشهر شهر الجود علينا أن جود على إخواننا الذين لا يجدون مكاناً ولا أكلاً ولا شرباً ففي سوريا 6 ملايين نازح وفي العراق وصل عدد النازحين إلى أكثر 500000 ألف نازح.
أنشادكم أن نوفق في هذا الشهر لهذا التغيير والالتزام بأركان الصيام وآداب الصيام وآداب القراءة والبدء بعملية التغيير, وأن نهتم بتلاوة القرآن مع التدبر والعمل والتطبيق والجود وأن نحس بالآخرين وآلامهم فالإسلام ليس مجرد أقوال وعقيدة تستقر في القلب و لا يكون لها تأثير الإسلام حركة وحياة (قل إن صلاتي ونسكي ومحيايي لله رب العالمين) ولو وفقنا لفزنا فوزاً عظيماً.
الخطبة الثانية
قال الرسول ( من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه ) إيماناً بالله سبحانه وتعالى وبكل الأركان بالإضافة بالإيمان بأهمية هذا الشهر ولا بد أن نغرس في أنفسنا استشعاراً بأهمية هذا الشهر هذا الشهر منة وكرم من الله سبحانه وتعالى فهذا أحد الأسباب التي تدفعك لأن تهتم بهذا الشهر و احتساباً أي خالصاً لله سبحانه وتعالى بعيداً عن الرياء وإنما يكون طلباً لرضاء الله سبحانه وتعالى وبعض العلماء قالوا احتساباً بمعنى عزيمة أي أن يكون لديك عزيمة من أول يوم أن تغير نفسك أن تلتزم بما أراد الله والرسول من أن تترك جميع المحرمات في هذا الشهر فإذا توافر في هذا الشهر سيغفر الله لك إن شاء الله عن كل ما تقدم من ذنوبنا سوى حقوق العباد.
ومن الاستعداد لرمضان أن تبدأ بالتوبة والتوبة على أمرين إما في حقوق الله أن نندم على ما عملناه وأن نتضرع ونكثر الاستغفار وأما في حقوق العباد علينا أن نسارع برد هذه الحقوق أو نبرأ ذمتنا حتى ننال أجر هذا الشهر.
والاستعدا بالتخطيط للشهر الفضيل وعدم تضييع الأوقات والحرص على الإفطار ويقول الرسول ( من فطر صائماً كان له مثل أجر صومع غير أنه لا ينقص من أجره شيء ) والاستعداد بتلاوة القرآن وحسن الخلق والدعاء فقال تعالى ( وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان ) وقال تعالى: ( ادعون أستجب لكم ).
ومن أهم حكم هذا الشهر الإحساس بجوع الفقراء والمساكين والذين يعيشون تحت الخيام أو منهم يعيش تحت الشمس وشاء الله من خلال أفعالنا وتصرفاتنا ومن خلال خطة الأعداء ومؤامرة الأعداء أن تكون حال هذه الأمة بهذا الشكل من مشكلة إلى أخرى فكنا مشغولين بسوريا وإذا ظهرت مشكلة ثانية وهي مشكلة عميقة مشكلة إخواننا السنة في العراق وليست مشلكة اليوم بل هي مشكلة عدة سنوات بعد الاحتلال ومشكلة الإقصاء والتهميش والظلم وهم في سنوات ينادون بحقوقهم ولا أحد يستجيب أما سوريا فيتقطع لها القلب حينما يضرب يومياً بكل هذه البراميل المتفحرة وتدمر كل شيء والناس يتفرجون وأما السجناء والذي في كل يوم يصدر حكم بإعدم مئات منهم حتى للبنات الصغار فأي ظلم أكبر من أن يظلم الإنسان هؤلاء والتعذيب وقد مات 5000 شخص تحت التعذيب والشيطان لا يستطيع أن يصل إلى الأساليب التي تسخدم في تعذيب الإنسان في سوريا والعراق ومصر ويقول الله ( و لقد كرمنا بني آدم ).
علينا أن نحس بآلام المسلمين في كل مكان في بنغلاديس وميانمار وأفريقيا الوسطى وسريلانكا، واليوم المتشددون دمروا مسجد البابري في الهند مصيبة أخرى وتخطيط آخر لتمزيق المسلمين أكثر وقتلهم هناك الآن ثلاثة عوالم الصليبي والصهيوني والوثني تنتهز الفرصة للقضاء علينا بالتمزيق والقتل.
أسأل الله أن يصلح الحال وأن يختم بالصالحات أعمالنا.