الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وخاتم الرسل والنبيين محمد وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه إلى يوم الدين .

وبعد

 فعلى الرغم من مناقشة زكاة الأسهم والشركات في عدة مؤتمرات فقهية واقتصادية ، وفي ندوات وحلقات وورش عمل لكنها ما زالت تحتاج إلى المزيد من التفصيل والتأصيل ، وبما أن الموضوع في حقيقته مرتبط بالشخصية الاعتبارية ، فإننا نقسم هذا البحث إلى قسمين : القسم الأول : زكاة الأسهم ، والقسم الثاني : الشخصية الاعتبارية ، وأثرها في تحقيق الملك التام ، ومدى إمكانية الوجوب في أموال الشركة .

  ونحن في هذه الدراسة نحاول جاهدين الوصول إلى رأي راجح مؤصل قائم على وصف شرعي للسهم ( التكييف الشرعي ) متوكلين على الله وحده ، ومستعينين بهديه وهداه داعين الله تعالى أن يلهمنا الصواب ويهدينا الرشد والسداد ، فهو حسبنا فنعم المولى ونعم النصير .

                                                                      

القسم الأول : الزكاة في الأسهم

·       التعريف بالسهم

·       التكييف القانوني والفقهي للأسهم

·       أثر التكييف الفقهي للأسهم

·       أثر نية مالك السهم في زكاته

·       حكم تحول النية مطلقاً أو بسبب الخسران

·       زكاة التاجر في الأسهم ( المضارب )

·       زكاة المستثمر وتفصيلاته

·       تحرير كل من مصطلح ” المضاربة ” و ” الاستثمار ”

·       أحكام الزكاة في عروض التجارة ، وأموال المضاربة

·       الفتاوى والقرارات الجماعية الصادرة في زكاة الأسهم

·       آراء المعاصرين في زكاة الأسهم

·       المناقشة والترجيح

التعريف بالسهم Actions – Chars :

   ثار خلاف شكلي بين أهل القانون حول تعريف السهم ، فقد عرفه القانونيون بأنه الحصة التي يقدمها الشريك في شركات المساهمة ، أو هو نصيب في رأس مال الشركة ، حيث يقسم رأس مالها إلى أجزاء متساوية يطلق على كل جزء منها     ” السهم ” [1] .

يقول الدكتور أبو زيد رضوان : ( لم تعن الكثير من التشريعات بتعريف السهم وتبيان طبيعة حق المساهم فيه ، والواقع أن لفظة السهم تعني في الحقيقة أمرين : أولهما : ذلك النصيب الذي يشترك به المساهم في رأس مال الشركة أو ان شئنا هو ( حق ) المساهم في الشركة ، وثانيهما : ويغلب عليه طابع مادي ، إذ يقصد بالسهم ذالك الصك المكتوب والذي يتمثل فيه حق المساهم ، وتخول له ممارسة الحقوق الناتجة عن هذا الحق .

  وعلى ذلك يمكن تعريف الأسهم بأنها : صكوك متساوية القيمة وقابلة للتداول بالطرق التجارية والتي يتمثل فيها حق المساهم في الشركة التي أسهم في رأس مالها ، وتخول له بصفته هذه ممارسة حقوقه في الشركة لا سيما حقه في الحصول على الأرباح )[2].

  غير أن القانون التجاري اللبناني عرف الأسهم في مادته (104) حيث قالت : (الأسهم هي أقسام متساوية من رأس مال الشركة غير قابلة للتجزأة ، تمثلها وثائق التداول ، تكون اسمية ، أو لأمر حاملها ) .

  وأما القوانين التجارية الأخرى فقد اكتفت بذكر أهم العناصر المكونة للسهم ، مثل قانون الشركات التجارية القطري في مادته (61) والإماراتي في مادته (153) وكذلك القانون المصري وغيره من القوانين في العالم العربي .

   والتحقيق أننا لا نجد فروقاً جوهرية بين تعريفات القوانين التجارية ، وأهلها ، يقول الدكتور فوزي سامي : ( إلاّ أن الفقه يذهب إلى القول ، أن : السهم هو نصيب الذي يشترك به المساهم في الشركة ، وهو يقابل حصة الشريك في شركات الأشخاص ، ويتمثل السهم في صك يعطى للمساهم ويكون وسيلة في إثبات حقوقه في الشركة ، ويندمج الحق في الصك بحيث يكون التنازل عن السهم في درجة التنازل عن الحق .

  وقد أورد الفقه تعاريف عديدة لا تخرج في جوهرها عن القول : أن السهم يمثل نصيباً أو حصة للشريك في رأس مال الشركة ، أي يمثل حق المساهم في الشركة والسهم عبارة عن صك يتضمن الحق المذكور ، وبالتالي فإن اسباغ صفة الشريك على المالك السهم يمنحه حقوقاً في الشركة أهمها حقه في الأرباح وهناك حقوق أخرى سوف نأتي على ذكرها عند البحث عن حقوق  المساهمين .

  والخلاصة أن السهم هو حصة الشريك في رأس مال الشركة وهذه الحصة أو الحق مثبت في صك يعطى إلى الشريك ، كما يمثل أيضاً جزءاً من رأس مال الشركة ولهذا نجد أن قانون الشركات الأردني عندما حدد في المادة (98) مقدار رأس المال الشركة المساهمة العامة ذكر بانه يقسم إلى أسهم متساوية القيمة ، وقيمة كل سهم ديناراً واحداً ، وهي ما تسمى بالقيمة الاسمية للسهم ، وتساوي هذه القيمة ما يحقق المساواة في الحقوق والالتزامات التي يرتبها السهم الواحد لكل مساهم .

  ولا بد من التمييز بين القيمة الاسمية والقيمة الحقيقية للسهم ، فالقيمة الاسمية كما رأينا هي القيمة المذكورة في الصك والتي يجب أن لا تزيد ولا تقل عن دينار واحد طبقاً للقانون الأردني ومجموع الأقيام هذه تكون رأس مال الشركة .

  أما القيمة الحقيقية أو الفعلية للسهم فهي تمثل نصيب المساهم في أموال الشركة بعد خصم ديونها ، فإذا تعرضت الشركة إلى خسارة وكانت صافي أصولها أقل من رأس مالها المحدد في عقدها ونظامها ، تكون القيمة الحقيقية في هذه الحالة أقل من القيمة الاسمية ، وإذا كانت الشركة تحقق أرباحاً وكونت لها أموالاً احتياطية وكانت أصولها تزيد على رأس مالها فإن القيمة الحقيقية في هذه الحالة تكون أعلى من القيمة الاسمية .

 كذلك تختلف القيمة الاسمية للسهم عن قيمته التجارية أو القيمة في السوق المالية ، حيث تقدر قيمة السهم في السوق بقيمته الحقيقي لأن هذه القيمة تمثل ما سيصيب المساهم من قيمة فيما لو تمت تصفية الشركة ، ولكن الظروف الاقتصادية والسياسية وكذلك سمعة الشركة وسعة نشاطها وتوزيعها للأرباح ، كل ذلك يؤثر في القيمة التجارية وبالتالي نجد أن قيمة الأسهم تخضع للمضاربة وإلى قاعدة العرض والطلب فهي في تغير مستمر وقد تبتعد قيمتها أو تقترب من القيمة الحقيقية)[3] .

التعريف الفقهي للسهم :

   نختار من بين التعاريف التي ذكرت للسهم تعريفاً جماعاً صادراً عن مجمع الفقه الإسلامي الدولي الذي يضم عدداً كبيراً من الفقهاء ، والاقتصاديين ، وهو قرار رقم (63(1/7) أن السهم عبارة عن : “الحصة الشائعة من أصول الشركة ، وان شهادة السهم عبارة عن وثيقة للحق بتلك الحصة “[4] وهو التعريف الذي اختاره المعيار الشرعي رقم (21) الخاص بالأوراق المالية ( الأسهم ، والسندات ) في مادته 3/1 حيث نصت على أنه : ” يمثل السهم حصة شائعة في رأس مال الشركة المساهمة ، كما يمثل حصة شائعة في موجوداتها وما يترتب عليها من حقوق عند تحول رأس المال إلى أعيان ومنافع وديون ونحوها ، ومحل العقد عند تداول الأسهم هو : هذه الحصة الشائعة ” . 

  وهذا التعريف الجماعي يختلف عن تعريف القانونيين من حيث الظاهر ، فالسهم عندهم هو النصيب الذي يقدمه المساهم ، وليس حصة شائعة من موجودات الشركة ، لأنها مملوكة للشخصية الاعتبارية للشركة في نظرهم ، ولكنه من حيث المآل يتفق مع جوهر تعريف القانونيين وحقيقته ومؤداه ، وذلك لأننا حتى لو عرفناه بالوثيقة أو الصك ، فإن قيمة الصك أو الوثيقة في المحتوى ، وليست في الورقة التي قد لا تساوي درهماً واحداً ، وكذلك لو عرفناه بالحق ـ كما يقول بعض الاقتصاديين ـ فإن قيمة هذا الحق بمحتواه ومضمونه وما يمثله .

حكم تقسيم رأس مال الشركة :

ومن الجدير بالتنبيه عليه أن تقسيم رأس مال الشركة إلى حصص وأجزاء، واشتراط الشروط السابقة لا يتنافى مع المبادىء العامة للشريعة الإِسلامية، والقواعد العامة للشركة في الفقه الإِسلامي، إذ ليس فيها ما يتنافى مع مقتضى عقد الشركة، بل فيها تنظيم وتيسير ورفع للحرج الذي هو من سمة هذه الشريعة، وداخل ضمن الوفاء العام بالعقود: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ …}[5]، وتحت قول الرسول صلى الله عليه وسلّم: «المسلمون عند شروطهم»[6]، وفي رواية: «… والمسلمون على شروطهم إلا شرطًا حرم حلالاً أو أحل حرامًا». قال الترمذي: (هذا حديث حسن صحيح)[7].

فهذه النصوص وغيرها تدل على أن كل مصالحة وكل شرط جائزان إلا ما دل الدليل على حرمته، وعلى أن الأصل فيهما هو الإِباحة، والحظر يثبت بدليل خاص، يقول شيخ الإِسلام ابن تيمية: (وهذا المعنى هو الذي يشهد عليه الكتاب والسنة…)[8].

ويقول أيضًا: (إن الأصل في الشروط الصحة واللزوم إلا ما دل الدليل على خلافه.. فإن الكتاب والسنة قد دلا على الوفاء بالعقود والعهود، وذم الغدر والنكث.. والمقصود هنا: أن مقتضى الأصول والنصوص: أن الشرط يلزم إلا إذا خالف كتاب الله..)[9].

ولا يخفى أن هذه القواعد السابقة تجعل الفقه الإِسلامي يقبل بكل عقد، أو تصرف، أو تنظيم مالي أو إداري ما دام لا يتعارض مع نصوص الكتاب والسنة، وقواعدها العامة، وأن الشريعة الغراء تجعل كـل حكمـة نافعـة ضالـة المؤمـن دون النظـر إلى مصدرها أو اسمها، وإنمـا الأسـاس معناهـا ومحتواهـا، ووسائلهـا وغاياتهـا، ومـا تحققـه من مصالح ومنافع.

                                               

خصائص الأسهم وحقوقها :

للأسهم عدة خصائص من أهمها: تساوي قيمتها حسبما يحددها القانون، وتساوي حقوقها، وكون مسؤولية كل مساهم بقدر قيمة أسهمه، وقابليتها للتداول، وعدم قابلية السهم للتجزئة.

وأما حقوق السهم، فهي: حق بقاء صاحبه في الشركة، وحق التصويت في الجمعية العمومية، وحق الرقابة، وحق رفع دعوى المسؤولية على الإِداريين، والحق في نصيب الأرباح، والاحتياطات، والتنازل عن السهم والتصرف فيه، والأولوية في الاكتتاب، وحق اقتسام موجودات الشركة عند تصفيتها[10].

اعلى الصفحه

أنواع الأسهم :

للأسهم أنواع كثيرة وأسماء مختلفة متنوعة، لذلك لا يكون الحكم دقيقًا حتى نعرِّف بكل نوع منها، ثم نبين حكمه مع التوجيه، لأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره.

وهذه الأنواع باعتبارات مختلفة، قد يتداخل بعضها في بعض، وقد يكون نوع واحد يعتريه عدة أحكام باعتبار حالاته المختلفة التي تحددها الشركة في نظامها الأساسي، لذلك نحاول أن نذكر كل ذلك بشيء من الإِيجاز.

(أ) أنواع الأسهم من حيث الحقوق (العادية أو الممتازة):

لا يخفى أن جميع الأسهم قيمتها متساوية، وهذا يقتضي تساويها في الحقوق والواجبات، وتكون مسؤولية المساهمين بحسب قيمة السهم، ولذلك فالأصل أن تكون الأسهم عادِيَّة لا ميزة لأحدها على الاخر، ولكن بعض القوانين تبيح إصدار أسهم ممتازة وهذه الميزة قد تكون بمنح أصحابها الأولوية في الأرباح، أو في أموال الشركة عند التصفية، أو بغير ذلك.

* فحكم الأسهم العادية الجواز من حيث المبدأ إلا إذا كان محلها حرامًا وحينئذ لا يجوز ــ كما سبق تفصيلها.

* وأما أسهم الامتياز فحكمها يختلف باختلاف نوعية الامتياز فيها:

1 ــ فإذا كان امتيازها بضمان نسبة مثل 5  من قيمة السهم، ثم يوزع باقي الأرباح على جميع الأسهم بالتساوي، أو استيفاء فائدة سنوية سواء ربحت الشركة أم لا.

فإن هذا النوع لا يجوز البتة في الشريعة الإِسلامية، لأنه يتضمن الربا المحرم شرعًا، ولأن هذا الشرط مخالف لمقتضى عقد الشركة في الشريعة الغراء، فمبنى الشركة على المخاطرة، والمشاركة الحقيقية في الغرم والغنم على قدر الحصص، وعلى ذلك إجماع الفقهاء[11].

2 ــ وإذا كان امتياز السهم بإعطاء الأولوية في الأرباح، أي يعطى لصاحبه الربح، ثم إن بقي يعطى لأصحاب الأسهم العادية…؛ فهذا الامتياز أيضًا مخالف لمقتضى عقد الشركة فلا يجوز.

3 ــ وإذا كان هذا الامتياز بأن يعطى لصاحب السهم حق استعادة قيمة الأسهم بكاملها عند تصفية الشركة، ثم تعطى البقية الباقية لأصحاب الأسهم العادية، حيث قد يخسرون، وهو لا يخسر؛ فهذا أيضًا كسابقه لا يجوز للسبب نفسه.

4 ــ وأما إذا كان امتياز السهم يعود إلى إعطاء ضمان مالي لصاحبه دون غيره… فإن هذا الضمان مخالف لمقتضى عقد الشركة ــ كما سبق ــ .

5 ــ أما إذا كان الامتياز في حدود الأصوات بأن يتنازل صاحبه عن صوته، بأن لا يكون له حق التصويت في الجمعية العمومية في مقابل أن يعطى له حق دفع قيمة أسهمه بالأقساط.

فلا أرى مانعًا من ذلك؛ لأنه يعود إلى القضايا الإِدارية التي يتحكم فيها الاتفاق، وليس فيه أي مخالفة لنصوص الشرع، ولا لمقتضى عقد الشركة، ولا يعود هذا الامتياز إلى الجوانب المالية، وإنما أُعطي له نوع من التيسير في مقابل تنازله عن صوته، وكل ذلك قد تم برضا الطرفين، ولا يَتعارض هذا الرضا مع نصوص الشرع ولا مقتضى العقد، حيث يعود الأمر في ذلك إلى تنازل أحد الشركاء لأن يدير الشركة بعضهم دون الاخرين، وقد أجاز جماعة من الفقهاء استبدال أحد الشريكين بالعمل[12].

وكذلك الأمر لو تم الاتفاق على أن يعطى لبعض الأسهم صوتان لكل سهم، فلا أرى أنه محرم شرعًا ــ وإن كان فيه خوف من الاستغلال ــ وذلك لأن هذا الامتياز ليس في نطاق الحقوق المالية، وإنما يعود إلى الجوانب الإِدارية والإِشراف على العمل ــ كما سبق ــ . ولكن يشترط أن يكون هذا الامتياز منصوصًا عليه في قانون الاكتتاب، وبعيدًا عن الاستغلال.

وكذلك يجوز أن يكون الامتياز بإعطاء حق الأولوية في الاكتتاب بأسهم جديدة لأصحاب الأسهم القدامى بناءً على أن الشركة قد انعقدت بالإِيجاب والقبول، فإذا أرادوا توسيع أعمال الشركة فلهم أن يقرروا ذلك، إضافة إلى الاستئناس بحق الشفعة[13].