بعد ما ذكرنا أحكام الرمي والمبيت في السنة نذكر أحكامهما لدى أهل العلم ليتبين من خلال ذلك ما يمكن أن ينزل منها على الزحام في عصرنا الحاضر ، ولذلك نذكر أحكام المبيت ليلة التاسع ، والمبيت في ليالي التشريق ، والرمي ووقته والأحكام الخاصة بالضعفة والنساء وأصحاب الحاجة ، ثم نختم ذلك بأحكام الزحام .


 


 


أولاً : الذهاب إلى منى يوم التروية والمبيت ليلة التاسع فيه .


 اتفق الفقهاء على أن الذهاب يوم التروية إلى منى وأداء الصلوات الخمس (بدءاً من الظهر إلى فجر يوم عرفة) والمبيت ليلة التاسع سنة وليس فرضاً ولا واجباً بحيث لا يترتب على تركه إثم ، ولا فدية [1]. قال الرافعي : ( والمبيت ليلة عرفة هيئة وليس بنسك يجبر بالدم ، والغرض منه الاستراحة للسير من الغد إلى عرفة من غير تعب) [2].


 وبالتالي يجوز لولي أمر المسلمين أن يقوم بتنظيم هذا الأمر حسبما تقتضيه المصالح العامة ، مع توعية الحجاج بأن ما سبق وإن كان سنة ، لكنه إذا ترتب عليه ضرر أو مفسدة وإن كانت صغيرة ، فإن ترك سنة أولى من الوقوع في مفسدة أو ضرر ، كما هو الحال في تقبيل الحجر الأسود .


 


 


ثانياً : المبيت بمنى ليالي أيام التشريق .


 لا خلاف بين الفقهاء في أن المبيت بمنى ليس ركناً من أركان الحج بحيث يترتب على الإخلال به بطلان الحج أو فساده وإنما الخلاف في كونه واجباً أو سنة .


 فذهب جمهور الفقهاء (المالكية ، والشافعية في قول ، وأحمد في رواية ، وهو قول عروة ، ومجاهد ، وإبراهيم النخعي ، وعطاء وإحدى الروايتين عن ابن عباس)[3] إلى أن المبيت في منى ليالي أيام التشريق الثلاثة لمن تأخر ، وليلتي الحادي عشر ، والثاني عشر لمن تعجل في يومين واجب ، وعلى ضوء ذلك فمن ترك المبيت كان عليه الدم عند الشافعية ، والمالكية ، ولا شيء عليه عند الإمام أحمد ، لأنه لم يرد في الشرع دليل على وجوب الدم ، قال ابن قدامه : (فإن ترك المبيت بمنى فعن أحمد : لا شيء عليه ، وقد أساء ، وهو قول أصحاب الرأى ، لأن الشرع لم يرد فيه بشيء ، وعنه يطعم شيئاً ، وخففه ، ثم قال : قد قال بعضهم : ليس عليه ، وقال إبراهيم : عليه دم ، وضحك ، ثم قال : دم بمرة ، ثم شدد بمرة ، قلت ليس إلاّ أن يُطعم شيئاً ؟ قال : نعم يطعم شيئاً تمراً أو نحوه ، فعلى هذا أي شيء تصدق به أجزأه ، ولا فرق بين ليلة وأكثر ، ولا تقدير فيه ، وعنه : في الليالي الثلاث دم ، لقول ابن عباس : (من ترك من نسكه شيئاً أو نسيه فليهرق دماً) ، وفيما دون الثلاث ثلاث روايات ، وهو قول الشافعي : إحداهن في كل واحدة مد ، والثانية درهم ، والثالثة نصف درهم ، وهذا لا نظير له ؛ فإننا لا نعلم في ترك شيء من المناسك درهماً ولا نصف درهم ، فإيجابه بغير نص تحكم لا وجه له والله أعلم)[4] .


 


 وعند هؤلاء جميعاً لا يجب المبيت على السقاة والرعاة للأحاديث السابقة التي ذكرناها ، ويسقط عند جماعة منهم (الشافعية) المبيت لمن له عذر آخر كمن يخاف على ماله من الضياع أو السرقة ، أو يخاف على نفسه ، أو له مريض يحتاج إلى الرعاية ، أو يكون به مرض يشق معه المبيت أو نحو ذلك[5] .


 


 ثم إن هؤلاء القائلين بالوجوب اختلفوا في مقدار المبيت فذهب بعضهم منهم (المالكية) إلى وجوب الليل ، بحيث لو ترك أكثر الليل لوجب عليه دم[6] وعند الشافعية قولان أظهرهما معظم الليل ، والثاني : المعتبر كونه حاضراً حال طلوع الفجر[7] .


 


 واختلفوا كذلك في مقدار الواجب ونوعه في حالة ترك المبيت فذهب الحنابلة في رواية ـ كما سبق ـ إلى أنه لا يجب شيء بترك المبيت ، وذهبوا في رواية أخرى إلى وجوب الطعام ، وانضم إليهم الشافعية في حالة ترك المبيت ليلة واحدة ، أو الليلتين ، حيث يجب لترك ليلة واحدة مدّ ، ولترك ليلتين مدّان من الطعام عند الشافعية والحنابلة ، وذهب جماعة منهم إلى تفصيلات أخرى[8].


 





([1]) يراجع فتح القدير (2/161-162) والدسوقي على الشرح الكبير (2/43) والوسيط للغزالي / تحقيق د.علي القره داغي  ط.وزارة الأوقاف القطرية (2/1263) وفتح العزيز بهامش المجموع(7/349،353) والروضة  (3/104) والغاية القصوى  تحقيق علي القره داغي ، ط. الإصلاح (1/446) والمغنى لابن قدامة (3/406) 



[2])) فتح العزيز (7/353)



([3]) يراجع : الشرح الكبير مع الدسوقي (2/48،49) ومغني المحتاج (1/505) والروضة (3/105) والمجموع   (8/248) وشرح منتهى الإرادات (1/590) والمغني لابن قدامة (3/449) 



([4]) المغني لابن قدامة (3/449)



([5]) المصادر السابقة



([6]) المصادر السابقة



([7]) الروضة (3/104)



([8]) المصادر السابقة ، والروضة (3/105) 


 اعلى الصفحة