ومع أن الأحكام الإسلامية عامة لكل زمان ومكان ، ولكن الرحمة التي أرسل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لتحقيقها اقتضت رعاية الظروف والأحوال ، حتى أن الحدود لا تقام في بلاد الحرب مع وجود الإمام والجيش كما ورد بذلك أحاديث وآثار وتطبيقات عملية للخلفاء الراشدين .

 ومن هنا فالذي يظهر لي رجحانه هو ما يأتي :

أولاً : عدم التساهل في الفتاوى الخاصة بالتأمين التجاري في بلاد الغرب ختى يندفع المسلمون إلى تطبيق كامل للتأمين الإسلامي .

ثانياً : الأخذ بأيسر الأقوال وبالتدرج مع الأقلية الإسلامية التي تعيش في البلاد غير الإسلامية مع مراعاة مقاصد الشريعة وفقه الموازنات ، وفقه المآلات ، وعدم التوسع في دائرة سد الذرائع .

ثالثاً : حث العلماء للأقليات المسلمة بالخروج من فقه الترخيص إلى فقه التأسيس ، ومن مشكلة الحلال والهلال إلى شركات خاصة بالمنتجات الإسلامية في مختلف المجالات ، ومن فقه التشرذم وبقايا القومية والوطنية والاقليمية إلى الوحدة والتكافل ، والتعاون والتكتل لأجل خير الجميع .

رابعاً : في حالة عدم وجود شركات التكافل ، أو التأمين الإسلامي في البلاد غير الإسلامية فإنه يجوز التعامل مع التأمين التجاري في حالتي الضرورة ، والحاجة ، العامة التي تنزل منزلة الضرورة ، وحتى لا يكون كلامنا عاماً ، فإنني أعتقد أنه يدخل فيهما ما يأتي :

1. حالة وجود قانون ملزم بأي نوع من انواع التأمين ، صادر من الدولة التي يعيش فيه المسلم ، أو يغادر إليها لأجل الرزق ، أو العلم أو نحو ذلك .

2.    حالة ما إذا توقفت على التأمين التجاري : التجارة الخاصة أو العامة.

  ولذلك أفتت ـ حسب علمي ـ جميع هيئات الفتوى والرقابة الشرعية للبنوك الإسلامية داخل العالم الإسلامي بجواز التأمين التجاري في حالة عدم وجود التأمين الإسلامي للاعتمادات الخارجية التي تخص الاستيراد والتصدير من الخارج وإليه .

3.    ويدخل في حالتي الضرورة والحاجة في نظري ما يأتي ، ما صدر من فتاوى في المجلس الأوربي للإفتاء والبحوث ، حيث ينص القرار (7/6) والفتوى (27) على ما يأتي : (ناقش المجلس البحث والأوراق المقدمة إليه في موضوع التأمين وما يجري عليه العمل في أوروبا ، واطلع على ما صدر عن المجامع الفقهية والمؤتمرات العلمية بهذا الشأن ، وانتهى إلى ما يلي :

أولاً : مع مراعاة ما ورد في قرارات بعض المجامع الفقهية من حرمة التأمين التجاري (الذي يقوم على أساس الأقساط الثابتة دون أن يكون للمستأمن الحق في أرباح الشركة أو التحمل لخسائرها) ومشروعية التأمين التعاوني (الذي يقوم على أساس التعاون المنظم بين المستأمنين ، واختصاصهم بالفائض ـ إن وجد ـ مع اقتصار دور الشركة على إدارة محفظة التأمين واستثمار موجوداتها) ، فإن هناك حالات وبيئات تقتضي إيجاد حلول لمعالجة الأوضاع الخاصة ، وتلبية متطلباتها ، ولا سيما حالة المسلمين في أوروبا حيث يسود التأمين التجاري ، وتشتد الحاجة إلى الاستفادة منه لدرء الأخطار التي يكثر تعرضهم لها في حياتهم المعاشية بكل صورها ، وعدم توافر البديل الإسلامي (التأمين التكافلي) وتعسر إيجاده في الوقت الحاضر ، فإن المجلس يفتي بجواز التأمين التجاري في الحالات التالية وما يماثلها :

1ـ حالات الإلزام القانوني ، مثل التأمين ضد الغير على السيارات والآليات والمعدات ، والعمال والموظفين (الضمن الاجتماعي ، أو التقاعد) ، وبعض حالات التأمين الصحي أو الدارسي ونحوها .

2ـ حالات الحاجة إلى التأمين لدفع الحرج والمشقة الشديدة ، حيث يغتفر معها الغرر القائم في نظام التأمين التجاري .

ومن أمثلة ذلك :

1ـ التأمين على المؤسسات الإسلامية : كالمساجد ، والمراكز ، والمدارس ، ونحوها .

2 ـ التأمين على السيارات والآليات والمعدات والمنازل والمؤسسات المهنية والتجارية ، درءا للمخاطر غير المقدور على تغطيتها ، كالحريق والسرقة وتعطل المرافق المختلفة .

3ـ التأمين الصحي تفادياً للتكاليف الباهضة التي قد يتعرض لها المستأمن وأفراد عائلته ، وذلك إما في غياب التغطية الصحية المجانية ، أو بطئها ، او تدني مستواها الفني .

ثانياً : إرجاء موضوع التأمين على الحياة بجميع صوره لدورة قادمة لاستكمال دراسته .

ثالثاً : يوصي المجلس أصحاب المال والفكر بالسعي الحثيث لإقامة المؤسسات المالية الإسلامية كالبنوك الإسلامية ، وشركات التأمين التكافلي الإسلامي ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً ).