الرجل والمرأة سماهما القرآن الكريم ( الزوج ) وهذا يعني أنهما مشروع واحد يتكون من عنصرين متوازنين متساويين اسمه الإنسان ، بل الكون كله يتكون من الزوج والشفع ، من السالب والموجب ، والذكر والانثى ، فقال تعالى : ( سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ)[1] .

  فكل ما في الكون شفع وزوج ، والوتر الوحيد هو الله تعالى الواحد الأحد ، فقال تعالى : ( وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ)[2] .

   فكما أن الموجب يكمل السالب ، وبالعكس ، وأننا لا نستطيع أن نقول إلاّ أن كل واحد منهما يكمل الآخر ، فالكهرباء مثلاً إنما يتكون من سالب وموجب وأنه لا يمكن تحقيق الاضاءة والقوة والطاقة إلاّ بهما معاً ، وهكذا الإنسان والأسرة والمجتمع والأمة والحضارة ، والاستعمار والاستخلاف لا يتحقق إلاّ بالرجل والمرأة .

   فإذا كان الإنسان نفسه ـ بعد آدم وحواء ـ لا يوجد ولا يخلق إلاّ من مشروع مشترك متناصف بين الرجل والمرأة حيث يتكون من نطفة أمشاج يتمثل فيها دور المرأة بـ 23 كرموسوماً ، ودور الرجل كذلك بـ 23 كرموسوماً ، إذن كيف يدعي أحدهما أنه أفضل من الآخر في هذا البنيان المشترك ، وهكذا الأمر عند الله تعالى فالميزان عنده هو العمل الصالح والتقوى فقال تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)[3] وقال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ )[4] .

 

توافق الشريعة مع طبيعة الجنين :

  فالرجل والمرأة ـ كما هو الحال في الكون كله حيواناً ونباتاً وجماداً ـ في نظر الإسلام مخلوق لخالق واحد مبدع عالم حكيم ( أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ )[5] فإذا كان التناقض والتصادم والتضاد غير موجود في هذا الكون الشامل فكيف يكون ذلك موجوداً في أعظم خلقه الذي خلقه بيديه ونفخ فيه من روحه ، وجعله في أحسن تقويم وأجمل صورة ومنحه من صفاته الكثير والكثير ، ولذلك فقضية الذكر والأنثى ، والسالب والموجب هي قضية الكون كله .

  وإذا كان الكون الجمادي والنباتي والحيواني ـ ما سوى الإنسان والجنّ ـ يسير على أحسن نظام ، وتوزعت الأدوار لكل شيء ، فكل جزء منه من الذرة إلى المجرة له دوره المرصود ، حيث جبله الله تعالى على سنن وقواعد لا يتخلف عنها ( ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ )[6] فإن الله تعالى أنزل شرائعه التي انتهت بشريعة الإسلام الخالدة الشاملة الكاملة ليسير المجتمع الإنساني على هذا النظام المبدع الدقيق الذي كل شيء فيه بقدر ، وكل شيء له وزنه ، حتى يكون المجتمع الإنساني المسلم أيضاً موزوناً قادراً على تحقيق السعادة في الدنيا والآخرة ، وعلى تعمير الكون في ضوء منهج الله تعالى .

 

وعلى ضوء ذلك نصل إلى ما يأتي :

1. إن الشريعة كما أنها توافقت مع الكون كله حيث فيه الثوابت والمتغيرات ، فكذلك الشريعة فيها الثوابت والمتغيرات ، وكذلك الإنسان الذي فيه ثوابت من حيث خلقته وعواطفه وفكره ، ومتغيرات في التجدد[7] ، كذلك الأمر في موضوع أحكام الشريعة الخاصة بالرجل والمرأة ، فكيف لا يكون كذلك ؟ فالشريعة من الله تعالى ، والكون مخلوق لله تعالى ، فهو كتابه المقروء  والثاني كتابه المفتوح ، ( أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ )[8] .

2. الرجل والمرأة جزءان من مشورع واحد هو الإنسان ، فهذه الزوجية ( الذكر والأنثى مثل السالب والموجب ) موجودة في كل ما في هذا الكون .

3.    توزيع الأدوار على كل واحد منهما لتحقيق التكامل وذلك بأن يوضع كل شيء في محله بكل دقة وحكمة .

4.    الابتعاد عن هضم حقوق المرأة ( التفريط ) .

5. عدم الافراط بالزيادة ، أو إعطاء دور للمرأة ليس من تخصص المرأة أو للرجل ليس من تخصصه ، وحينئذ يكون وضعاً للشيء في غير محله ، وقلباً للسنن فيختل النظام .

6. تحقيق التوافق بين الفطرة ، لا الاصطدام معها ، والتناغم والتكامل والترابط والتزاوج بين طرفي المشروع ( الإنسان ) بعيداً عن الصراع والتضاد والعداء والخصومة ، فالمرأة من الرجل ، والرجل من المرأة ، وكلاهما من جنس واحد ، من آدم ، وآدم من تراب ، لتحقيق السكنى والاستقرار والمحبة والألفة والرحمة ، والسعادة فقال تعالى : ( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)[9] .

  فالإسلام يريد الفرد السعيد المستقر المتزن ، والأسرة السعيدة المستقرة المتحابة والمتراحمة المتزنة في حين يريد المغالون دعاة حقوق المرأة اعلان حرب شعواء ضد الرجل وبالأخص الناشطات اللائي يطالبن بالقتال من أجل عالم بلا رجال ، وبعضهنّ طالبن بتقطيع أوصال الرجال إرباً إرباً [10]، فقد ألفت الكاتبة الأمريكية دورثي رو ، كتاباً سمته :   ( العدوّ ) أي الرجل ، حيث تقول لتأصيل هذا العداء : ( إن المرأة في بدايات الحياة البشرية عندما رأت الرجل مخلوقاً مخيفاً ، له جثة ضخمة مغطاة بالشعر مكتظة بالعضلات ، ومن عينيه نظرة وحش مفترس … خافت منه ، وهنا وقعت في الخطأ الكبير الذي سبب العذاب لكل النساء فيما بعد … لأن خوفها قادها أن تستسلم وتخضع له … ، فبدأت تتملقه اتقاء لشره ، وبذلك علّمت الرجل الغرور والاحساس بالقوة ، وأتاحت له فرصة السيطرة والتسلط ، فأصبحت المرأة في مركز التابع للمتبوع )[11] .

  وتؤكد رائدة الحركة النسوية الانجليزية اليزابيث ستانتون ، أن الرجل يتسم بطبع قاس وأناني وعنيف ومغرور ، ويحب الشرّ والعنف والدمار[12] ، بل اتجهت معظم الحركات الانثوية الغربية في القرن العشرين نحو تحميل الرجل كل معاناتها ، وردّ عليها بعض المفكرين الرجال بأفضلية الرجال والمبالغة في ذلك ، فأصبحت هذه المسألة سجالاً ، ونالت الأسرة نفسها كثيراً من آثار هذه المعركة منها رفض الأمومة والانجاب ، بل رفض الأسرة نفسها ، أو تفككها وإباحة الاجهاض والشذوذ الجنسي ، والغاء دور الأب ، فأصبح الصراع ، واثبات الذات ، والهيمنة أساساً في التعايش بدل الرأفة والرحمة والسكنى والتوزيع الأدوار كما يريده الاسلام .

  والحق أن ما قامت به الحركات النسوية الغربية في القرنين السابقين كان ردّ فعل لنظرة الدونية السائدة في الغرب في القرون الوسطى وما يليها حيث ـ كما تقول زيغرد هونكه : ( إن موقف الرجل الأوربي من المرأة ، ونظرته إليها كانت تتسم بالازدواجية والنفاق ، والشهوانية والتسلط ، والتضارب في المفاهيم والأفعال )[13] بل لم تكن القضية تنحصر في دائرة النظرة بل تجاوزت إلى استعمال كافة مشاكل العنف النفسي والجسدي ، والجنسي معها ، ففي أمريكا تشير أرقام سنة 1984م إلى أن 2928 حادثة قتل تمت داخل الأسرة الواحدة ، وأن أكثر من ثلثها قتلن على يد الزوج أو الخليل ، وتذكر أوردين ، ونزبيت ، أن أكثر من مليوني امرأة سنوياً في أمريكا تبلغ الشرطة عن حادث اعتداء زوجها ، أو خليلها عليها ، وأن 4 نساء يومياً يقتلن بسبب الضرب المبرح ، و1.5 مليون زيارة للنساء للطبيب سببها اعتداء الزوج أو الخليل ، وهذا ما بلغ به الشرطة ، أما ما لم يبلغ به فيتوقع أن يكون نسبة ليست قليلة ، وفي بريطانيا تصل نسبة ضحايا الزوج والخليل من النساء القتيلات إلى 50%  وأنه في كل دقيقة تغتصب امرأة في أمريكا[14] .

   ومن جانب آخر فإن الفلسفة السائدة في الغرب ( وبالأخص أوروبا ) هي الفلسفة الفردية الانانية ، والذرائعية الميكافيلية ، والنفعية القائمة على اللذة التي جعلت المرأة بمثابة متاع للتمتع والاستعراض والاعلانات ، وزاد الطين بلة تأثر المجتمعات الأوربية بفلسفة الصراع ، وخلق التناقض بين الأمم والمجتمعات ، وهي فلسفة تؤكد ذلك الصراع حتى بين الله تعالى والإنسان ، حيث إن الأسطورة اليونانية تقول إن برميثوس هو الذي سرق النار المقدسة من الآلهة[15] حيث أثرت هذه الفلسفة الصراعية على العلاقات الأسرية والاجتماعية وحتى بين الأمم ، يقول الشيخ سعيد النورسي : ( أوغلت الفلسفة في ضلالها حتى اتخذت دستور الصراع هذا حاكماً مهيمناً على الموجودات كافة فقررت …. أن الحياة كلها جدال وصراع … )[16] .

 

  ما يترتب على هذه المنهجية الموزونة :

  يترتب على هذه المنهجية التي أصلها الإسلام ، وفكره الصحيح القائم على الوسطية والواقعية والدقة ـ كما سبق ـ ثلاثة أمور : أولاً ـ أن الأصل هو المساواة كما دلت على ذلك الايات التي ذكرناها ويؤكدها قول الرسول صلى الله عليه وسلم  : ( النساء شقائق الرجال )[17] ، وثانياً : أن العدل هو مراعاة الفروق التكوينية لكلا الجنسين التي ذكرناه ، واعتبارها اه\ختلاف تنوع وتكامل ، لا اختلاف تعارض وتضاد وتصارع .  وثالثا : تطبيق المنهج الصحيح القائم على الجمع والشفع والتوافق البعيد عن النظرة الاحادية إلى النصوص ، وذلك من خلال توزيع الأدوار .

 

أولاً ـ المساواة :

  وبما أن الرجل والمرأة من نفس واحدة ، ولهما خصائص مشتركة ، وصفات منوافقة ، وبهذا الاعتبار فالمرأة مثل الرجل فيما يأتي :

1) المساواة في الحقوق ، حيث إن كلاً من الرجل والمرأة يتمتع بحقوق متساوية مع الآخر في شتى مجالات الحياة .

2) المساواة في جميع ما يخص أمور الآخرة من الأجر والثواب والجنة والنار ، وفي العقيدة والشعائر إلاّ ما خففت على المرأة بسبب ظروف الحيض والنفاس ، والحمل والرضاعة ونحوها .

3) المساواة في الاستخلاف في الأرض ، إن الآيات الواردة في القرآن الكريم حول الاستخلاف واستعمار الأرض لم تفرق بين الرجل والمراة ، ولم تستثن المرأة من هذه الوظيفة العظيمة التي كلف بها الانسان ، بل لا يمكن تعمير الأرض إلى بشقي الانسان وهما الذكر والانثى ، فقال تعالى ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)[18] ولذلك اتفق الفقهاء على أن الخطابات العامة التكليفية شاملة للذكر والأنثى حتى ولو كانت بألفاظ تستعمل في الجمع المذكر ، إلاّ ما استثنى بنص خاص .

يقول ابن حزم : ( لما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مبعوثاً إلى الرجال والنساء بعثاً سوياً ، وكان خطاب الله تعالى وخطاب نبيه صلى الله عليه وسلم للرجال والنساء خطاباً واحداً لم يجز أن يخص بشيء من ذلك الرجال دون النساء إلاّ بنص جلي ، أو اجماع ، لأن ذلك تخصيص للظاهر ، وهذا غير جائز)[19] .

   ومن هنا حينما طلبت المرأة في عصر الرسالة تخصيصها بالذكر نزلت الآيات استجابة لها ، فقال تعالى : ( وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)[20] وقال تعالى : ( مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)[21] ومن هنا جاء استعراض القرآن لقصة ملكة سبأ بصورة تنبئ عن الاشادة بحكمتها وسياستها ، بل تأكيد قولها وتخليده حينما قالت : ( قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً ) فقال تعالى مؤكداً هذه الحكمة : ( وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ)[22] .

  وأعتقد أن اثبات هذا الأمر ( المساواة في الاستخلاف من يث المبدأ يساعدنا كثيراً في تأصيل جواز المراة أن تتولى من وظائف الاستخلاف ما لم يكن هناك نص خاص يمنعها من ذلك .

4) المساواة في الولاية والموالاة ، مما لايختلف فيه أحد أن الموالاة التي فرضها الله تعالى على المسلمين شاملة للذكر والانثى ، وكذلك الولاية فقال تعالى : (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)[23] ومن المعلوم أن هذه الولاية تشمل كل جوانب الحياة ، وعلى رأسها الولاية السياسية من حيث المبدأ .

5)    المساواة أمام القانون والقضاء .

6) المساواة في حرية الاعتقاد والدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقال تعالى : ( مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)[24] ويقول تعالى : ( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)[25] ويقول تعالى 🙁 إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً)[26] .  

7)    المساواة في الحقوق الاجتماعية والمدنية .

8) المساواة في أهلية الأداء الكاملة ، حيث لها ذمة مالية مستقلة  التملك والتصرف وإجراء العقود المالية ونحوها[27] ، علماً بأن هذه الأهلية لم تعترف بها القوانين الرومانية والغربية إلاّ في وقت متأخر ، فعلى سبيل المثال إن القانون الفرنسي اعرتف بها في عام 1938م .

9) المساواة في الحقوق المالية ، حيث إذا نظرت إلى الواجبات المفروضة على الرجل فإن الفروق الموجودة في الارث معوضة تماماً من خلال النفقة ، والتزامات الرجل.

   إضافة إلى أن هناك حالات يتساوى فيها الرجل والمرأة ، وفي بعضها تكون حصة المرأة أكثر منه . 

10)       المساواة في ابدءا الرأي ووجوب الاستماع إلى رأيها ، ويدل على ذلك ما دار بين الخنساء بنت خزام الأنصارية وبين النبي صلى الله عليه وسلم حيث ذكرت : ( أن أباها زوجها من ابن أخيه دون إذن منها ، فجعل صلى الله عليه وسلم ( الأمر إليها) وحينما علمت بهذا الحق قالت : قد أجزت ما صنع أبي ، ولكني أردت أن أعلم أللنساء من الأمر شيء ؟ وفي رواية ابن ماجه صححها الحافظ الهيثمي قالت : ولكني أردت أن تعلم النساء أن ليس إلى الآباء من الأمر شيء )[28] .

  وفي مجال الزوجية أمر الله تعالى الزوجين أن تتم الأمور بينهما عن تراض منهما وتشاور فقال تعالى : ( فإن أَرَادَا فِصَالاً عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا )[29] وقصة المرأة التي وقفت أمام عمر فعارضته في تحديد المهر فقالت : (ما ذلك لك ) قال عمر : ( ولم ؟ ) قالت : ( إن الله قال : ( وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً )[30] فرجع عمر عن رأيه وقال : ( كل أحد أفقه من عمر )[31] .

 

ثانياً ـ عدم المساواة في بعض الأمور ( اختلاف تنوع لا اختلاف تضاد ) :

  وبما أن المرأة تختلف في التكوين والخلقة والهرمونات عن الرجل ـ كما سبق ـ اختلاف تنوع ، لا اختلاف تضاد ، ومن باب توزيع الأدوار .

  وهذا الاختلاف في بعض الأمور الخاصة بالأعمال التي لا تتناسب مع فطرتها ، وبالأخص في موضوع الحقوق السياسية التي هي موضوع بحثنا .

 

 

حق المرأة في تولي الولاية العامة ( المناصب الرئيسية ) :

الولاية ـ بالكسر ـ في اللغة : الإمارة ، وبالفتح : النصرة والنسب والقرابة وغيرهما[32] .

والولاية في اصطلاح الفقهاء لها نوعان :

النوع الأول ـ الولاية العامة ، وقد ذكر لها القاضي أبو يعلى أربعة أقسام ، وهي :

1.    الولاية العامة في الأعمال العامة كالخلافة (أو رئاسة الدولة تحت أي اسم كان) والوزارة.

2.    الولاية العامة في الأعمال الخاصة كإمارة الأقاليم .

3. الولاية الخاصة في الأعمال العامة كقاضي القضاة ، وقائد الجيوش ، وحامي الثغور ، ومستوفي الخراج ، وجابي الصدقات .

4. الولاية الخاصة في الأعمال الخاصة كقاضي بلد ، أو اقليم[33] …                 وقد شرحها بعض المعاصرين بأنها تشمل القيام بأي عمل من أعمال السلطات الثلاث : التشريعية ، والتنفيذية ، والقضائية[34] .

 

النوع الثاني ـ الولاية الخاصة في مجال تنفيذ العقود التي عرفوها بأنها : تنفيذ القول على الغير[35] ، وهذا النوع غير مقصود هنا ، وأنه خارج عن موضوعنا .

   

وقد اختلف الفقهاء في مدى صلاحية المرأة للولاية العامة على ثلاثة آراء :

·  الرأي الأول ـ المنع المطلق

·  الرأي الثاني : الجواز المطلق

·  الرأي الثالث : التفصيل

 

ونحن هنا نذكر هذه الآراء الثلاثة مع الأدلة والترجيح بشيء من الايجاز :

الرأي الأول : المنع المطلق وهذا رأي جمهور الفقهاء من أصحاب المذاهب الأربعة ما عدا بعض الاسثتناءات التي نذكرها في الرأي الثالث ، وهو رأي جماعة من المعاصرين أيضاً .

وقد استدلوا لذلك بالكتاب والسنة والاجماع والقياس وسدّ الذرائع ….

 

أولاً ـ الكتاب ، حيث استدلوا بمجموعة من الآيات منها :

أ ـ قوله تعالى : ( وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ )[36] حيث قال الطبري : ( روى عن زيد بن أسلم قوله : ( وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ) : إمارة )[37] ، وهكذا فسره جماعة من المفسرين[38] .

ب ـ قوله تعالى : ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ )[39] حيث ذهب المفسرون إلى أن الآية تدل على إثبات القوامة لجنس الرجال على جنس النساء وأن هذه قاعدة عامة تشمل القوامة داخل البيت وخارجه[40] ، وقال الاستاذ المودودي : ( هذا النص يقطع بأن المناصب الرئيسية في الدولة رئاسة كانت أو عضوية مجلس الشورى لا تفوض إلى النساء…. )[41] .

ج ـ قوله تعالى:( وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ)[42] حيث يدل على أن الله تعالى فضل البعض وهم الرجال على البعض وهنّ النساء في بعض الأمور مثل الارث ونحوه[43].

د ـ قوله تعالى : ( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ )[44] حيث ان الآية تأمر النساء بالقرار في البيت وهذا مخالف لاجازة أن تشتغل المرأة بالمناصب العامة .

 

ثانياً ـ الأدلة من السنة المطهرة :

  يعتبر من أقوى الأدلة وأصرحها ما رواه البخاري وغيره عن أبي بكرة … قال : لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أهل فارس قد ملكوا عليهم بنت كسرى قال : ( لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة )[45] قال الخطابي في الحديث : ( أن المرأة لا تلي الامارة ولا القضاء …)[46]  وقال الصنعاني : ( فيه دليل على أن المرأة ليست من أهل الولايات )[47] وقد ورد الحديث بألفاظ مختلفة منها : ( لا يفلح قوم أسندوا أمرهم إلى امرأة )[48] وفي رواية أخرى : ( لا ، ” لن ” ، ” ما ”   يفلح قوم تملكهم امرأة)[49] .

  ويؤكد هذا المعنى العام أن راوي الحديث أبا بكرة قال ذلك عند ما دعي للالتحاق بحملة جمل بقيادة عائشة ، فقال : ( لقد نفعني الله بكلمة سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم أيام الجمل بعدما كدتُ ألحق بأصحاب الجمل فأقاتل معهم …. )[50] .

  وقد أطال المانعون النفس في شرح الحديث ، ودلالاته على منع المرأة من كل ولاية عامة أو خاصة[51] .

واستدلوا بأحاديث أخرى ليست نصاً في الموضوع[52] .

 

ثالثاً ـ الاجماع :

   حيث انعقد الاجماع على أن المرأة لا تصلح للولاية العامة ، يقول ابن قدامة : ( ولا تصلح للإمامة العظمى ولا لتولية البلدان ، ولهذا لم يول النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا أحد من خلفائه ، ولا من بعدهم امرأة قضاء ولا ولاية فيما بلغنا ، ولو جاز ذلك لم يخل منه جميع الزمان غالباً )[53] .

   وأكد هذا المعنى الشيخ عبدالمجيد الزنداني واستدل لذلك بقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردّ )[54] لكن هذا الحديث فيما يخص العبادات الشعائرية التي الأصل فيها التوقف ، أما العادات والمعاملات فالأصل فيها الاباحة[55].

  

رابعاً ـ القياس :

 أي قياس الولاية على الطلاق ، وعلى الولاية في النفس .

 

خامساً ـ المصلحة :