بسم الله الرحمن الرحيم
نناشد المراقبين أن لا يشهدوا الزور إن لم يقولوا الحق
نظام الاسد له من الدهاء والخداع ما يخدع به هؤلاء المراقبين
الدابي له تجربة فاشلة في دارفور حيث قدم تقريرا خاطئا في البداية مما ترتبت عليه معظم المشاكل
الوحدة لا يتحقق الا بشروط ومواجهة التحديات وتهيئة الوسائل لتحقيقها وحمايتها
بعض الاحزاب والجماعات والطوائف تعطي مبررات للتدخل الأجنبي وعدم تحقيق الثقة بين المسلمين شعوبا وقيادات
أيها الاخوة المؤمنون
لقد تحدثنا في الخطبة السابقة عن ان الايات الكريمة من سورة آل عمران من الاية المئة الى الاية 120 تتحدث تماما عن شروط الوحدة الحقيقية، وعن التحديات التي تواجه هذه الوحدة، وعن الوسائل لتحقيق هذه الوحدة، وقد ذكرنا ان هذه الايات تتضمن مجموعة من الشروط الاساسية، ومن دونها لن يتتحقق الوحدة الحقيقية، وانما ستكون مجرد دعاية واعلام، دون ان تحقق اهدافها ونتائجها المرجوة التي ترجوها الامة الاسلامية جمعاء.
اهم هذه الشروط بإختصار شديد هي مرجعية الامة، ان تتفق الامة على هذه المرجعية، وهي الكتاب والسنة ” وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ”، وهو أخطر شرط من شروط الوحدة، والمفروض ان تكون ذلك من أسهل الشروط ، فالامة الاسلامية كلها -والحمد لله- تدعي الاسلام، ولكن حينما نعود الى المرجعية، تختلف الامة بسبب المناهج، وبسبب تأثير المناهج الغير الاسلامية، والمناهج الوضعية، في نفوس هؤلاء، وبسبب التربية والثقافة التي تشرب بها البعض، يريددون من الاسلام ان تكون مجرد علاقة بين الانسان وربه، دون ان يكون لهذا الرب الذي خلقنا ان يكون له دور في تسيير الحياة، فكأن هذا بمثابة حبس – استغفر الله العظيم – للخالق العظيم في دائرة ضيقة، وهو الخالق وهو المدبر وهو الذي خلقنا، وهو الذي شرع لنا هذا التشريع، ومن هنا جاءت العلمانية لتعادي هذا المشروع الذي ماكان ينبغي ان نختلف عليه، وهو ان نرجع الى الكتاب والسنة، ليس في المجال الصلاة والصيام فقط، وانما في مجال الحياة كلها قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ” ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ”
والشرط الثاني هو الايمان والتقوى، ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ” فبدون هذا الايمان لن تكون هناك رابطة تجمع الامة، وبدون هذا التقوى لن يكون هناك اخلاص، وانما يكون هناك مصالح نفعية، ونفاق، ومجاملات، ومصالح شخصية او حزبية او غير ذلك.
الشرط الثالث هو تحقيق الاخوة الايمانية ” وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا”، هذه الاخوة تترتب عليها حقوق وواجبات، ونحن لا زلنا واقول لكم بكل صراحة، ان حديث الجميع الا من رحم ربي يدور حول واجبات للبعض وليس الحقوق والواجبات المتساوية لهذه الامة المسلمة، فكل واحد منا اذا سنحت له فرصة يريد ان يأخذ بأكثر الحقوق دون ان ينظر الى أخيه المسلم، في ان يكون مساويا له في جميع الحقوق، دون أي تفرقة بين كونه من هذا البلد او غير هذا البلد، وانما يكون الاساس الايمان، ويكون الاساس الجنسية الاسلامية، وهي تكون الاساس لتكوين العلاقات بين الناس، وتكون العلاقات القائمة للحقوق المالية قائمة على العدل والانصاف دون النظر الى أي شئ آخر فهذا شرط اساسي لم يتحقق في العقود الاخيرة بل في القرون الأخيرة لا على مستوى الامة الاسلامية، ولا على مستوى القومية العربية، التي ادعت ان تكون العروبة وسيلة لتجميع الامة، ولكنها لم تنجح الاحزاب القومية في تحقيق هذه المساوات، وفي تحقيق هذه الاخوة، بل تشعبت وتفرقت واصبحت مصالح شخصية وحزبية، ومن هنا فشلت فشلا ضريعا.
وأي وحدة لا تقوم على هذه الاخوة الحقيقية القائمة على الحقوق والواجبات، سوف تفشل وتكون وحدة على الفوق ولا تكون وحدة حقيقية، فلننظر الى الغرب، ماذا فعلوا حتى وصلوا الى ما وصلوا اليه، بهدوء وتدرج اصبحت حقوق المواطنين الاوروبيين متساوية في كل دولة، وينظر الى كل انسان من حيث عمله، من حيث تخصصه، ومن حيث خبراته، ومن حيث تجاربه، هذا هو المعيار دون ان يكون هناك امر آخر يكون معيارا .
الشرط الرابع أن تكون هذه الامة باقية على الخيرية ، خيرية في الثقافة، خيرية في العلم، خيرية في الابداع، خيرية في الجانب الانساني، لا يمكن ان تكون الامة الضعيفة الفقيرة المتخلفة ان تكون امة واحدة، اذا لم تعالج، ولا يمكن ان تتحد الامة وبعضها تموت بالبطنة وكثرة الاكل والشرب والرفاهية المفرطة، والبعض الاخر يموت بالمجاعة والفقر وسوء التغذية . فالامة كالجسد الواحد اذا اردنا ان تكون الامة واحدة لا بد ان تكون كالجسد الواحد ، والجسد الواحد كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم “اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى”، فكيف انا احس بمنتهى الرفاهية وبمنتهى ما سهل الله علي، دون ان احس بإخواني في الصومال وفي افريقيا وفي فلسطين، وفي معظم عالمنا الاسلامي، ويموت يوميا آلاف بل عشرا ت الآلاف من الاطفال والنساء والشيوخ والفقراء بسبب المجاعة وسوء التغذية، بينما يموت بعض الناس في المقابل بسبب كثرة الاكل وكثرة اللحوم والشحوم وغير ذلك، هذا تضارب من الصعب جدا ان يلتقي، الا اذا عملنا بإعادة التوزيع ولا يكون المال دولة بين الاغنياء منكم، فناخذ الحقوق بالكامل فحينئذ ينتهي الفقر، ولو دفعت الزكاة بصورة حقيقية، ووزعت بصورة حقيقية، لما بقي فقير واحد، ولنا في ذلك تجربتان: تجربة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حينما أرسل معاذ الى اليمن، الذي يعاني اليوم في ظل هذا التقدم من الفقر والمشاكل والبطالة ، فقد أرجع معاذ في العام الاول ثلث الزكاة، ولكن سيدنا عمر راجعه، وقال: أهل اليمن أولى بأموالهم ما أرسلتك جابيا، أرسل الله سبحانه وتعالى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم هاديا ولم يرسله جابيا، تأخذ أموالهم من أغنياءهم وتردها على فقراءهم. وقال معاذ: والله يا عمر لم أجد فقيرا يأخذ من هذه الزكاة. وفي العام الثاني زاده الى النصف وفي العام الثالث زاد الثلثان ولم يحتاج الا الى الثلث هذا كان على مستوى اليمن.
اما على مستوى الامة الاسلامية، طبقه عمر بن عبد العزيز خلال سنتين وستة اشهر وسبعة عشر يوما وإحدى عشرة ساعة ، طبق في العام الاول شعار ” لا يبقى فقير معدم” وهو حد الكفاف، جعل العام الاول عام الكفاف، وقضوا على الفقر المعدم تماما في الامة الاسلامية، التي كانت من المحيط الى المحيط، ثم العام الثاني لحد الكفاية، فما بقى فقير معدم وانما وصل الى حد الكفاية، وفي العام الثالث في ستة اشهر اعطوا الناس حتى حققوا للأمة تماما تمام الكفاية، وزاد الزكاة ووزعت على فقراء غير المسلمين وهذا رأي لعمر بن عبد العزيز اذا لم يبقى فقير من فقراء المسلمين يجوز ان يعطى لفقراء اهل الكتاب من اهل الذمة، ثم بعد ذلك اذا زاد على ذلك ايضا اعتق به العبيد، من اراد ان يعتق فاعتق، وزاد على ذلك فزُوج به البنين وكذلك البنات.
الشرط الاخير ان الامة الاسلامية لا بد ان تسعى لكسب الاصدقاء، ولا يجوز للامة الاسلامية والمشروع الاسلامي ان يجعل الجميع من غير المسلمين اعداء ابدا، بل الاسلام يريد دائما ان يبحث عن مشتركات بين الانسانية جميعا، فبينما يحقق الاخوة الايمانية بين المؤمنين، ينطلق الى اخوة أهل الكتاب ثم الى اخوة الاخرين من الوثنيين ومن المشركين، يريد ان يجمعهم بشرط ان لا يضروا بنا، حينما يجعلهم من المشتركات، انهم يبحثون عن الحقيقة، ونبحث كذلك عن الحقيقة، من خلال هذه الاية الكريمة حينما تحدث القران الكريم عن ذلك، تبين بأن هؤلاء لم يُحكم عليهم بأنهم أهل ضلالة وفسق مباشرة، وانما دعاهم الى المناقشة والحوار فقال ” وإنا” من المسلمين “أو أياكم” من المشركين والوثنين ومن كل أصناف ” لعلى هدىً أو في ضلال مبين” فتعالوا لنتناقش ثم قال ” قل لا تسألون” بهذا الاسلوب الرقيق والراقي ” قُلْ لَا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ” لذلك في صورة آل عمران ايضا قال ” ليسوا سواء ” فلا يجوز ان ننظر الى كل من غير المسلمين على نفس المستوى، نحن نعادي من عادانا، نعادي من احتل أرضنا، حتى من اليهود ، الذين لم يحتلوا ارضنا ولم يدعموا اليهود نحن لسنا ضد هؤلاء، بل ضد من يحتل أرضنا، من ياتي ويستعمرنا، من يريد الاضرار بنا هؤلاء أعداء لنا اما ما عداهم ممن لهم مصالح معنا فنجتمع معهم على تحقيق المصالح ولا نطيعهم هذه هي الشروط الاساسية التي تحدثنا عنها في الخطبة السابقة وكررتها يإيجاز في هذه الخطبة.
اما التحديات فقد ذكرت هذه الايات نوعين اساسين من التحديات:
النوع الأول: التحدي الخارجي، أن أعداء الاسلام على رغم موقف الاسلام العظيم، بأنه موقف مسالم، موقف متسامح، موقف يدعو الى الحوار والنقاش مع الجميع دون الحكم عليهم، وانما يريد ان نتحاور جميعا لخدمة الانسانية “وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَىٰ هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ” ” تعالوا الى كلمة سواء بيننا وبينكم” الى آخر الايات التي تحدثت عن هذه المسألة كثيرا ومع ذلك فإن اعداء الاسلام لا يريدون لهذه الامة خيرا، وهذا أمر طبيعي، وأن اشد العداوة لهذه الامة يأتي من هؤلاء، لا يريدون لهذه الامة ان يكون حتى ديمقراطيا التي عندهم، لا يريدون ان تكون هناك ديمقراطية، لأنها تحمي الحرية للشعوب وظلوا مع المستبدين، وظلوا مع الظلمة، وظلوا مع الطغاة، ما دام لهم مصالحهم، هم يعبدون مصالحهم، ولذلك يعلمون او يظنون ان وحدة الامة الاسلامية تأتي على حسابهم، بينما في الحقيقة ان وحدة الامة الاسلامية تأتي لأن تكون الامة الاسلامية لها قوتها، ولها عزتها، ولها كرامتها، وان لا تحتاج الى الغير، لا في الغذاء ولا في الدواء ولا في أي شئ ، ويكون التعامل على اساس المصالح المشتركة، ولكن هؤلاء قد تعودوا على أن يأخذوا ارضنا وديارنا مئات السنين، وجمعوا الثروات واحتلوها . نحن اليوم نبيع لهم برميل نفط بمئة دولار وهم يصنعون من هذا البرميل ويبيعون من منتجاتها بأكثر من 50 ألف دولار، ومع ذلك لا يرضون بدون أن يأخذوا نهبا. فمن هنا يقول الله سبحانه وتعالى ويحذرنا ويقول اذا انتم تريدون ان تكون لكم الوحدة لا يجوز لكم ان تسمعوا لهؤلاء، ولا يجوز لكم ان تطيعوا هؤلاء، فإن اطاعتكم لهؤلاء مهما كانوا دليل على هزيمتكم الداخلية، دليل على إفلاسنا، حينما امتنا الاسلامية أو بعضا استعانت بمناهج الاشتراكية او الشيوعية او الليبرالية الغربية الى آخرها، دليل على إننا مفلسون، مع ان هذا الدين رحمة للعالمين، وقد كشفت التجربة الاقتصادية اليوم أخطر تجربة ، الازمة المالية العالمية، بأنه لا نجاة ولا شفاء الا في الاقتصاد الاسلامي التي يقوم على الاقتصاد العيني، ولا اقتصاد الربا ولا اقتصاد الديون، فلذلك رفع الفائدة مشكلة، ونقص الفائدة مشكلة، ويخرجون من ازمة مالية الى أزمة تجارية، ومن ازمة التجارية الى ازمة الديون، ثم تعود الكرة الى ازمات، وكما قلت لو ما كان هناك ضخ من اموالنا لأنتهى هؤلاء، لأنهم يعيشون على ثروات بلادنا، فيقول الله سبحانه وتعالى محذرا ، حتى يصف من يطيعهم في هذا المجال يصفهم بالكفر فيقول” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ”، وهنا عظمة القرآن الكريم، فلم يقول رب العالمين ان تطيعوا أهل الكتاب بل قال فريقا منهم، فمنهم الصالحون وأكثرهم فاسقون، كما في سورة آل عمران ” كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ ۚ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (110)” ثم قال ” ليسوا سواء” ويقوا الله سبحانه وتعالى ان تطيعوا فريقا، خاصة السياسيين الذين يتأثرون بالصهيونية، او ما يسمى بالغرب بالانجيلية، وهو مسيحيون بالظاهر وصهيونيون في الباطن، واستطاعت الصهيونية ان تُدخل افكار الصهاينة داخل جسم المسيحية من خلال الانجيليين او المتصهينين، هم اشد الناس دفاعا عن اليهود، واشد الناس حقدا وكراهية للمسلمين، وبين الله سبحانه وتعالى، ايضا وبينت السنة النبوية المشرفة، بهذه الاية الكر يمة ان المقصود بالكفر هنا التفرق، اي يردوكم بعد وحدتكم بالايمان كافرين أي متفرقين، ولا يقصد به ان المسلم يرتد عن ايمانه، وهم لا يريدون ذلك اساسا، وانما يريدون ان نكون تبعا لهم، وكذلك سمى الرسول صلى الله عليه وسلم التفرقة كفرا، في حجة الوداع فالرسول صلى الله عليه وسلم ودع الامة بهذه الكلمة وقال ” ولا ترجعوا بعدي كفارا” تكفرون بالله ، لا هذا غير وارد، بل ” يضربوا بعضكم رقاب البعض” حينما يصل الامر بالامة، يضرب بعضهم رقاب البعض، فهذا كفر بنعمة الله، وهذا كفر بالاخوة الايمانية، وهذا كفر بالاسلام الحقيقي، حتى وان لم يكن كفرا بالعقيدة. لذلك هذا اخطر شئ، فالمؤامرات من كل جانب، ومع الاسف الشديد المسلمون يساعدونهم على ذلك، وبأي اسم كان، سواء كانوا متشددون، سواء كانوا طوائف من خلال التهديدات، و على أن لا يكون هناك ثقة بين المسلمين لبعضهم البعض، فمهما كان، فالانسان يريد حماية نفسه، فإذا كان الانسان معرضا للأذى وللإعتداء حتى من أخيه الشقيق، فلا يقبل بذلك، وهذا ما ساعد الصليبية على مر تاريخنا الاسلامي او الصهاينة الذين ساعدوهم على التمكن منا، هم مع الاسف الشديد من هذه الامة، والا فهم لا يستطيعون ان يصلوا الينا لو كنا موحدين ومتحدين ” ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم”، نحن نختلف مع البعض وهم يدعون الحماية لنا، ويقنعوننا بها، ولكن النتيجة ان اموالنا تكون لهم مرة أخرى، مرة نصرفها على الحرب الايرانية العراقية مئات المليارات، ومرة أخرى حينما احتل العراق الكويت صرفت كذلك مئات المليارات في اخراج العراق، ثم بعد ذلك التهديدات الايرانية، ثم بعد ذلك فيما يسمى الحرب على الارهاب، واموال المسلمين حقيقة هي التي تصرف على الحروب الداخلية، ولذلك جعل الله هذه التفرقة كفرا يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ”، وهؤلاء الذين يهددون، او هؤلاء الذين يساعدون على هذه الفرقة، هم اطاعوا الغرب سواء ارادوا ام لم يريدوا، اطاعوا الغرب وساعدوهم على مزيد من التفرقة، وساعدوهم على مزيد من عدم الثقة، كما قال الشيخ احمد ياسين رحمة الله عليه في مقابلة: حربنا مع اليهود ليس مسألة دينية وانما نحن اصحاب هذه الارض ففي بداية سنة 1900 ما كان هناك يهودي واحد، ثم جاءوا واخذوا ارضنا، فلو أخي الشقيق جاءني وطردني من البيت بالقوة لحاربته وقاتلته، وهذا امر طبيعي. هذه قضية خطيرة ولكن هذا لا يعني اننا نعالج المسألة بالخطأ ايضا، بل نعالج هذه القضية فيما بيننا، ونبين الحقائق لنا، وحتى داخل دول الخليح اذا كان هناك خوف لم يكن هناك وحدة اذا خافت دولة صغيرة من دولة كبيرة، ولذلك في حال الخوف استعان بعض الدول بالغرب على دول اخرى، لذا يجب تحقيق الاخوة الايمانية، والمساواة الكاملة وحقوق متقابلة دون فرق بين دولة وأخرى صغيرة، هذه هي الاسس الاساسية، الثقة، وبدون الثقة لا يمكن الوحدة، فالانسان يستعين بالله سبحانه وتعالى لرد الاعداء.
التحدي الثاني: هو التحدي الداخلي، تحدي النفس، تحدي حظوظ النفس، والمناصب، ووجاهات، وتحدي الكراسي، ولذلك يتشكل من ذلك الفرق، ولذلك قال الله سبحانه وتعالى في نفس الايات وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ ۚ وَأُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ”، فالتفرق هنا التفرق الكامل، حيث اصبحوا كيانا، كإنشاء حزب مخالف وضد حزب آخر، او دولة معادية لدولة اخرى، اختلاف في الافكار ولكن ليس في الافكار العادية، وانما اختلافات جوهرية فيما لا يجوز فيها الاختلاف، سواء اكان على مستوى الاسلام، او على مستوى الامة، فهناك امور في كلا الحالتين لا يجوز الاختلاف فيها، حينما يكون الامر متعلقا بالمصالح العامة للامة الاسلامية، ولذلك بين رب العالمين حينما تحدث عن المؤمنين وعن هذه الامة بقوله “وَإِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ” اذاً الامة الواحدة تحتاج الى تقوى، والتقوى هو التجرد من حظوظ النفس، ثم قال فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا ۖ كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ”، وهذه هي المصيبة حينما تتقطع الامور بيننا، هذا في جهة وذاك في جهة أخرى، وليس بينهم وصل، والمشكلة انهم لا يحسون، إنهم فرحون بما يقولون، وانهم يمثلون الاسلام وكذا وكذا وهنا يأتي المشكلة الكبيرة.
اما الوسائل التي تحمي هذه الامة ايضا ذكرت من خلال هذه الايات وسليتيت عظيمتين
الوسيلة الأولى: وسائل المجتمع الاهلي او المدني، بحيث يكون هناك حراك على مستوى الامة من خلال الجمعيات، ومن خلال الافراد، ومن خلال الامة كلها ،ان يكون لديهم حراك دائم بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر ” وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ” فالمؤسسات والاغاثة يكون لصالح منع الشر، وتحقيق الخير، هذه الحراك التي تحقق اخيرا من خلال الثورات العربية، حيث كانت حراكا شعبيا، وهذا هو المطلوب، لذلك علماؤنا قالوا عن كلمة “منكم” بأن حرف “من” للبيان وليس للبعض، لأن الله سبحانه وتعالى قال بعدها “واولئك” على سبيل الحصر “هم المفلحون”، فكل واحد منا على قدره ان يعمل بالمعروف ، وان ينهي عن المنكر، وان لا يسكت ابدا، وأن ينصح، وان لا يسكت عن الباطل، فالسكت عن الحق شيطان أخرس، فإذا كانت الامة بهذا الحراك، يجبر القيادة على الوحدة الحقيقية، وهذا اهم وسيلة لتحقيق الوحدة ولحماية الوحدة.
الوسيلة الثانية: وسيلة خارجية، وهي ان تكون لهذه الامة وسائل خارجية منها القوة العسكرية القوية، مثلما هي الناتو لأوروبا، ايضا يجب ان تكون للدولة الخليجية والعربية والاسلامية قوة عسكرية، ومعها ايضا محاكم العدل، ومحاكم دستورية، ومحاكم فدرالية، ومحاكم اتحادية، تحكم فيما بين الحكام وبين الشعوب، في الامور المختلف فيها على مستوى الامة، هذا ما قاله الله سبحانه وتعالى في سورة الحجرات ” وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ۖ فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللَّهِ”، اذا نحن لم نملك القوة نستعين بالأخرين، واليوم كذلك الفريق الذي يسمى بالمراقبين ونحن نسميهم بالمتفرجين، ياليتهم لم يذهبوا الى سوريا، لأنه مع الاسف الشديد اغروهم وكذلك خدعوهم، فمسؤول المراقبين يقول ” لم ارى شيا مخيفا” فهل رأيت الحمص كلها ؟ بل رأى جزءا من الحقيقة ويجب عليه ان يرى الحقيقة بكاملها .
فلذلك اذا اردنا الوحدة، فللوحدة شروطها وتحدياتها ووسائلها، وبدون هذه الوحدة نكون متخلفين وغير قادرين على حماية حقوقنا.
الخطبة الثانية
ان الوحدة، شئنا ام ابينا، فريضة شرعية لا يمكن لأي احد ان ينكرها، سمى الله سبحانه وتعالى الفرقة على مستوى الامة كفرا، كما سمى الرسول صلى الله عليه وسلم كذلك ضرب البعض رقاب البعض كفرا في وصيته الاخيرة في حجة الوداع، ومن هنا علينا جميعا على مستوي المجتمع، وعلى مستوى الافراد، وعلى مستوى المؤسسات، ان نسعى لتحقيق هذه الوحدة، ثم بعد ذلك يكون طبيعيا ان تصل هذه الرسالة الى القادة اذا كانت الشعوب وصلت الى هذه المستوى، وكما راينا ان رسالة الشعوب اذا اتفقت تؤثر، فحينما اجتمع الشعب التونسي لم يستطيع الظلم رغم قوته وجبروته ان يقف، وهكذا الامر بالنسبة للشعب المصري، وكذلك في ليبيا، والاشكالية الكبرى في اليمن، حينما صار هناك شئ من التفرق، تأخر النصر، وكانت التضحيات جساما بسبب هذه التفرقة والمواقف، رغم ان الذين خالفوا رسالة الشعب هم القلة، وكذا الامر في سوريا، لو كانت حلب وكذلك دمشق قامتا بواجبهما، ولو كان العلماء قاموا بواجبهم من بيان الحق، والصدع بالحق، وكما اراد الله سبحانه وتعالى لهم ” الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ”، لو كان ذلك متحققا لما استطاع نظام الاسد مهما كان، سواء اكان اسدا او نمرا او اي شئ، لما استطاع ان يقف امام قوة الشعب، فهذا النظام باق بسبب التخويف، وانه لم تصل المظاهرات الى كافة الشعب السوري، بالاضافة الى سبب الترهيب والممارسات الخطيرة التي تشاهدونها من التعذيب والتقتيل، التي لم يشهد التاريخ مثله، ولكن يذكرنا بمشاهد التعذيب عند الصليبية حينما كانوا يقتلون المسلمين من خلال محاكم التفتيش، ومن خلال حرقهم، ومما ذكر في التاريخ يذكرنا بجرائم اليوم الخطيرة في سوريا، ولكن مهما فعلوا ، ومهما حاولوا فإن الله فوق كل شئ قاهر، وهو القادر، واذا وصل الامر الى مرحلة الطغيان والفساد والقتل فإن قدر الله سبحانه وتعالى وسنته قاضية بإزالة هذه المظالم.
نحن نطالب هؤلاء المراقبين ونخاطبهم، ان يتقوا الله سبحانه وتعالى في شهاداتهم، الله سبحانه وتعالى تكلم عن دريهمات حينما يخفي الانسان الشهادة فيها فيقول” وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ”، فما بالك بالشهادة على هؤلاء الذين يقتلون بعشرات، يمكن للانسان ان يسكت، ولكن لا يجوز للانسان ان يقول الباطل، او ان يشهد الزور، هذا من اكبر الكبائر، لا ينظر الله اليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم، ثلاث مرات حتى كان الرسول صلى الله عليه وسلم مضطجعا ثم قعد بسسب شهادة الزور في المال، فما بالك في سكب الدماء، وفي الاعراض في شعب وليس في فرد او اثنين، فليتقوا الله في ذلك، واذا لم يستطيعوا ان يتحققوا فليقولوا اننا لم نستطيع ان نؤدي مهمتنا وكفى، اما ان يشهدوا شهادة الزور هذا الذي نخاف منه، ولكنه مهما شهدوا شهادة الزور، ومهما خدعوا او انخدعوا فإن الله لا ينخدع “يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ”، فالله سبحانه وتعالى فوق العباد، وفوق كل شئ، وان الله سبحانه وتعالى له سننه، وان سننه تجري في الظلمة، كما تجري بإرادة الله سبحانه وتعالى.