عقد الإجارة عقد من عقود المعاوضات المالية اللازمة للطرفين ، فلا يجوز فسخها بعد انعقادها إلاّ برضا الطرفين عند جماهير الفقهاء ، واستثنى أبو حنيفة وأصحابه حالة عذر طارئ ، حيث يجوز للمكتري فسخ الإجارة للعذر الطارئ على المستأجر ، مثل أن يستأجر دكاناً يتجر فيه فيحترق متاعه أو يسرق  .

  ويترتب على ذلك أن فيه الخيارات الخاصة بالعقود المالية الملزمة من خيار الشرط ، وخيار المجلس عند من يقول به  .

  وعقد الإجارة على الأشخاص عقد مشروع على وفق القياس عند جماعة من الفقهاء ، منهم جماعة من الحنابلة وانتصر له ابن تيمية ، وابن القيم بقوة ، وذهب جماعة منهم الحنفية  إلى أنه عقد وارد على غيرالقياس بناءً على أنه عقد وارد على المعدوم وهو المنفعة  .

  والراجح أن عقد الإجارة عقد جار وفق القياس ، وليس استثناءً ، وذلك لورود أدلة خاصة من الكتاب والسنة بمشروعيته .

 

أنواع الإجارة على عمل الأشخاص :

التقسيم الأول باعتبار محلها : تقسم الإجارة على الأشخاص باعتبار محلها إلى نوعين هما : الإجارة على منفعة شخص يختص بالمستأجر ، والإجارة على عمل شخص ليس مختصاً بالمستأجر فقط .

النوع الأول : الإجارة على شخص خاص : وهي الإجارة التي يقتضي تنفيذها تسليم الأجير نفسه للمستأجر ليعمل عنده مدة من الزمن ، وذلك مثل أن يتم العقد بينهما على أن يعمل له الخياطة ، أو التجارة ، او السباكة ، أو الخدمة ، أو الإدارة لمدة شهر مثلاً .

  فالعقد هنا يحدد أجيراً بذاته فيسلم نفسه إلى صاحب العمل ( المستأجر ) فيعمل لديه لأي عمل مشروع خلال زمن محدد ، وهو ما يسمى الأجير الخاص الذي لا يعمل إلاّ للمستأجر ، كالخادم والموظف ، وأنه يستحق الأجرة بمضي المدة بعد تسليم نفسه إليه .

 

النوع الثاني : الإجارة الواردة على عمل شخص ليس مختصاً بالمستأجر : وهذا ما يسمى بالأجير المشترك  أو الأجير العام ، لأنه ليس خاصاً بصاحب العمل ، حيث إن التزامه ينحصر في إكمال العمل الذي طلب منه على الوجه المطلوب ، فهو لا يسلم نفسه إلى المستأجر ، بل يبقى في محله ، كما أنه يتقبل الأعمال من الآخرين  .

 

  فالمعيار الممّيز في الأجير الخاص والعام هو أن الأجير الخاص عليه أن يسلم نفسه لصاحب العمل ( فرداً أو جماعة أو مؤسسة أو شركة ) ، وأن يحدد له مدة معينة يكون لصاحب العمل الحق في الانتفاع به دون غيره ، وأنه إذا لم يكلف بعمل ، أو لم ينجز العمل دون تقصير فإنه يستحق الأجر المتفق عليه ، فالعقد وارد على الشخص نفسه أصلاً ليقوم بعمل ما ، فيكون العمل تبعاً .

  وأما الأجير المشترك فالمعيار فيه هو إتمام العمل المطلوب دون تسليم نفسه إلى صاحب العمل ، وأن صاحب العمل لا يختص به ، فالعقد وارد أصلاً على العمل وليس على الشخص مباشرة .

التقسيم الثاني باعتبار التعيين ، أو ما في الذمة حيث تقسم الإجارة على الأشخاص إلى نوعين :

النوع الأول : الإجارة الواردة على شخص معين ، مثل أن يقول المستأجر في الإجارة الخاصة : أجرت زيداً لعمل كذا لمدة كذا ، وكقصة سيدنا موسى عليه السلام ، وفي الإجارة المشتركة يقول : أجرتك أيها الخياط لخياطة هذا الثوب ، قال النووي : ( وكمن استأجر شخصاً بعينه لخياطة ثوب)  .

 

النوع الثاني : الإجارة الواردة على الذمة ، وذلك بأن يقول في الإجارة الخاصة ، لزيد    ـ مثلاً ـ اتفقت معك على أن تقوم بتخصيص شخص مواصفاته كذا ليقوم بخدمتي أو تطبيبي لمدة سنة بمبلغ كذا ، وحينئذ يجوز أن يقوم زيد بهذا الواجب ، أو أي شخص آخر تتوافر فيه المواصفات المطلوبة .

  والمثال للإجارة المشتركة أن يقول المستأجر : ألزمت ذمتك خياطة هذا الثوب ، أو أن يقول لزيد ـ مثلاً ـ : اتفقت معك على خياطة هذا الثوب ، حسب المواصفات المبينة.

  فالمعيار في التفرقة بين النوعين هو أن النوع الأول وارد على معين ، ولذلك لا يستبدل بشخص آخر كما أنه يبطل بموت الأخير ، أو فقدانه الأهلية ، في حين أن النوع الثاني وارد على شيء موصوف في الذمة ، فكيفما يتحقق العمل المطلوب حسب المواصفات فقد برأت ذمة الأجير ( خاصاً كان أو عاماً )  كما أنه لا يبطل بموته ، ولا يفقدان أهليته .

 

التقسيم الثالث باعتبار صيغتها : حيث تقسم الإجارة بهذا الاعتبار إلى إجارة منجزة ، وإجارة مضافة إلى زمن مستقبل ، وإضافة معلقة :

النوع الأول : الإجارة المنجزة : هي التي يعبر فيها بصيغة دالة على إنجاز العقد دون تعليق ولا تأقيت ، مثل أن يقول : أجرتك لمدة عام بمبلغ كذا ، حيث تبدأ الإجارة من وقت العقد .

  وهذا هو الأصل ، إذا لم يوجد في العقد ما يصرف الصيغة عن التنجيز ، أو لم ينص على بداية العقد ، فإن الإجارة تكون منجزة ، فتبدأ من وقت العقد  .

النوع الثاني : الإجارة المضافة إلى زمن مستقبل ، مثل أن يقول : أجرتك لمدة عام بدءاً من شهر كذا ، أو أجرتك من يوم كذا إلى كذا ، وذلك بأن يتم التعاقد ، ولكن يؤخر البدء بالإجارة إلى زمن لاحق ، وهكذا .

  والإضافة في الإجارة صحيحة بالاجماع في الإجارة الواردة في الذمة ، أما الواردة على الأعيان المعينة فجماهير الفقهاء على صحة الإضافة فيها إلى مستقبل ، وخالفهم أكثرية الشافعية  إلاّ في بعض صور مستثناة أجازوا فيها الإضافة مثل أن تكون المدة يسيرة ، أو الاستعداد قائماً ، أو نحو ذلك  ، لكن الشيخين ( الرافعي والنووي ) قالا : ان التفرقة بين إجارة الذمة ، وإجارة العين لفظية في هذا النطاق لأن كلتيهما واردة على العين أي على منفعتها  .

  وذهب محمد بن الحسن الشيباني في إحدى الروايتين عنه إلى أن الإجارة إذا أضيفت إلى زمن زالت عنها صفة اللزوم ، وأصبحت غير لازمة بحيث يجوز لأحد الطرفين فسخها قبل حلول بدء مدتها  .

    والراجح جواز إضافة الإجارة إلى المستقبل ، حيث ترجم البخاري باباً لهذا سماه : باب إذا استأجر أجيراً ليعمل له بعد ثلاثة أيام ، أو بعد شهر ، أو بعد سنة جاز ، وهما على شرطهما الذي اشترطاه إذا جاء الأجل ، ثم أورد حديث عائشة رضي الله عنها قالت : (واستأجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبوبكر رجلاً من بني الدّيل هادياً خريتاً وهو على دين كفار قريش ، فدفعا إله راحلتيهما ، ووعداه غار ثور بعد ثلاث ليال ، فأتاها براحلتيهما صبح ثلاث)  قال الحافظ ابن حجر : (والذي ترجم به هو ظاهر القصة ، ومن قال ببطلان الإجارة إذا لم يشرع في العمل من حين الإجارة هو المحتاج إلى دليل …..واستنبط من هذه القصة جواز إجارة الدار مدة معلومة قبل مجيء أول المدة) .

 أما تعليق الإجارة على حدوث أمر في المستقبل فلم يجزه الجمهور لكن الحنفية والحنابلة في رواية أجازوا ما هو على صورة التعليق مثل لو قال لخياط : (إن خطت هذا الثوب اليوم فبدرهم ، أو غداً فبنصف درهم) . 

4. محل العقد أو المعقود عليه هو الأجرة والمنفعة ، وليس أصل العين ، وقد أولى العلماء عناية كبيرة ببيان أحكام الأجرة ، والمنفعة ، نذكر أهمها بإيجاز .

 

النوع الثالث : تعليق الإجارة : إذا قصد بالتعليق تعليق عقد الإجارة على تحقق شيء مثل أن يقول : إن جاء فلان فقد أجرتك ، فهذا التعليق غير جائز في عقد الإجارة باتفاق الفقهاء  ، وذلك لأنه يؤدي إلى وجود احتمال وغرر في تحقق العقد نفسه ، وهذا غير جائز في الإجارة قياساً على البيع في كونهما من عقود المعاوضات اللازمة ، وأنهما من عقود التمليكات ، بل جماعة من العلماء إلى ادخال الإجارة في البيع ، لأنها في حقيقتها بيع منفعة.

  وأما إذا كان التعليق لا يؤثر في العقد من حيث الاحتمال وإنما الاحتمال يكون في تحديد الزمن والثمن ، بأن يقول : إن خطت هذا الثوب اليوم فبدرهم ، أو غداً فبنصف درهم ، فهذا جائزعند جمهور الفقهاء  ، لأن هذه الصيغة تدل على إنشاء العقد وتحقيقه ، وليس فيها دلالة على احتمالية العقد من حيث هو ، وإنما الاحتمال في الثمن والمدة ، إضافة إلى أن مثل هذا قد جرى به العرف ، وليس فيه جهالة مؤثرة ، لذلك فلا حرج فيه .