أركان عقد الإجارة على الأشخاص هي العاقدان ، ـ أي : الأجير والمستأجر ، والصيغة ، أي : الايجاب والقبول ، والمعقود عليه وهو الأجر ، والعمل أي المنفعة ـ ونحن هنا نذكر هذه الأركان بشيء من الشرح والتفصيل ، وبخاصة فيما يتعلق بالمعقود عليه :

الركن الأول : العاقدان وهما : الأجير والمستأجر ، وقد يكون كل واحد منهما فرداً ، أو جماعة  وقد يكون شخصاً طبيعياً ، أو شخصاً معنوياً ـ كما سبق ـ ، شروطهما :

أ ـ العقل : يشترط في الأجير والمستأجر أن يكونا عاقلين ، فلا تصح عقود المجنون ، والصبي غير المميز ، ومن زال عقله ولو لفترة قصيرة ما دام العقد يجري في هذه الفترة ، وقد جرى خلاف في عقود السكران ، والراجح الظاهر هو أنها إذا كانت في حالة السكر التام فإنها غير صحيحة  .

 وكذلك يجب أن تكون إرادة العاقدين لا يشوبها عيب من عيوبها من الاكراه ، والتدليس ، والغلط على تفصيل  .

ب ـ التمييز : واكتفى جمهور الفقهاء الحنفية ، والمالكية ، والحنابلة ، بأهلية الأداء الناقصة ، وبالتالي أجازوا إجارة الصبي المميز نفسه إن كان مأذوناً من وليه ، وإن لم يكن مأذوناً فيصح العقد موقوفاً على الإجازة عند الحنفية ، والراجح عند المالكية ، وأحمد في رواية ، في حين ذهب المالكية في القول المرجوح ، وأحمد في رواية إلى عدم صحة العقد وانعقاده ، لأن الولاية شرط عندهم لصحة العقد ، وهذا يدخل في موضوع عقود الفضولي  . 

وذهب الشافعية والظاهرية إلى عدم صحة عقود الصبي ولو كان مميزاً  .

 

مدى بقاء العقد لازماً  ؟

  وإذا كان تأجير الصبي المميز نفسه محل خلاف بين الفقهاء فإنهم اتفقوا على جواز قيام وليه بتأجيره إن كانت فيه مصلحة ، ولم توجد مفسدة ، ولكنهم اختلفوا في لزوم هذا العقد إذا بلغ الصبي قبل انتهاء مدة العقد ؟

  فذهب الشافعية في قول ، والحنابلة على المذهب إلى بقاء العقد ولزومه إلى نهايته ، وبالتالي فلا يكون مخيراً في الفسخ وعدمه ، لأن العقد تم بإرادة شرعية صحيحة ، فتبقى على حالتها  .

  وذهب الحنفية ، والمالكية ، والشافعية في قول ، والحنابلة في رواية إلى أن العقد يصبح غير لازم ، ويكون الصبي بعد بلوغه مخيراً ، لأن في استبقاء العقد إضراراً به ، لأنه بعد البلوغ تلحقه الأنفة من خدمة الناس ، ولأن المنافع تحدث شيئاً فشيئاً ، وعقد الإجارة وارد على هذه المنافع المتجددة الحادثة فكان له خيار الفسخ  .

  وذهب الشافعية على القول الأصح ، والحنابلة في رواية ثالثة إلى التفرقة بين مدة حددها الولي وكان يعرف أنه يبلغ قبل انتهائها ، حيث يكون للصبي البالغ الخيار ، وبين مدة لم يكن متوقعاً بلوغه فيها ، ولكنه بلغ ، وحينئذ يظل العقد لازماً إلى نهاية المدة  .

 وقد أوضح النووي مذهب الشافعي ، فقال : ( للولي إجارة الطفل وماله ، أبا كان أو وصياً أو قيّماً ، إذا رأى المصلحة فيها ، لكن لا يجاوز مدة بلوغه بالسن ، فلو أجره مدة يبلغ في اثنائها ، بأن كان ابن سبع سنين ، فأجره عشر سنين ، فطريقان ، قال الجمهور : يبطل فيما يزيد على مدة البلوغ ، وفيما لا يزيد قولاً تفريق الصفقة ، والثاني : القطع بالبطلان في الجميع ، وهو الأصح عند البغوي ،،،، قلت : واختاره أيضاً ابن الصباغ والله أعلم …

  ويجوز أن يؤجره مدة لا يبلغ فيها بالسن وان احتمل بلوغه بالاحتلام ، لأن الأصل بقاء الصبّا ، فلو اتفق الاحتلام في أثنائها ، فوجهان ، أصحهما عند صاحب ( المهذب ) والروياني : بقاء الإجارة ، وأصحهما عند الإمام والمتولي : لا تبقى … قلت : صحح الرافعي في ( المحرر ) الثاني .. والله أعلم )  .

  ويظهر رجحان القول الأخير ، لأنه أعدل الآراء ، وذلك لأن تحويل العقد اللازم إلى عقد غير لازم بالاطلاق الذي قاله أصحاب القول الثاني ليس له ما يبرره ، فالعقد تم بإرادة الوليّ الذي له الولاية الشرعية ، كما أن الأصل في العقود اللازمة بقاؤها على حالتها ، لأنه قد يترتب على إعطاء الحق للصبي البالغ إضرار بالطرف الآخر .

  ومن حانب آخر فإن بقاء القعد لازماً لمدة طويلة قد يريدها الولي يترتب عليه إضرار بالصبي ، لذلك فيكون الأقرب إلى القسط والعدالة ، والتوازن هو الرأي الثالث .

 

المحجور عليه لسفه أو دين :

  واتفق الفقهاء على أن الحجر لسفه ، أو لدين لا يمنع الشخص من تأجير نفسه لغيره إجارة خاصة ، او مشتركة ، لأن في ذلك مصلحة ، ولا تترتب مفسدة بالدائن أو بأموال الأجير نفسه ، بل إن في تأجير نفسه منفعة مادية للدائن أيضاً ، حيث يمكنه دفع جزء من الدين من الأجرة  .

  وأما إذا قام المحجور عليه بسبب الدين بتأجير أجير لخدمته فهذا يمنع منه إلاّ لحالة الضرورة ، أو الحاجة التي تنزل منزلة الضرورة ، لأن في ذلك إضراراً بالدائن ، أما قيامه بالتأجير للخياطة والصناعة فيخضع لاذن القاضي ، إلاّ في الأمور البسيطة التي يقتضيها العرف .

  وأما المحجور عليه لسفه فيجوز تأجير خادم له بإذن وليه إذا كان له مال ، كما أن له الحق في التأجير فيما يحتاج من خياطة وصناعة ونحوهما .

 

إجارة المرأة :

  لا خلاف بين الفقهاء في جواز أن تكون المرأة مؤجرة ، كما لا خلاف في كونها أجيرة ، من حيث المبدأ ، وان كان هناك خلاف في بعض التفاصيل والضوابط ـ كما سيأتي ـ ويدل على جواز التأجير ـ من حيث المبدأ ـ الآيات التي تدل على استئجار المرأة للرضاعة ـ كما سبق ـ والأحاديث الدالة على عمل المرأة .

 

إجارة غير المسلم للمسلم وبالعكس :

   أجمع الفقهاء على جواز أن يستأجر المسلم غير المسلم ، حيث استأجر الرسول صلى الله عليه وسلم مشركاً ليكون دليلاً له في الهجرة ـ كما سبق ـ 

  وأجاز جمهور الفقهاء أن يؤجر المسلم نفسه ( سواء أكان أجيراً خاصاً أو مشتركاً ) لغير المسلم ما دام العمل الذي يقوم به جائزاً ، أما إذا كان العمل غير جائز كعصرالخمر ، أو حملها ، ورعي الخنازير فهذا غير جائز ، وان عقد على ذلك فإن الإجارة ترد وتفسخ إذا كانت قبل العمل ، ولكن ان بدأ بالعمل ، أو فرغ منه فإن الأجرة تؤخذ من الكافر ويتصدق بها ، ولا يستحلها لنفسه إلاّ انه يعذر بالجهل  .

  والشافعية والحنابلة منعوا أن يقوم المسلم بخدمة الكافر الخدمة الشخصية ، والحنفية كرهوا ذلك.

والجميع منعوا ذلك إن كان في الإجارة إذلال للمسلم أو استخدامه في المعصية  .

 

الركن الثاني : الصيغة ( الايجاب والقبول ) : وهي الوسيلة التي يعبر العاقدان بها عن إرادتهما ورضاهما ، ولذلك لا بدّ أن تكون صريحة واضحة بذاتها ، أو بالقرائن في الدلالة على التعبير عما هو مقصود ، وذلك يتم عن طريق الألفاظ الدالة على انشاء العقد وقبوله ، أو الكتابة أو المعاطاة ، أو الإشارة المفهمة ، أو السكوت في بعض العقود ، ويجوز أن يتم هذا التعبير عن الإرادة عن طريق الوسائل الحديثة كالتليفون ، والانترنيت ، ونحوها  وقد صدر قرار رقم 52(3/6) بجواز اجراء العقود بالآت الاتصال الحديثة .

ويشترط في الصيغة ( الايجاب والقبول ) ما يأتي :

1ـ تنجز الصيغة أي أن تكون الصيغة منجزة وهذا هو الأصل ، ولكن قد يجوز أن تكون معلقة ، أو مضافة حسب الضوابط السابقة .

2ـ موافقة القبول للايجاب في جميع جزئياته بأن يقبل ما أوجبه الطرف الأول ، وإلاّ فإن غير فيعتبر ايجاباً جديداً يحتاج إلى قبول الآخر ، فلو قال الأجير : أجرتك شهرياً بألف ، فقال المستأجر : قبلته بخمسمائة ، لم ينعقد العقد إلاّ إذا كان داخلاً في قوله وراضياً به بطريق أولى ، مثل أن يقول : أجرتك بألف فقال : قبلت بألف وخمسمائة أو نحو ذلك فهذا جائز ، لأن الألف داخل في الألف وخمسمائة ، ولأنه راض به بطريق أولى  .

3ـ اتصال القبول بالابجاب في مجلس العقد ، لأنه جامع المتفرعات إذا كانا حاضرين ، أو في مجلس العلم إن كانا غائبين ، وهناك تفاصيل حول هذه المسألة تذكر في نظرية العقد  .

  والإجارة تنعقد بالكتابة ، وبإشارة المعذور كما تنعقد باللفظ الدال على المطلوب ، وكذلك تنعقد بالبذل والمعاطاة كالركوب في باخرة المسافرين ، وسيارات الأجرة دون تلفظ من أحد العاقدين ، فإن كانت الأجرة معلومة أعطيت ، وإلاّ فأجرة المثل  .

 وكذلك تنعقد بالسكوت كأن يقول المؤجر : أجرتك داري بمائة فسكت المستأجر سكوتاً يفهم منه الموافقة أو قال : لا بل بثمانين ديناراً فسكت المؤجر تم العقد  .

  وتنعقد كذلك إجارة الفضولي عند من يجيز عقوده موقوفة على إجازة من بيده حق التصرف  .

 

الركن الثالث : المعقود عليه :

  ورد عن بعض فقهاء الشافعية أن محل الإجارة : الأعيان المعينة ، أو الموصوفة في الذمة أو الأشخاص  ، وذلك لبيان مرجع المنفعة وإلاّ فإن الإجارة لا تقع إلاّ على المنفعة ، فهذه هدفها الأساسي ومقصدها الأصلي ، ولكن بما أن هذه المنفعة لا بدّ لها من محل يتعلق به من عين معينة ، أو موصوفة في الذمة ، أو الشخص فقد يعبر عنها بمحلها ومتعلقها ، ولذلك فما يقال من أن محل الإجارة على الأشخاص العمل لا يتعارض مع ما ذكرنا ، لأن العمل أيضاً هو المنفعة والأثر الناتج عن الشخص ، ومن هنا فالمنفعة والأجرة هما طرفا المعقود عليه ، جاء في حاشية القليوبي تعليقاً على قول النووي : واردة على عين : أي على منفعة متعلقة بعين ، كما ذكره بعده فمورد الإجارة المنفعة مطلقاً ، وقيل : موردها في المعين : العين ، قال الشيخان : ( والخلاف لفظي …) .