ايها الاخوة المؤمنون

لا زلنا نعيش في ظل الايات القرانية التي تتحدث عن عباد الرحمن. تلك هي امنيتنا جميعا ان ندخل في عباد الرحمن في هذه الدنيا ونفوز في الاخرة بالخلود الدائم في الجنة ان شاء الله. ولذلك ايها الاخوة الاحبة حق لنا ان نعيش مع هذه الصفات بل وجب علينا ان نبحث على توفير هذه المواصفات سا ئلين المولى سبحانه وتعالى ان يجعلنا ممن يتحلون بها. وقد تحدثنا في الخطب السابقة عن اهم مواصفات عباد الرحمن هؤلاء بدءا بالصفات القولية والسلوكية العالية ومن الاخلاقيات النبيلة ومن العيش مع الله من خلال العبودية لله سبحانه وتعالى ثم من خلال الدعاء اليه ثم المنهج الوسطي في الانفاق وفي كل شيء كما نزههم الله سبحانه وتعالى عن ارتكاب الكبائر والمنكرات منها. “ولا يدعون مع الله اله اخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله الا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلقى اثاما يضاعف له العذاب ويخلد فيه مهانا”.

طيب، وهؤلاء الذين وقعوا في هذه المعاصي هل لهم من طريق ان يلتحقوا بعباد الرحمن؟ بين الله سبحانه وتعالى ذلك فقال بان باب التوبة مفتوح.  التوبة المبنية على اسس وهي الندم والاقلاع ولكن هؤلاء لهم طريق اخر وهو طريق التوبة الذي بموجبه يدخلهم الله برحمته في ظل عباد الرحمن  حينما تكون توبتهم نصوحة. 

إن الآيات التي تتحدث عن عباد الرحمن تتحدث عن الجرائم التي تقع على الضروريات الخمس وهي مقاصد الشريعة والتي هي الحفاظ على ضروريات الانسان في الدين والعقل والنفس والنسل وكذلك المال  فهذه الآيات الكريمة ضمنت الـاصول الخمسة والحفاظ عليها بعدم الاعتداء ثلاثة منها ذكرت بالنص << والذين لا يدعون مع الله إله آخر>> وهذا فيه اعتداء على الدين وذلك بالشرك بالله تعالى << ولا يقتلون النفس التي حرم الله الا بالحق>> وهذا دليل على الحفاظ على النفس من خلال عدم الاعتداء عليها وهذا ما يسمى بالجانب السلبي أو العدمي أما جانب الوجود فهو من خلال الحفاظ على الصحة وذلك بمأكل طيب ومشرب طيب وتوفير الغذاء والدواء الذي يحتاج اليه الانسان للحفاظ على هذه النفس وكذلك الحفاظ على النسل << ولا يزنون>>  من جانب السلب حيث يكون هناك حد على الزنا ومن جانب الوجود بالتزوج والاعفاء بعدم الاعتداء على أعراض الناس  أما المقصدان الآخران فقد تحدثت الآيات السابقة عن المال حينما تحدثت عن الانفاق الوسط << والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما>> وهذا يدل على المحافظة على المال وهي الضرورة الرابعة  أما مسألة الحفاظ على العقل فقد تناولتها هذه الآيات من خلال مسألة التفكير وذلك من خلال القول في قوله تعالى << والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذابها ان عذابها كان غراما>>

هذه هي الضرورات الخمس التي يقوم عليها الانسان ويقوم عليها المجتمع ويجب على الدولة أن تحافظ عليها ثم بعد أن تحدث الله سبحانه وتعالى في هذه الآيات عن هذه المكارم والمحافظة عليها تحدث الله سبحانه وتعالى عن الجرائم والكبائر التي يجب اجتنابها تحدث سبحانه عن الطريق المطلوب اتباعه للخروج منها لمن وقع فيها أو في بعضها  بقوله << الا من تاب وآمن وعمل  عملا صالحا فأولائك يبدل الله سيئاتهم حسنات>> 

هذه الآية الكريمة تتكون من الشروط الأساسية لقبول التوبة :

الشرط الأول : أن تعود الى الله أي أن تقتلع وتمتنع عن الذنوب والمعاصي التي كنت قد ارتكبتها << الا من تاب >> وهنا يستعمل القرآن الكريم الفعل في صيغة الماضي وهنا يدل على تحقق التوبة  وليس هناك تفكير في المستقبل للعودة الى هذه المعاصي

الشرط الثاني هو الايمان بالله لأن ايمانك هو الذي يردعك عن الرجوع الى هذه المعاصي وكل ما يصيبك من الذنوب هو راجع الى ضعف الإيمان فأكبر وسيلة للامتناع عن ارتكاب الذنوب هو هو تقوية الإيمان

الشرط الثالث: <<وعمل عملا صالحا>> اذا لا يكتفى بالإيمان فقط بل لابد من العمل الصالح والعمل الصالح نوعان فالعمل الصالح اذا كانت الذنوب من حقوق الله سبحانه وتعالى فأنت عليك بالتوبة وتقوية الإيمان والندم وعليك بالرجوع الى الله تعالى وليس عليك شيئ آخر أما اذا كانت الحقوق للناس مظلمة غيبة نميمة اعتداء على الانفس على الأعراض فهنا لا تكفي التوبة وحدها ولا إيماأصحابها إذا أردنا أن نكون من عباد الرحمن وفي بعض الآيات الأخرى <<الا الذين تابوا وأصلحوا>> وما مذا يعني أصلحوا أي أصلحوا ما أفسدوه .

ولذلك أيها الاخوة الأحبة فالتوبة ليست عملية سهلةن التوبة ثمنها غالي الا وهو الجنة  يقول ابن عباس ترجمان القرآن في الآية الكريمة <<أولائك يبدل الله سيئاتهم حسنات>> اي ان الله تعالى يوفق هؤلاء التائبين الى ان يعملوا بدل السيئات حسنات  وتفسير ابن عباس ان الله تعالى يوفقهم للعبادة لان التوفيق للعبادة ليس امرا سهلا وكما يقول صلى الله عليه وسلم كل ميسر لما خلق له.  فسيئتك لا تتحول الى حسنة وانما انت الان تندم وتتوب فيكتب الله لك الاجر فيكتب لك الاجر لانك ندمت على السيئة  ولذلك اخوتي الكرام ان جنة الله وسلعة الله غالية  ولذلك لا بد ان ناخذ بما هيئه الله تعالى لنا من الطريق الصحيح وهذا لا يمنع ان رحمة الله واسعة ، ” قل يا عبادي الذين اسرفوا على انفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ان الله يغفر الذنوب جميعا”.  ولذلك ايها الاخوة فان الذي وقع في معصية فان باب التوبة مفتوح ولكن له شروط من التوبة الى الله و الندم والامتناع عن ارتكاب المعاصي.