2009-07-28
إعداد فضيلة  الأستاذ الدكتور علي محيي الدين القره داغي :
حكم الأكل والصرف في المال الحرام المختلط ؟
السؤال : أمتلك أنا وأفراد أسرتي عدة أسهم في بنك في السعودية وقد اشتراها أبي لنا منذ عشر سنين والآن تضاعفت قيمة الأسهم، وزادت الأرباح لهذا البنك فضرب لنا بنصيب فيها، مع العلم أن هذا البنك ليس إسلامياً، وبعد علمي بالربى بعت أسهم البنك واشتريت عدة أسهم أخرى لكن رأس المال كله من أرباح أسهم البنك مع العلم أني لم أعلم بحرمتها سابقاً وأنفقت على نفسي من الأرباح التي صرفت لي فأفيدوني ماذا أفعل هل أتخلص من كل النقود الموجودة لدي في الأسهم الآن أم ماذا مع العلم أني الآن أعمل في أسهم الشركات ولا أقرب أسهم البنوك؟
الجواب : الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
اتفق الفقهاء على أن المال الحرام يجب على حائزه (صاحبه) إعادته إلى مالكه، إن كان معلوما، أو التخلص منه لصالح وجوه البر والخير، حيث صدر قرار من مجمع الفقه الدولي ينص على أنه: يجب أن تصرف تلك الفوائد في أغراض النفع العام.
هذا إذا كان ذلك ممكنا بأن يكون الحرام مميزا معلوما، أما إذا لم يكن ذلك ممكنا بأن اختلط الحلال بالحرام، ولم يمكنه تمييزه منه: اجتهد صاحبه في ذلك وأخذ بالظن الغالب (على الراجح من قول أهل العلم) في إخراج ما يظنه حراما فيتخلص منه في وجوه البر والخير.
وقد ذكر الإمام الغزالي ـ رحمه الله ـ طريقتين لتمييز المال الحرام عن غيره إذا كان مجهول المقدار هما:
1ـ الأخذ باليقين (وهذه لا تخلو من صعوبة وحرج).
2ـ والأخذ بغالب الظن، وضرب لذلك مثلا بأن يكون في يده مال تجارة حرم بعضها فتيقن أن النصف حلال، وأن الثلث حرام، ويبقى سدس يشك فيه، فيحكم فيه بغالب ظنه: إن غلب على ظنه التحريم أخرجه، وإن غلب على ظنه الحل جاز له الإمساك، لأن العبرة بالغالب في كثير من الأمور، ولكن الورع عدم الإمساك.
وأنه إذا أخرج منه نسبة الحرام فإن الباقي يطيب، وقد رد الفقهاء على من يقول: بأنه لا يطيب:
بأن هذا غلو في الدين.
وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن رجل مرابٍ خلف مالا وولدا، وهو يعلم بحاله (أي أنه حرام) فهل يكون المال حلالا للولد بالميراث أم لا؟
فأجاب: أما القدر الذي يعلم الولد أنه ربا فيخرجه، إما أن يرده إلى أصحابه إن أمكن، وإلا تصدق به، والباقي لا يحرم عليه، لكن القدر المشتبه يستحب له تركه، وإن اختلط الحلال بالحرام وجهل قدر كلا منهما جعل ذلك نصفين.
والخلاصة أنه يجب على السائل النظر بعمق في هذه الأسهم في البنوك الربوية حيث يجوز له
أن يأخذ رأس المال المدفوع لها، وما عدا رأس المال فهو حرام، أو فيه شبه كبيرة، لأن ما عدا رأس المال إما ناتج عن الفائدة المحرمة (الربا) أو من بعض العمولات التي بعضها حلال وبعضها فيه شبهة.
ومن هنا فإذا علمنا نسبة الفوائد (الربا) لتلك الأسهم فيجب التخلص منها فورا، وما عدا ذلك مما أخذه فهو حلال، ما دام مكتسبا من نشاط حلال، وإن كان الأحوط التخلص منه لصالح وجوه الخير، ما لم يكن محتاجا إليه، وإذا لم يعلم ذلك فالحل الممكن هو أن يبيع تلك الأسهم، ويأخذ من أثمانها ما يلي:
1ـ رأس المال المدفوع أولا
2ـ عشرة بالمائة من الزيادة على رأس المال وذلك لأن نسبة العمولات لا تزيد على ذلك في الغالب وهي ليست محرمة، وما عدا ذلك من الزيادة على رأس المال والعشرة بالمائة منها، فيجب التخلص منها لصالح وجوه الخير.
وأما الزيادة عن رأس المال الناتجة عن رغبة الناس في شراء تلك الأسهم في السوق، فهذه الزيادة في رأيي تقسم إلى قسمين: خمسين بالمائة تسند إلى العمل فتحل، وخمسين في المائة تسند إلى المال الذي فيه الحلال والحرام، ولو علم نسبة الحرام في رأس المال فأسندت الحرمة إلى مقدار الحرام، والباقي حلال، وهذا استئناس بما فعله عمر مع ابنيه عبد الله وعبيد الله حيث وافق على رأي الصحابة الحاضرين رضي الله عنهم في إسناد نصف الربح إلى العمل، ونصفه إلى رأس المال.
وإذا لم يعلم فإنه يمكن تنصيفه إلى نصفين: نصف يعتبر حلالا، والنصف الآخر يعتبر حراما استئناساً بما قاله ابن تيمية كما سبق.
فلنضرب لذلك مثالين:
المثال الأول : رجل له سهم في البنك الربوي اشتراه بعشرة ريالات، ثم طال الزمن فباعه بعشرين ريالا وهي قيمته الدفترية (الحقيقية حسب الميزانية) فينظر إلى الحرام منه والحلال، فالحلال هو: رأس المال عشرة ريالات.
عشرة بالمائة من الزيادة وهي تساوي ريالا واحدا، والباقي وهو تسعة ريالات حرام يجب التخلص منها.
المثال الثاني : أنه في نفس المثال السابق باع الرجل السهم بثلاثين ريالا أي كان الربح الزائد بسبب الرغبة عشرة ريالات فالحلال منه ما يلي:
1ـ عشرة ريالات (رأس المال)
2ـ عشرة في المائة من الزيادة وهي ريال واحد
3ـ أما الربح الناتج عن البيع ففي نظري يقسم إلى نصفين خمسين في المائة أي خمسة ريالات حلال لأنها مسندة إلى عمل، وخمسين في المائة أي خمسة ريالات أي مسندة إلى رأس المال، وبما أن رأس المال عشرة ريالات والمال الزائد (المحرم) عشرة (تقريبا) إذا نأخذ منها خمسين في المائة من النسبة الأخيرة، وهي تساوي ريالين ونصف لصالح رأس المال الحلال والباقي حرام.
والخلاصة: يحل له من هذه الثلاثين ما يلي: 10+1+5+2,5=5و18 أي ثمانية عشر ريالا ونصف ريال والباقي وهو 5و11 حرام يجب التخلص منه. والله أعلم.

حكم الصدقة ودفع الزكاة، والأضحية عن الوالدين بعد وفاتهما ؟
السؤال : بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم، سؤالي هو أن والدي متوفيان وفي مناسبة عيد الأضحى عندما أذبح الشاة على من أسميه هل يجوز أن أسميه على نفسي أو ماذا ؟ وهل يجوز أن أتصدق عليهما ؟
الجواب : بسم الله الرحمن الرحيم الحمدلله، والصلاة والسلام على رسول الله : تجوز الصدقة العامة والأضحية عن الأب والأم بعد وفاتهما، سواء أكانا وصيا أو لم يوصيا وهذا هو الراجح من أقوال أهل العلم، وذلك لأن الولد بمثابة الامتداد للوالدين وأنه من عملهما، فيجوز له أن يعمل باسمهما ما لا يجوز لغيره، وعند الذبح يجوز أن يسمي فيقول “اللهم إني أضحي بهذه الشاة لوالدي أو والدتي أو كليهما” أما دفع الزكاة عن الوالدين فإن تركا مالاً فالأولوية لقضاء هذا الدين بعد أداء دين العباد، حتى إن الشافعية وغيرهم يقولون إن دين الله ( أي الزكاة ) مقدم لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( فدين الله أحق أن يقضى ) . والله أعلم.

حكم ترك الزوجة العمل في البنوك ؟
السؤال : أنا أعلم أن العمل لدى البنوك محرم أو مكروه إلا في حالة وجود النية لعدم ترك مصالح المسلمين ليستأثر بها غير المسلمين. لكن ما قولكم في المرأة التي تعمل في بنك من غير احتياج لذلك، أو نية مثل التي في أعلاه ؟ لقد اشترط علي في خطوبتي أن أتركها تشتغل في البنك، ما رأيكم في هذا أيضا؟ جزاكم الله خيرا.
الجواب : بسم الله الرحمن الرحيم الحمدلله، والصلاة والسلام على رسول الله : حفاظا على رباط الأسرة وأهمية الأسرة في الإسلام،على السائل:أن يبذل جهده بوسائل الإقناع لإقناعها بترك العمل في البنك الربوي، والتحول إلى العمل في البنوك والشركات الإسلامية، أو في الوزارات والوظائف التي ليس العمل فيها محرماً أو مشبوهاً . والله أعلم.

حكم وجوب مقاطعة البضائع الإسرائيلية :
السؤال :
لماذا لا يقوم العلماء الكبار مثل فضيلتكم وفضيلة الشيخ يوسف القرضاوي بدعوة المسلمين لمقاطعة البضائع الإسرائيلية والاستيراد أيضا وذلك في البضائع الكبيرة وليس مجرد البضائع الصغيرة؟
الجواب : بسم الله الرحمن الرحيم الحمدلله، والصلاة والسلام على رسول الله : فتوانا وفتوى شيخنا القرضاوي: وجوب مقاطعة كل البضائع الإسرائيلية مطلقا دون التفرقة بين البضاعة الصغيرة أو الكبيرة، وبالتالي فما فعلته الجامعة العربية ـ مع الأسف الشديد ـ بعد اتفاقية أوسلو من نقض الاتفاقية في المقاطعة الاقتصادية لإسرائيل كان شيئا مخالفا لشرع الله تعالى، ولمصالح الأمة، والغريب أن هذه المقاطعة الاقتصادية لإسرائيل قد أنهوها دون أن تنهي إسرائيل احتلالها حتى لـلأراضي المحتلة بعد 5 حزيران 67 ولذلك أنتهز الفرصة لأناشد حكام العرب والمسلمين في إعادة المقاطعة الاقتصادية الشاملة لإسرائيل ولا سيما في ظل جرائم شارون وليفني، وباراك، وما يفعله بإخواننا في فلسطين، فلنتق الله سبحانه وتعالى في ذلك ولتأخذنا الشهامة الإسلامية والغيرة على دماء إخواننا وأخواتنا في فلسطين، أما بالنسبة لأمريكا: فهي في حقيقتها تقف وراء إسرائيل بكل قوتها، ولولا دعم أمريكا لإسرائيل لما استطاعت إسرائيل أن تفعل ما تفعل، ولذلك يجب لهذه الأمة أن يكون لها موقف من هذه السياسة المنحازة لإسرائيل، ومن أبسط أو أخف الواجبات علينا: أن نقاطع البضائع الأمريكية وبخاصة البضائع الاستهلاكية إلى أن تغير أمريكا سياستها نحو الفلسطينيين وإسرائيل، وذلك لأن علماءنا قالوا: إن كل عمل مقصود بنتائجه، وأن الوسائل معتبرة فيها مقاصدها، ولذلك لا ينبغي أن نعمم الفتوى لجميع المصانع، والآليات والتقنيات الأمريكية التي تتضرر الأمة الإسلامية بمقاطعتها أكثر من أمريكا .والله أعلم.

السؤال : سيدي الإمام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ….أريد أن أعرف بالضبط هل تنفيذ المقاطعة على مستوى الأفراد وليس الحكومات شيء مجدٍ ومناسب ..أم لا؟ فما ذنب أبناء مصر أو أي قطر آخر من العاملين في مطاعم وفنادق وشركات أمريكية الأصل ..هل بتنفيذ المقاطعة على مستوى الشعب وليس الحكومة عمل فيه إضرار بأبناء بلدي من المسلمين الذين يعولون أسرهم من هذه الأعمال؟؟ أفادكم الله ..وشكرا لكم.
الجواب : بسم الله الرحمن الرحيم والحمدلله، والصلاة والسلام على رسول الله :
لا شك أن المقاطعة على مستوى الأفراد لو عمت، تفيد كثيرا، ولنا تجربة الهند حينما نادى غاندي بمقاطعة البضائع البريطانية واستجاب لها الشعب الهندي؛ كان في ذلك تأثير كبير على انتهاء الاحتلال البريطاني لشبه القارة الهندية، وبالنسبة لبعض الأضرار الجزئية التي تنتج من هذه المقاطعة لا تأثير لها في الحكم الشرعي لأنه قائم على النتائج ومصالح الأمة والجماعة، وذلك لأن مصالح الأمة مقدمة على مصالح الفرد، ويمكن استبدال هذه المطاعم بمطعومات شعبية ومحلية. وهل من الضروري ألا نأكل الدجاج إلا إذا كان معه خلطة كنتاكي، ماكدونالد أو نحو ذلك، لا أشك أن هذا الإقبال على المطاعم الأمريكية إنما يأتي من شعورنا بالضعف وحب الدولة القاهرة القوية. كما أن هذه المقاطعة تفيد تربويا لجيلنا حتى لا يتربى على الانبهار بالغرب حتى في أكلاته، ولذلك قلنا في الفتوى السابقة: إن المصانع التي تقوم بتجميع الصناعات الأمريكية التي تحتاج إليها أمتنا الإسلامية لا تدخل ضمن المقاطعة مادامت في البلاد الإسلامية
والله أعلم.
السؤال : بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، في هذه الأيام تشن أمريكا وإسرائيل حربا ضروسا على المستضعفين الفلسطينيين فهل تكفي فتاوى المقاطعة بتحريم استثمار أموال المسلمين في أمريكا التي تدعم إسرائيل؟ أم أن الأمر يتطلب من علماء المسلمين أن يصدروا فتوى بتحريم استثمار أموال المسلمين في أمريكا التي تدعم إسرائيل.
وجزاكم الله خيرا
الجواب : بسم الله الرحمن الرحيم الحمدلله، والصلاة والسلام على رسول الله : لا شك أن علماء المسلمين لا يملكون إلا بيان الحق وقول الحق، والفعل إن استطاعوا، أما التنفيذ فيعود إلى من بيده التنفيذ، من الحكام والمستثمرين، وأنا أضم صوتي إليك وأقول: لا تكفي الفتوى، ولكن على أقل تقدير إذا لم نستطع التنفيذ فلا أقل من أن نصدع بالحق، ونقيم الحجة على هؤلاء، لعل الله سبحانه وتعالى يحدث في قلوبهم استجابة لذلك والله أعلم .