فقه الاغــتراب

أو

فقه الأقليات المســلمة

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين محمد الصادق الوعد الأمين ، وعلى آله الطاهرين ، وصحبه الغرّ الميامين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .

وبعد

   فإن مما أكرم الله تعالى به هذه الأمة أن جعلها أمة واحدة في عقيدتها وشعائرها وأركانها وأسسها ، ذات رسالة ربانية خالدة باقية إلى يوم الدين ، شاملة لكل حركات الحياة والممات ( قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله ربّ العالمين )[1] ، ورحمة عامة لجميع الشعوب والأُمم والأجناس ( وما أرسلناك إلاّ رحمة للعالمين )[2] ، وذات منهج وسط في كل شيء دون إفراط ولا تفريط ، ولا غلو ولا تميع ( وكذلك جعلناكم أمة وسطاً )[3] ، كما أنه منهج قائم على التيسير دون التعسير ، وهو منهج رسول الرحمة ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال تعالى : ( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ) [4].

  ولهذه المميزات وغيرها أصبح الإسلام الدين الذي وصل إلى العالم أجمع ، ودخل فيه مختلف الشعوب والأقوام ، ومختلف الطبائع والنفوس ، ومن العجيب أن الإسلام ينتشر في العالم انتشاراً ذاتياً ويَقْبِلُ عليه المثقفون والمفكرون وعامة الناس ، لأنه يلبي حاجات الجميع ، ويستجيب لطلبات الكل .

  ومن أهم المناطق التي انتشر فيها الإسلام حديثاً ( نسبياً ) الدول الأوربية الغربية ، وأمريكا ، فأصبحت هناك جاليات كبيرة ، وانظم إليهم المسلمون الجدد ، حتى أنني أعتقد أنه لا ينبغي إطلاق اسم الجاليات ، أو المغتربين عليهم ، لأنهم استوطنوا ، وأصبحوا مواطنين ناهيك عن المواطنين الأصليين الذين دخلوا هذا الدين العظيم ، وإنما الأفضل هو إطلاق اسم الأقليات الإسلامية في الدول (غير الإسلامية) .

  ومهما يكن فإن هؤلاء الأقليات المسلمة أو المغتربين لا يتمتعون بالظروف العادية التي يتمتع بها المسلمون في بلادهم الإسلامية ، سواء أكانت من حيث القوانين والتشريعات الخاصة بهذه البلاد ، أم من حيث الظروف الاجتماعية الأسرية والاقتصادية وغيرها ، مما يقتضي تأصيل جميع قضاياهم تأصيلاً فقهياً مع مراعاة ظروفهم الخاصة ، ومن هنا جاء إنشاء المجلس الأوربي للإفتاء والبحوث ملبياً لهذه الطموحات العظيمة .

  وكذلك تناولت هذا الموضوع بقدر ما تسمح به طبيعة الكتاب أملاً أن يحقق الغرض المنشود ، حيث كتبته من خلال نظرتي الواقعية إلى هذا الموضوع مع مراعاة ظروف الزمان والمكان والأحوال من جميع الجوانب السياسية والاجتماعية والاقتصادية ونحوها داعياً الله تعالى أن يجعله خالصاً لوجهه الكريم وينفع به مؤلفه وناشره ، وقارئه إنه مولاي فنعم المولى ونعم النصير.    

 

 


 

([1]) سورة الأنعام / الآية (162 )

([2])سورة الأنبياء / الآية (107 )

([3])سورة البقرة / الآية (143 )

([4])سورة البقرة / الآية (185 )