بسم الله الرحمن الرحيم

ايها الإخوة المؤمنون

لم يمر على أمتنا الإسلامية منذ فجر تاريخها إلى اليوم أزمات متنوعة مثل هذه الأزمات والصراعات والتحديات التي تواجه أمتنا الإسلامية ومن أخطرها على الإطلاق الصراعات الداخلية والتفرق والتمزق الذي بلغ مرحلة كبرى وبلغ النخاع ، ولا أعتقد أن الأمة الإسلامية تتحمل أكثر من هذا التفرق والاقتتال الذي عم وانتشر بين المسلمين بشكل خطير ومع هذا التفرق والصراعات الداخلية وهذه المحارق التي وضعت للمسلمين فيحرق بعضها ويقتل بعضها ويتقاتل بعضها مع كل هذه المشاكل لما نعود إلى هذا الدين العظيم لوجدنا أنه جعل الصلح والاتحاد في أعلى الرتب بعد كلمة التوحيد بل إن الله سبحانه وتعالى يريد من التوحيد  أن تكون الأمة موحدة لله حتى تكون متحدة وموحدة على الأرض فآثار العقيدة يجب أن تظهر على سلوكيات الإنسان فمادام ربنا واحداً ومادامت قبلتنا واحدة ومادام رسولنا واحداً صلى الله عليه وسلم ومادامت الأسس والمبادئ الأساسية واحدة فيجب أن تكون هذه الأمة أمة واحدة ( إن هذه أمتكم أمة واحدة ) مرتين ومرة ربطها بالعبادة (فاعبدون) ومرة ربطها بالوقاة (فاتقون).

هذا هو  المطلوب من الأمة وتلك رسالتها حتى تكون قدوة للآخرين حتى تكون هذه الأمة شاهدة على الناس فكيف تكون شاهدة على الناس وهي مفرقة ممزقة يقتل بعضهم بعضاً ويتقاتلون ويتناحرون ومتخلفون اقتصادياً وحضارياً وعلمياً فأنّى تكون لنا الشهادة والتبليغ والبيان والحكم على الأمم ونحن مختلفون هذا الاختلاف الشديد.

ولذلك أمر الله في مقابل هذا التفرق والتمزق بالعلاج الشامل من خلال الصلح الشامل من خلال المصالحة الشاملة لكل مكونات الإنسان أولاً ثم لكل مكونات الأمة ثانياً ، صلحاً يراد به وجه الله ويقوم على التقوى ويقوم على العدل والإنصاف ، لأن أي مصالحة إذا لم تكن على أساس التقوى والعدالة والقسط فلن تنجح وتلك هي مشكلتنا الكبرى في واقعنا، تعيش الأمة أيضاً حالة بين الظالم والمظلوم داخل هذه الأمة وبين الاستبداد والدكتاتورية وهضم الحقوق داخل هذه الأمة ومن هنا صعب النيل والوصول إلى هذه المصالحة الشاملة.

فالمصالحة الشاملة هي رسالة الأنبياء جميعاً ( إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت ) فكل نبي كان يقول هذا كلام لا يريد من هذه الأمة إلا الإصلاح وتحقيق الصلح والصلاح والخير لهذه الأمة ( ما استطعت ) بكل الإمكانيات والقدرات وهذا أيضاً واجب العلماء وواجب الحكام وواجب الجميع أن يسعى كل واحد من مكانه ومن مكانته ومن مقامه وجاهه وسلطانه ومن قلمه وكلمته أن يبذل كل ما في وسعه لتحقيق هذه المصالحة الشاملة ما استطاع ثم الاعتماد على الله ( وما توفيقي إلا بالله ) يكون اعتماد المصلح على الله لا على غيره ولا على الخارج ( وإليه أنيب ) تكون المرجعية لله سبحانه وتعالى وحينئذ تكون المصالحة خالصة لا يشوبها الرياء والنفاق ولا تشوبها المصالح الشخصية أو الفردية أو الحزبية أو غير ذلك.

والله ربط بين الإيمان وبين الإصلاح فقال سبحانه ( واتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين ) فالإيمان والاشتراط بهذا الإيمان وبتحقيق الإيمان للمؤمنين مرتبط بهذه الأمور الثلاثة : وهي تقوى الله والإصلاح لذات البين وطاعة الله سبحانه وتعالى وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم بل طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم تشمل كل هذه الإجراءات وكأن الله سبحانه وتعالى يجعل الإصلاح من طاعته سبحانه وتعالى ( إن كنتم مؤمنين) وأن الإيمان الحقيقي لن يتحقق إلا ببذل المزيد ما استطاع المصلح إلى ذلك سبيلاً، وما بذل من الجهود ومن الطاقات والإمكانيات ومن الأموال والإعلام للإصلاح بين الناس وليس للإفساد بين الناس.

وبين الله أن اجتماعات الناس ومجالس الناس يجب أن تدور مجالسهم ودواوينهم وكلماتهم حول الخير والإصلاح ( لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس  ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف يؤتيه أجراً عظيماً } فالإصلاح بين الناس يجب أن يكون الشغل الشاغل للإنسان بدل أن يكون المجالس مشغولة بالنميمة والغيبة وقضايا الأموال والأسهم والسندات وغير ذلك ، يجب أن تكون المجالس في ظل هذه الآية نزيهة، عفيفة مباركة طيبة من خلال السعي للإصلاح بين الناس فإذا وجد داخل المنطقة التي فيها هذا المجلس أو هذا المكان سوء علاقة بين شخص وآخر يجب أن يكون نقطة انطلاق للإصلاح.

وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يسأل ويسمع فإذا وصل إليه خبر شخصين تشاحنا أو تباغضا أو تناحرا فيقول هيا بنا فلنهب للإصلاح بينهم.

لذلك كانت الأمة محمية من خلال هذا التناقش وهذه النجوى الطيبة في المجالس ومن خلال هذه العناية الكبيرة وانشغال الإنسان وقلب الإنسان بمصلحة أخيه الإنسان والصلح بين الناس فإذا وجد شرر توجه الناس إليه حتى لا يكبر ويصبح كما يقول الشاعر ومعظم النار من مستصغر الشرر.

كذلك بين الله أن الصلح دائماً هو خير ( والصلح خير وأحضرت الأنفس الشح ) ومشكلة الصلح هو بخل الإنسان وشح الإنسان ونفسية الإنسان ، والشح هنا ليس المقصود منها الشح في المال فقط ، بل الشح بالجاه والكلمة والإعلام وبكل وسائل الإصلاح فهناك من الناس قد يكون كريماً ولكنه بخيل في الإصلاح بين الناس بالكلمة الطيبة، قد يكون بخيلاً بجاهه لن يستعمل جاهه في هذا المجال حينئذ لن يدخل فيما يريده الله سبحانه وتعالى للمؤمنين الصادقين وأصبحت نفسه شحيحة شملته وشمله اسم الشح والبخل الذي ورد عليه الإثم في الكتاب والسنة.

والقرآن الكريم يؤكد أن الله لن يضيع أجرهم ( إنا لن نضيع أجر المصلحين ) لا في الدنيا ولا في الآخرة ، والرسول صلى الله عليه وسلم جعل منزلة ورتبة المصلح المؤمن ورتبة الإصلاح أفضل من الصيام ومن الصلاة ومن الصدقة (” أَلا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلاةِ وَالصَّدَقَةِ ” , قَالُوا : بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ , قَالَ : ” صَلاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ , قَالَ , فَإِنَّ فَسَادَ ذَاتِ الْبَيْنِ هِيَ الْحَالِقَةُ ” . 

فإصلاح ذات البين أفضل عند الله من الصلوات المندوبات بالتأكيد ومن الصدقات والصيام المندوب، وكذلك حتى الصلاة المفروضة والصدقة المفروضة والصيام المفروض إن كانت هذه الصدقة أو الصلاة أو الصيام طُبق كما يريده الله فيترتب عليه الإصلاح لأن الصلاة الحقيقية  تأمرك بالخير وتنهاك عن المنكر ( إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر).

ليس هناك درجة بعد الإيمان والتوحيد أفضل عند الله من درجة الإصلاح بين الناس وقد أباح الإسلام الكذب في سبيل الإصلاح كما في حديث صحيح يرويه البخاري فيقول ( ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيراً أو يقول خيراً ) فالرجل ليس بكاذب وهو ينوي خيراً ويقول خيراً حتى يتحقق الصلح.

الإسلام أعطى هذه الأولوية لخطورة هذه القضية بل إن الله ربط بين الأخوة الإيمانية وبين الإصلاح ( إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون ) الإيمان يقتضي أن تكون هناك أخوة إيمانية والإخوة إن صدقت وإن كانت صحيحة يجب أن تكون هذه الأخوة دافعة للصلح ولا تكون دافعة للفساد والإفساد.

إن أمتنا اليوم بحاجة إلى هذه المصالحة الشاملة الذي يجب أن ننتبه إليها إن كان إيماننا صحيحاً ويجب علينا أن نطبقه إذا أردنا أن نكون مقتدين برسول الله صلى الله عليه وسلم وبجميع الرسل ويجب أن نطبقه إذا أردنا أن يكون لنا أفضل درجات عند الله سبحانه وتعالى.

فالمصالحة الشاملة تبدأ أساساً لو قرأنا الآيات كلها وجدنا أنها تربط بين الصلح والتقوى إصلاح الداخل أي أول المصالحة الشاملة بينك وبين ربك تتوب إلى الله وتصلح حالك ونفسك مع الله ولا تعود إلى الذنوب والمعاصي وأكل المحرمات والمنهيات ثم تصلح قلبك حتى تكون قلبك سليماً لأنه لا ينفع إلا القلب السليم ( يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم) والقلب السليم هو الذي يحب الناس وينصلح ويتآلف مع الناس وهو الذي يصلح بين الناس ويكره للناس الشرور والمكر وغير ذلك.

وكذلك إصلاح النفس الأمارة حتى تكون نفساً راضية مرضية ثم إصلاح السلوكيات ثم إصلاح الأسرة وهي الأساس بحيث تكون الأسرة صالحة وأن نصلح داخلها بالعدل والقسط كما أمره الله سبحانه وتعالى (وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا ۚ وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ۗ وَأُحْضِرَتِ الْأَنفُسُ الشُّحَّ).

لذلك الإصلاح يبدأ داخل البيت من خلال فكرة المصالحة الشاملة وتعويد زوجاتنا وأهلينا على الحوار والتحاور وليس على الاستبداد وفرض الرأي فما نفعله مع أفراد الأسرة يفعله داخل دوائرته ومجتمعاته وإذا صاروا حكاماً فعلوا ما يفعلون هنا تتكون شخصية المسلم وشخصية الإنسان داخل الأسرة سواء شخصية إصلاحية أو استبدادية أو إفسادية. 

 وكذلك الإصلاح بين الجيران والأقارب ولا يجب أن يبقى شخصان متشاحنين لأكثر من ثلاثة أيام يجب أن يصلح بينهما ويجب أن يتصالحا وإلا توقفت أعمالهما عند الله لا بد أن تشيع هذه الثقافة بين الناس بل هذه الواجبات بين الناس.

ثم بعد ذلك المصالحة الشاملة بين الحكام والمحكومين على أساس العدل وبين الأمة الإسلامية، فهذا التفرق الذي أحدثه هؤلاء المجرمون لن يستفيدوا منه وإنما المستفيد هو المشروع الصهيوني والدول الطامعة فينا وفي ثرواتنا وخيراتنا فمن المستفيد غيرهم من كسر بعضنا أضلاع بضع ؟ ويجب على حكامنا أن تكون قوتهم مستمدة من الله ثم من شعوبهم.

فإذا وجدت هذه المصالحة الشاملة أصبحت الأمة أمة واحدة وموحدة لله وموحدة على السلوك والأعمال.

الخطبة الثانية

 لو نظرنا خلال السنوات الأخيرة ولا أقول خلال القرون الأخيرة لوجدنا كم تضررت الأمة من خلال هذا الفساد الذي شاع بين الكثيرين بسبب عدم قيام معظم الحكومات والعلماء والأحزاب بواجبهم نحو الإصلاح القائم على العدل بل قام الكثيرون بالفساد والإفساد داخل مصر فوصلت مصر إلى ما وصلت إليه من هذه المشاكل والمصائب التي نسأل الله أن يصلح أمور مصر وأن يعيدها إلى الخير.

ولو كانت الأمة متحدة في قضية سوريا هل كانت هذه المأساة تستمر بهذه الصورة إلى يومنا هذا يقتل الآلاف  بالبراميل من الأطفال والنساء والشيوخ ويموت بالجوع والبرد والثلوج ودمروا مئات الآلاف من البيوت بالإضافة إلى المساجد والجوامع وغير ذلك وتسعة ملايين مشرد بسبب هذا النظام الفاسد الذي لا تستطيع الأمة الإسلامية أو العربية أن تقف أمامها إنه مشروع خطير  يحمله هؤلاء ونحن مشغولون ببعضنا وأصبحت المطحنة والمحرقة لأهل السنة فقط، متى نعود إلى الله ومتى نعود إلى العقل؟ ذكر الله تعالى هؤلاء فقال (أَوَلاَ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لاَ يَتُوبُونَ وَلاَ هُمْ يَذَّكَّرُونَ ) وقد نزلت الآية فينا فلا نعود إلى الدين العظيم فيتبين لنا الخلل فنبدأ بالإصلاح ولا نعود حتى إلى العقل في أن يقتل كل هؤلاء.

والذي يحدث في العراق من هجر الملايين من كرام الناس وشردوا وأخرجوا وقتلوا من ديارهم من قبل داعش والحشد الشعبي كأن التوزيع بينهم في القتل والكل ينتقص من أهل السنة.

وأخيراً ما يحدث في اليمن من الاقتتال الخطير من قبل فئة معينة محدودة ولكنها مدعومة دعماً كبيراً من العالم تعبث وتقتل وتجعل من اليمن السعيد بلد الشقاء والتفرق والتمزق وبمعاونة من رئيس مخلوع أشر خان أمته وشعبه وخان الخليجيين وفعل بهم ما فعل.

هذا هو وضع الأمة إذا لم نكن صادقين وإذا لم يكن الصلح للعدل والتقوى لم يكن لله تعالى فلو كان لله لما حدث ما حدث فاتقوا الله أولاً وأصلحوا ذات بينكم ولكن الآن إن شاء الله أعيدت البوصلة إلى مكانها الصحيح ونتفاءل الخير وندعو إخواننا في كل مكان أن يقفوا ويعلموا بأن الحرب ليست في مصلحة الجميع  وندعو هؤلاء المقتتلين بأي اسم كان بأن الحرب ليست لمصلحتهم ولا في مصلحة أمتهم  وإنما يثيرون فتنة كبرى والفتنة أشد من القتل وهكذا الأمر في كل العالم لأن هذه الأمة الكبيرة لم تطبق ما أمره الله منهم من أن تكون هناك قوة ثالثة التي تصلح بين فئتين (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ) فالخطاب ليست للطائفتين وإنما الخطاب للأمة وقوة الأمة أي يجب أن تكون لهذه الأمة قوة وجيش له منهج خاص لحماية هذه الأمة من خلال حلف استراتيجي.