بسم الله الرحمن االرحيم
أيها الإخوة المؤمنون
لا زلنا نحن ندور حول أهمية المسؤولية، ونتحدث في هذه الخطبة، عن مسؤولية الكلمة، عن مسؤولية اللسان، هذه المسؤولية اذا روعيت فسوف يترتب عليها بالتأكيد سعادة الانسان في الدنيا والآخرة بإذن الله سبحانه وتعالى، واذا لم تراعى هذه المسؤولية فإن الانسان ستكون في شقاء في الدنيا وشقاء أكبر وخزي أعظم يوم القيامة.
فاللسان مفتاح للخير، وهو ايضا مفتاح للشر، وقد بين علماؤنا رحمهم الله عن هذه المسؤولية أن هناك عشرين آفة من آفات اللسان، وكل آفة تكفي لأن تجعل الانسان شقياً في الدنيا والآخرة.
ونحن نتحدث ضمن هذه الآفات، وضمن هذه المسؤولية عما يقول الانسان من حيث الصدق والكذب، ومسؤولية اللسان في العهود والمواثيق والعقود، ومسؤولية اللسان في قضية الامانات وحفظ الاسرار، هذه القضايا الاساسية هي في غاية من الأهمية، ترتبط بها سعادة الانسان وراحة الضمير في الدنيا وراحة القلب وطمأنينيته، بالاضافة الى نعيم الآخرة، وتخفيف الحساب، بل يكون الانسان في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله.
من أهم المسؤوليات أنه كل ما تنطق به وتتلفظ به لك المسؤولية، فالله سبحانه وتعالى أعطاك الحرية في أن تتحدث بلسانك كما شئت، وكيفما شئت، وفي أي مكان شئت، هذه الحرية العظيمة التي منحها الله سبحانه وتعالى للانسان لا بد أن يكون وراءها مسؤولية، ويقول الله سبحانه وتعالى (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا)، فالإنسان يُسأل عن كل ما آتاه الله من اللسان ومن القلب والسمع والبصر وبقية الأعضاء، وأهم شكر لله سبحانه وتعالى كما قال علماؤنا أن تستعمل النعمة في طاعته، وما القول بالشكر الا جزء من أداء الشكر، أما الشكر الحقيقي هو أن تستعمل هذه النعمة التي منحها الله اليك أن تستعمله في طاعة ومرضاة الله وفي خدمة الانسانية والانسان.
وتأتي الاوامر الإلهية في الكتاب والسنة تركز على هذه الجوانب، حتى يكون هذا اللسان سليما، ليكون الجسد بعد ذلك سليما، لتكون بقية الاعضاء بمنأى عن كل ما يترتب عليه من المشاكل والآثار، وكم من كلمة يستسهلها صاحبها فتؤدي الى فتنة، أو تجرح بها مشاعر أخيه، تؤدي الى عذاب أليم، ونكال في الآخرة، وكما ورد في الحديث الصحيح ” إن الرجل ليتكلم بالكلمه لا يلقي لها بالاً يهوي بها سبعين خريفاً” أي قد يترتب عليه عدم دخول الجنة لسبعين سنة، أو يبقى في النار ويزداد عليه بكلمة واحدة سبعين سنة حسب تأثير هذه الكلمات في المجتمع، وفي مشاعر الآخرين مما يترتب عليه الإضرار أو معصية الله سبحانه وتعالى .
ومن مسؤولية الكلام أن تكون صادقا مع أخيك، وقد نفى النبي عن المسلم ان يكون كاذبا، قد يرتكب أي منكر، ولكن المسلم لا يمكن أن يكون كاذباً إن كان مؤمنا حقيقيا ويخاف الله سبحانه وتعالى، ولا يوجد في أي دين ولا اي نظام عقوبة الكاذبين وشدة العقوبة عليهم مثل هذا الدين العظيم، ولكن مع الاسف لا نجد أثر هذه الشدة على معظم الناس في كلماتهم، بل ربما يقولون دون ان يولوا العناية بأن الله سبحانه وتعالى يحاسبهم على الكذب، وأنه ليس هناك كذب ابيض أو كذب اسود، فكل انواع الكذب في السواد كما ورد في الحديث الصحيح ” إياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور ، وإن الفجور يهدي إلى النار ، وإن الرجل ليكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا” وحينما يكتب عند الله بهذا الوصف حينئذ يسود قلبه، ويسود وجهه، ويكون حينئذ من المبعدين عن رحمة الله سبحانه وتعالى في الدنيا وكذلك في الآخرة.
ومن مسؤولية الكلام ايضا حينما يعد الانسان بموعد، وإن كلمة ان شاء الله لا تبرر لك أن تخالف الموعد، ولكن مع الاسف تستعمل هذه الكلمة حتى لا يكون الانسان ملتزما بكلماته، وهذا غير صحيح، بل فيه اساءة الى هذه الكلمة، التي تقال من باب التبرك، ومن باب الاسناد الأمر الى الله، وليس من باب التعليق وتبرير مخالفة وعدك، وقد رأينا البعض من غير المسلمين حينما تقول ان شاء الله، يقول لك، لا تقل ان شاء الله ، استغفر الله من هذه الكلمات، من هذه القدوة السيئة، امرنا الله سبحانه وتعالى أن نكون قدوة حسنة للمؤمنين، وقدوة حسنة كذلك للكافرين، ولا نكون فتنة ” رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا)” وذلك حينما تعطي صورة غير صحيحة، صورة وقدوة سيئة لغير المسلمين، بينما المفروض أن يكون المسلم أكثر صدقا وأكثر حفاظا على الوعود والعهود لأمرين اساسيين، الأمر الاول: أن الانسان اذا عرفوا منك الصدق احترموك، وصدقوك، واذا عرفوا منك الحفاظ على العهود والوعود والعقود احترموك، وتعاملوا معك، ونحن نرى كيف يحترم الانكليز لوفاءه بوعوده وعهده، ولكن اذا ذكر وعود المسلمين وعهودهم فهذا يعني الفوضى، وهذا يعني عدم المصداقية، وهذا يعني التهرب من المسؤولية.
كانت عهود المسلمين في الاندلس عنوانا للشرف، عنوانا للأمانة والمصداقية والشفافية، وقد رأيت وثيقة لذلك العهد ان غير المسلمين حينما يتعاقدون، كانوا يشترطون أن تكون عقودهم فيما بينهم مثل عقود المسلمين، فأصبح بيع المسلم عنوانا للوفاء والمصداقية والشفافية، وعلى عكس ما نتعامل به اليوم، وقد التقيت بأحد كبار المفكرين الذين اسلموا في رابطة العالم الاسلامي قال : كنت اتصور ان المسلمين يكونون اصدق الامم، ويكونون اكثر الامم إلتزاما بالوعود والعهود، ويكونون أكثر الناس نظافة وطهارة، ولكن بعد تجوالي في البلاد الاسلامية فشكرت الله أنني اسلمت قبل أن أرى أحوال المسلمين، فلم أرى الصدق الا من قلة، ولم أرى محافظة على العهود الا من قلة، والمفروض ان يكون المسلمون اكثر إلتزاما لمصالحهم الدنيوية، وثانيا لإيمانهم باليوم الآخر وايمانهن بوقوفهم أمام الله سبحانه وتعالى”
ايها الإخوة اصبح مخالفة الوعود والعهود في امتنا الاسلامية يضرب بها المثل في عدم الوفاء، وهذه تكون فتنة لغير المسلمين ومن هنا نتحمل المسؤولية، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم حينما وصف المنافقين في حديث متفق عليه “أربع من كُنَّ فيه كان منافقاً خالصاً. ومن كانت فيه خَصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا ائتُمِنَ خان، وإذا حدّث كذب، وإذا عاهد غدَر، وإذا خاصم فجر” فهذه هي خصال المنافقين ووصفهم الله تعالى أن مصيرهم في الدرك الاسفل من النار.
كذلك المحافظة على العقود والعقود بكل موادها، والعقد لا يقصد الذي بينك وبين الحكومة فقط، وانما ايضا بينك وبين الآخرين، سواء كان هذا العقد مكتوباً أو ليس بمكتوب، ومن هنا تشمل هذه العقود العلاقة بينك وبين حكومتك في الوظيفة كيف تحترمها، وكيف تؤدي واجبك بمصداقية، وقد اعجبني ما رأيت من قول للشافعي رحمه الله وهو توفي في 204 للهجرة وسُأل عن عمل أجير خاص – أي الموظف الحكومي بإصطلاح اليوم – اذا صلى الظهر وهو في عمله ثم تذكر انه صلاها بدون وضوء فاعاد الوضوء والصلاة واستغرق منه وقتاً ؟ فقال الشافعي عليه ان يعيد الفرض فهذا حق الله وعليه ان يعيد الوقت لصاحب الوقت لأنه من حق العباد ” اي يجب ان تعوض عن الوقت الذي صرفته وإلا دخل الحرام في مالك بقدر هذا الوقت، وإن لم نفعل فلا عجب ان يقل البركة في اموالنا لأنه لا نعطي حقوق وقت العباد.
الخطبة الثانية
ضمن مسؤولية الكلمة التي نطق بها كثير من قادة العرب وقادة الاسلام والمسلمين حول قضية سوريا، وقد سمعنا كلاما كثيرا في تركيا وفي بلاد العرب امام ما يراق من الدماء الزكية الطاهرة في كل يوم، بل في كل لحظة والاغتصاب المنظم والتعذيب المنظم وحتى يصل الاغتصاب الى القصر والقاصرات التي يندى لها جبين الانسانية، ويهتز لها القلوب، وتقشعر لها الجلود، فأين مسؤولية الكلمة بحماية الشعب؟ وأين مسؤولية هؤلاء القادة العربية والاسلامية؟ ولا نتكلم عن قادة العالم الذين يبحثون عن مصالحهم، وانما عن قادة العرب والمسلمين، أين مسؤوليتهم؟ وقد مضت سنة على الثورة السورية المباركة، ثورة ضد الظلم فقط، وضد الطغيان، ثورة للحرية، ولكن لم يُسعف الا بكلمات، وهذه الكلمات لم يقم اصحابها برعايتها ولم يفوا بواجبهم نحو اخوانهم في هذا البلد العزيز، في بلاد الشام التي بارك الله سبحانه وتعالى فيها ودعا لها رسول الله صلى الله عليه وسلم ” الله بارك في شامنا اللهم بارك في يمننا” وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يستبشر بها خيرا، وهي من اهم قلاع الاسلام والمسلمين على مر التاريخ الاسلامي، والنظام له دهاء خطير في مسألة التأخير ويستغلها لمصالحه فعمله البارحة مع الجامعة العربية، واليوم مع كوفي عنان، وكل هذا ويزداد النظام الفتك بشعبه وهو يراهن على قتل من يستطيع أن يقتله، وقد فعلوا ذلك في “باب عمر” فدمروا البلد وقتلوا من قتل من الصغير والكبير، وهكذا يريدون ان يفعلوا وأن يمشطوا كل مدينة ثارت ضدهم الى ان يقضوا على شعبهم، ومعهم دول تساعدهم من باب الطائفية وهي ليست قضية طائفية، وانما قضية ظالم ومظلوم، وقضية الحق. لذا ادعوكم ان تساندوا اخوانكم في سوريا ومساندتهم من استطاع منكم مساندتهم حتى ينصرهم الله تعالى نصراً عزيزا.