(كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ
أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ
وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ
وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ
الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمْ
الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمْ
الْفَاسِقُونَ) , بهذه الآية الكريمة بدأ فضيلة الشيخ الدكتور علي
القره داغي خطبته ليوم الجمعة 30-04-2010 في مسجد السيدة عائشة في فريج كليب لحشدٍ
من المصلين, حيث أكد فضيلته على أن الخير في هذه الأمة هو للدين والدنيا, وأن
الخيرية تبني الإنسان, تبني المجتمع, وتبني الأمم, وأن الأفضلية هي التي تُعلي شأن
الإنسان, وبالتالي مجتمعه وأمته. ومن جانب آخر, فإن الحضارات لا تُبنى إلا
بالأفكار, سواء كانت حضارات دنيوية أو حضارات شاملة كالإسلام, فهو للدين والدنيا
وللآخرة.

وجاء بسورة
آل عمران حيث فيها ذِكرُ مصائر أهل الكتاب والأمم السابقة, ووضّح فضيلته بإن
الخيرية لا يُعطيها الله مجاملةً أو نفاقا, والعياذ بالله, وإنما يُعطيها لمن
يستحقها فقط. ففي سورة آل عمران وفي هذه الآية بالذات (وَقَالَتِ الْيَهُودُ
وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءاللّه وَأَحِبَّاؤُهُ..
) تبيان لإفتخار اليهود
والنصارى بنسبهم إلى سيدنا ابراهيم وبأنهم أحباء الله, لكن الله يؤكد أن النسب إن
لم يتبعه فعل واقتداء, فإنه لا يفيد.

وانتقل
فضيلته ليُحدد معايير الأمة, “كيف تكون خير أمة؟! هل بالتفاخر بالنسب
فقط؟!” لا, بل قول وعمل واقتداء بالنسب, هذا ما يجب أن تكون عليه خير أمة,
وإلا سيكون كما أصاب اليهود من افتخار (نَحْنُ أَبْنَاءاللّه وَأَحِبَّاؤُهُ..)
لكنهم لم يتبعوا نهجه.

وهنا أشار
لأمر مهم للغاية, حيث أن الأمة في هذه الأيام, تعيش على الماضي فقط, تتفاخر
بانتسابها للماضي العريق, تتفاخر بما فعله الرسول صلوات الله عليه, وما فعله
الخلفاء, والصالحون, ووو…لكن هل هناك من اقتداء بهم وبأفعالهم…؟! لن ينفعنا
النسب إن لم نكن على النهج بالقول والعمل. فالخيرية بالصفات وبالإلتزام بالمنهج.
فحين قال الله تعالى (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ
تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ
بِاللَّهِ..
) فليس لأنكم أحفاد ابراهيم, ولا لأنكم أحباء محمد, بل لأنكم (تَأْمُرُونَ
بِالْمَعْرُوفِ
) و(تَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) و(تُؤْمِنُونَ
بِاللَّهِ
).

ومن الايمان
بالله, تأتي صفات الخيرية لهذه الأمة العظيمة, وهي كالتالي:

– الميزان
الدقيق, وهو الكتاب والسنة, حيث يؤمن المسلم بهما ويكون يقينه بالله وايمانه به
ايمانا صحيحا لا تشوبه شائبة. فحين يكون الايمان صحيحا, ستلتزم الأمة بكل ما في
هذا الميزان. وجاء فضيلته بمثال الرهبان في الغرب, حيث أنه في داخل الأديرة يوجد
ممارسة الشذوذ مع الأطفال, هذا لأنه ليس لديهم الميزان والايمان الصحيح بالله
والمبادئ السليمة. ومثال آخر في بريطانيا تم ايجاز قانون زواج الرجل بالرجل, هذا
كله من عدم وجود معيار سليم. هذه الأمور لن تحدث في أمة محمد, فالايمان هو المعيار
وهو الذي يضبط الأمة.

– إخراج هذه
الأمة يكون على نهج إسلامي, هيكليتها, نهجها, حقوقها, وواجباتها. فتشكيلة هذه
الأمة على أساس الإخلاص والاختصاص. فالأمة تحافظ على أنظمتها على أصل الإخلاص
والإختصاص. فكلٌ يعطي من الحقوق, وعليه من الواجبات, فالكفاءة والإخلاص والولاء هم
من أسس العمل. ففي القرآن الكريم آيات عِدة تدل على هذا الأمر كقول سيدنا يوسف
عليه السلام (إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ) أي إني مخلص أمين, ولدي من العلم
والخبرة بالأمر. وكذلك قول بنت سيدنا شعيب (إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ
الْقَوِيُّ الْأَمِين
) وهنا تبيان للإختصاص والإخلاص. وهذا النهج
“الاختصاص والإخلاص” هو السبيل للنجاح في كل شيء, على صعيد البيت,
الدولة, الشركة, المؤسسة, ….فلو اختل هذا النهج, ستختل الأمة ! وكلمة إخراج تدل
على الإخراج الصحيح السليم لهذه الأمة, حيث كل شيء في مكانه الصحيح, وكل فرد يعمل
بالشيء الذي كتبه الله له, وكمثال توضيحي, شبه فضيلته هذا الأمر كإخراج مسرحية, أو
فلم, أو مسلسل, فالمخرج يعطي كل شخص دوره الذي يراه مناسبا له ولشخصه, ويجعل
الأمور تسري بالشكل الصحيح, وهناك بطل لهذه المسرحية مثلا, وقد يكون البطل فقيرا,
أو خادما, أو ملكا, أو وزيرا, أو معلما أو أو أو..

وكمثال
للخلاص والولاء, فمع الأسف في بعض الدول الاسلامية, ترى أنه بتغير الوزير, يتغير
الطاقم الإداري كاملا, وهذا دليل على الولاء للشخص فقط, وليس للعمل وليس هناك أدنى
إخلاص للعمل, أما في الغرب, ففي مثل هذه الحالة, يكون التغيير للوزير فقط, والبقية
تبقى كما هي.

– الغرض
الأساسي من هذا الإخراج ليست مصلحة شخص واحد, بل كل الناس, وللإنسانية جميعا.

– أن تكون
الأمة يقظه, لا تكون منافقة أو مجاملة, وأن تكون آمرة بالمعروف, ناهية عن المنكر,
كل فرد على حسب إمكانيته “
مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ،
فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ
فَبِلِسَانِهِ
فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ
“. وأن لا يرضى أفراد هذه
الأمة بالسكوت عن الحق ولا عن الباطل مهما كانت النتائج, وهذا مع الأسف ما لم
نطبقه, فلو لم نسكت على أمور كثيرة, لما وصلنا إلى ما نحن عليه الآن. فلا فائدة
للافتخار بالماضي  ذه الصفات الأربعة
لخيرية الأمة, اختتم فضيلته خطبته بالإشارة إلى موضع هذه الآية الكريمة (كُنْتُمْ
خَيْرَ أُمَّةٍ…
), حيث أن قبل هذه الآية وبعدها تطمين لقلوب المسلمين, بإن
الله معهم ولن يضرهم شيء من التحرك نحو التغيير. فقبل هذه الآية, يقول الله عز وجل
(وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ
الأُمُورُ), فلا تخف يا عبد الله, فإن لله ما في هذه السموات
والأرض وكل شيء له, لكن الله يريد أن يكون لك شرف المساهمة والتغيير نحو الأفضل
وعدم السكوت. وأما بعد الآية, فيقول الله تبارك وتعالى (لَنْ يَضُرُّوكُمْ
إِلاَّ أَذًى وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمْ الأَدْبَارَ
ثُمَّ
لا يُنْصَرُونَ…
)
لن يضرك أحد يا عبد الله,
وسيكون هناك أذى قليل, وذلك أمر طبيعي, ليختبر الله به ايمانك وإخلاصك وقدرتك على
التحمل من أجل إعلاء كلمة الحق.