من حيث أسسها الفقهية

 

محضر الاجتماع :

 لتوضيح الصورة نذكر أهم ما جاء في نصّ محضر اجتماع مجمع البحوث الإسلامية الذي أجاز فيه فوائد البنوك حسبما جاء في مجلة روز اليوسف العدد (3887) في 7 – 13/12/2002 ص 19 – 21 حيث جاءت الفتوى بناءً على سؤال من الدكتور حسن عباس رئيس مجلس إدارة بنك تقليدي ، (وهو عضو في مجلس البحوث الإسلامية أيضاً) حيث أرسل خطاباً في يوم 22/10/2002 يسأل فيه عن الحكم الشرعي للمعاملات المصرفية بالبنك يقول فيه: (إن عملاء بنك الشركة المصرفية العربية الدولية يقدمون أموالهم ومدخراتهم للبنك الذي يستخدمها ويستثمرها في معاملاته المشروعة مقابل ربح يصرف لهم ، ويحدد مقدماً في مدد يتفق عليها مع العميل ، نرجو الإفادة عن الحكم الشرعي لهذه المعاملة) وقد أرفق رئيس مجلس إدارة البنك الأنموذج الذي ذكر مع الفتوى آنفاً .

 

مناقشة الفتوى وما جاء في المحضر  :

أولاً : تبين لنا من خلال المحضر أن الدكتور عباس زكي عضو مجمع البحوث ، ورئيس مجلس إدارة البنك (التقليدي أو الربوي) هو السائل والشارح ، والمشارك في إصدار الفتوى ، وقد عرض الموضوع بالصورة الحالية بالنص :

(إن عملاء بنكه “بنك الشركة المصرفية….” يقدمون أموالهم ومدخراتهم للبنك الذي يستخدمها ويستثمرها في معاملاته المشروعة مقابل ربح يصرف لهم ويحدد مقدماً في مدد يتفق عليها مع العميل….، نرجو الإفادة عن الحكم الشرعي لهذه المعاملة)  .

وهذا العرض يتضمن العناصر الآتية :

1 ـ البنك يستثمر هذه الأموال المقدمة .

2 ـ البنك يستثمرها في معاملاته المشروعة .

3 ـ البنك يوزع الربح .

4 ـ وهذا الربح يحدد مقدماً في مدد يتفق عليها مع العميل ، ويضيف الدكتور عباس : (وبالنسبة لتحديد العائد فهذا واجب) .

 

هذه الفتوى لا تنطبق على أعمال البنوك التقليدية :

  فعلى ضوء هذا العرض ليس هناك أي إشكالية في هذه المعاملة سوى كون الربح يحدد مقدماً ، فيكون البحث محصوراً في تحديد البنك يستثمر هذه الأموال في معاملاته المشروعة ، ثم يوزع الربح ، وهذا العرض لو كان صحيحاً فهذه المعاملة صحيحة ، ومشروعة سوى العنصر الأخير ، ولذلك جاءت فتوى المجمع بالجواز بناءً على أن البنك يستثمر ، وانه يستثمر في المعاملات المشروعة ، وانه يوزع الربح ، وناقشت الفتوى مسألة واحدة وهي مسألة تحديد الربح في المضاربة أو المشاركة أو في الاستثمار ، وهذه المسألة قابلة للنقاش فلو كانت المسألة مسالة تحديد الربح في استثمارات مشروعة لكانت القضية أهون بكثير من بقية فوائد البنوك .

 ولذلك أقول إن فتوى مجمع البحوث لا تنطبق على معاملات البنوك التقليدية اليوم (الربوية) وذلك باختصار شديد لأن البنوك لا تستثمر ، بل تقرض وتقترض بفائدة محددة ، وأنها لا توزع الربح ، لأن الربح هو الصافي بعد سلامة رأس المال والمصاريف ، في حين أن الفائدة لا ينظر فيها إلى مسألة الربح والخسارة حسب أنظمة جميع البنوك التقليدية.

 (فهذه الصورة المذكورة في السؤال لا يجري عليها العمل في البنوك التجارية ولا المتخصصة لا في مصر ولا في غيرها من البلاد العربية ، بل وتتناقض ما نصت عليه القوانين المدنية ، وقوانين التجارة ، وقوانين الجهاز المصرفي في هذه البلاد ، وبالتالي فإن هذه الفتوى لا تطبق على ودائع البنوك) .

 وهذه الفتوى مبنية على هذه الحيثيات التي تذكر أنها غير صحيحة بالنسبة للبنوك التقليدية ، كما كانت فتوى فضيلة الدكتور طنطاوي عام 1989م مبنية على تصور رئيس مجلس إدارة البنك الأهلي .

  فكان المفروض ـ في مثل هذه القضية الخطيرة التي صدرت فيها فتاوى وقرارات من المجامع بدءاً من مجمع البحوث الإسلامية في مؤتمره الثاني عام 1965م إلى قرارات مجامع الفقه في مكة المكرمة ، وجدة ، والهند والسودان وغيرها ـ أن يعقد لها مؤتمر يجمع فيه المتخصصون والعاملون في البنوك الإسلامية ، والربوية ، لا أن يعتمد على قول شخص يرأس مؤسسة مالية تستفيد من الفتوى استفادة كبيرة ومن المعلوم في الفقه الإسلامي انه لا تقبل شهادة من يجرُّ بشهادته لنفسه نفعاً أو يدفع ضرراً  .

 

مفتي مصر يؤكد هذا الكلام :

  صرح فضيلة الدكتور أحمد الطيب مفتي الديار المصرية بأنه : ( لم أقل : إن كل معاملات البنوك …حلال فالتعميم هنا خطأ كبير وكل معاملة بنكية لها حكمها الذي قد يكون حلالاً وقد يكون حراماً) ، وأكد الدكتور الطيب : أن الفتوى التي استقر العمل بها في دار الإفتاء المصرية الآن ، والتي نكررها لكل من يسأل عن حكم الشرع في الفوائد البنكية سواء من الجماهير أو وسائل الإعلام هي كالآتي : (ليس كل التعامل مع البنوك حلالاً ، وليس كله حراماً ، وإنما يجب على المسلم أن يحدد بوضوح طريقة تعامله مع البنك أو مع غيره ، لأنه إن كان يقصد بتعامله القرض ، أو الدين أو الوديعة فإنه لا يصح له أن يأخذ أكثر من المبلغ الذي أعطاه للبنك ، لأن الزيادة ربا محرم شرعاً في حالة القرض ……)  .

 فهذا الكلام واضح في الدلالة في حرمة أعمال البنوك التقليدية الحالية ، بل إن فضيلة الدكتور طنطاوي شيخ الأزهر أيضاً يقول : (إن الاقراض بفائدة حرام ، حرام ، حرام ) .

 

الفتوى مبنية على تلك العناصر السابقة :

 هذه  الفتوى مبنية على العناصر الثلاثة التي ذكرها الدكتور حسن عباس زكي في سؤاله وعرضه وشرحه لأعضاء المجمع ، وبالتالي فإذا تبين أن البنوك التقليدية اليوم لا تلتزم بهذه العناصر ، أو حتى بواحد منها فإن الفتوى لا تنطبق على أعمالها ، وهذا ما سنثبته بإذن الله تعالى ، وبالتالي :

العنصر الأول : البنك يستثمر أموال المودعين ؟!

 من المعروف يقيناً أن الاستثمار غير القرض في اللغة وفي الشريعة والقانون والاقتصاد معاً ، حيث إن الاستثمار يعني استخدام الأموال في الإنتاج إما مباشرة بشراء الآلات والمواد الأولية ، وإما بطريق غير مباشر كشراء الأسهم والسندات ، أو بعبارة أخرى فهو التجارة في المال عن طريق البيع والشراء والمرابحة والمشاركة والمضاربة ونحوها  .

 فالاستثمار لغة طلب الثمرة ، وثمرة الشجرة حملها وثمرة الشيء فائدته ، واستثمر المال : ثمره ، والاستثمار هو استخدام الأموال في الانتاج إما مباشرة بشراء الآلات ، والمواد الأولية ،وإما بطريق غير مباشر كشراء الأسهم والسندات  .

 فالاستثمار إما أن يقوم به صاحب المال فهذا يتحمل مسؤوليته ، أو أن يقوم به شخص آخر نيابة عنه إما عن طريق المضاربة ، أو المشاركة أو الوكالة ، وأن القائم بالتجارة (المضارب ، أو الشريك ، أو الوكيل) غير ضامن إلاّ في حالات التعدي والتقصير ،وإذا تحقق الربح فيوزع الربح حسب الاتفاق السابق وإذا وجدت خسارة فإن المال المستثمر هو الذي يتحملها ، إلاّ إذا كان هناك تعدّ ، أو تقصير أو مخالفة للشروط فحينئذٍ يكون المضارب ، أو الشريك ، أو الوكيل يتحمل تلك الخسارة .

 والقرض لغة من قرضه أي قطعه ، والقرض ما تعطيه غيرك من مال على أن يرده إليك ،ويطلق على ما يقدم من عمل يلتمس عليه الجزاء ، وعلى ما أسلفه الإنسان من إساءة وإحسان ، وفي التنزيل العزيز (وأقرضوا الله قرضاً حسناً)  والقرض الحسن : قرض بدون ربح أو فائدة تجارية  .

 وأما القرض في الفقه الإســـلامي هو: دفـع مال إرفاقاً لمن ينتفع به ، ويـرد بدله .

 واما القرض في القانون فقد نصت المادة 538 من القانون المدني المصري على أنه عقد يلتزم به المقرض أن ينقل إلى المقترض ملكية مبلغ من النقود أو أي شيء مثلي آخر ، على أن يرد إليه المقترض عند نهاية القرض شيئاً مثله في مقداره ، ونوعه ، وصفته.

 وقد عرفته بقية التقنينات العربية بمثل هذا التعريف مثل المادة 506 من القانون المدني السوري ، وم537 من التقنين المدني الليبي ، وم684 من التقنين المدني العراقي ، وم754 – 755 من تقنين الموجبات والعقود اللبناني  .

 ومن خصائص عقد القرض أنه عقد رضائي ، وعقد تبرع في الأصل ، إذ المقرض يخرج عن ملكية الشيء إلى المقترض ، ولا يسترد المثل إلاّ بعد مدة الزمن ،وذلك دون مقابل ، فهو تبرع من حيث السماح بالوقت دون مقابل .  

 

القرض يختلف عن بقية العقود الاستثمارية وغيرها :

 فقد أوضح القانونيون أن القرض يختلف ويتميز عن الشركة تمييزاً واضحاً من ناحية أن المقرض يسترد المثل من المقترض ، ولا شأن له بما إذا كان المقترض قد ربح أو خسر من استغلاله للقرض ، أما الشريك فلا يسترد حصته من الشركة بعد انقضائها إلاّ بعد أن يساهم في الربح أو في الخسارة ، يقول الأستاذ السنهوري : (وقد قدمنا أن هذه المساهمة في الربح وفي الخسارة هي التي تميز الشركة عن القرض ، ويدق التميز ، كما رأينا عند الكلام في الشركة ، إذا قدم شخص مالاً لآخر ،و اشترط عليه أن يسترد مثله ، وأن يساهم في الربح دون الخسارة…فهذه شركة باطلة ، إذ هي شركة الأسد…)  فالشركة من شروطها الأساسية أن يتحمل الشريك نصيباً من الخسارة ولذلك نصت المادة (515 م م) على أنه: (إذا اتفق على أن أحد الشركاء لا يساهم في أرباح الشركة كان عقد الشركة باطلاً) وتقابلها النصوص في معظم القوانين المدنية العربية مثل المادة 482 ، 483 في القانون السوري ، والمادة 505 ، 506 من القانون الليبي ، والمادة 634 ، 635 من القانون العراقي ، والمادة 884 ، 896 من قانون الموجبات والعقود اللبناني  . 

 وأن من أركان الشركة نية المشاركة في الأرباح والخسائر وإلاّ كانت الشركة باطلة ؛ لأن نية المشاركة منبثقة ، ولأنه يؤدي إلى أن يتحمل أحد الشركاء الغرم دون الغنم ، أو بالعكس مع أن الأساس هو الغنم بالغرم ، وما يجري في البنوك الربوية هو عدم المشاركة في الغرم ولا في الغنم وإنما هو قرض مع فائدة محددة مضمونة على جميع الاعتبارات.  

 ومن المعلوم قانونياً أن الفوائد في القرض لا تجب إلاّ إذا اشترطت حسب ما نصت عليه المادة 542 ، وأنه يترتب في ذمة المقترض من  التزامات متمثلة في تحمل مصروفات القرض ودفع الفوائد المتفق عليها عند حلول مواعيد استحقاقها ، ورد المثل عند نهاية القرض .

 إذن فمن المعلوم بداهة أن القرض غير الاستثمار ، وأن القوانين الوضعية منعت البنوك (التقليدية) من استثمار أموال المودعين (أي العملاء) ، يقول الدكتور الهواري : (لا تستطيع البنوك التجارية القيام بعميلات شراء البضائع …ولا تستطيع بموجب قوانين إنشائها من شراء أصول ثابتة لغير استخدام البنك ذاته ،أما البنوك الإسلامية فهي تستطيع الاتجار المباشر…وأن البنك التجاري هو المؤسسة التي تقوم بصفة معتادة بقبول الودائع وتقديم القروض للغير…)  .

 

القرض والوديعة ، ودائع البنوك :

 الوديعة لغة هو ما استودع ، وجمعها ودائع ، فيقال : استودع فلاناً وديعة أي استحفظه ، والودائع هي الأمانات التي يستحفظ عليها الإنسان  .

 والوديعة في الفقه الإسلامي هو المال المتروك عند إنسان ليحفظه  وهكذا الأمر في القانون حيث عرفت المادة 718 من التقنين المصري الوديعة بأنها : (عقد يلتزم به شخص أن يتسلم شيئاً من آخر على أن يتولى حفظ هذا الشيء ، وعلى أن يرده عيناً) وتقابل هذا النص المادة 684 من القانون المدني  السوري ، والمادة 718 من القانون المدني الليبي ، والمادة 950 ـ 951 في التقنين المدني العراقي ، والمادة 690 من قانون الموجبات والعقود اللبناني .

 يقول الدكتور السنهوري : (وتتميز الوديعة عن القرض ، فالوديعة لا تنقل ملكية الشيء ، ولا يجوز استعماله ، ويجب رده بالذات ، أما القرض فينقل ملكية الشيء على أن يرد مثله ، ومع ذلك فقد يودع شخص في البنك مبلغاً عن النقود على أن يسترد مثله ، وهذا ما يسمى بالوديعة الناقصة)  . 

 

الودائع في البنوك :

 والواقع أن الودائع في البنوك ليست هي الوديعة في اللغة ، ولا في الفقه الإسلامي ،ولا في القانون ، وإنما هي حقيقة القرض في القانون ، نعم إن  القانون سمى ودائع البنوك بالوديعة الناقصة وكيفها على أساس القرض بفائدة ، وهذا اصطلاح لا مشاحة فيه ، ولذلك فالقول بأن ودائع البنوك استثمار قول لا أساس له من الصحة من حيث التنظير القانوني والاقتصادي واللغوي لما يأتي : 

 وقد نصت المادة 301 من القانون رقم 17 لسنة 1999 بإصدار قانون التجارة على أن ” وديعة النقود عقد يخول البنك ملكية النقود المودعة ، والتصرف فيها بما يتفق ونشاطه ، مع التزامه برد مثلها للمودع ، طبقاً لشروط العقد” ، كما تنص المادة 300 من هذا القانون على أن “أحكام الباب الثالث” منه الخاص بعمليات البنوك ومنه المادة 301 ” تسري على العمليات التي تعقدها البنوك مع عملائها ، تجاراً كانوا أم غير تجار ، وأياً كانت طبيعة هذه العلميات” .

 فهذه النصوص القانونية تقطع بأن وديعة النقود في البنوك قرض ، وقد أكد فقهاء القانون هذا بما لا يدع مجالاً للشك .

 ومن الناحية الفقهية ، فإن الفقه الإسلامي فرق بين القرض والوديعة مثل القانون ، وأن مقتضى القرض هو أن المقترض يمتلك القرض ، ويضمنه ثم يرد مثله إن كان مثلياً ، وقيمته إن كان قيماً عند من أجاز قرض القيمات  ثم أجمع الفقهاء قاطبة على أن اشتراط أي زيادة في القرض حرام يؤدي إلى ربا النسيئة ، يقول ابن قدامة : (وكل قرض شرط فيه أن يزيده فهو حرام بغير خلاف ، قال ابن المنذر : اجمعوا على أن المسلف إذا شرط على المستسلف زيادة ، أو هدية ، فأسلف على ذلك أن أخذ الزيادة على ذلك ربا)  بل إن جمهور الفقهاء حرموا أن يعطي المقترض الهدية للمقرض إذا كانت بسبب القرض أو لأجل إمهاله وقتاً   ، قال ابن القيم : (وكل ذلك سداً لذريعة أخذ الزيادة في القرض الذي موجبه رد المثل)  .

 وقد روى البخاري في صحيحه عن أبي بردة بن أبي موسى قال : قدمت المدينة فلقيت عبدالله بن سلام فقال لي : إنك بأرض فيها الربا فاش (منتشر) ، فإذا كان لك على رجل حق فأهدى إليك حمل تبن أو شعير أو حمل قت فلا تأخذه ، فإنه ربا  .

 

القانون يمنع البنك التقليدي (الربوي) من الاستثمار :

فقد نص القانون المصري رقم 163 لسنة 1957 والقوانين المعدلة على ما يأتي :

1.       تخضع جميع البنوك التي تمارس عملياتها  داخل  جمهورية مصر العربية لأحكام هذا القانون المادة 26 : مكرراً (مضافة بالقانون رقم 5- لسنة 1984) .

2.       يعتبر بنكاً تجارياً كل منشأة تقوم بصفة معتادة بقبول ودائع تدفع عند الطلب أو بعد أجل لا يجاوز سنة (المادة 38 عدلت : مدة الوديعة بالزيادة) .

3.       يحظر على البنك التجاري أن يباشر العمليات الآتية :  

أ ـ التعامل في المنقول أو العقار بالشراء أو البيع أو المقايضة فيما عدا : (1) العقار المخصص لإدارة أعمال البنك للترفيه عن موظفيه . (2) المنقول أو العقار الذي تئول ملكيته إلى البنك وفاء لدين له قبل الغير قبل أن يقوم البنك بتصفيته خلال سنة من تأريخ أيلولة الملكية بالنسبة للمنقول وخمس سنوات بالنسبة للعقار ، ويجوز لمجلس إدارة البنك المركزي مد هذه المدة عند الاقتضاء.

ب ـ امتلاك أسهم الشركات المساهمة ويشترط : ” ألا تجاوز القيمة الاسمية للأسهم التي يملكها البنك في الشركة مقدار رأسماله المصدر واحتياطاته” .

4.       يحظر على البنوك العقارية والبنوك الصناعية وبنوك الاستثمار نفس الأعمال المحظورة على البنوك التجارية ، المادة 45 مستبدلة بالقانون 97 لسنة 1996 .

(فهذه النصوص قاطعة في منع البنوك التجارية والمتخصصة العاملة في مصر الاستثمار المباشر عن طريق الاتجار بالشراء والتملك والبيع بصفة مطلقة إلاّ إذا كان التملك وفاء لدين وبشرط التصرف في العقار أو المنقول خلال مدة محددة ، أو كان العقار مستخدماً لإدارة البنك أو لأماكن ترفيه موظفيه ، وحتى في حالة المشاركة في تأسيس الشركات وشراء أسهمها يحظر على البنك أن يمس الودائع مطلقاً ، بل إن له أن يتصرف في حدود حقوق المساهمين .

 فافتراض الفتوى أن البنوك تقوم باستثمار الودائع بالاتجار فيها بالبيع والشراء بصفة مباشرة ، أو حتى شراء أسهم الشركات ، افتراض غير صحيح ، وبناء الفتوى عليه باطل ، وإذا كانت الفتوى تتحدث عن بنوك تستثمر الوادئع بنفسها استثماراً مباشراً ، وتتجر فيها بالبيع والشراء ، فما هي هذه البنوك ؟ وأين تعمل ؟ في مصر أو في الخارج ؟؟ )

وقد قال أحد العلماء الذين ردوا على الفتوى :   

(ولا أدري كيف غاب عن أعضاء المجمع عند إصدار الفتوى واقع البنوك العاملة في مصر ، وأحكام القوانين التي تنظم عملها ، مع أن الحكم على الشيء فرع عن تصوره ، وكيف غاب عنهم أن البنوك في مصر لا تملك ، بتخصيص القوانين المنظمة لعمل استثمار الودائع بنفسها استثماراً مباشراً وليست حرة في الاتجار فيها بالبيع والشراء للعقار والمنقول ، والمساهمة في الشركات ، وان الأصل في نشاط هذه البنوك إنها تقرض الودائع بسعر فائدة أعلى من سعر الفائدة الذي تدفعه لأصحاب الودائع ، ويكون الفرق بين الفوائد الدائنة والفوائد المدينة هو ربح المساهمين فيها بعد خصم المصروفات العمومية والإدارية للبنك وذلك بالإضافة إلى مقابل الخدمات المصرفية .

 وعلى كل حال فإن هذه الفتوى لا يتحقق مناط تطبيقها بالقطع في البنوك التجارية أو المتخصصة ، لأن الفتوى تفترض قيام بنوك تتلقى الودائع بصفتها وكيل استثمار وتستثمر هذه الودائع بنفسها استثماراً مباشراً بالاتجار فيها بالبيع والشراء وغيرهما ، وهذا النوع من البنوك غير موجود في الواقع العملي) .

والرد على ذلك فيما يأتي :

أولاً : أن التكييف القانوني في مصر وفرنسا وغيرهما لعقد الوديعة في البنوك التقليدية هو عقد القرض وهذا أكبر رد على من يقول إن العلاقة بين البنك والعميل علاقة وكالة أو استثمار ، وذلك لأن العقد الذي يوقع بين الطرفين إلى يومنا هذا هو عقد قرض بفائدة محددة ، فالعميل حينما يودع مبلغاً لدى البنك ، فإنه يقرضه قرضاً مضموناً بفائدة محددة مضمونة ، فأين الوكالة في هذا العقد ؟ حيث يأخذ العميل المقرض نسبة مئوية من المال المودع لدى البنك ، ففي مقابل أي شيء يأخذها ؟ وأين دوره في الوكالة ؟ وما الذي يقدمه العميل للبنك حتى يأخذ منه أجراً ؟ وأين مصروفاته الإدارية ؟ فالعميل قد جاء ووضع مليون ريال وديعة في البنك ، ثم في آخر السنة يأخذ رأس ماله و5% مثلاً زيادة على رأس ماله ، فالعميل المقرض الذي يأخذ الفائدة على قرضه لو صح أنه عقد وكالة فهو موكل وليس وكيلاً ، فكيف يأخذ الموكل أجراً من وكيله؟!!!

 ويبدو أن هؤلاء الاخوة نسوا هذا الجانب ، وركزوا على ما يأخذه البنك من فوائد ربوية ، حيث إنه في حالة البنك مقترضاً من العميل فلا مجال أصلاً لتكييف هذه النسبة على أساس الأجر في الوكالة في مقابل المصروفات الإدارية . 

 وكذلك الأمر عندما يقرض البنك العميل ويأخذ نسبة من الفوائد الربوية حيث إن العلاقة هي علاقة عقد القرض في الشريعة والقانون ، ولو صح فالبنك موكل فكيف يأخذ الفائدة من وكيله ، فالمفروض أن يأخذ الوكيل وليس الموكل؟!!!

 هذا وقد حسم التقنين المدني المصري الخلاف في طبيعة الودائع في البنوك الربوية حيث كيفها على أنها قرض فقد نصت المادة 726 على أنه : (إذا كانت الوديعة مبلغاً من النقود أو أي شيء آخر مما يهلك بالاستعمال وكان المودع عنده مأذوناً له في استعماله اعتبر العقد قرضاً) . وهذا ما يسميه بعض القوانين بالوديعة الناقصة واسمها بالفرنسية   Oepot irregulir وقد فسرها بعض القانونين بالوديعة الشاذة  ولكن معظم القوانين سمته بالقرض ، فقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي للمادة 726م م : (لما كان المفروض في الوديعة أن يحفظها الوديع ويردها عيناً ، فإذا رخص له من استعمالها وجب أن لا تكون مما لا يهلك لأول استعمال …. وفي هذه الحالة يكون العقد أقرب إلى القرض منه إلى الوديعة ، وهذا هو شأن وديعة النقود) ولذلك حسمت المادة السابقة فاعتبرت ما يسمى بودائع البنوك بالقروض ، وهذه المادة منقولة تقريباً من المادة 649 من المشروع الفرنسي الإيطالي  .

 يقول الأستاذ السنهوري : (ولذلك خرج المشروع بهذا النوع ـ أي الوديعة الناقصة ـ عن أن تكون وديعة على أن تكون قرضاً ) .

 وقد حاول بعض القانونين أن يميز بين الوديعة الناقصة ، والقرض حسب نية المودع ، ورد عليهم الأستاذ السنهوري بأن هذا التميز غير سليم ، ولا صحيح فقال : (والصحيح انه لا محل للتميز بين الوديعة الناقصة والقرض ، فما دام المودع في الوديعة الناقصة ينقل ملكية الشيء المودع إلى المودع عنده ويصبح هذا مديناً برد مثله ، فقد فقدت الوديعة الناقصة أهم مميز للوديعة ، وهو رد الشيء بعينه ، واختلطت اختلاطاً تاماً بالقرض ، وهذا ما قضت به المادة 726 م م)  .

 وقد علق العلامة الدكتور فرج السنهوري على ذلك بقوله : (وقد يتخذ القرض صوراً مختلفة أخرى غير الصور المألوفة ، من ذلك إيداع نقود في مصرف ، فالعميل الذي أودع النقود هو المقرض ، والمصرف هو المقترض …)  ، وقد أكد ذلك فقهاء القانون والاقتصاد  .

 كما أكد هذا المعنى بالإجماع مع الحكم بتحريم الفوائد البنكية المؤتمر العالمي الأول للاقتصاد الإسلامي الذي حضره عدد كبير من فقهاء الشريعة ، وعلماء الاقتصاد والقانون عام 1396 هـ .

 ولذلك كان من المفروض على هؤلاء الأساتذة أن يرجعوا إلى علماء القانون والاقتصاد لبيان التكييف القانوني والاقتصادي لعقد الوديعة في البنوك الربوية وإن لم يرجعوا إلى المتخصصين في الفقه الإسلامي والاقتصاد الإسلامي .

 ومن جانب آخر ، فإن الوكيل غير ضامن بالإجماع في الشريعة  إلاّ في حالات التعدي والتقصير ، في حين أن البنك ضامن بإجماع القانونين عن  المبلغ الذي اقترضه من العميل مع الفائدة المحددة ، وأن العميل أيضاً ضامن عن المبلغ الذي اقترضه من البنك مع الفائدة المحددة مهما كانت الأمور ، ومهما خسر العميل .

ثانياً : ادعى بعضهم بأن تحديد العائد مقدماً يعود إلى الاستثمار .

 وهذا الادعاء يعود إلى عدم المعرفة بطبيعة التعامل في البنوك الربوية ، فقد ذكر علماء القانون والاقتصاد أن الوظيفة الرئيسية للبنوك التقليدية هي الاقتراض والاقراض بفائدة ، وخ