ذكرت مجلة روز اليوسف في عددها 3887 بتأريخ 7ـ13/12/2002 محضر الاجتماع الخاص باجتماع مجمع البحوث الإسلامية الذي أجاز فيه فوائد البنوك ، ونحن هنا نذكر أهم عناصره مع التحليل والتأصيل :

أولاً : في بداية المحضر تحدث الدكتور حسن عباس زكي رئيس مجلس إدارة البنك التقليدي وعضو مجمع البحوث عن كيفية التعاملات مع البنوك قائلاً : ((جرى العرف بين الناس على وضع أموالهم في البنوك حماية لها من السرقة ، إما بغرض الاستثمار ، أو بغرض الحسابات الجارية…)) .

وقد أثبتنا في السابق أن البنوك التجارية أو المتخصصة منعها القانون من الاستثمار في أموال المودعين .

 ثم أضاف الدكتور حسن عباس زكي : ((فكان للبنك أن يتفق مع صاحب المال المودع على نظام استخدامه ، وإذا كان للاستثمار ، وهذه تكون بعائد متغير من وقت لآخر حسب احتياجات الأسواق فيكون في وقت 13% وفي وقت آخر 11%……)).

  من المعلوم لكل من يتعامل مع البنوك التقليدية أن لها نظاماً واحداً في التعامل مع المودعين هو نظام القرض ، ولكنه في الحساب الجاري يكون بدون فائدة ، وفي غيره يكون بفوائد قليلة في التوفير ، وبفوائد أكثر من الودائع المربوطة بزمن ، وانه كلما طال الزمن زادت الفائدة .

 ونحن نطلب من سعادة الدكتور حسن بأن يأتي لنا بعقد آخر مثل المضاربة أو المشاركة أو الوكالة لتنظيم العلاقة بين البنك الذي يرأس مجلس إدارته ، والمودعين الذين أودعوا نقودهم في البنك ، أو بين بنكه وعملائه الذين يقترضون منه ؟

 والعائد المتغير بين 13% إلى 11% من رأس المال لا يعود إلى الأرباح المحققة ، لأن العائد يحدد على القرض في البداية ، وليس على الاستثمار ، وانه يحدد مسبقاً في بداية العقد دون انتظار النتائج ، ومسألة تغيير العائد من 11% إلى 13% لا تغير الحكم الشرعي ما دامت العلاقة علاقة قرض حدد له عائد محدد أو غير محدد فكل زيادة على القرض بسبب الزمن ربا بدون خلاف بين الفقهاء ـ كما سبق ـ ولدخولها في نصوص الربا في القرآن الكريم والسنة النبوية المشرفة( كما سيأتي) .

  ثم يقول الدكتور : ((وهذه الأموال هي مدخرات الشعب ، والبنوك تقوم بتوظيفها في مجالات متعددة من استيراد وتصدير وبيع وشراء وبناء وتعمير وغير ذلك…)).

 نقول : هذا الكلام مخالف لما عليه واقع البنوك الحالية فإذا كان بنك الدكتور يقوم بهذه المعاملات فهذا شيء آخر، ولو كان ذلك صحيحاً لكان البنك إسلامياً ـ من حيث المبدأ ـ ما دام يقوم بالبيع والشراء والاستثمار……. .

  ولكن البنوك التقليدية العاملة في العالم العربي والعالم الغربي ممنوعة من البيع والشراء بأموال المودعين بحكم القوانين العربية والغربية .

  ونحن هنا مع الدكتور عباس زكي في ضرورة الحفاظ على مدخرات الشعب وحمايتها بكل الوسائل والتشدد في القوانين المنظمة لها ، ولكن نحن المسلمين لنا شرط واحد ، وهو أن لا يكون ذلك مخالفاً لثوابت الشريعة الإسلامية مثل القرض بفائدة ، كما أن لدينا بدائل إسلامية متمثلة في الشركات الاستثمارية ، والبنوك الاستثمارية والإسلامية ، فالمطلوب إذن تنظيم هذه الاستثمارات من خلال قوانين تحمي أموال المستثمرين .

 والاستثمار القابل للربح والخسارة ليس خاصاً بالإسلام ، فالنظام الرأسمالي يعطي مجالاً واسعاً للشركات الاستثمارية ، ونشأت فعلاً كبرى الشركات التي كان لها دورها في النهوض بالدول الغربية ، وهذه الشركات هي التي تقوم بالاستثمارات الكبرى في جميع المجالات المهمة من الصناعة والزراعة ، والعقارات ونحوها ، وهذه الشركات تقوم على الربح والخسارة كما هو الحال في الاستثمار في الإسلام .

ثانياً : ذكر المحضر أن فضيلة الإمام الأكبر قال : (( بعد أن أشار الدكتور حسن عباس إلى الهدف من تحديد الأرباح التي تتغير من وقت لآخر …يكون السؤال المطروح الآن : هل تحديد الربح مقدماً له علاقة بالحل والحرمة ؟ وهل البنوك التي لا تحدد الأرباح هي التي تتعامل بالحلال وغيرها يتعامل بالحرام )) .

  وهذا الكلام واضح في أن الجواب يبنى على ما ذكره السائل من وجود استثمارات وبيع وشراء ، وكل المشكلة هي أن البنك حدد الربح ، في حين أن المسألة هي أن البنك لا يستثمر أساساً ، وإنما يقرض بفائدة ويقترض بفائدة .

 ويبدوا أن فضيلة الإمام الأكبر لو علم أن عمل البنك هو الاقراض والاقتراض بفائدة لقال بحرمته كما صرح بذلك جهاراً ونهاراً ، ولذلك يضرب مثالاً ينطبق على المضاربة ولكن الربح يحدد فيها ، ويدل على هذا الفهم المثال الذي ذكره فضيلته حيث قال : ((ويمكن أن نضرب المثل لتقريب المعنى إذا أعطيتُ جزاراً عشرة آلاف جنيه ليقوم بتوسعة محله ، ويضاعف عدد رؤوس الماشية التي قوم بذبحها كل أسبوع ، واتفقنا على ربح معين كل شهر فهل في ذلك حرمة ؟ أم أنه يُعد من قبيل الاستثمار ؟ إن الذي ألجأني لهذا الجزار ـ أو لغيره ـ هو عدم درايتي بالتجارة ، وحرصي على عدم ضياع المال الذي حصلت عليه بعد جهد ومشقة على مدى العمر )) .

 فالمثال الذي ذكره فضيلته هو لمضاربة حدد فيها الربح وهي مضاربة فاسدة بإجماع الفقهاء  وهي أخف من القرض بفائدة التي هي الربا النسيء في الإسلام ، والتي تجري في البنوك الربوية .

  وهنا يثور سؤال حول ما إذا كانت هذه المعاملة مضاربة أو استثماراً فما الحكم فيما لو تحققت الخسارة ؟ لذلك أجاب الدكتور طنطاوي : (فإن خسرت البنوك ترفع أمرها إلى الهيئات القضائية) .

 وهذا الذي تفضل به لا يخرج عن الجانب النظري فقط ، ولا يصل إلى الواقع أبداً ، لأن العلاقة بين البنك والمقترض أو المقرض علاقة قرض بفائدة شرعاً وقانوناً ، وأن القوانين والمحاكم المدنية لا تسمح للبنك في حالة اقتراضه أن يمتنع عن دفع الفائدة مع رأس المال بالكامل في جميع الأحوال ، وكذلك الحال بالنسبة للعميل المقترض ، وهذا هو ما جرت عليه المحاكم في كل العالم اليوم حيث لا تسمع لهذه الدعوى أبداً .

 

العلاقة بين البنك والعميل علاقة وكالة :

  ثم ذكر فضيلة الدكتور طنطاوي : أن هذه المعاملة حديثة لم يرد فيها نص من الكتاب والسنة ، لذلك لا بد أن تحمل على إحدى المعاملات والعقود الإسلامية ، فقال : ((فلتكن وكالة مطلقة من الأفراد للبنوك في استثمار أموالهم فيما أحل الله ، والبنوك تقوم بدور المستثمر الحريص على ما لديه من مال ، وتحديد الربح مقدماً يطمئن صاحب المال على ماله ، فهذه معاملة حلال ، حلال ، حلال )) .

فهذا الكلام يدل على أنه قاس تعامل البنوك التقليدية إقراضاُ واقتراضا على الوكالـــة.

 

وهنا يرد على هذا التكييف القانوني عدة ملاحظات جوهرية من أهمها :

أولاً : أن واقع العمل في البنوك الربوية من حيث علاقة العملاء بالبنك عند الإيداع ، أو من حيث علاقة البنك بهم من حيث دفع المبالغ إليهم ليست علاقة وكالة قطعاً لا شرعاً ولا قانوناً ، بل هي علاقة قرض أخذاً عطاءً وذلك لما يأتي :

1 ـ أن الوكالة في اللغة هي اعتماد شخص على آخر في تنفيذ أمر من أموره  ولا يختلف معناها كثيراً عن معناها الاصطلاحي لدى الفقهاء حيث هي تفويض شخص ماله فعله مما يقبل النيابة إلى غيره ليفعله في حياته  .

 وقد عرف القانون المدني المصري في مادته (699) الوكالة بأنها : (عقد بمقتضاه يلتزم الوكيل بأن يقوم بعمل قانوني لحساب الموكل) ونجد مثل هذا التعريف في المادة (665) في القانون المدني السوري ، والمادة (699) في القانون المدني الليبي ، والمادة (927) في القانون المدني العراقي ، والمادة (769) في تقنين الموجبات والعقود اللبناني  .

 يقول الأستاذ السنهوري : ( وسنرى أن أهم ما يميز الوكالة عن غيرها من العقود أن محل الوكالة الأصلي يكون دائماً تصرفاً قانونياً ….يقوم به الوكيل لحساب الوكيل) كما نصت على ذلك المادة (699) السابقة ، حيث يجب: (أن يقوم بعمل قانوني لحساب الوكيل) حيث عليه أن يقدم عند انتهاء الوكالة حساباً للموكل عما قام به من الأعمال لتنفيذ الوكالة ، (وسواء عمل الوكيل باسم الموكل في الوكالة….أو باسمه الشخصي …فهو في الحالتين يعمل لحساب الموكل) وان هذا الحكم لا تختلف فيه القوانين الغربية عن القوانين العربية .

 كـما تتميز بتغلب الاعتبار الشـخصي ، وبـأنها عقـد غير لازم كـقـاعدة عـامـة.

 وقد قام الأستاذ السنهوري بتمييز عقد الوكالة عن غيرها من العقود مثل المقاولة ، والعمل ، والإيجار ، والبيع ، والشركة ، والوديعة ، ونحوها  .

 أما الذي يجري في البنوك التقليدية ن فالبنك بعدما استلم المبلغ من العميل الذي أودعه في الحساب الجاري ، أو في حسابات الودائع قد تملك المبلغ فهو إذن يتصرف لحسابه ويعمل لنفسه ، ولا يعمل لحساب المودع ، فالمودع قد حددت له حقوقه المتمثلة في إعادة رأس ماله مع نسبة محددة من الفائدة المرتبطة برأس المال ، وليست بالربح أو العائد أبداً.

 وكذلك في حالة قيام البنك بدفع مبلغ للعميل لأية حاجة من حاجياته فإن العميل قد تملك المبلغ ، فهو إذن يتصرف لنفسه في هذا المال ، وهو يتحمل المسؤولية الكاملة ، ربحاً أو خسارة ، وكل ما عليه رد المال مع النسبة المحددة مسبقاً .

2 ـ أن الوكالة لا تتحقق إلاّ إذا توافر فيه الشكل القانوني حسب محل الوكالة ، حيث نصت المادة (700) من القانون المدني المصري على أنه يجب أن يتوافر في الوكالة الشكل الواجب توافره في العمل القانوني الذي يكون محل الوكالة ، ما لم يوجد نص يقضي بغير ذلك) ويوجد مثل هذا النص في المادة (666) من القانون المدني السوري ، والمادة (700) من القانون المدني الليبي ، والمادة (775) من القانون اللبناني  . 

3 ـ أن الوكيل ملزم بتنفيذ الوكالة دون أن يجاوز حدودها المرسومة ، كما نصت على ذلك المادة (703) من القانون المدني المصري في فقرته (1) ، اما الفقرة (2) فنصت : (على أن له أن يخرج من هذه الحدود متى كان المستحيل عليه إخطار الموكل سلفاً ، وكانت الظروف يغلب معها الظن بأن الموكل ما كان إلاّ ليوافق على هذا التصرف ، وعلى الوكيل في هذه الحالة أن يبادر بإبلاغ الموكل خروجه عن حدود الوكالة) وهذا هو نص المادة (669) من القانون المدني السوري ، والمادة (703) من القانون المدني الليبي ، وموافق للمادة (933) من القانون المدني العراقي ، والمواد (779 ،780 ، 787) من قانون الموجبات والعقود اللبناني .

 فعلى ضوء ذلك أن جميع القوانين تجعل الوكيل ملتزماً بأوامر ونواهي الموكل طوال فترة الوكالة فيما يخص تنفيذها ، فهو يتصرف أي تصرف باسمه ، وتعود الحقوق والآثار كلها الإيجابية والسلبية إلى الموكل سواء ذكر اسمه أو لم يذكر .

 وهنا لنا أن نتساءل : هل البنك عندما أخذ أموال المودعين (الحساب الجاري والتوفير والودائع) هل البنك يتصرف فعلاً وحقيقة باسم المودع وينفذ أوامره ونواهيه ، أو اتفاقية الوكالة الموقعة بين الطرفين ؟

بل هل هنـاك اتفـاقيــة بينهما على أسـاس الوكـالة حتـى تلزم البنك بـتـنفيذهـا؟

 الواقع أن كل ذلك غير وارد ، فلا البنك ينفذ أوامر ونواهي الموكل أو اتفاقية الوكالة الموقعة بين الطرفين (بل هي غير موجودة) ولا هو يتصرف باسمه ، ولا المودع يتحمل آثار تصرفات البنك ، وإنما العميل المودع حقه واضح وهو استرداد المال مع الفائدة ، وانه لا يتحمل أية نتيجة لتصرفات البنك ربح ربحاً عظيماً أو خسر خسارة كبرى .

 فلو كان البنك وكيلاً عن العميل المودع لكان للمودع الحق في تقييد تصرفاته ، فهل يستطيع العميل ـ بالله عليكم ـ أن يأتي للبنك ويقيد تصرفاته في المبلغ الموكل به ؟ أو هل هناك اتفاقية وكالة تنظم علاقة البنك بالعميل من حيث الحقوق والواجبات وتقيد البنك مما يمليه العميل ؟ وهل البنك بعطي للعميل (الموكل) الفائدة الزائدة التي حصل عليها من المقترض ؟

 هذا من جانب علاقة المودعين بالبنك ، أما من جانب علاقة البنك بالعملاء الذي يحصلون على المال منه فهل هؤلاء العملاء وكلاء عنه يتصرفون باسمه ، ولا ينفذون إلاّ حسب الصلاحيات التي منحها لهم البنك ؟؟! وهل هناك اتفاقية وكالة تنظم هذه العلاقة ؟ وهل لهم الحق بعد استلام المبلغ أن يتكلموا باسم البنك حتى في حدود المبالغ التي أخذوها؟ كلا بل لو استعملوا اسم البنك يعتبر تزويراً وغشاً وتدليساً يعاقب عليه القانون .

 وهل البنك يتحمل مسؤولية تصرفاتهم ؟ وهل للبنك الحق بتوجيه هؤلاء العملاء (الوكلاء!!) وتقييد تصرفاتهم؟

 كلا إن من يتصور أن علاقة المودعين بالبنك ، وعلاقة البنك بالعملاء المقترضين علاقة وكالة فهو يعيش في عالم خيال مصنوع بعيد عن الواقع والقانون المنظم لهذه البنوك ، وأنا مستغرب كيف استطاع هؤلاء الرؤساء للبنوك الربوية أن يزينوا هذه الفكرة ؟ وكيف اقتنع المفتون بذلك ؟

 إن القضية كما نظمها القانون أن المودع بمجرد ما أودع أمواله والحساب الجاري ، والتوفير ، أو الودائع قد اتفق مع البنك على ضمان ماله ، ونسبة الفائدة المحددة في التوفير والودائع ، وليس له علاقة بالبنك لا من قريب ولا من بعيد ، ولا البنك يعمل باسمه ، وكذلك حينما أخذ العميل مبلغ القرض من البنك لا تبقى أية علاقة له بالبنك سوى رد المال المقترض وفائدته المحددة أو المتغيرة حسب سعر الفائدة (لايبور) مع الزيادة، فلا يستطيع قانوناً أن يتصرف باسم البنك ، ولا يتحمل البنك نتائج تصرفاته .

 وباختصار شديد لا تتوافر في هذه العمليات البنكية في الحالتين (الاقراض والاقتراض) عناصر الوكالة وآثارها الشرعية والقانونية ، يذكر الأستاذ السنهوري ، أن محاكم النقض في مصر وفرنسا وغيرهما توجب على الوكيل أن يحتفظ بما يثبت تنفيذه للوكالة على الوجه المطلوب حتى يستطيع الرجوع على الموكل بما عليه من التزامات كدفع الأجر ، ويحتفظ كذلك بنسخة العقد الذي أمضاه أو بالمستند الذي يثبت ذلك ، كما يحتفظ بالمستندات التي تثبت المصروفات التي أنفقها في تنفيذ الوكالة)  .

 وهل البنك أو العملاء يفعلون ذلك حقاً ؟ بل يمكن أن يقال: هل هناك محكمة في مصر أو أية دولة عربية ، أو غربية يمكن أن تحكم بأن العلاقة بين المودع والبنك ، أو بين البنك والعميل المقترض علاقة وكالة يطبق عليها عقد الوكالة ؟

  وإذا كان الأمر كذلك فكيف يفتى بتكييف شيء مخالف للواقع ، والقانون ، والشريعة ، ونظام البنك ولوائحه؟ ولم أرَ قانونياً واحداً ولا اقتصادياً واحداً كيّف علاقة المودع بالبنك أو علاقة البنك بالعميل على أساس الوكالة وآثارها القانونية ؟

4 ـ الوكيل غير مسؤول في الشريعة والقانون إلاّ في حالات التعدي والتقصير ، وإنما عليه بنص القانون عناية الرجل المعتاد ، فقد نصت المادة(704) من القانون المدني المصري على أنه : (ـ1ـ إذا كانت الوكالة بلا أجر ، وجب على الوكيل أن يبذل في تنفيذها العناية التي يبذلها في أعماله الخاصة ، دون أن يكلف في ذلك أزيد من عناية الرجل المعتاد. ـ 2 ـ فإن كانت بأجر وجب على الوكيل أن يبذل دائماً في تنفيذها عناية الرجل المعتاد) ومثل ذلك موجود في المادة(670) من القانون المدني السوري ، وفي المادة (934 ـ935) من القانون المدني العراقي و(704) من القانون المدني الليبي ، والمادة (785ـ786) من القانون اللبناني .

 فالقوانين المدنية كلها تنص على أن التزام الوكيل بتنفيذ الوكالة هو التزام ببذل عناية لا التزام بتحقيق غاية  .

 والسؤال الوارد هنا هل أن البنك العميل في حالة اقتراضه من البنك ، أو البنك في حالة ايداع المودع في حساب التوفير أو الودائع تطبق عليه هذه القوانين وهذه الآثار القانونية ؟

 كلا إن المقترض (البنك أو العميل) مسؤول وحده عن تصرفاته ونتائج عمله وليس المقرض ، لأن العلاقة هي علاقة قرض ، وليست علاقة وكالة .

5 ـ نصت المادة (705) من القانون المدني المصري على أنه : (على الوكيل أن يوافي الموكل بالمعلومات الضرورية عما وصل إليه في تنفيذ الوكالة ، وان يقدم لها حساباً عنها) وكذلك المادة (671) من القانون المدني السوري ، والمادة (705) من القانون المدني الليبي ، والمادة (936) من القانون المدني العراقي ، والمادة (788ـ789) من القانون اللبناني .

 فالقوانين العربية ـ وكذلك الغربية ـ تشترط في عقد الوكالة موافاة الوكيل للموكل بالمعلومات الضرورية أثناء الوكالة ، ثم تقديم حساب مفصل شامل لجميع أعمال الوكالة  مدعم بالمستندات حتى يتمكن الموكل من ان يستوثق من سلامة تصرفات الوكيل ، ويدرج فيه ما للموكل وما عليه ، مثل ذلك أن يكون للموكل مبالغ قبضها الوكيل ثمن ما باعه أو أجرة ما أجره ، أو وفاء لحق الموكل في ذمة الغير ، وأعيان للموكل ، وأوراق مالية اشتراها الوكيل له ، والمصروفات التي صرفها ، ولكن هناك أحوال يعفى الوكيل فيها من تقديم الحساب  .

 والسؤال هنا : هل البنك في حالة كونه قد اخذ المال من المودع ملزم بتقديم المعلومات الكافية لعمليه المودع ، ثم تقديم كشف بالحساب الشامل إليه ؟ وهل العميل الذي أخذ الفلوس من البنك عليه هذان الأمران ؟

 الجواب عن ذلك : بدهي بأن هذا الأمر غير وارد أساساً في ظل العلاقة الحالية بين البنك والعميل ، لأن العلاقة هي علاقة القرض في الحالتين .

6 ـ أن الواقع اليوم الذي لا يستطيع أحد إنكاره هو أن البنك حينما يأخذ المال من المودع عليه أن يدفع الفائدة المتفق عليها ، وكذلك الحال حينما يأخذ العميل المال من البنك عليه دفع الفائدة مع رد المال .

 فعلى ضوء تكييف الفتوى الأخيرة أن البنك وكيل عن المودع في حالة إيداع العميل مبالغ في حسابات التوفير أو الودائع ، وان العميل وكيل في حالة أخذه المال من  البنك ، حيث قال فضيلة الدكتور طنطاوي : (ولتكن وكالة مطلقة : أن يأخذ البنك أو الجزار أو التاجر هذا المال لاستثماره فيما أحل الله ، وما يعود عليَّ من أرباح ، فأنا راض به فهل يمنع الشرع أو العقل ذلك) ثم قال : (إذن نحن نريد وضع قاعدة شرعية لهذه المعاملة المستحدثة التي تثير القلق لدى عامة الناس ….فهي تعد وكالة مطلقة من الأفراد للبنوك في استثمار أموالهم فيما أحل الله ، والبنوك تقوم بدور المستثمر الحريص على ما لديه من مال وتحديد الربح مقدماً يطمئن صاحب المال على ماله ، فهذه معاملة حلال ، حلال ،حلال)  .

الواقع معكوس :

 فعلى ضوء ذلك فالبنك وكيل ، والمودع موكل ، ومن المعلوم أنه على ضوء عقد الوكالة تعطى الأجرة للوكيل وهو البنك ، ولكن في هذه المعاملة التي كيفها الدكتور طنطاوي يعطى الأجر للموكل ، حيث يعطي البنك الوكيل ـ عندما يأخذ المال من المودع ـ الأجر للمودع الموكل ، وكذلك يدفع العميل عندما يأخذ المال من البنك ـ الأجر للبنك الموكل (المقرض) ومن المعلوم أنه لا يوجد في الشريعة ولا في القانون أن الوكيل يدفع الأجر للموكل ، وإنما المعهود هو أن يدفع الموكل الأجر للوكيل على عمله واستثماره .

 فقد نصت المادة (709) من القانون المدني المصري على أنه : (ـ1ـ الوكالة تبرعية ، ما لم يتفق على غير ذلك صراحة أو يستخلص ضمناً من حالة الوكيل . ـ2ـ فإذا اتفق على أجر للوكالة ، كان هذا الأجر خاضعاً لتقدير القاضي إلاّ إذا دفع طوعاً بعد تنفيذ الوكالة) ويقابل هذا النص المادة (675) من القانون المدني السوري ، والمادة (709) من القانون المدني الليبي ، والمادة (940) من القانون المدني العراقي ، والمادة (794ـ795) من القانون المدني اللبناني  .

7 ـ وكذلك نصت القوانين العربية والغربية على أنه : (يكون الموكل مسئولاً عما أصاب الوكيل من ضرر دون خطأ منه بسبب تنفيذ الوكالة تنفيذاً معتاداً)  وقد قضت محكمة النقض في هذا المعنى بأن الشارع المصري إذ اوجب على الموكل …أن يؤدي المصروفات المنصرفة من وكيله المقبولة قانوناً أياً كانت نتيجة العمل إذا لم يحصل من الوكيل تقصير فيه ، كان يعني حتماً تعويض الوكيل تعويضاً كاملاً ، ويرمي إلى تحقيق هذا الغرض الذي لن يتوافر إلاّ بإحاطة الوكيل بسياج من الضمان يكفل له الحصول على مقابل الضرر الذي يتحمله في شخصه وفي ماله ، وإن كانت هذه المادة منقولة من المادة 1999من المجموعة المدنية الفرنسية التي تليها المادة 2000 وفيها نص صريح على أن الموكل عليه تعويض الوكيل عن الخسارة التي يتحملها بغير تقصير منه بسبب قيامه بأعمال الوكالة ، إلاّ انها شاملة لكلتا الحالتين ، فالمصاريف نوع من الخسائر ، وخروجها من مال الوكيل من شأنه ان ينقص هذا المال ويلحق به خسارة تعادل النقص الذي حل به…)  .

 بل إن القوانين وضعت الضمانات التي تكفل التزامات الموكل ، حيث له الحق في الرجوع على أموال الموكل باعتباره دائناً ، وله إذا حصل على حكم واجب التنفيذ أن يأخذ اختصاصاً بعقارات الموكل (م1085 مدني مصري) كما أنه له الحق في أن ينفذ على جميع أموال الموكل بالطرق التي قررها قانون المرافعات .

 والسؤال الوارد هنا هو هل المودع في حالة إيداعه المال في الحساب الجاري ، أو التوفير أو الودائع مسؤول عما أصاب البنك الوكيل من مصاريف وأضرار وخسائر دون سبب منه ؟

 وهل البنك في حالة إقراضه للعميل مسؤول عما أصاب الوكيل (العميل) من أضرار ومصروفات وخسائر ما عدا ما كان هو السبب فيها ؟ وهل لهذا الوكيل مثل تلك الضمانات ؟ الجواب بالسلب إطلاقاً ، والنفي عموماً في جميع القوانين .  

 والخلاصة أن التزامات الموكل أمام وكيله هي دفع الأجر إن كانت الوكالة بأجر ، ودفع جميع المصاريف التي تكبدها الوكيل ، والتعويض بجميع الأضرار والخسائر التي تحملها الوكيل بسبب الوكالة ما دامت لم تكن ناتجة عن خطئه وتقصيره .

 فالوكالة تختلف عما يجري في البنك سواء كان ما يخص المودع عند إيداعه مبلغاً من المال في البنك (الجاري، التوفير،الودائع) أو ما يخص البنك عندما يقرض عميله مبلغاً من المال ، فلا ينطبق عليه قانوناً إلاّ عقد القرض كما سبق  .

 

ثانياً : ما دامت الفائدة متحركة متغيرة فلا حرج!!

 يقول فضيلة الدكتور طنطاوي : (لقد ذهبت اليوم إلى البنك الأهلي قبل حضوري هذه الجلسة لأضع مبلغاً من المال ، فأخبروني بأن الفائدة ستنخفض من الغد إلى 9.5% بدلاً من 10% فأبديت لهم موافقتي على هذا ، ونحن نتذكر جميعاً أن شهادات الاستثمار بدأت بعائد 4% حتى وصلت في وقت من الأوقات إلى 18% والآن هبطت إلى أقل من 12% إذاً الربح قابل للزيادة والنقصان في أي وقت حسب العرض والطلب)  .

 يفهم من هذا بوضوح أن الفائدة ما دامت قابلة للزيادة فهي حلال عند الشيخ طنطاوي وهذا مخالف لما تدل عليه النصوص الشرعية من الكتاب والسنة التي حرمت أية زيادة على القرض سواء كانت حسب نسبة مئوية ، أم محددة ، وسواء كانت ثابتة أم متغيرة ما دامت هذه الزيادة مرتبطة برأس المال .

 فالنصوص الشرعية حرمت الزيادة مطلقاً على القرض فقال تعالى : (وأحل الله البيع وحرم الربا)  وقال تعالى : (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون)  .

 وكذلك الأحاديث النبوية المشرفة التي ذكرت الربا ضمن السبع الموبقات حرمته مطلقاً ، منها حديث ابن مسعود قال : (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا ومؤكله) رواه مسلم ، وأصحاب السنن ، وحديث جابر بلفظ : (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا ، ومؤكله ، وكاتبه ، وشاهديه) وقال : (هم سواء) رواه مسلم وغيره ، وحديث عون ابن أبي جحيفة عن أبيه قال : (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الواشمة والمستوشمة وآكل الربا ومؤكله…..) رواه البخاري وأبو داود ، وحديث ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (الربا بضع وسبعون باباً ، والشرك مثل ذلك) رواه البزاز ، ورواته رواة صحيح ، وهو عند ابن ماجه بإسناد صحيح ، وحديث عبدالله بن حنظلة غسيل الملائكة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشد من ستة وثلاثين زَنْيَة) رواه احمد ، والطبراني في الكبير ، ورجال أحمد رجال الصحيح  .

فـالربا في هذه النصوص كلها عام،أو مطلق يشـمل جميع أنواع