تمهيد :


  ليس بالضرورة أن يتفق منهج الفقه الإسلامي مع مناهج النظم والقوانين الأخرى ، ولذلك لأن لكل فقه منهجه الخاص ، ومصطلحاته ، ولذلك لا نرى في الفقه الإسلامي المصطلحات الثلاثة السابقة ، ولكن هذا لا يعني انه لم يعالج مدلولاتها ، بل عالجها من خلال أحكام أخرى نذكرها هنا .


  فمن المعلوم أن الأضرار التي تقع على الإنسان تعالج في الفقه الإسلامي من خلال العقوبات الرادعة : من القصاص ، والحدود والتعازير ، وهذه العقوبات وأن كان فيها نوع من التعويض لما أصاب المضرور حيث لا تسمى بالتعويض حتى التعزير بالمال (الغرامة الجنائية) لأن ذلك المال المحكوم به يدخل في خزانة الدولة ، ولا يعطى للمضرور ، كما أن هذه العقوبات من حقوق الله تعالى وحق المجتمع وليست خاصة بالأفراد ، لذلك ينبغي أن نستبعد جميع العقوبات عن التعويض بمعناه المقصود هنا ، في الفقه ، وفي القانون الوضعي.


  ويوجد في الفقه الإسلامي بجانب العقوبات والتعويض المالي أنواع أخرى لعلاج الضرر مثل الاعتذار والاستحلال ، ورد الاعتبار من خلال الإقرار بالخطأ علناً ، وتكذيب الشخص الشاتم نفسه بأن ما قاله غير صحيح إن كان علناً فعلنا ، وإلاّ فبينه وبين الله تعالى من خلال التوبة والدعاء للشخص المشتوم والاستغفار له وهذا خاص بالفقه الإسلامي ونزعته الأخلاقية ، فمثلاً ذهب جماعة من الفقهاء إلى وجوب الاستحلال في الغيبة ونحوها  مستندين بالحديث الصحيح القائل : (من كانت له مظلمة لأخيه من عرضه ، أو شيء ، فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم ، إن كان عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته ، وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه) .  


 قال الحافظ ا بن حجر : (يدخل في الحديث المال بأصنافه والجراحات حتى اللطمة ونحوها ، وفي وراية الترمذي (من عرض أو مال)  .


  وذكر الفقهاء أيضاً مسالة الإقرار بالخطأ وهي إن كانت من الجاني نفسه فهو من باب الاعتبار والإصلاح المطلوب في هذا الباب المذكور في القرآن الكريم بخصوص القذف حيث قال تعالى : (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً وأولئك هم الفاسقون إلاّ الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم)  حيث اشترط الإصلاح ، ولم يكتف بالتوبة فقط .


  قال ابن عطية : (فمذهب عمر ، والشعبي وغيره أن توبته لا تكون إلاّ بأن يكذب نفسه في ذلك القذف الذي حد فيه)  وجاء في فتح القدير أن الشعبي والضحاك يقولان بأنه لا تقبل شهادته وإن تاب حتى يعترف على نفسه بأنه قد قال البهتان فحينئذٍ تقبل شهادته .


 وكل هذه الأمور لا تدخل في التعويض المالي المقصود هنا ، وإن كان فيه نوع من التعويض عما أصاب المضرور . 


 


مصطلحات التعويضات في الفقه الإسلامي :


  وأما التعويضات في الفقه الإسلامي فالمصطلحات السائدة فيها هي إعادة الحالة إلى ما كانت عليه قبل اضرر (التنفيذ العيني) والتعويض بالمثل إن كان الشيء المتلف مثلياً ، وبالقيمة إن كان قيماً ، وإنما يجب التعويض في الإتلاف إذا كان غير مشروع ، أم الإتلاف مشروع فلا يترتب عليه التعويض إلاّ إذا ترتب عليه حق للغير على تفصيل فيه .


  ولكن الفقهاء اختلفوا في تعريف المثلي ، فالراجح في تعريفه هو : المكيلات والموزونات والمعدودات التي لا تختلف آحادها ، مثل النقود ، والقمح ، والشعير ، ونحوها من الحبوب والمصنوعات المتماثلة .


 وأما القيمي فهو الأشياء التي تختلف آحادها كالحيوانات ، والأراضي ونحوهما . 


 ويوجد كذلك مصطلح الدية والعقل وهي خاصة بما أوجبه الإسلام من الأموال عندما يكون الاعتداء على النفس ، أو الأعضاء ولكن ينتفى فيهما القصاص لأي سبب كان .


 وكذلك مصطلح الأرش الذي هو المال الواجب في الجناية على ما دون النفس ، وقد يطلق على النفس والدية  .


  ومصطلح حكومة عدل وهي ما يجب من التعويض في جناية ليس فيها مقدار معين من المال ، ولكن يفوض أمر تقديرها إلى القاضي  ، وقد وقع الشافعية فيه حتى نجدهم أنهم يقررون مبدأ حكومة عدل في تعييب من شانه إحداث شين أو ألم فيه دوام ، يقول الإمام الشافعي : (إذا برأ الجلد معيباً زيد في الحكومة بقدر عيب الجلد مع ما ناله من الأمل ، ولو كان هذا في رأسه ، أو الجسد…، فنبت الشعر كانت فيه حكومة …. وإن لم ينبت الشعر زيد في الحكومة بقدر الشين مع الألم)  ويقول أيضاً في قطع الظفر تجب فيه القصاص: (….فإن نبت صحيحاً غير مشين ففيه حكومة ، وغن نبت مشيناً ففيه حكومة أكثر…. وإن لم ينبت ففيه حكومة أكثر من الحكومة قبله)  . 


  وقد ثار الخلاف حول كون الديات والأرش والحكومة هل هي عقوبات ، أم عقوبات فيها تعويض ، أم تعويضات ونحن هنا لا نريد الخوض في تفصيل ذلك لأنها لا تتعلق بصميم بحثنا ، ولكن الذي نرى رجحانه هو أنها تعويضات إن كان فيها جانب العقوبة فهو تبعي وليس أصلياً  . 


 اعلى الصفحة