ربّما يلاحظ الكثيرون الفروق بين الأجيال القديمة، والأجيال الناشئة الجديدة، ولا أتحدّث عن جميع الفروق، وإنّما الفروق المتعلّقة بالجانب التّربوي، والجانب السّلوكي، والجانب الاجتماعي، فهذه الجوانب كلّها قد نرى فيها نقصا في جيلنا الناشئ، ولا أقول كلّهم وإنّما أتحدّث عن بعضهم؛ حيث نرى الجيل النّاشئ يهتمّ كثيرا بالمظاهر حتى ولو لم يكن لديه القدرة على تحقيق ذلك، فيتورّط في الدّيون والمشاكل، وفي القروض وما يترتّب عليها من آثار اجتماعية، وآثار دينية أيضا، وكذلك يهتم بعضهم أو أكثرهم بالمظاهر الأخرى من السّيارات الفاخرة، والأرقام المتميّزة، وغير ذلك ممّا لا فائدة فيها وفي حقيقتها، وإنّما مجرّد مظاهر لا يمكن أن تؤدّي هذه المظاهر إلى الارتقاء بالإنسان.
انشغال بعض أفراد الجيل الناشئ، أو انشغال أكثرهم بالتليفونات و الوسائل الحديثة السّلبية في بعض الأحيان و عدم الانشغال وعدم الاستفادة من الجوانب الأساسية النّافعة الخيّرة المؤثّرة الموجودة في هذه الوسائل الحديثة، ووسائل الإعلام الحديثة ممّا يسمى "بالسوشيال ميديا"، يترتب عليه آثار سلبية في وقتنا الحاضر وكذلك في الأجيال اللاّحقة؛ يترتّب على ذلك أن يكون الجيل ضعيفا من حيث الأخلاق والسّلوكيات العامة على أقل تقدير، وحتى من حيث الحضور لصلوات الجماعة والجمعة، فالشخص الذي ينشغل بالتليفون طوال الليل أو نصف الليل لا يمكن أن يصلّي صلاة الصبح، والمفروض أن نصلّي صلاة الصبح في الجماعة، واليوم كما نشاهد نرى القلّة القليلة من الشباب الذين يصلون في المسجد وبخاصّة في صلاة الصبح، هذه الظاهرة خطيرة، وهذه الظاهرة يجب أن تعالج، ولا يجوز أن تهمل لا من قبل الأسرة و الوالدين، ولا من قبل الدولة، إذ جميعنا مسؤولون أمام الله سبحانه وتعالى بنصوص القرآن الكريم والسنة النّبوية الشريفة، قال تعالى:(يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا)، و الرسول صلى الله عليه وسلم يقول:" كلّكم راع وكلّكم مسؤول عن رعيّته"، وفي حديث آخر:" إن الله -تعالى-سائل عن كل راع حتى يسأل الرجل عن أهل بيته"، فإذا المسؤولية في أعناقنا، ومن الجانب العلمي فإنّ هؤلاء الشباب هم آثارنا، هم آثار تعليمنا وتربيتنا لهم، هم ولدوا على قلوب نظيفة، نحن الذين ملأنا هذه القلوب بما لا يفيد، أو لم نقم بواجبنا نحوهم، ويقول علماء التربية ومنهم الغزالي في كتابه "الإحياء" يقول:" إنّ قلب الطفل حينما يولد وحينما يكبر بمثابة إناء نظيف، وحينئذ يمتلئ بما يسمع وبما يُربّى"، فلا يجوز أن نعاتبهم أو نوجّه الشكوى ضدّهم قبل أن نوجّه السؤال إلى أنفسنا، وإلى المسؤولين القائمين على مناهج التربية والتعليم.
حينما اجتمع المربون المسلمون لتأسيس الوزارات سمّوا وزارة التربية والتعليم، فقدّموا التربية على التعليم ولكنّه مع الأسف الشديد حرّفت حتى هذه المعالم وحرّف هذا المصطلح، وحُصر في التربية في مواد قليلة تسمى مواد التربية الإسلامية، وهذه من الناحية التربوية -كما يقول علماء التربية- خطأ كبير.
التربية هي مع كل التعليم ليست مادة واحدة، فيجب حينما نقرأ الفيزياء مثلا والكيمياء والرياضيات، وعلوم الاجتماع وغيرها من العلوم المادية والمعنوية والإنسانية.
يجب أن يربط هذا التعليم بالتربية، بالسّلوك، بالتّعامل مع الآخرين، وبالاستفادة من هذا العلم حتى يكون نفعه للأمة و الإنسانية، وقبل ذلك كله للوطن ثم بعد ذلك من الوطن إلى العالم، هذا الحصر كان خطأ ثم مع- الأسف الشديد- انحصرت دائرة التربية الإسلامية شيئا فشيئا إلى أن وصلت في معظم الدول لا تغني ولا تسمن من جوع؛ ولذلك نشأ هذا الجيل ليس علميا بصراحة، فأمتنا العربية والإسلامية منذ مئة سنة هي التي تقود نفسها والاستعمار من الخارج، لكن ما يريده الاستعمار ينفذ بأيدي المسلمين -مع الأسف الشديد- بمعظم هؤلاء الذين يقودون الوزارات في معظم الدول وهو خطر جسيم علينا، ولذلك إلى يومنا هذا ما استطاعت وزارات التعليم أن تنشئ جيلا مبدعا مفيدا يتقدم في الدنيا، ويصنع لنا في مجال التقنيات الصناعات الفضائية و العلمية وغير ذلك، ولا أنّ هذه الوزارات صنعت جيلا متربيا متخلّقا بالأخلاق العظيمة والقيم السامية الجميلة الإسلامية، هذا ما نشاهده اليوم ولا أتكلم عن بعض الأفراد و الفئات الجيّدة، أو عن بعض الدول التي تهتم بذلك،.
حين يتحدث الإسلام عن هذه الأمور يربط بين أمرين، يربط بين العلم وبين التربية في كل العلوم، وهذا لا يعني أن نقول الفيزياء الإسلامي، ولا نقول الكمياء الإسلامي، ولكن كيف يربط هذا العلم بما يحقق الخير للمجتمع، وهذا ما بيّنه القرآن الكريم في أهم وظائف الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو قدوتنا في كل شيء يقول رب العالمين عزّ وجلّ:(هو الذي بعث في الأمّيين رسولا منهم)، ما وظيفة هذا الرسول؟ وما هي رسالته، وما هي أهدافه ومقاصده، وما هي غاياته و ما يريد أن يصل إليه؟ يقول جلّ ثناؤه:(يتلوا علهم آياته)، للارتقاء بروحهم حتى لا تكون أرواحهم شرّيرة، أو نازلة كما نرى -مع الأسف الشديد- مع إخوتنا العرب ينزلون ويتنازلون إلى أعدائنا نزولا لا يقبل به أي إنسان، هناك كرامة للإنسان، عزّة للإسلام، عزّة للمسلمين، حينما يصل بهم الأمر إلى ذلك تكون روحهم ليست سامية، الروح من عند الله تعالى، هي التي نفخ الله تعالى من روحه في الإنسان، وهي من الله سبحانه وتعالى:(فإذا سوّيته ونفخت فيه من روحي)، سواء كانت إضافة تشريف أو أي إضافة، فإن الروح منسوبة إلى الله عزّ وجلّ، وحتى كل إنسان حينما يولد أو قبل ما يولد بأربعين يوما يأتي الملك بهذه الروح ويجعلها في هذا الإنسان تكريما له، فالإنسان إنسان بسُمُوّ روحه، حينما ينزل حينئذ يخرج من كونه إنسان قال عزّ وجلّ:(بل هم كالأنعام بل هم أضل).
ثم قال تعالى:(ويزكيهم)، تربية عظيمة جدّا تزكية النفس والقلب، ثمّ بعد ذلك (ويعلمهم الكتاب)، التعليم يأتي بعد التربية، تربية الداخل تماما، وهي تشمل ثلاثة أشياء:(الروح، والقلب، والنفس)، (ويعلمهم الكتاب والحكمة)، هذا تربية للعقل بأن يكون موجها لقراءة الكتاب، كتاب الله عزّ وجلّ، والكون أيضا كتاب الله تعالى المفتوح، وكذلك (الحكمة)أي مخرجات العقل، كل ذلك يأتي في التعليم، ثم بعد ذلك النتيجة إصلاح هذا الإنسان، وإخراجه من الضلال المبين إلى الهداية الحقّة، قال تعالى: (ليخرجهم من الظلمات إلى النور وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين)، هذه خمسة أشياء أساسية هي خلاصة التربية والتعليم في الإسلام، فالعناية بهذه الأدوية الشاملة التي تحصن الفرد، تحصّن الشباب اليوم، فإذا لم تكن هناك تربية تحصّن فمن يستطيع أن يحصّن أولاده وقد دخل كل شيء إلى بيته، فكل شيء داخل التلفونات ممّا لا يذكر في هذا المكان، من جميع أنواع المؤثرات، وإمكانية الاتصال بمن يريد من النساء أو من الرجال، أو غير ذلك، هذه الأمور كيف نحصّن أبناءنا منها؟ هذا التحصين إنّما يكون بهذه التربية الإسلامية في الروضة و البيت و المدارس الابتدائية، وكذلك الجامعات، وظيفة البيت ووظيفة وزارة التربية والتعليم و التعليم العالي، وإلا فسيضيع جيلنا، حتى في دراسته يكون ضعيفا غير قادر على تحقيق الإنجازات المطلوبة، فلذلك هذه صرخة حقيقية بأن تتجه جهودنا، وجهود الأسرة، ووزارات التربة والتعليم، إلى هذه الأهداف الأساسية، تحصين الجيل بالإيمان والقدوة، مثل سيدنا يوسف عليه السلام حينما جاءت له هذه المرأة داخل البيت وغلّقت الأبواب، وهي صاحبة الجاه، وهي سيّدته ، فقال فورا بدون تردّد:(معاذ الله) مباشرة، فطرة، تربية، تحصين.
تجب العناية بالتربية من بر الوالدين وصلة الأرحام، والأقارب، والجيران، والوطن، والأمة، والإنسانية، وما نشاهده اليوم من عقوق الوالدين، وأنواع التفرقة بين المسلمين والتمييز بينهم، راجع إلى الإفراط في التربية والتعليم، وراجع إلى إهمال تعاليم الدين ومناهجه المنسجمة مع الفطر السليمة، والصالحة لكل زمان ومكان؛ لأنه منهج رباني، وغايته ربانية، من الله تعالى وإليه سبحانه.