لم يرد في القرآن الكريم لفظ ( آل النبي ) أو ( آل بيته ) صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجميعن ـ كما سبق ـ ولكن ورد فيه لفظ ( أهل البيت ) ، والمراد منه : أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم ، ولذلك نفسر هذا اللفظ في جميع موارده في القرآن الكريم البالغة ثلاث مرات ، وهي :
1- قوله تعالى في سورة هود عندما جاءت الرسل إلى إبراهيم وبشروه وزوجته باسحاق ثم ابنه يعقوب ، فتعجب من ذلك بسبب كبر سنها وسن زوجها ، (قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ)[1] .
فهذه الآية واضحة جداً في أن المراد بأهل البيت هنا : زوجة إبراهيم عليه السلام ، مع أنهم استعملوا ضمير جمع المذكر ( عليكم ) قال الشوكاني : ( وانتصاب أهل البيت على المدح والاختصاص ، وصرف الخطاب من صيغة الواحدة إلى الجمع لقصد التعميم )[2] ويقول ابن عطية : ( وهذه الآية تعطي أن زوجة الرجل من أهل بيته ، لأنها خوطبت بهذا ، فيقوى القول في زوجات النبي صلى الله عليه وسلم بأنهنّ من أهل بيته الذين أذهب الله عنهم الرجس ، بخلاف ما تذهب إليه بعض الشيعة ، وقد قاله أيضاً بعض أهل العلم ، قالوا : ” أهل بيته : الذين حرموا الصدقة ” والأول أقوى … )[3] .
2- قوله تعالى في سورة القصص حكاية عن أخت موسى : (وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ)[4] حيث هو ظاهر في أن الزوجة داخلة في ( أهل البيت ) لأن الموضوع حول المرضعة .
3- قوله تعالى في سورة الأحزاب ، الآية 33 حول أهل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم : (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)[5] حيث جاءت هذه الآية بعد مجموعة من الآيات تتحدث كلها عن نساء النبي صلى الله عليه وسلم فقال تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً)[6] في الآية 28 ، ثم قوله تعالى في الآية 29 : (وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً)[7] ثم بدأ في الآية 30 بقوله تعالى : (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً)[8] والآية 31 بقوله تعالى : (وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحاً نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقاً كَرِيماً)[9] ثم كررت الآية 32 : (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً)[10] ثم الآية 33 المقصودة ، ثم بعدها أيضاً الآية 34 وهي : (وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً)[11] .
فالسباق واللحاق ، والسياق كلها حول الحديث عن نساء النبي صلى الله عليه وسلم ، فكيف لا يدخلن في ( أهل البيت ) .
ولأهمية هذا الموضوع ننقل هنا ما جاء في أهم التفاسير المعتبرة الجامعة بين المأثور والمنقول والمعقول ، مثل تفسير الطبري ، وابن كثير ، وغيرهما .
فقد جاء في تفسير الطبري : ( اختلف أهل التأويل في الذين عنوا بقوله(أَهْلَ الْبَيْتِ) فقال بعضهم : عُني به رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم وعليّ وفاطمة والحسن والحسين رضوان الله عليهم .
ذكر من قال ذلك :
28490- حدثني محمد بن المثنى ، قال : ثنا بكر بن يحيى بن زبان العنزي ، قال : ثنا مندل ، عن الأعمش ، عن عطية ، عن أَبي سعيد الخدري ، قال : قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم : ” نزلَت هَذِهِ الآيَةُ فِي خَمْسَةٍ : فِيَّ وَفِي عَلِيٍّ رَضِيَ الله عَنْهُ وَحَسَنٍ رَضِيَ الله عَنْهُ وَحُسَيْنٍ رَضِيَ الله عَنْهُ وَفَاطِمَةَ رَضِيَ الله عَنِهَا : (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّه لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) [12] ” .
28491- حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا محمد بن بشر ، عن زكريا ، عن مصعب بن شيبة ، عن صفية بنت شيبة قالت : قالت عائشة : خرج النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ذات غداة ، وعليه مرط مرحّل من شعر أسود ، فجاء الحسن ، فأدخله معه ثم قال : (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّه لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) [13] .
28492- حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا محمد بن بكر ، عن حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد ، عن أنس أن النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم كان يمر ببيت فاطمة ستة أشهر ، كلما خرج إلى الصلاة فيقول : ” الصَّلاةَ أَهْلَ الْبَيْتِ(إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّه لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطِهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) [14] ” .
28493- حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي ، قال : ثنا يحيى بن إبراهيم بن سويد النخعي ، عن هلال ، يعني ابن مقلاص ، عن زبيد ، عن شهر بن حوشب ، عن أم سلمة قالت : كان النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم عندي ، وعليّ وفاطمة والحسن والحسين ، فجعلت لهم خزيرة ، فأكلوا وناموا ، وغطى عليهم عباءة أو قطيفة ، ثم قال : ” اللَّهُمَّ هَؤلاءِ أَهْلُ بَيْتِي ، أذْهِبْ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَطَهِّرْهُمْ تَطْهِيرًا ” .
28494 – حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبو نعيم ، قال : ثنا يونس بن أبي إسحاق ، قال : أخبرني أبو داود ، عن أَبي الحمراء ، قال : رابطت المدينة سبعة أشهر على عهد النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ، قالَ : رأيت النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم إذا طلع الفجر ، جاء إلى باب علي وفاطمة ، فقال : ” الصَّلاةَ الصَّلاةَ ” (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّه لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرُا) [15] ” .
28495- حدثني عبد الأعلى بن واصل ، قال : ثنا الفضل بن دكين ، قال : ثنا يونس بن أبي إسحاق ، بإسناده عن النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم مثله.
28496- حدثني عبد الأعلى بن واصل ، قال : ثنا الفضل بن دكين ، قال : ثنا عبدالسلام بن حرب ، عن كلثوم المحاربي ، عن أَبي عمار ، قال : إني لجالس عند واثلة بن الأسقع إذ ذكروا عليًّا رضي الله عنه ، فشتموه ، فلما قاموا قال : اجلس حتى أخبرك عن هذا الذي شتموا ؛ إني عند رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم إذ جاءه علي وفاطمة وحسن وحسين ، فألقى عليهم كساء له ، ثم قال : ” اللَّهُمَّ هَؤُلاءِ أَهْلُ بَيْتِي ، اللَّهُمَّ أَذْهِبْ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَطَهِّرْهُمْ تَطْهِيرًا ” . قلت : يا رسول الله ، وأنا ؟ قال : ” وَأَنْتَ ” . قال : فوالله إنها لأوثق عملي عندي .
28497- حدثني عبد الكريم بن أبي عمير ، قال : ثنا الوليد بن مسلم ، قال : ثنا أبو عمرو ، قال : ثني شداد أبو عمار قال : سمعت واثلة بن الأسقع يحدث ، قال : سألت عن علي بن أبي طالب في منزله ، فقالت فاطمة : قد ذهب يأتي برسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم إذ جاء ، فدخل رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ودخلت ، فجلس رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم على الفراش وأجلس فاطمة عن يمينه وعليا عن يساره وحسنا وحسينا بين يديه ، فلفع عليهم بثوبه وقال : (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) [16] اللَّهُمَّ هَؤُلاءِ أَهْلِي ، اللَّهُمَّ أَهْلِي أَحَقُّ ” . قال واثلة : فقلت من ناحية البيت : وأنا يا رسول الله من أهلك ؟ قال : ” وَأَنْتَ مِنْ أَهْلِي ” . قال واثلة : إنها لمن أرجى ما أرتجي.
28498- حدثني أَبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن عبد الحميد بن بهرام ، عن شهر بن حوشب ، عن فضيل بن مرزوق ، عن عطية ، عن أَبي سعيد الخدري ، عن أم سلمة قالت : لما نزلت هذه الآية : (إِنَّمَا يَرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) [17] دعا رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم عليا وفاطمة وحسنًا وحسينًا ، فجلل عليهم كساء خيبريا ، فقال : ” اللَّهُمَّ هَؤُلاءِ أَهْلُ بَيْتِي ، اللَّهُمَّ أَذْهِبْ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَطَهِّرْهُمْ تَطْهِيرًا ” . قالت أم سلمة : ألست منهم ؟ قال : ” أَنْتِ إلَى خَيْرٍ ” .
28499- حدثنا أَبو كريب ، قال : ثنا مصعب بن المقدام ، قال : ثنا سعيد بن زربي ، عن محمد بن سيرين ، عن أَبي هريرة ، عن أم سلمة قالت : جاءت فاطمة إلى رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ببرمة لها قد صنعت فيها عصيدة تحلها على طبق ، فوضعته بين يديه ، فقال : ” أَيْنَ ابْنُ عَمِّكِ وَابْنَاك ؟ ” فقالت : في البيت ، فقال : ” ادْعِيهِمْ ” .
فجاءت إلى علي فقالت : أجب النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم أنت وابناك ، قالت أم سلمة : فلما رآهم مقبلين مد يده إلى كساء كان على المنامة فمده وبسطه وأجلسهم عليه ، ثم أخذ بأطراف الكساء الأربعة بشماله فضمه فوق رءوسهم وأومأ بيده اليمنى إلى ربه ، فقال : ” هَؤُلاءِ أَهْلُ الْبَيْتِ ، فَأَذْهِبْ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَطَهِّرْهُمْ تَطْهِيرًا ” .
28500- حدثنا أَبو كريب ، قال : ثنا حسن بن عطية ، قال : ثنا فضيل بن مرزوق ، عن عطية ، عن أبي سعيد ، عن أم سلمة ؛ زوج النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم أن هذه الآية نزلت في بيتها(إِنَّمَا يَرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) [18] قالت : وأنا جالسة على باب البيت ، فقلت : أنا يا رسول الله ألست من أهل البيت ؟ قال : ” إِنَّكِ إلَى خَيْرٍ ، أَنْتِ مِنْ أَزْوَاجِ النِّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم ” . قالت : وفي البيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم وعلي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم .
28501- حدثنا أَبو كريب ، قال : ثنا خالد بن مخلد ، قال : ثنا موسى بن يعقوب ، قال : ثني هاشم بن هاشم بن عتبة بن أبي وقاص ، عن عبد الله بن وهب بن زمعة ، قال : أخبرني أم سلمة أن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم جمع عليا والحسنين ، ثم أدخلهم تحت ثوبه ، ثم جأر إلى الله ، ثم قال : ” هَؤُلاءِ أَهْلُ بَيْتِي ” . فقالت أم سلمة : يا رسول الله أدخلني معهم. قال : ” إِنَّكِ مِنْ أَهْلِي ” .
28502- حدثني أحمد بن محمد الطوسي ، قال : ثنا عبد الرحمن بن صالح ، قال : ثنا محمد بن سليمان الأصبهاني ، عن يحيى بن عبيد المكي ، عن عطاء ، عن عمر بن أبي سلمة ، قال : نزلت هذه الآية على النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم وهو في بيت أم سلمة(إِنَّمَا يَرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) [19] فدعا حسنا وحسينا وفاطمة فأجلسهم بين يديه ، ودعا عليا فأجلسه خلفه ، فتجلل هو وهم بالكساء ثم قال : ” هَؤُلاءِ أَهْلُ بَيْتِي ، فَأَذْهِبْ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَطَهِّرْهُمْ تَطْهِيرًا ” . قالت أم سلمة : أنا معهم مكانك ، وأنت على خير.
28503- حدثني محمد بن عمارة ، قال : ثنا إسماعيل بن أبان ، قال : ثنا الصباح بن يحيى المري ، عن السدي ، عن أَبي الديلم ، قال : قال علي بن الحسين لرجل من أهل الشام : أما قرأت في الأحزاب(إِنَّمَا يَرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) [20] قال : ولأنتم هم ؟ قال : نعم.
28504- حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا أبو بكر الحنفي ، قال : ثنا بكير بن مسمار ، قال : سمعت عامر بن سعد ، قال : قال سعد : قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم حين نزل عليه الوحي ، فأخذ عليا وابنيه وفاطمة ، وأدخلهم تحت ثوبه ، ثم قالَ : ” رَبِّ هَؤُلاءِ أَهْلِي وَأَهْلُ بَيْتِي ” .
28505- حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا عبد الله بن عبد القدوس ، عن الأعمش ، عن حكيم بن سعد ، قال : ذكرنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه عند أم سلمة قالت : فيه نزلت : (إِنَّمَا يَرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) [21]. قالت أم سلمة : جاء النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم إلى بيتي فقال : ” لا تَأْذَنِي لأحَدٍ ” . فجاءت فاطمة ، فلم أستطع أن أحجبها عن أبيها ، ثم جاء الحسن ، فلم أستطع أن أمنعه أن يدخل على جده وأمه ، وجاء الحسين ، فلم أستطع أن أحجبه ، فاجتمعوا حول النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم على بساط ، فجللهم نبي الله بكساء كان عليه ، ثم قال : ” هَؤُلاءِ أَهْلُ بَيْتِي ، فَأَذْهِبْ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَطَهِّرْهُمْ تَطْهِيرًا ” ؛ فنزلت هذه الآية حين اجتمعوا على البساط ، قالت : فقلت : يا رسول الله وأنا ؟ قالت : فوالله ما أنعم وقال : ” إِنَّكِ عَلَى خَيْرٍ ” .
وقال آخرون : بل عنى بذلك أزواج النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم .
ذكر من قال ذلك :
28506- حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا يحيى بن واضح ، قال : ثنا الأصبغ ، عن علقمة ، قال : كان عكرمة ينادي في السوق(إِنَّمَا يَرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) قال : نزلت في نساء النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم خاصة.)[22] .
ويقول الحافظ ابن كثير : (: وهذا نص في دخول أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في أهل البيت هاهنا ؛ لأنهن سبب نزول هذه الآية ، وسبب النزول داخل فيه قولا واحدا ، إما وحده على قول أو مع غيره على الصحيح.
وروى ابن جرير : عن عِكْرِمة أنه كان ينادي في السوق : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا )[23] ، في نساء النبي صلى الله عليه وسلم خاصة ، وهكذا روى ابن أبي حاتم قال : حدثنا علي بن حرب الموصلي ، حدثنا زيد بن الْحُبَاب ، حدثنا حسين بن واقد ، عن يزيد النحوي ، عن عكرمة عن ابن عباس في قوله : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ )[24] قال : نزلت في نساء النبي صلى الله عليه وسلم خاصة.
وقال عكرمة : من شاء باهلته أنها نزلت في أزواج النبي صلى الله عليه وسلم. فإن كان المراد أنهن كُنّ سبب النزول دون غيرهن فصحيح ، وإن أريد أنهن المراد فقط دون غيرهن ، ففي هذا نظر ؛ فإنه قد وردت أحاديث تدل على أن المراد أعم من ذلك :
الحديث الأول : قال الإمام أحمد : حدثنا عفان ، حدثنا حماد ، أخبرنا علي بن زيد ، عن أنس بن مالك ، رضي الله عنه ، قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمر بباب فاطمة ستة أشهر إذا خرج إلى صلاة الفجر يقول : “الصلاة يا أهل البيت ، ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا )[25]. ورواه الترمذي ، عن عبد بن حميد ، عن عفان به. وقال : حسن غريب .
حديث آخر : قال ابن جرير : حدثنا ابن وَكِيع ، حدثنا أبو نعيم ، حدثنا يونس بن أبي إسحاق ، أخبرني أبو داود ، عن أبي الحمراء قال : رابطت المدينة سبعة أشهر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا طلع الفجر ، جاء إلى باب علي وفاطمة فقال : “الصلاة الصلاة ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا )[26] . أبو داود الأعمى هو : نفيع بن الحارث ، كذاب.
حديث آخر : وقال الإمام أحمد أيضا : حدثنا محمد بن مصعب ، حدثنا الأوزاعي ، حدثنا شداد أبو عمار قال : دخلت على واثلة بن الأسقع وعنده قوم ، فذكروا عليًّا ، رضي الله عنه ، فلما قاموا قال لي : ألا أخبرك بما رأيت من رسول الله الله عليه وسلم ؟ قلت : بلى. قال : أتيت فاطمة أسألها عن علي فقالت : تَوَجه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجلست أنتظره حتى جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومعه علي وحسن وحسين ، آخذ كل واحد منهما بيده حتى دخل ، فأدنى عليًّا وفاطمة وأجلسهما بين يديه ، وأجلس حسنًا وحسينًا كل واحد منهما على فخذه ، ثم لفَّ عليهم ثوبه – أو قال : كساءه – ثم تلا هذه الآية : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا )[27] ، اللهم هؤلاء أهل بيتي ، وأهل بيتي أحق” ، وقد رواه أبو جعفر بن جرير عن عبد الكريم بن أبي عمير ، عن الوليد بن مسلم ، عن أبي عمرو الأوزاعي بسنده نحوه – زاد في آخره : قال واثلة : فقلت : وأنا يا رسول الله – صلى الله عليك – من أهلك ؟ قال : “وأنت من أهلي”قال واثلة : إنها من أرجى ما أرتجي.
ثم رواه أيضا عن عبد الأعلى بن واصل ، عن الفضل بن دُكَيْن ، عن عبد السلام بن حرب ، عن كلثوم المحاربي ، عن شداد أبي عمار قال : إني لجالس عند واثلة بن الأسقع إذ ذكروا عليا فشتموه ، فلما قاموا قال : اجلس حتى أخبرك عن الذي شتموه ، إني عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء علي وفاطمة وحسن وحسين فألقى صلى الله عليه وسلم عليهم كساء له ، ثم قال : “اللهم هؤلاء أهل بيتي ، اللهم أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا”. قلت : يا رسول الله ، وأنا ؟ قال : “وأنت” قال : فوالله إنها لأوثق عملي عندي .
حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الله بن نمير ، حدثنا عبد الملك بن أبي سليمان ، عن عطاء بن أبي رباح ، حدثني من سمع أم سلمة تذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في بيتها ، فأتته فاطمة ، رضي الله عنها ، ببرمة فيها خَزيرة ، فدخلت بها عليه فقال لها : “ادعي زوجك وابنيك”. قالت : فجاء علي وحسن وحسين فدخلوا عليه ، فجلسوا يأكلون من تلك الخزيرة ، وهو على منامةٍ له على دكان تحته كساء خيبري ، قالت : وأنا في الحجرة أصلي ، فأنزل الله ، عز وجل ، هذه الآية : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا )[28]. قالت : فأخذ فضل الكساء فغطاهم به ، ثم أخرج يده فألوى بها إلى السماء ، ثم قال : “اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصتي ، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا” ، قالت : فأدخلت رأسي البيت ، فقلت : وأنا معكم يا رسول الله ؟ فقال : “إنك إلى خير ، إنك إلى خير”.في إسناده من لم يسم ، وهو شيخ عطاء ، وبقية رجاله ثقات.
طريق أخرى : قال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا عوف ، عن أبي المعدل ، عن عطية الطُّفَاوِيّ ، عن أبيه ؛ أن أم سلمة حدثته قالت : بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي يومًا إذ قال الخادم : إن فاطمة وعليا بالسدّة قالت : فقال لي : “قومي فَتَنَحي عن أهل بيتي”. قالت : فقمت فتنحيت في البيت قريبًا ، فدخل علي وفاطمة ، ومعهما الحسن والحسين ، وهما صبيان صغيران ، فأخذ الصبيين فوضعهما في حجره فقبَّلهما ، واعتنق عليا بإحدى يديه وفاطمة باليد الأخرى ، وقَبَّل فاطمة وقَبَّل عليا ، وأغدق عليهم خَميصَة سوداء وقال : “اللهم ، إليك لا إلى النار أنا وأهل بيتي”. قالت : فقلت : وأنا يا رسول الله ؟ صلى الله عليك. قال : “وأنت”.