تنظر بعض الفلسفات المادية إلى المسنين باعتبارهم عبئاً على الدولة والمجتمع ، لأنهم لا ينتجون وبالتالي فلا يستحقون الحياة (من لا ينتج لا يأكل) وإذا وصل بهم في حالة المرض والخرف فإن بعض هذه النظريات تقترح قتل الرحمة إراحة  لهم ، وتخليصاً للمجتمع من آثارهم الاستهلاكية وأعبائهم المالية الثقيلة ، وبعض النظريات تقترح عزلهم ، أو تشغيلهم بصورة لا تليق بكرامة الإنسان ، بل إنهم في الواقع مهملون من قبل أهلهم وذويهم فلا يسألون عنهم حتى عند الموت وهذا ما جعل النئب الديمقراطي الأمريكي كلود بيير يقول : إن وضع إن وضع المسنين في أمريكا عار وطني مرعب) ، وذلك في معرض تعليقه على تقرير أعدته لجنة بمجلس النواب الأمريكي بعد دراسة استمرت ست سنوات وجاء فيه: إن أكثر من مليون مسن ومسنة تجاوزت أعمارهم (65) عاماً يتعرضون لإساءات خطيرة، فيضربون ويعذبون عذاباً جسدياً ونفسياً، وتسرق أموالهم من قبل أهلهم، كما أن هذه الإساءات ليست مقتصرة على طبقة اجتماعية معينة، بل تحدث في كل طبقات المجتمع على حد سواء، وفي المدن والقرى والأرياف. ومن أبشع ما ورد في هذا التقرير أن امرأة قامت بتقييد أبيها البالغ من العمر (81) عاماً بسلسلة وربطته في الحمام، وأخذت تعذبه لعدة أيام!!! أكد التقرير أن الإساءة للمسنين تأخذ عدة أشكال، منها الضرب والإهمال والحرمان من الطعام والشراب والاغتصاب والقتل أحياناً، ويعلق النائب كلودبيير قائلاً: لا أحد يدرك حتى الآن أبعاد هذه المشكلة المرعبة. والحقيقة أنه لاأحد يريد الاعتراف بما يجري، لقد تجاهلنا المشكلة لأنها مخيفة لدرجة تمنعنا من الاعتراف بوجودها.


 وتضيف الدكتورة سوزان ستايتمتر أستاذة الدراسات العائلية بجامعة دملاوير: اعتدنا طوال تاريخنا على الإساءة للمسنين، ويمكن للمرء أن يجد حالات كثيرة في سجلات المحاكم في القرنين السابع عشر والثامن عشر، إننا نميل إلى العنف البدني، وقد أصبح هذا جزءاً ثابتاً من طبيعة عائلات كثيرة تسيء بالعنف للمسنين، وأصبح إهمال المسنين وعدم الرفق بهم أو رعايتهم أو حتى نجدتهم من الأمور الشائعة في المجتمعات الأوربية، إلى حد أن بعضهم يعدهم من الأشياء المستهلكة في مجتمع يتجدد إنتاجه كل صباح. وهذه حادثة تدل على ذلك: فقد دخل لصان منزل امرأة عجوز في الثانية والثمانين من العمر من منطقة (ميدلسكس) ببريطانيا في ساعات الصباح الأولى، ولدى دخولهما المنزل صرخت العجوز طالبة النجدة من نافذة منزلها حيث أبصرت رجلاً يسير في الشارع وينظر إليها، إلا أنه اعتذر عن تقديم مساعدة لها خشية تأخره عن موعد الحافلة!!!


  وقد بلغ الأمر في بريطانيا أيضاً إلى أن مجلس مراكز الرعاية  تلقى في عام 1995 (805) حالة شكوى عن اعتداءات على المسنين من قبل الممرضات العاملات في مراكز العجزة وقد أدان المجلس 96 ممرضة بسبب سوء معاملتهن لهم ، حتى وصف المجلس هذه الاعتداءات بأنها ممارسات إرهابية ووحشية  .


  في المقابل لم تعرف البشرية من صور الرحمة ما عرفته في ظل الإسلام، وهي رحمة من فيض الرحمن يستظل بها كل الناس والمسنون أولى الناس بها. قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: «ليس منا من لايرحم صغيرنا ويعرف حق كبيرنا». ومن خلال سيرة الرسول عليه الصلاة والسلام عرف الصحابة والتابعون صوراً عظيمة في مجال توقير المسنين رعايتهم حتى اعتبروا من الجفاء أن يدعوا الإنسان والده باسمه [1].


   ولكن الإسلام ينظر إلى هؤلاء المسنين الذين قضوا أعمارهم في خدمة الدين والبلاد والعباد والأجيال : أنهم خيار الناس وأفضلهم ، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : (ألا أنبئكم بخياركم ؟ قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : (خياركم أطولكم أعماراً إذا سددوا)[2] وسُئل أيضاً صلى الله عليه وسلم : من خير الرجال ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : (من طال عمره وحسن عمله)[3] .


  والمسلمون الملتزمون لا ينظرون إلى الفوائد الدنيوية فقط حتى يحصروا دائرة فكرهم في الإنتاج بل ينظرون إلى منافع الآخرة ، ومن هنا فاحترام هؤلاء المسنين ورعايتهم باب كبير من أبواب الجنة ، لذلك يسعون إليها ويشرفون هم بتحقيقها ، ولا سيما إذا كانوا والدين ، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من أدرك والديه ، أو أحدهما ……..)[4] .


 المسنون في ضوء القرآن الكريم


  أولى القرآن الكريم عناية كبرى بالمسنين ، وعبر عن هذه الرعاية بعبارة فيها منتهى الأدب الراقي ، والعناية القصوى والرحمة البالغة ، حيث عبر عنها بخفض جناح الذل ، فقال تعالى (وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ إِيَّـٰهُ وَبِـﭑلْوَٰلِدَيْنِ إِحْسَـٰناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ ٱلْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا وَٱخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ ٱلذُّلِّ مِنَ ٱلرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ٱرْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِى صَغِيرًا)[5] .  يذكر الإمام الرازي رابطاً بين ضعف الولد وهو في حضن الوالدين وبين ضعف الوالدين ، حيث ينبغي أن يكونا في حضنه فقال : (إن الإنسان حال ما يكون في غاية الضعف ونهاية العجز يكون في إنعام الأبوين ، فأصناف نعمهما في ذلك الوقت واصلة إليه ، وأصناف رحمة ذلك الولد واصلة إلى الوالدين في ذلك الوقت ومن المعلوم أن الإنعام إذا كان واقعاً على هذا الوجه كان موقعه عظيماً) ثم قال : (إن إيصال الخير إلى الغير قد يكون لداعية إيصال الخير إليه ، وقد يمتزج بهذا الغرض سائر الأغراض وإيصال الخير إلى الولد ليس لهذا الغرض فقط فكان الانعام فيه أتم وأكمل ، فثبت أنه ليس لأحد من المخلوقين نعمة على غيره مثل ما للوالدين فبدأ الله تعالى بشكر نعمة الخالق …ثم أردفه بشكر نعمة الوالدين ) ثم قال : (معناه : أنهما يبلغان إلى حالة الضعف والعجز فيصيران عندك في آخر العمر كما كنت عندهما في أول العمر)[6] .


  والآيات الكريمة في حقوق الوالدين كثيرة لا نحتاج إلى عرضها .


  فالذي يفهم بوضوح من الآيات القرآنية الخاصة بالمسنين ما يأتي :




  1. وجوب المعاملة الحسنى ، والرعاية الشاملة من الأولاد للوالدين في جميع الأحوال ولكن هذه الرعاية يجب أن تصل إلى غايتها القصوى وإلى قمة الرفق واللين والرحمة والذل والتواضع عندما يصل الوالدان أو أحدهما إلى مرحلة الكبر ، ولا أجد عبارة أرق وأكثر دلالة على الرفق والرحمة والعاطفة من قوله تعالى (وَٱخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ ٱلذُّلِّ مِنَ ٱلرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ٱرْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِى صَغِيرًا)[7] .


     قال الرازي : (قوله تعالى ” وَٱخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ ٱلذُّلِّ مِنَ ٱلرَّحْمَةِ” والمقصود منه المبالغة في التواضع ، وذكر القفال رحمه الله في تقريره وجهين : الأول : أن الطائر إذا أراد ضم فرخه للتربية خفض له جناحه ، ولهذا السبب صار خفض الجناح كناية عن حسن التربية ، فكأنه قال للولد : اكفل والديك بأن تضمها إلى نفسك كما فعلا ذلك بك حال صغرك ، والثاني : إذا أراد الطيران والارتفاع نشر جناحه وإذا أراد ترك الطيران وترك الارتفاع خفض جناحه ، فصار خفض الجناح كناية عن فعل التواضع من هذا الوجه)[8] .  



  2. وجوب الرعاية القولية ، ووجوب القول الحسن ، وحرمة استعمال أي لفظ يفهم منه الإيذاء  ولو من بعيد ، حيث يقول الله تعالى (فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا وَٱخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ ٱلذُّلِّ مِنَ ٱلرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ٱرْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِى صَغِيرًا)[9] .


 


 اعلى الصفحة


حيث يدل على عدة أحكام في غاية من الأهمية من أهمها :


أ ـ تحريم الأف ، والأف هو لفظ يستعمل عند الإحساس بالأذى والضجر ، أو القذارة عند وجود رائحة تؤذيك[10] ، قال الرازي : ( لا تقل لفلان أف ، مَثَلٌ يضرب للمنع من كل مكروه وأذية وإن خف ، وقد اختلف الأصوليون في أن دلالة هذا اللفظ على المنع من سائر أنواع الإيذاء دلالة لفظية أو دلالة مفهومة بمقتضى القياس؟ قال بعضهم : إنها دلالة لفظية ، لأن أهل العرف إذا قالوا : لا تقل لفلان أف ، عنوا به أنه لا يتعرض له بنوع من أنواع الإيذاء والإيحاش ، وجرى هذا مجرى قولهم : فلان لا يملك نقيراً ولا قطميراً في أنه بحسب العرف يدل على أنه لا يملك شيئاً)[11] .


 والقول الثاني : ان هذا اللفظ إنما يدل على المنع من سائر أنواع الإيذاء بحسب القياس الجلي ، وتقريره ان الشرع إذا نص على حكم صورة وسكت عن حكم صورة أخرى ، فإذا أردنا إلحاق الصورة المسكوت عن حكمها بالصور المذكور حكمها فهذا على ثلاثة أقسام : أحدها : أن يكون ثبوت ذلك الحكم في محل السكوت أولى من ثبوته في محل الذكر مثل هذه الصورة ، فإن اللفظ إنما دل على المنع من التأفيف ، والضرب أولى بالمنع من اتأفيف ، وثانيها : ان يكون الحكم في محل السكوت مساوياً للحكم في محل الذكر ، وهذا هو الذي يسميه الأصوليون القياس في معنى الأصل ، وضربوا لهذا مثلاً وهو قوله عليه السلام “من أعتق نصيباً له من عبد قوم عليه الباقي” فإن الحكم في الأمة والعبد متساويان ، وثالثها : ان يكون الحكم في محل السكوت أخفى من الحكم في محل الذكر وهو أكبر القياسات)[12] .


ب ـ حرمة النهر (وَلاَ تَنْهَرْهُمَا) :


  والمراد بالنهر الزجر ، فيقال : نهره إذا استقبله بكلام يزجره قال تعالى : (وَأَمَّا ٱلسَّآئِلَ فَلاَ تَنْهَرْ)[13] فالمراد به المنع من إظهار المخالفة في القول على سبيل الرد عليه والتكذيب له[14] .


ج ـ وجوب التأدب الراقي والحسّ العالي ، والقول الكريم (وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا)


قال الرازي : (واعلم أنه تعالى لما منع الإنسان بالآية المتقدمة عن ذكر القول المؤذي الموحش ، والنهي عن القول المؤذي لا يكون أمراً بالقول الطيب  لا جرم ، أردفه بان أمره بالقول الحسن والكلام الطيب فقال(وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا) والمراد منه أن يخاطبه بالكلام المقرون بأمارات التعظيم والاحترام ، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: هو أن يقول له : يا أبتاه يا أماه ، وسئل سعيد بن المسيب : عن القول الكريم فقال : هو قول العبد المذنب للسيد الفظ ، وعن عطاء أن يقال : هو أن تتكلم معه بشرط أن لا ترفع عليهما صوتك ولا تشد إليهما نظرك ، وذلك لأن هذين الفعلين ينافيان القول الكريم)[15].  


د ـ الدعاء الدائم (وَقُل رَّبِّ ٱرْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِى صَغِيرًا) .


قال القفال رحمه الله تعالى : ( لم يقتصر في تعليم البر بالوالدين على تعليم الأقوال بل أضاف إليه تعليم الأفعال وهو أن يدعو لهما بالرحمة فيقول (رب ارحمها) ولفظ الرحمة جامع لكل الخيرات في الدين والدنيا ، ثم يقول (كما ربياني صغيرا) يعني رب افعل بهما هذا النوع من الإحسان كما أحسنا إليّ في تربيتهما إياي ، والتربية هي التنمية ، وهي من قولهم ربا الشيء إذا انتفخ ومنه قوله تعالى (فَإِذَآ أَنزَلْنَا عَلَيْهَا ٱلْمَآءَ ٱهْتَزَّتْ وَرَبَتْ)[16] .  


 وقد ذكر المفسرون أن هذا الدعاء واجب ، لأن الأمر ظاهر في الوجوب وانه ليس خاصاً بالوالدين المسلمين بل يعم غير المسلمين حيث يجب عليه أن يدعو لهما بالهداية والرشاد ، وطلب الرحمة لهما بعد حصول الإيمان[17] .


  وأفهم من قوله تعالى : (… كمار بياني صغيراً) ثلاثة أمور :


أحدها : إحساس الولد بأن دعاءه كان لرد الجميل ، والوفاء بما قدماه إليه .


والثاني : أن هذه الهداية له والتوفيق كانت بسبب تربيتهما التربية الصالحة ، وإلاّ فلولاهما لما هدى إلى الدعاء الصالح.


والثالث : الإلحاح في الدعاء والتضرع إلى الله تعالى في قبول دعوته أما هذه الحقوق فكأنه يقول : يا ربّ إن والديّ قد ربياني هذه التربية فلا أحد يجازيهما إلاّ أنت ، لأن العبد لا يجازي وإذا جاز  فلا يكافأ ، لذلك ارحمهما واستجب دعائي هذا يا رب حتى أحسّ بأنني قمت ببعض الوفاء نحوهما .    


  وقد جعل الرسول صلى الله عليه وسلم الدعاء للوالدين المسلمين من الصدقات الجارية فقال : ( إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلاّ من ثلاث : صدقة جارية ، أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له)[18] .


هـ ـ عدم فعل شيء يترتب عليه إيذاء الوالدين ، ومن ذلك عدم سب والدي أحد حتى لا يرد عليه بسبّ والديه ، حيث قال الرسول صلى الله عليه وسلم : ( إن من أكبر  الكبائر أن يلعن الرجل والديه ، قيل : يا رسول الله وكيف يلعن الرجل والديه؟ قال : يسبّ الرجل أبا الرجل ، فيسبّ أباه ويسبّ أمه فيسبّ أمه)[19] .


 المسنون في السنة النبوية


  وأما السنة النبوية المشرفة فقد ورد فيها عدد كبير من الأحاديث توضح معالم الحث والعناية بكبار السنة سواء كانوا من الوالدين أو من غيرهما ، لذلك أورد البخاري في كتابه “الأدب المفرد” ثلاثة أبواب حول هذا الموضوع ، وهي باب فضل الكبير ، باب إجلال الكبير ، وباب يبدأ الأكبر بالكلام والسؤال ، ويحسن أن نذكر بعضها وهي  :




  1. قوله صلى الله عليه وسلم : ( من شاي شيبة في الإسلام كانت له نوراً يوم القيامة )[20]



  2. قوله صلى الله عليه وسلم : ( ما شاب رجل في الإسلام شيبة إلاّ رفعه الله بها درجة وحيت عنه بها سيئة وكتب له بها حسنة)[21]



  3. فقد روى مالك بسنده أن سيدنا إبراهيم عليه السلام لما رأى الشيب في شعره قال : ( يا رب ما هذا ، فقال تبارك وتعالى : وقار يا إبراهيم فقال : يا ربّ زدني وقارا)[22] .



  4. قوله صلى الله عليه وسلم : ( ما من معمر يعمر في الإسلام أربعين سنة إلاّ صرف الله عنه ثلاثة أنواع من البلايا الجنون والجذام والبرص ، فإذا بلغ خمسين سنة لين الله عليه الحساب ، فإذا بلغ ستين سنة رزقه الله الانابة إليه بما يحب فإذا بلغ سبعين سنة أحبه الله وأحبه أهل السماء ، فإذا بلغ الثمانين قبل الله حسناته وتجاوز عن سيئاته ، فإذا بلغ تسعين غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وسمى أسير الله في أرضه وشفه لأهل بيته)[23] .



  5. قوله صلى الله عليه وسلم : ( خياركم أطولكم أعماراً وأحسنكم أعمالاً)[24] .



  6. قوله صلى الله عليه وسلم : ( ليس أحدٌ  أفضل عند الله من مؤمن يعمر في الإسلام لتسبيحه وتكبيره وتهليهه)[25].


  اعلى الصفحة



المبادئ العامة في الإسلام لتكريم المسنين


 هناك مجموعة من المبادئ العظيمة والقيم الهامة أرساها الإسلام وجعلها أسساً لكيفية العلاقات بين الناس وكيفية احترامهم وتكريمهم من أهمها :




  1. مبدأ كرامة الإنسان ـ أي إنسان كان ـ حيث يقول تعالى : (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِى ءَادَمَ)[26] ودلت أحاديث صحيحة ـ بجانب الآيات الكثيرة ـ على كرامة النفس الإنسانية ، والحفظ عليها ، وعلى ضرورياته وحاجياته ، بل ومحسناته وهي ما يسمى بمقاصد الشريعة العظمى التي أوضحها أئمة الفقه والأصول مستمدين من الكتاب والسنة وعلى رأسهم إمام الحرمين ، والغزالي ، وابن تيمية ، ثم أصلها الإمام الشاطبي في الموافقات ، وهذه المقاصد تعتبر من كليات الدين وأسسه ، وهي تشمل ضرورة الحفاظ على دين الإنسان ، ونفسه ، وعقله ، وماله وعرضه ، ونسله[27].


      والمسن على ضوء هذا المبدأ يجب أن بحافظ على ضرورياته وحاجياته ، ثم محسناته ، وهي لا تترك كما ترى شيئاً دون رعاية ، لأن متطلبات الحياة لا تتجاوز هذه الأنواع الثلاثة.



  2. مبدأ الإحسان والرحمة والرأفة .


     فقد دلت آيات وأحاديث لا تعد ولا تحصى على وجوب هذا المبدأ العظيم ، ويكفي أن نقول : إن لفظ الرحمة ومشتقاتها قد تكرر في القرآن الكريم أكثر من 320 مرة إضافة إلى تكراره مع بداية السور 226 مرة من خلال بسم الله الرحمن الرحيم أي حوالي 550 مرة ، وقد وصف الله تعالى في كتابه المؤمنين بالرحماء فقال تعالى : ( محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم) ، ويكفي أن نذكر هذا الحديث العظيم الذي يقول (من لم يرحم لا يرحم)[28] وفي حديث آخر (من لم يرحم الناس لا يرحمه الله)[29].


     لذلك لا ندخل في تفاصيل هذا المبدأ العظيم .



  3. مبدأ توقير الكبير والاعتراف بفضله وسنه وتقديمه في الإمامة ، حيث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم (ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويعرف شرف كبيرنا)[30] . 


      ويقول صلى الله عليه وسلم أيضاً : ( إن من إجلال الله تعالى إكرام ذي الشيبة المسلم …)[31] وبين الرسول صلى الله عليه وسلم أن الأكبر سناً هو الذي يتقدم في الإمامة عند استواء الصفات الأخرى فقال : ( فليؤمهم أكبرهم سنا)[32] .



  4. مبدأ التكافل والتعاون داخل المجتمع الإسلامي


      وقد دلت على ذلك آيات كثيرة ، وأحاديث صحيحة منها قوله تعالى (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلْبرِّ وَٱلتَّقْوَىٰ)[33] وقول النبي صلى الله عليه وسلم : (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعي له سائر الجسد بالسهر والحمى)[34] وقوله صلى الله عليه وسلم : ( على كل مسلم صدقة ، فقالوا : فإن لم يجد ؟ قال : يعين ذا الحاجة الملهوف)[35] .



  5. مبدأ وجوب النفقة على الأولاد في حالة فقر والديهم ، بل إن الحديث الصحيح بين بأن الوالد أحق بمالهم ما دام  في حاجة النفقة فقال صلى الله عليه وسلم : (أنت ومالك لأبيك)[36] .



  6. مبدأ تكافل الدولة للمسنين وغيرهم ، حيث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : (أنا أولى بكل مؤمن من نفسه ، ومن ترك مالاً فلأهله ، ومن ترك ديناً أو ضياعاً فعليّ وإليّ)[37].



  7. مبدأ التخفيف في التكاليف على المسنين .


  فقد خفف الإسلام على المسنين بعض الأحكام ما دام هناك حرج تنفيذاً لقوله تعالى (يُرِيدُ ٱللَّهُ بِكُمُ ٱلْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ ٱلْعُسْرَ)[38] ، وذلك مثل إسقاط فريضة الصيام لشهر رمضان (الذي هو ركن من أركان الإسلام) على كبار السن الذين لا يقدرون على الصيام والاكتفاء بالفدية فقال تعالى (وَعَلَى ٱلَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ)[39] حيث فسره العلماء بكبير السن ، والمريض المزمن اللذين يعسر عليهما الصيام ، وكذلك لا يجب عليهم الحج ما داموا لا يقدرون عليه بدنياً ، كما لا يجب عليهم الجهاد ، وخفف الإسلام عليهم في موضوع الوضوء ، والصلاة قاعدين ، وغير ذلك[40] .


وإذا وصلوا إلى مرحلة الخرف واللاوعي سقطت عنهم كل التكاليف الشرعية .


 


الآثار الناتجة من المبادئ والنصوص السابقة :


  يفهم بوضوح من النصوص التي ذكرنا بعضها ، والمبادئ التي ذكرناها ، هي ان الإسلام ينظر إلى المسنين نظرة خاصة وأن الشريعة الإسلامية في علاجها لهذه القضية لها خصوصيتها ومميزاتها وهي :


أولاً : علاج مشكلة المسنين في الداخل (أي داخل نفوس المسنين أنفسهم) وهذا العلاج مبني على ما يأتي :



أ ـ على تقوية الإيمان بالله تعالى ، الروح العالية ، والهمة القوية والثقة بالله تعالى ، ثم بالنفس ، وعدم الهزيمة الداخلية مهما كانت الأمراض والمشاكل والمصائب من خلال تقوية الإيمان بالله  تعالى وبالقضاء والقدر ، وتحقيق قوله تعالى (لِّكَيْلاَ تَأْسَوْاْ عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُواْ بِمَآ ءَاتَـٰكُمْ)[41] وقول النبي صلى الله عليه وسلم (عجباً لأمر المؤمن ان أمره كله خير إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له وإن أصابته ضراء فصبر فكان خيراً له وليس ذلك لغير المؤمن)[42] وغير ذلك من الآيات والأحاديث الدالة على هذه المعاني السامية .


ب ـ إشغال المسنين بالعبادات ، والذكر والتسبيح حسب برامج الأوراد المأثورة ، كما