أيها الإخوة المؤمنون

أقدمنا على هذا الشهر العظيم، الذي يتمناه كل مسلم أن يبلغ إليه، وأن يوفقه الله لأداء حقوقه وواجباته ونيل درجاته وثوابه، وهو شهر رمضان الذي أنزل الله فيه القرآن، وجعله خير الشهور، ” شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان”.

وكان الصحابة الكرام، وكذلك التابعون، يستعدون لهذا الشهر استعداداً نفسياً وقلبياً وعملياً في جميع المجالات، حتى تكون النفوس مهيئة للتقبل وللعمل الكثير في هذا الشهر الفضيل، الذي من حُرم من فضله فقد حُرم ومن لم ينل الثواب والغفران في هذا الشهر فقد حرم خيراً كثيراً.

علينا أن نستعد لهذا الشهر الفضيل بالآتي:

التوبة إلى الله، وهذه التوبة تقتصي أربعة أمور أساسية: الأمر الأول: الندم على كل ما فعلناه من الذنوب، و طلب المغفرة من الله. والأمر الثاني: العزم واليقين على عدم العودة إلى هذه الذنوب والمعاصي، كبيرة أم كانت صغيرة، فهذا الإصرار وهذا العزم مطلوب من كل مسلم. والأمر الثالث: أن الإنسان مع الندم يعد من داخل نفسه هذه الذنوب ويبكي أمام الله سبحانه وتعالى ويتضرع إليه بأن يغفر الله له. والأمر الرابع: وهو أهم الأمور على الإطلاق، أن يجلس الإنسان مع نفسه ويرى كل ما عليه من الحقوق للآخرين، ومن الديون، وما أساء إلى الآخرين، وما أتى به من الغيبة والنميمة وإيذاء للآخرين، بأي وسيلة كانت، أن يعد هذه الأمور ويبدأ يتصفيتها، فإذا كانت هذه الحقوق التي وجبت عليه حقوق مالية لأي سبب كان فيجب عليه أن يردها إلى أصحابها أو أن يقوم أصحابها بتبرئة ذمته من هذه الحقوق، وإن كانت هذه الحقوق عبارة عن الذم والغيبة والنميمة والإيذاء في العرض والشرف بدون وجه حق، هنا تأتي المشكلة، ويجب على الإنسان العاقل أن يتحمل ذلك في الدنيا قبل أن يحاسبه الله يوم القيامة، وقد يأتي وقد صلى وصام كما ورد في الحديث الصحيح الذي قال الرسول  فيه لصاحبته الكرام: { أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع } فقال: { إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاةٍ وصيامٍ وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا، و قذف هذا، وأكل مال هذا،وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه، أخذ من سيئاتهم وخطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار  }.

ففي يوم القيامة والواحد لا يتنازل عن حسنة واحدة لأحب الناس إليه، مثل الوالدين أو الأبناء، فإنك ببعض تصرفاتك مثل النميمة والغيبة تتنازل عن كل أو معظم حسناتك، وتعطي لمن كنت لا تحبه أو تغتابه في مجلسك، وفي هذا اليوم يأخذ هذا الشخص حسناتك التي لا تستطيع أن تتنازل عن ذرة منها لأقرب الأقرباء.

فالعاقل لا يورط نفسه في الغيبة والنميمة، وإلا يكون مصيره إما أن يذهب إليه في الدنيا ويصفح عنه، و هذا الأمر قد يكون مخجلاً بالنسبة لكثيرين ولكنه أهون من هذا الذي يحدث يوم القيامة.

فهذه التوبة شرط أساس لقبول الأعمال وللتقرب إلى الله سبحانه وتعالى ومن هذه الحقوق أيضاً المتشاحنان اللذان ترك بعضهما البعض، أو لا يحدث أحدهما الآخر، فحينئذ عليهما أن يتصالحا قبل شهر رمضان لأن أعمالهما وثوابهما يتوقف على مصالحتهما وخاصة في المشاحنات التي لم تكن لأجل الدين، ولم يكن الهجر بسبب الفجور والفسق، وإنما كان الهجر لكلمة من هذا ولكلمة من ذلك أو لأمر دنيوي.

 وهذه التهيئة مطلوبة منا جميعاً أن نقدم عليه هذا الأسبوع سواء كان ما يتعلق بالجانب المالي أو المعنوي

ثم بعد ذلك أن نعد أنفسنا وأن نشوق أنفسنا للقاء هذا الجبيب وهو هذا الشهر الفضيل الذي كان يتمناه الصحابة الكرام ستة أشهر، بل مجيئه بأن ينالوا وأن يبلغوا ويصلوا هذا الشهر وهم صحابة رسول الله الذين فضلهم الله تعالى بأجر عظيم وجهاد كبير.

وبالإضافة إلى ذلك أن نستدرك المعاني والمقاصد الأساسية والأبعاد العظيمة في شهر رمصان، حتى لا تكون عبادتنا أو صيامنا عادة وإنما تكون عبادة، والفرق بين العادة والعبادة أن الإنسان في قضايا العادات يدخل إليها دون الإحساس ودون الاستعداد النفسي، أما العبادة فتحتاج إلى تحضير النفس وتحضير البدن والروح والعقل بحيث يقدم الإنسان بداخله كله، ثم كذلك باستعداده البدني على هذا الشهر الفضيل.

ومن هنا يتحول هذا الصيام فعلاً إلى العبادة التي يريدها الله سبحانه وتعالى لأن هذا الشهر شهر عظيم جداً، فبالإضافة إلى الآيات الكريمة العظيمة التي تحدثت عن هذا الشهر الكريم في سورة البقرة هناك أحاديث لا تعد ولا تحصى حول هذا الشهر منها كما في البخاري ومسلم ( إذا جاء رمضان فُتّحت أبواب الجنة، وغُلّقت أبواب النار، وصُفّدت الشياطين ) وفي حديث آخر صحيح ( إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ صُفِّدَتْ الشَّيَاطِينُ وَمَرَدَةُ الْجِنِّ ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ ، وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ ، وَيُنَادِي مُنَادٍ يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ ، وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنْ النَّارِ وَذَلكَ كُلُّ لَيْلَةٍ ) فليكن شعارنا هذا القول العظيم للرسول صلى الله عليه وسلم أن من يطلب الخير فليقبل على هذا الشهر إقبالاً شاملاً بنفسه وروحه وعقله وجسده وكله، ولينفق من العبادات البدنية ما يستطيع، ومن العبادات المالية والأوقات ما يستطيع، ومن العبادات الاجتماعية والإنسانية ما يستطيع، وليفرغ نفسه، يا باغي الخير أقبل فإن الحسنات تتضاعف في هذا الشهر إلى سبعمائة ضعف، ما عدا الصوم، لأن الصوم لله تعالى، وهو يجزي به، فحينما يفوض أمر الثواب إلى الله تعالى لا يعلم هذا الثواب إلا هو، لأنه هو الكريم المتعالي فإذا كانت الحسنة العادية بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف فالصوم نفسه حينما يكون لله وبهذه الشروط وبهذا الإقبال لا يعلم ثوابه إلا الله سبحانه وتعالى.

وهذا أملنا أن يكون الثواب جنة الفردوس وأن يكون الثواب رؤية الله تعالى في الجنة ولقاء الحبيب على حوض الكوثر.

ويا ياغي الشر أقصر، ويا من يريد الشر أي شر كان أقصر، فليس هذا الشهر شهر الشر، وإنما شهر الخير، و خاصة قد صفدت الشياطين أي وضعت الإغلال والسلاسل على هذه الشياطين وعلى مردة الجن، حتى لا يؤذوا المؤمنين وحتى لا يؤثروا في المسلمين فإذا وجدتَ الإقبال على الذنوب حينئذ يعود ذلك كله إلى نفسك التي بين جنبيك.

ولكن إذا كانت شياطين الجن وكذلك مردة الجن توضع عليهم السلاسل والأغلال، فإن هناك من يقوم عنهم، وهم شياطين الإنس، وخاصة شياطين الإنس من خلال المسلسلات السيئة والأفلام الماجنة، وقد أصبح عادة عن البعض أن يفطر على المسلسلات وفيها من الرقص والمجون، وأنت خلال 15 ساعة تعبد الله ومن ثم تفطر على المجون، فأي عمل هذا! وأصبح شياطينت الإنس تصرف كل جهودهاومخصصاتها من أجل المسلسلات من الفطار إلى السحور وبعضهم لا يصبر على التراويح أو الوعظ بضع دقائق ويجلس أمام المسلسلات ساعات.

شياطين الإنس حلّوا محل شياطين الجن ، وأعطو الدور الأكبر، فهم قد زادوا عن دور الوسوسة إلى دور التشويق والإعلانات الغريبة ولا سيما بالنسبة للشباب والشابات، فلا يجوز أن نصوم 15 ساعة ونفطر على ما يُفطر الصوم والرسول صلى الله عليه وسلم يقول ( إِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلا يَرْفُثْ، وَلا يَسْخَبْ ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ شَاتَمَهُ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ : إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ(  والرسول صلى الله عليه وسلم يقول في حديث آخر (مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ وَالْجَهْلَ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ) لأن ترك المحرمات مقدم على فعل الواجبات.

لذا أناشدكم الله على أن يكون صومكم عبادة لله، والصوم لله وهو يجزي به وأهم حكمة صيام “لعلكم تتقون” والتقوى كما فسرها النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الجبريل: أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك وفي رواية “أن تخشى الله” وفي رواية ثالثة “أن تعمل لله” فالصيام عبادة خاصة، كأنك

أمام الله، فإذا كنت أمام الله فكيف تعمل المنكرات وتغتاب أو تؤذي؟

فالغرض من الصيام التقوى والغرض الأساسي من الصلاة الانتهاء من الفحشاء والمنكر قولاً وفعلاً، فلننظر إلى قلوبنا وأنفسنا لنرى العيوب ونصلحها خلال هذا الأسبوع ونقبل على الشهر المبارك بجسد طاهر وقلب منشرح وبنية مباركة وبهذه العزيمة بأن نصوم وأن لا نترك لشياطين الإنس أن يربحوا بنا بمسلسلاتهم وإغرائاتهم.

الخطبة الثانية 

مما ينبغى عمله وخاصة خلال هذا الأسبوع من شهر شعبان الصيام، فالرسول صلى الله عليه وسلم كان يصوم شعبان كله أو بعضه ما عدا يوم الشك لمن لم يكن من شأنه أن يصوم شعبان كله استعداداً لهذا الشهر الفضيل.

علينا أن نحس بهذه النعمة الكبيرة في هذه البلاد نعمة الأمن والأمان، ونعمة القدرة على الأكل والشرب، و نعمة هذه الأموال الطيبة المباركة.

علينا تجاه هذه النعم واجبان: واجب الشكر والدعاء وواجب أن نحس بإخواننا الذين فقدوا الأمن والأمان والأكل والشرب والملبس والمشرب والمسكن في سوريا والعراق وفلسطين وفي غزة المحاصرة التي لم تشهد في عمر تاريخ العدوان الصهيوني مثل هذه الايام، فلا يفتح معبر إلا أيام أو ساعات معدودة، لا للسفر ولا للمرض ولا للقوت.

وعلينا أن نشكر على نعمة الوقت وضبطها وقد كنت في شمال السويد وجمعنا الأئمة من فلندا والنرويج  لأنهم عندهم مشاكل كبيرة في ضبط الوقت ففي بعض المناطق لا تغرب الشمس وفي بعض المناطق تغرب 45 دقيقية أي يصومون 23 ساعة وربع، ولكن الحمد لله في شريعتنا يسر ووجدنا لهم حلولاً وشكرت الله على نعمة الليل والنهار في بلادنا ونشكره ولنؤدي شكر هذه النعمة بالإحساس بجوع إخواننا الجائعين وبعطشهم وفقْد مأوى النازجين المشردين من ديارهم.