أيها الإخوة المؤمنون
إذا قرأنا تاريختا الإسلامي خلال 1437 عاماً، يتبين لنا الكثير من القضايا الأساسية التي نستطيع أن نستفيد منها، { لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب }.
والتاريخ ليس للاستمتاع بالقراءة فقط رغم أهميته، وإنما ــ كما يقول ابن خلدون ــ لاستخلاص العبر بجوانبها الحياتية، العبر الإيجابية والعبر السلبية.
وإن نظرة عامة إلى تاريخنا الغابر يحفز لدينا سؤالاً، ألا وهو: ما السر في الانتصارات الكبرى التي تحققت على يد الرعيل الأول من الصحابة والتابعين؟
وما السر وراء ما يصيب الأمة من كبوات الواحدة تلو الأخرى في تاريخنا المعاصر؟
عندما نقرأ التاريخ نجد أن أكثر من 86 غزوة وقعت في شهر رمضان المبارك، أُولاها وأهمها غزوة بدر الكبرى في الاسبع عشر من رمضان في العام الثاني من الهجرة، وقد سمى الله تعالى ذلك اليوم بيوم الفرقان، إذ فرقت هذه الغزوة بين فئة قليلة آمنت بالله تعالى، وأخرى كافرة تريد سحق القلة المؤمنة الموحدة.
ويأتي بعد غزوة بدر الكبرى في الأهمية فتح مكة في العام الثامن للهجرة، ثم توالت الانتصارات وتتابعت الفتوح؛ منها معركة القادسية التي انتصر فيها المسلمون على الساسانيين عبدة النار.
كما انتصر المسلمون في غير ذلك من المعارك على الإمبراطورية الرومانية التي كانت تدعي أنها تدين بدين المسيح عيسى عليه السلام.
ومن المعارك التي أيد الله فيها عباده الصالحين عين جالوت حيث كانت في الخامس والعشرين من رمضان عام 658 للهجرة، حين استولى المغول والتتر على بلاد الإسلام، ودخول حاضرة الخلافة مدينة بغداد، وعاثوا فيه الفساد، استباحوها وقتلوا من سكانها ما يزيد عن العشرات الآلاف ودمروا ما فيها من حضارة؛ إذ عمدوا إلى مكتباتها ومدارسها النظامية وما فيها من حضارة إسلامية وإنسانية التي بذل المسلمون في سبيل الحصول عليها أرواحهم ونفيس أوقاتهم، وأنفقوا في سبيل الحصول عليها ما يقدر بالمليارات من الذهب الخالص، حيث ترجموا حضارة فارس والروم، واقتبسوا من حضارة الهند، ونقلوا إلى العربية حضارة اليومنان والإغريق، فرمى المغول والتتتر بكل ذلك في نهر دجلة حتى تحول لون مائه إلى اللون الأسود مما سال من مداد تلك الكتب كما يقول معظم المؤرخين، تحقق النصر للمسلمين على هؤلاء الكفرة ومن والاهم من أتباع ابن العلقم، بعد أن توحدت جيوش مصر وسورية، وهذا شرط أساسي لتحقيق النصر ، توحدت مصر وسورية على يد مظفر قطز، وقاد الجيش الظاهر بيبرس، ولما التحم الفريقان، وانكشفت أطراف جيش الإسلام، نادى مظفر قطز نداءه الشهير { وا إسلاماه } فالتف المسلمون حول رايتهم من جديد وذابوا عن عرين الإسلام في بسالة حتى تحقق لهم النصر المبين، كان ذلك بعد سنتين من استيلاء المغول والتتر على بغداد.
والعجيب أننا أصبحنا اليوم نرى أن بغداد والسامراء والرمادي والفلوجة وغيرها من المدن السنية الكبرى في المنطقة تباد وتستباح بيد من يرفع شعار كلمة التوحيد ويعيث في الأرض الفساد قتلاً وإرهاباً ونهباً، لا ترعى في مؤمن ولا مؤمنة إلاًّ ولا ذمة.
ومن المعارك التي وقعت في شهر رمضان معركة حطين سنة 584، بقيادة البطل صلاح الدين والتي كانت تعتبر تمهيداً لفتح بين المقدس.
وكذلك تم فتح الأندلس في سنة 90 في شهر رمضان المبارك، ولا يتسع المجال لسرد أكثر من ستة وثمانين فتحاً تم للإسلام وأهله في شهر رمضان، وكان آخرها انتصار العاشر من حزيران في شهر رمضان حين رفع الجيش المصري شعار { الله أكبر } بينما كان نفس الجيش يتيه في غرور قيادته العسكرية عام 1967 حيث كانوا يقولون سنرمي بإسرائيل في البحر وستغني ام كلثوم في تل أبيب، فلم تغن أم كلثوم إلا البكاء والنحيب على ما احتله العدو الإسرائيلي في عام 1967 حيث تمكن هذا العدو بقوام جيشه الصغير من احتلال سناء كله والضفة وغزة والقدس والجولان، أحرز ما يزيد عن أربعة أضعاف ما كان في يده قبل القتال.
أيها الإخوة المؤمنون
أريد أن أعلق على هذه المعارك والغزوات من ناحيتين:
الأولى: لماذ في رمضان؟ إرادة الله تعالى، وإرادة الله تعالى لا تأتي عبثاً، بل لا بد من حكم قد نعلم بعضها وقد نجهلها.
وأهم شيء في هذه المعارك أن الله تعالى سمى المعركة الأولى بالفرقان، { أن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان }، فيوم الفرقان، هو يوم التقى الجمعان، وهو يوم بدر الكبرى، والفارق هو ما يفرق به بين الحق والباطل، وهذه التسمية هي ذاتها التي أطلقها الله تعالى على القرآن الكريم { شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان } فمعاركنا كانت فرقاناً لأنها انطلقت لحماية الأمة ولأنها كانت خالصة في سبيل الله تعالى، لم تكن منأجل بسط النفوذ، ولا لنهب خيرات الشعوب، ولا لفرض السيطرة إظهار القوة، كما يديع المستشرقون، بل كانت فاصلة بين الحق والباطل، كما أن كتابنا أنزل من أجل الفرق بين الحق والباطل.
فالربط بين فرقان السيف وبين فرقان الحق الفكري جزء أساس في ديننا الحنيف، ففرقان القرآن هو الحق والغاية منه الهداية والهدف منه جمع شمل الأمة، فإذا تحقق هذا للأمة احتاجت الأمة إلى فرقان السيف ليحمي سياج الأمة ويقطع دابر الكائدين.
والأمة لا يتحقق لها ما تريد من انتصار وعز إلا بوجود هذين المنهجين:
أن يكون معها دستور سليم وفكر صحيح كما في القرآن والسنة.
وأن تكون قوة واحدة متماسكة{ وأنزلنا الحديث فيه بأس شديد } جانب القوة العسكرية { ومنافع للناس } جانب القوة الفكرية { ليقوم الناس بالقسط } لا للتوسع ولا لأكل أموال الناس، بل لصون الحقوق وحماية المقدسات.
ولكننا للأسف الشديد معظمنا لا يقوم بالقسط في معاملاته، لا مع أفراد أسرته ولا مع أفراد مجتمعه، إلا من رحم ربي.
حين غاب الإنصاف وضاعت موازين القسط انقلبت عوامل النصر والتمكين إلى معاول الهزيمة والتدمير.
الحكمة من الصيام تحقيق التقوى وما التقوى إلا صفاء النفوس، وعوامل الانتصارات ثلاثة:
• صفاء النفوس.
• الدستور الصحيح.
• القوى الفكرية السليمة والعسكرية.
وعكسها هي عوامل الخيبة والخسران
فما أحوج أمتنا اليوم إلى تحقيق هذه المكونات الثلاثة ليتحقق لها النصر المنشود.
الخطبة الثانية:
أيها الإخوة المؤمنون:
أمتنا اليوم كما تحتاج إلى الدعاء كذلك هي بحاجة كبيرة إلى الدعم والمساعدة وقتل حظوظ النفس، وكل مصائبنا تأتي من قبل حظوظ النفس.
حكم صلاح الدين 24 سنة فكتب إليه شيخه نور الدين الزنكي يأمره بالجهاد لفتح بيت المقدس، فكتب إلى شيخه قائلاً: يا شيخي كيف أجاهد بأمة متفرقة، لا بد أن أنطلق من التوحيد إلى التحرير ومن الاجتهاد إلى الجهاد.
وقد عمل رضي الله عنه عشرين سنة في توحيد الأمة عقيدة وقوة، وعلماً وعملاً ثم قاد الأمة إلى التحرير من حظوظ النفس فجاهد في سبيل الله تعالى حتى أتم على يديه فتح القدس.