أولاً ـ إن الضرورة التي بنى عليها رأيه هي يعود تقديرها إلى الشعب الفلسطيني ، وأن الضرورة كما لا يخفى عليه تقدر بقدرها ، وأن الضرورة لا يمكن أن تتحقق عناصرها وأركانها في ان تذهب حماس وتعقد عقد الصلح والسلام مع إسرائيل ، وتعترف لها بالتنازل عن اكثر من نصف فلسطين لما يأتي :
اسرائيل غير مستعدة لهذا التنازل ، وإذا كان الدكتور الريسوني يقول : فلنجرب ، ولنقم الحجة عيها ، فنقول ما تقوله حماس في شعارتها ، وفي خطب قادتها : أن منظمة التحرير بقيادة ياسر عرفات رحمه الله ، مع كل ما فعل لم تستطع أن تأخذ ما أقرته الأمم المتحدة ، ثم تعللت اسرائيل بياسر عرفات رحمه الله فذهب ، وجاء أبو مازن ومع ذلك لم يتحقق على أرض الواقع شيء ، بل وقع بناء الجدار العنصري الفاصل ، ، وقتل معظم ناشطي المقاومة ، ومزيد من التدمير والتقتيل ، فهل نقول لحماس افعلي مثل ما فعلته المنظمة ، أو فتح لتسقط أمام شعبك .
لو قبلنا بذلك لأصبحنا نحن العلماء في ازدواجية كبيرة ، حيث لم نجز لفتح ، وياسر عرفات ، ولكن نجيز لحماس ؟ لماذا ؟ هل تغيرت الأوضاع ؟ أبداً الحالة هي هي ؟ .
أين الضرورة في ذهاب حماس لتوقيع اتفاقية الاستسلام مع اسرائيل دون حصولها على شيء ،هل الضرورة بقاؤها في السلطة ؟ وبالتالي فهل هذا البقاء ضروري ؟ لا يقول احد من العقلاء لا من حماس ولا من غيرها أن على حماس أن تضحي بمبادئها وشعاراتها ومصداقيتها في سبيل الحكم ، بل على حماس شرعاً وأدباً والتزاماً أن تترك السلطة إذا تعارضت مع المقاومة ، وعليها أن تترك إذا لم يبق لها الاّ خيار الصلح والاعتراف باسرائيل ، وإلاّ فنهايتها السياسية والشرعية تتم بهذا الاعتراف ، ثم أين الضرورة في ان تسلم حماس رقبتها طوعاً إلى اسرائيل التي لم ترحم أحداً ، ولن ترحم أحداً .
ثانياً ـ ان قياس الصلح الدائم والاعتراف باسرائيل على صلح حديبية قياس مع الفوارق ،بل قياس فاسد ، فصلح الحديبية لم يترتب عليه اعتراف بشرعية أهل اشرك ، فكان هدنة تضمنت بعض الشروط ، بل كان اعترافاً من أهل الشرك ( قريش ومن معهم ) بالرسول صلى الله عليه وسلم وصحبه ، واعتبارهم قوة يمكن التعاقد معها .
ومن جانب آخر ، فمكة كانت بأيدي قريش ، وهم أهلها ، ولم تفتح ولم تصبح عند الصلح أرضاً إسلامية تنازل عنها الرسول صلى الله عليه وسلم فصلح الحديبية لم يترتب عليه أي تنازل من قبل الرسول صلى الله عليه وسلم كما أن هذا الصلح كان هدنة مؤقتة لعشر سنوات فقط .
أما أرض فلسطين فأرض إسلامية بل من أشرفها وأبركها وفيها القبلة الأولى للمسلمين ، وأن اليهود جاؤا غاصبين ، وأن الصلح معهم ليس على بنود تخص القتال والهدنة ، وإنما تتكرز على الاعتراف الكامل بهم والتنازل لاكثرها لهم ، وتوثق ذلك من خلال الأمم المتحدة .
وأما قياس هذه الحالة على ما اقترحه الرسول صلى الله عليه وسلم من إعطاء جزء من الثمار إلى غطفان ، فهذا يخص الجانب المالي فقط ، فلم يكن فيه اعتراف ولا تنازل عن حق ، ولا عن أرض ، بل كان دفعاً آنيّاً لجزء من المال لدرء مفسدة .
أما الصلح الدائم مع اسرائيل والاعتراف بها يترتب عليه التنازل عن أكثر من نصف أرض فلسطين والتزامات دولية واقليمية كبيرة .
ثالثاً ـ أن اقامة صلح دائم مع اسرائيل والاعتراف بها يعني الاعتراف بانتهاء الجهاد والمقاومة ، وعدم مشروعيتهما ، وهذا لا يقبله عالم مسلم ، فهي أرض الرباط والجهاد إلى يوم القيامة كما وردت بذلك احاديث صحيحة .
رابعاً ـ القرآن يشهد والواقع يؤكد على أن الصهاينة لا يلتزمون بالوعود والمواثيق فقال تعالى ( أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) وهل التزمت اسرائيل باتفاقيات مدريد وأسلو لياسر عرفات ؟
ثم إن أطماع اسرائيل وأهدافها واستراتيجيتها هي من النيل إلى الفرات ، فهل الصلح يجعلها تعدل عن ذلك ؟
خامساً ـ إن شعار ( الواقعية ) أو ( البراغماتية ) جرب فعلاً مع اسرائيل ، وتورطت بسببها منظمة التحرير ، فتنازلت عن مبادئها ،واعترفت باسرائيل فما الذي جنت من وراء ذلك ؟
الجني كان تدميراً للبنية التحتية للشعب الفلسطيني ، بل لكل شيء حتى لأجهزة السلطة ، ومحاصرة لياسر عرفات وبالمقابل قامت ارسائيل بتعزيز قواتها ووجودها ،وأرادت من اتفاقيات السلام إزاحة عبء الشعب الفلسطيني ، ومقاومته لها عن كاهلها ، وأن تكون جسراً لنقلها بأمان إلى العالم العربي والإسلامي ، وضمان توفقها وتفردها باعتبارها القوة الكبرى في المنطقة ، فقد كانت تحليلات المحللين السياسين لاتفاقيات أوسلو ومدريد أنها سلسلة من الخسائر والفشل ، ولذلك كان خيار حماس والجهاد وبقية فصائل المقاومة الخيار الوحيد المتاح شرعاً ، وواقعاً وتجارب .
سادساً ـ أن رأي الشيخ أحمد ياسين كان حول هدنة مؤقتة لبضع سنوات قياسه على صلح الحديبية الذي كان لمدة عشر سنوات فقط .
سابعاً ـ إنه من الناحية الشرعية وباتفاق جميع العلماء منذ القرن الماضي إلى الآن أنه لا يجواز التننازل عن شبر أو ذرة من أراضي فلسطين ، وهذه هي بعض هذه الفتاوى الجماعية :
أ ـ فتوى علماء فلسطين في القدس الشريف 26/1/1935 التي اعتمدت على فتاوى العلماء في مصر ، والعراق ، والهند ، والمغرب وسوريا وبقية الأقطار الإسلامية ، نصوا فيها على عدم جواز التنازل عن ذرة من أراضي فلسطين ، وعلى عدم جواز بيع أرض فلسطين لليهود ، وأن من يفعل ذلك فهو مؤذ لله تعالى ولرسوله ، وخائن لهما ، ومتخذاً ليهود أولياء .
وقد صدرت قبل ذلك فتوى فردية بما سبق من الشيخ محمد رشيد رضا ، ومن رئيس العلماء المركزية في الهند .
ب ـ فتوى الأزهر الشريف عام 1956 ، وتأكدت فيها بفتوى مجمع البحوث الإسلامية التابع للأزهر الشريف ، وفتاوى شيوخ الأزهر ، وجميع العلماء الثقات ، كلها تؤكد على حرمة الاعتراف باسرائيل والصلح الدائم معها .
ثامناً ـ ان المسلمين جميعاً موقنون بالنصر المبين على هؤلاء المحتلين الغاصبين ، وأن هذا الوعد حق لا ريب فيه ولا يجوز الشك في ذلك ، ولا يجوز الاحساس بموقف الاستسلام مهما كانت قوة هؤلاء المحتلين ، فالله أكبر هو شعار المسلمين ، وأن العاقبة دائماً للمتقين ، وأن جند الله عم الغالبون ، فليراجع في ذلك كتب الشيخ العلامة الشيخ يوسف القرضاوي حفظه الله ، وكتاب : اقترب الوعد الحق يا اسرائيل لفضيلة الشيخ المربي المجاهد عبدالمعزّ عبدالستار حفظه الله ، وكتاب الشيخ الدكتور سفر الحوالي بعنوان : فلسطين بين الوعد الحق ، والوعد المفترى عليه ، وكتاب : المعركة الفاصلة لفضيلة الشيخ سلمان بن فهد العودة ، وكتاب : زوال اسرائيل حتمية قرآنية للشيخ أسعد التميمي .
هذا هو الردّ بايجاز شديد والله الموفق وأما الرد المفصل فيحتاج إلى مجلد كامل.
واختم حديثي بقوله تعالى ( وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) سورة الحج / الآية40 ، وقوله تعالى ( وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ) سورة الانبياء / الآية 105