أحكام الانتفاع بأعضاء الإنسان :
تمهيد :
هذا العنوان يشمل مجموعة من المسائل وهي : التصرف في الأعضاء بالهبة والتبرع أو البيع والمبادلة ، ونقل الأعضاء ، وزراعة خلايا المخ والجهاز العصبي ، وزراعة الأعضاء التناسلية وزراعة عضو استؤصل في حد أو قصاص ، ونحو ذلك ، ونحن نذكر هذه المسائل بإيجاز معتمدين بقدر الإمكان على الفتاوى والقرارات الجماعية الصادرة من الندوات والمجامع الفقهية .
وهذه المسألة تستوجب :
أولاً : بيان مصدر العضو المنقول :
هل هو من حيوان (حياً أو ميتاً ، طاهراً أو نجساً) .
أو من إنسان حي تبرع به
أو من إنسان ميت (بوصية أو بدون وصية) .
أو من الإنسان نفسه .
ثانياً : البحث عن الدواعي لهذا الأخذ والنقل والزرع ، وهي إما الضرورة ، كما في حالة الخوف من موت الشخص المنقول إليه وتلف عضو منه ، أو الحاجة ، إذا كان الأمر أقل من ذلك ، وقدر ذكرنا أن الحاجيات في التداوي تنزل منزلة الضرورة .
ثالثاً : نوعية هذا العضو ، هل هو ثنائي ؟ أو تناسلي ؟ أو غير ذلك ؟ .
إذن علينا أن نبحث عنها من خلال التركيز على مصدر العضو المنقول ، حيث نتناول من خلاله نوعية العضو هل ثنائي أو غيره ، وفيه أربعة فروع :
الفرع الأول : أن يكون مصدر العضو المنقول حيواناً :
وقد تطرق فقهاؤنا القدامى إلى هذا الموضوع في عدة مسائل منها ما يخص موضوعنا ، حيث قالوا : إن كان الحيوان طاهراً مثل الأنعام فهذا لا حرج في غرس أعضائه في جسم الإنسان ، وإن كان نجساً ففيه خلاف ، حيث أجازه بعضهم عند الحاجة مثل الشافعية بل إن الحنفية أجازوا الانتفاع في التداوي بجميع الحيوانات ما سوى الخنزير على تفصيل جاء في الفتاوى الهندية : (( قال محمد : لا بأس بالتداوي بالعظم إذا كان عظم شاة أو بقرة ، أو بعير ، أو فرس ، أو غيره من الدواب إلاّ عظم الخنزير …. فقد جوز التداوي بعظم ما سوى الخنزير … من الحيوانات مطلقاً من غير فصل ، بينما إذا كان الحيوان ذكياً أو ميتاً ، وبينما إذا كان العظم رطباً أو يابساً ) ثم قيده بما إذا كان الحيوان مذكى (أي مذبوحاً)) أما إذا كان ميتاً فإنما يجوز الانتفاع بعظمه إذا كان يابساً ، ولا يجوز الانتفاع إذا كان رطباً ، وأما عظم الكلب فيجوز التداوي به ، هكذا قال مشايخنا ، وقال الحسن بن زياد : لا يجوز التداوي به كذا في الذخيرة)[1] وجاء في المجموع : ( إذا انكسر عظمه فينبغي أن يجبره بعظم طاهر ، قال أصحابنا : ولا يجوز أن يجبره لينجس مع قدرته على طاهر يقوم مقامه ، فإن جبره بنجس نظر إن كان محتاجاً إلى الجبر ولم يجد طاهراً يقوم مقامه فهو معذور …. )[2] .
فعلى ضوء ذلك فإن زرع أعضاء الحيوان (وبالأخص الحيوان الطاهر) جائز ، وذلك لعموم الأدلة الدالة على مشروعية التداوي دون تخصيص مثل قول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( تداووا….) وأحاديث أخرى سبق ذكرها ، إضافة إلى أن التداوي بأعضاء الحيوان يعتبر كالتداوي بسائر المباحات[3] .
وأما الحيوان غير ظاهر فيجوز استعمال أعضائه إذا دعت إلى ذلك ضرورة ، أو حاجة ، ما عدا الخنزير الذي لا يجوز نقل أعضائه إلى الإنسان إلاّ للضرورة .
الفرع الثاني : نقل العضو من الإنسان نفسه إليه :
إذا كان نقل العضو ضرورياً مثل نقل الشريان العادي لعلاج شريان القلب أو الأوردة في حالات جراحات القلب والأوعية الدموية فإن ذلك جائز لتوقف حياته على ذلك .
وكذلك الحكم إذا كان النقل محتاجاً إليه وان لم يصل إلى درجة الضرورة الأصولية مثل نقل الجلد السليم المناسب من مكان إلى مكان آخر في حالة الحرق .
وهذه المسألة تدخل فيما ذكره فقهاؤنا القدامى من جواز قطع العضو وبتره لإنقاذ النفس ، ودفع الضرر عنها عند غلبة الظن بذلك فيكون نقل العضو لأجل انقاذ النفس بطريق أولى[4] .
الفرع الثالث : نقل العضو من إنسان حيّ إلى مثله :
ولهذ المسألة ثلاث حالات :
الحالة الأولى : أن يكون العضو المراد نقله من إنسان حي إلى آخر من الأعضاء الفردية مثل القلب ، والكبد ، والدماغ ، ونحوها ، فهذا لا يجوز لأنه يؤدي إلى هلاك محقق للإنسان المنقول منه ، وليس أحدهما أولى بالحياة في نظر الشرع من الآخر ، إضافة إلى أن الهلاك للمنقول منه محقق ، وثبوت الحياة للمنقول إليه مظنون ، فلا يقدم المظنون على المتيقن .
وقد دلت الأدلة من الكتاب والسنة على حرمة الغاء النفس في التهلكة ، منها قوله تعالى : (وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى ٱلتَّهْلُكَةِ)[5] وهذه الآية الكريمة وإن كانت قد فسرت بترك النفقة في سبيل الله ، لكنها تشمل عند المفسرين : عدم الأخذ بالأسباب .
ومنها قوله تعالى : (وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً)[6] حيث تدل على حرمة قتل نفسه ، وغيره[7] ، حيث استدل عمرو بن العاص (حينا احتلم في ليلة باردة شديدة البرد ، فصلى بأصحابه وهو جنب) استدل أمام الرسول صلى الله عليه وسلم حيث قال : فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك فذكرت قوله الله تعالى : (وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَنفُسَكُمْ….) فتيممت ثم صليت ، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئاً)[8] وقدر أورد ابن مردويه عند هذه الاية الكريمة مجموعة من الأحاديث التي تدل على شدة حرمة الانتحار[9] .
وعلى ضوء ذلك فإنه كذلك يحرم على الطبيب القيام بأي عملية لنقل عضو فردي لأي شخص ، وتطبق عليه أحكام القتل العمد أو الخطأ أو شبه الخطأ على تفصيل ليس هذا محل بحثه .
الحالة الثانية : أن يكون العضو ثنائياً كالعينين والكليتين والخصيتين ونحوها .
وهذا النوع يختلف حكمه الشرعي حسب التفصيل الآتي :
أ ـ أن يكون الشخص نفسه محتاجاً إلى العضوين مثل العينين ، والشفتين ، والاذنين ونحوها ، حيث يكون الإنسان بفقد واحدة منهما ناقصاً ، وحينئذٍ لا يجوز التبرع به مطلقاً ولا سيما أن الشخص الاخر لا تتوقف حياته على نقل مثل هذه الأعضاء فلم تتحقق ضرورة داعية إلى ذلك ، والأصل هو حرمة النقل .
ب ـ أن تكتفي حاجة الشخص المنقول منه بواحدة منهما مثل الكليتين ، حيث خلقهما الله تعالى على شكل يؤدي كل واحدة منهما دوراً كاملاً دون نقصان ، بل إن ربع طاقة كلية واحدة يغطي حاجة الشخص نفسه ـ كما يقول الخبراء ـ ففي هذه الحالة يجوز التبرع بواحدة منهما لإنقاذ شخص آخر ، وذلك لأن حياة الشخص المنقول منه لا تتأثر بهذا التبرع ، وأن حياة الشخص المنقول إليه تتوقف على ذلك فأصبحت ضرورة تدعو لإجازة ذلك ، وهذا اختلاف بين المعاصرين ، ولكن مجامع الفقه أجازت ذلك ـ كما سيأتي ـ.
ج ـ أن يكون العضو من الأعضاء التناسلية التي تنقل الصفات الوراثية مثل الخصيتين والمبيض ، فهذا غير جائز نقله بالاتفاق وكذلك العورات المغلظة ـ كما ورد فيه قرار رقم 57(8/6) من مجمع الفقه الإسلامي الدولي .
الحالة الثالثة : أن يكون العضو مما يمكن تعويضه خلال فترة دون أن يترك آثاراً سلبية على صاحبه ، وذلك مثل الدم ، والجلد ، حيث يجوز أخذهما بالاتفاق بين المعاصرين بشرط أخذ الاذن من صاحبه ، أو التبرع به أساساً .
الفرع الرابع : نقل عضو من الميت تماماً أو من الميت موتاً دماغياً :
وقد سبق الكلام في الموت الدماغي وتوصل مجمع الفقه الإسلامي الدولي ـ كما سبق ـ إلى أنه موت حقيقي ، وبالتالي فينطبق على من مات دماغه أنه ميت ، وحينئذٍ هل يجوز أخذ أجزائه الصالحة لزرعها في إنسان آخر محتاج إليه ، أو مضطر تتوقف حياته عليه مثل حالات الكلية ، والقلب ونحوها ؟
وقبل أن أرد على هذا السؤال نذكر الأعضاء الممكنة نقلها وغرسها حسب الطب الحديث إلى اليوم ، وهي :
القلب حيث نجحت العلميات منذ عام 1986
الكبد والبنكرياس لمرضى السكر
القرنية ، والكلية ، ونخاع العظام والأعضاء المزدوجة كالأذن .
زرع الجلد لأغراض عمليات التقويم أو التجميل ونحوهما .
وهناك أعضاء أخرى لم يستطع الطب الحديث زرعها إلى الآن ، وهي العمود الفقري ، والمخ ، والمثانة ، والمعدة ، والرحم[10] .
ومسألة نقل الأعضاء بصورة مطلقة (أي من حي أو ميت) مختلف فيها بين المعاصرين ، فقد عارضها فضيلة الشيخ الشعراوي بقوة[11] والشيخ مصطفى مكي[12] ، حيث ذكروا أنه لا يجوز الوصية أو التبرع أو الهبة أو أي تصرف آخر في الأعضاء لأنها ملك لخالقها ، ولا يملكها صاحبها .
ويمكن الرد على ذلك بأن خلق الله تعالى الذي لا يمكله الإنسان هو ورحه ، أما أعضاء الإنسان فله الحق في التصرف فيها حسب ضوابط الشرع إذ لم يرد دليل من كتاب أو سنة بحرمة ذلك فيبقى على أصل الإباحة حيث لا ضرر ولا ضرار[13] .
وأقوى أدلتهم في منع الاستفادة من أعضاء الإنسان الميت هو كرامة الإنسان حياً وميتاً ، حيث تدل الأدلة من الكتاب والسنة على حرمة الميت وأنه لا يجوز الاعتداء عليه ولا مسه بسوء ، وأن أخذ أعضاء منه اعتداء عليه ومثلة له ، وكيف والرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن المثلة حتى بالمقتولين الأعداء في ساحات الوغى حيث روى البخاري وغيرهم بسندهم أن : (النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المثلة) بعد ذلك ـ أي بعد وقعة عكل وعرينة ـ كان يحث على الصدقة وينى عن المثلة)[14] وروى مسلم بسنده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( … لا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليداً)[15] .
ووردت كذلك بعض احاديث في عدم جواز كسر عظم الميت أو أذاه ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( كسر عظم الميت ككسر عظم الحيّ)[16] وفي رواية ابن ماجه زيادة (في الاثم).
ويمكن الاجابة عن هذه الأحدايث بأنها محمولة على حالة القصد والاهانة والمثلة ، أما إذا كان الشخص قد أذن في حياته لأجل انقاذ شخص ، ثم يؤخذ منه هذا العضو بكل احترام ودون إهانة فلا يدخل في النهي ، إضافة إلى أن الضرورات تبيح المحظورات .
وهناك اعتراض آخر وهو أن ما يقطع من الحي فهو بمثابة الميت ، حيث ورد بذلك حديث : ( ما قطع من البهيمة وهي حية فهي ميتة)[17] .
والجواب عن ذلك ان الإنسان لا ينجس بالموت ، وهو الراجح الذي تدل عليه الأدلة المعتبرة مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( المسلم لا ينجس)[18] ، ولو سلم بذلك فإن الضرورة تدعو إلى ذلك كما سبق .
والخلاصة :
أن الذي يظهر لنا رجحانه هو أن الأصل في الانتفاع بأعضاء الإنسان حياً أو ميتاً هو الحظر والمنع حماية للإنسان وصوناً لكرامته وحفظاً له مما يؤدي إلى المثلة ، والتصرف في أعضائه كقطع الغار ، ولكن إذا دعت الضرورة ، أو الحاجة إلى ذلك فإن نقل الأعضاء جائز إذا لم يترتب على نقلها ضرر بالمنقول منه إذا كان حياً ، أو أن يتم ذلك بناءً على وصيته ، أو موافقة أهله إن كان ميتاً ، وأن لا يكون ذلك العضو من الأعضاء التناسلية أو العورات المغلظة ـ كما سبق ـ وأن يتم ذلك عن طريق التبرع وليس عن طريق البيع .
هذا وقد صدرت مجموعة من الفتاوى من دار الإفتاء المصرية حيث كانت أول فتوى ـ حسب علمناـ هي فتوى الشيخ محمد حسنين مخلوف مفتي مصر عام 1952 بجواز غرس قرنية العين من شخص ميت آخر ، ثم فتوى الشيخ مأمون في عام 1959 حول نفس الموضوع ، ثم فتوى الشيخ هريدي في عام 1966 بجواز غرس الأعضاء ، ثم فتوى الشيخ خاطر في عام 1973 بجواز غرس الأعضاء ، ثم فتوى الشخ جاد الحق في عام 1979 بجواز التبرع بالأعضاء من الأحياء والأموات[19] .
كما صدرت بذلك فتوى بجواز غرس الأعضاء من المجلس الجزائري الأعلى للفتوى عام 1972 ، ومن المجلس الأردني الأعلى للفتوى عام 1977 ، ومن هيئة كبار العلماء بالسعودية عام 1978 بشأن غرس قرنية العين ، وبغرس الأعضاء عام 1982 ، ومن لجنة الفتوى بوزارة الأوقاف الكويتية عام 1980 .
ثم قامت المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية بندوة فقهية طبية حول زراعة الأعضاء انتهت إلى التوصيات الآتية ، وهي : (بتوفيق الله وعنايته عقدت المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية بدولة الكويت بالاشتراك مع مجمع الفقه الإسلامي التابع لممنظمة المؤترم الإسلامي بجدة ـ الندوة الفقهية الطبية السادسة من سلسلة ندواتها حول ( الإسلام والمشكلات الطبية المعاصرة ) في الفترة ما بين 23-26 ربيع الأول 1410هـ والتي توافقها الفترة 23-26 اكتوبر 1989م وكان عنوان الندوة (زراعة الأعضاء) .
وخصصت هذه الندوة لمواضيع : زراعة خلايا المخ والجهاز العصبي ومدى الاستفادة من المولود اللادماغي والأجنة المجهضة ـ ونقل بعض الأجهزة التناسلية ، وتتميز هذه الندوة بأنها تأتي ثمرة يانعة للتعاون بين المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية والمجمع الفقهي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي وفقاً لميثاق التعاون الموقع منهما …
ودعي إلى الندوة حشد كريم من الفقهاء ، والعلماء ، والأطباء ، وقدمت أبحاث طبية وفقهية في موضوعات الندوة .
وقد توصلت الندوة للتوصيات الآتية :
زراعة خلايا المخ والجهاز العصبي :
عرضت الندوة لموضوع زراعة خلايا المخ والجهاز العصبي (ولا يقصد بذلك نقل مخ إنسان لإنسان آخر) والغرض من هذه الزراعة إما لعلاج قصور خلايا معينة في المخ عن إفراز مادتها الكيميائية أو الهرمونية بالقدر السوي فيستكمل هذا النقص بأن تودع في موطنها من المخ خلايا مثيلة من مصدر آخر أو لعبور فجوة في الجهاز العصبي نتيجة بعض الإصابات كما يستبدل بقطعة سلك تالف قطعة صالحة .. .
ـ والمصدر الأول للحصول على الأنسجة هو الغدة الكظرية للمريض نفسه وترى الندوة أنه ليس في ذلك من بأس شرعاً وفيه ميزة القبول المناعي ، لأن الخلايا من الجسم نفسه.
ـ والمصدر الثاني هو الحصول على الأنسجة من خلايا حية من مخ جنين باكر (في الأسبوع العاشر أو الحادي عشر) .
وهناك طرق للحصول على هذه الخلايا :
الطريقة الأولى :
أخذها من جنين حيواني وقد نجحت هذه الطريقة بين فصائل مختلفة من الحيوان ومن المأمول نجاحها باتخاذ الاحتياطات الطبية اللازمة لتفادي الرفض المناعي ـ وترى الندوة أنه لا مانع شرعاً من هذه الطريقة ان أمكن نجاحها .
الطريقة الثانية :
أخذها من الجنين الإنساني في بطن أمه بفتح الرحم جراحياً …. وتستتبع هذه الطريقة إماتة الجنين بمجرد أخذ الخلايا من مخه ، وترى الندوة حرمة ذلك شرعاً إلاّ إذا كان بعد إجهاض مشروع لإنقاذ حياة الأم ، وبالشروط التي ترد في موضوع الاستفادة من الأجنة .
الطريقة الثالثة :
وهي طريقة قد يحملها المستقبل القريب في طياته باستزراع خلايا المخ في مزارع أجيالاً بعد أجيال للإفادة منها ، وترى الندوة أنه لا بأس في ذلك شرعاً إذا كان المصدر للخلايا المستزرعة مشروعاً .. .
المولود اللادماغي :
طالما بقي حيا بحياة جذع مخه لا يجوز التعرض له بأخذ شيء من أعضائه إلى أن يتحقق موته بموت جذع دماغه ، ولا فرق بينه وبين غيره من الأسوياء في هذا الموضوع.
فإذا مات فإن الأخذ من أعضائه تراعى فيه الأحكام والشروط المعتبرة في نقل أعضاء الموتى من الاذن المعتبر وعدم وجود البديل وتحقق الضرورة ، وغيرها مما تضمنه القرار رقم (1) من قرارات مجمع الفقع الإسلامي في دورته الرابعة والذي جاء فيه :
أولاً : يجوز نقل العضو من مكان جسم الإنسان إلى مكان آخر من جسمه مع مراعة التأكد من ان النفع المتوقع من هذه العملية أرجح من الضرر المترتب عليهما وبشرط أن يكون ذلك لإيجاد عضو مفقود أو لإعادة عضو مفقود أو لإعادة شكله أو وظيفته المعهودة له ، أو لإصلاح عيب أو إزالة دمامة تسبب للشخص أذى نفسياً أو عضوياً .
ثانياً : يجوز نقل العضو من جسم إنسان إلى جسم إنسان آخر إن كان هذا العضو يتجدد تلقائياً ، كالدم والجلد ويراعى في ذلك اشتراط كون الباذل كامل الأهلية وتحقق الشروط الشرعية المعتبرة .
ثالثاً : تجوز الاستفادة من جزء من العضو الذي استؤصل من الجسم لعلة مرضية لشخص آخر كأخذ قرنية العين لإنسان ما عند استئصال العين لعلة مرضية .
رابعاً : يحرم نقل عضو تتوقف عليه الحياة كالقلب من إنسان حي إلى إنسان آخر .
خامساً : يحرم نقل عضو من إنسان حي يعطل زواله وظيفة أساسية في حياته وإن لم تتوقف سلامة أصل الحياة عليها كنقل قرنية العينين كلتيهما ، أما ان كان النقل يعطل جزءاً من وظيفة أساسية فهو محل بحث ونظر كما يأتي في الفقرة الثامنة .
سادساً : يجوز نقل عضو من ميت إلى حي تتوقف حياته على ذلك العضو أو تتوقف سلامة وطيفة أساسية فيه على ذلك بشرط أن يأذن الميت او ورثته بعد موته أو بشرط موافقة ولي المسلمين ان كان المتوفى مجهول الهوية أو لا ورثة له .
سابعاً : وينبغي ملاحظة أن الاتفاق على نقل العضو في الحالات التي تم بيانها ، مشروط بأن لا يتم ذلك بوساطة بيع العضو ، إذ لا يجوز إخضاع أعضاء الإنسان للبيع بحال ما.
أما بذل المال من المستفيد ـ ابتغاء الحصول على العضو المطلوب عند الضرورة أو مكافأة وتكريماً ، فمحل اجتهاد ونظر .
ثامناً : كل ما عدا الحالات والصور المذكورة ، مما يدخل في أصل الموضوع فهو محل بحث ونظر ويجب طرحه للدراسة والبحث في دورة قادمة على ضوء المعطيات الطبية والأحكام الشرعية .
ولا ترى الندوة ما يمنع من ابقاء هذا المولود اللادماغي على أجهزة الإنعاش إلى ما بعد موت جذع المخ (والذي يمكن تشخيصه) للمحافظة على حيوية الأعضاء الصالحة للنقل توطئة للاستفادة منها بنقلها إلى غيره بالشروط المذكورة أعلاه.. .