بسم الله الرحمن الرحيم
مؤتمر :
التمويل الإسلامي ، والأزمة المالية – جامعة الكويت – كلية الشريعة
28 ربيع الأول 1430هـ الموافق 25 مارس 2009
كلمة الضيوف ألقاها الأستاذ الدكتور علي محيى الدين القره داغي
الحمد لله رب العالمين الذي بنعمته تتم الصالحات، وبفضله تنزل الخيرات والبركات، وبتوفيقه نصل الى المقاصد والغايات، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للكائنات
ومما زادني شــرفاً وتيهاً وكدت بأخمصي أطأ الثريا
دخولي تحت قولك يا عبادي وأن صيّرت أحمد لي نبياً
وعلى آله الأطهار أولي الفضل والكرامات، واصحابه الذين نالوا بشرف صحبتهم أعلى المقامات، والتابعين لهم بإحسان الى يوم الدين.
وبعد،،
فيشرفني حقاً ويسعدني صدقاً أن امثل اصحاب الفضيلة والسماحة والسعادة، الضيوف الكرام لأعبر اصالة عن نفسي ونيابة عنهم عن شكرنا الجزيل، وثنائنا العاطر لكلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة الكويت عميداً وإدارة وأعضاء هيئة التدريس على إقامة هذه الندوة ، وعلى حسن الاستقبال والحفاوة البالغة، والتنظيم الجيد، داعين الله تعالى أن يبارك في جهودهم ويجزيهم عنا خير الجزاء، كما لا يسعنا ونحن قد حطت ركابنا في هذا البلد الطيب، كويت الخير إلا أن نتقدم بالشكر الجزيل والدعاء الخالص للكويت أميراً وحكومة وشعباً على الدعم المتواصل للعلم والعلماء ولمراكز العلم والجامعات، ولله در الشاعر إذ يقول:
شكرت جميل صنعكم بدمعي ودمع العين مقياس الشعور
أيها الإخوة والأخوات
إننا قد جمعنا اليوم العلم وهو صلة ورحم بين أهله كما قال الشاعر:
إن نختلف نسباً يؤلف بيننا أدب أقـمـناه مـقـام الوالـد
أو يفترق منا الوصــال فوردنا عذب تحدر عن إناء واحد
فالعلم بعد الايمان هو مفتاح الحضارة والتقدم والرقي به تحل المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وغيرها، وهو مع العقيدة الصحيحة والاخلاق والقيم السامية سبيل الانقاذ والنجاة وطريق الخير والسعادة ووسيلة الافادة من الارض والكون كلها ، فبه يتم التعمير والتسخير لكل الطاقات الكامنة داخل الإنسان والكون ، ولذلك كان أول شيء أعطاه الله تعالى لأبينا ادم هو العلم (وعلم ادم الاسماء كلها) سورة البقرة / الآية 31 وأن بنجاحه في العلم استحق سجدة الملائكة له ، وفي ذلك إيذان بان الكون كله خاضع له ، ولأنه إذا كان الملائكة وهم أشرف المخلوقات قد أمرهم الله تعالى بالسجود لآدم بسبب العلم فيكون من طريق أولى إخضاع الكون له ما دام معه هذا المفتاح العظيم ، وبذلك يتحقق المقصد الأعظم وهو تحقيق الخلافة ( إني جاعل في الأرض خليفة ) سورة البقرة / الآية 31 ، وتحقيق التعمير ( هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها ) سورة هود / الآية .
وإذا كانت الأمة الإسلامية هي الأمة الموعودة بهذه الخلافة والوراثة للتمكين من الأرض كلها ( وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ) الأنبياء / الاية105 لذلك كانت أول سورة من القرآن الكريم تنزل لتقول بل تأمر أمراً مطلقاً لازماً ولازباً : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الإنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الإنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ) سورة العلق / الآية 1-5 حيث ربطت هذه الآيات ، أو السورة نفسها بين آخر الأنبياء عليهم السلام ، وخاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم الذي أوكل إليه تحقيق هذه المهمة ، وبين أول الأنبياء الذي خلقه الله تعالى لليكون خليفة ومعمراً على ضوء منهج الله تعالى القائم على الضوابط الآتية :
1- ان تكون القراءة مطلقة عامة شاملة للكتاب المسطور والكون المفتوح وحقائق الإنسان ودقائقه وبهذا تغيرت منهجية القراءة المأمورة في الإسلام عن المناهج السابقة واللاحقة التي كانت تعتمد إما على قراءة الكتب الدينية فقط أو على قراءة الكتب المسطورة فحسب ، وإما على قراءة الكتب العلمية والكون فقط ، أو الإنسان فقط .
2- وان تكون هذه القراءة باسم الرب الخالق المربي الذي يفهم منه منتهى معاني الرفق والأدب والخلق، ومن هنا تعانقت العلوم بالعقيدة ، وامتزجت الأخلاق بالعلوم ، وتناغمت القيم السامية مع المعارف طردياً بتواصل فرط الشوق للوصول إلى الحقائق الهامة ، وتتاسبق الهمم للاندفاع نحو تحقيق الرحمة والخير والعطاء فيضاً غدقاً تحقيقاً لغاية الرسالة المحمدية ( وما أرسلناك إلاّ رحمة للعالمية ) سورة الأنبياء / الآية 107 بعد التكليف السابق ( أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ) الأنبياء / الاية105 أو تحقق مفهوم العبودية لله تعالى بكونهم مرتبطين بربهم الذي خلقهم وأكرمهم ، وانهم صالحون للتعمير من خلال العلم والعدل والتطبيق .
أيها الاخوة والأخوات
إن العالم اليوم على طرفي نقيض فإما علم دون عقيدة وأخلاق ودون ربطه بالعقيدة والقيم السامية ، وإما جهل وضعف دون الوصول الى التمكن من الارض واستخراج أثقالها من خلال الابداع ، ومع الأسف الشديد فإنن عالمنا الاسلامي من الصنف الثاني ، أي الجهل ، ولا أقصد بالجهل بالقراءة والكتابة فحسب ، وحتى هذا الجهل موجود بنسبة كبيرة فمعظم ( أمة اقرأ لا تقرأ ولا تكتب ) وإنما الجهل بالكون والإنسان ، وأما العالم الغربي أو العالم المتقدم فمع الأسف الشديد أيضاً من الصنف الأول الذي لم يربط العلم بالعقيدة الصحيحة ، والأخلاق السامية ، فكانت الأزمات بعد الأزمات مثل كوارث البيئة ، والأوزون ، ثم الكارثة الأخيرة : والأزمة المالية الأخيرة ، ولله در الشاعر عمر بهاء الدين الأميري إذ يقول :
حضــارة الغرب تستـوفي نهايتنا في الشــرق والغرب من قانونها الوبق ِ
حضــارة الكدح للتضييع تطـحننا تـريق ذاتية الإنـــــسان في خُرق ِ
حضــارة الرجل البيضــاء جلدته في الشرق والغرب قد أوقت على الرمق ِ
يا ليتها خلصت بيضاء ناصعة اللباب لــكـنهــا قـشـر مـن البـهـق ِ
يا ابن الهدى، يا فتى القرآن دعــك مـن الأوهــام جـلجل أمر الله أن أفق ِ
أنـت الخليـف لما أتـتـه من أكلٍ دعك أتت الـطـهور على أدرانها اندفق ِ
ومن هنا جاءت الندوة في مكانها المناسب ووقتها المناسب لتتحدث عن التمويل الاسلامي والازمة المالية وتخصص جزءً اساسياً منها للقيم والاخلاق في التمويل، حيث اثبتت الدراسات والتجارب ونطق الخبراء والساسة أن هذه الازمة ناجمة عن أزمة الأخلاق وأنها أزمة أخلاقية، لذلك كان الاندفاع نحو الاقتصاد الاسلامي من أعلى المستويات السياسية والدينية فقد صرح بذلك بوتين وغيره بذلك ، ونادت وزيرة الاقتصاد الفرنسي بضرورة اقتصاد قائم لا على الميسر ولا الغرر ، وقال وزير الخزانة البريطانية : لا منجى ولا ملجأ إلاّ إلى الصكوك الإسلامية ناهيك عن تصريحات الخبراء ورؤساء التحرير ، وأخيراً تصريحات الفاتيكان في مجلة محسوبة عليها .
ولذلك تقع علينا اليوم مسؤولية كبيرة ، وهي تقديم هذه الرحمة الإسلامية للعالمين ، وهذا الشفاء للناس أجمعين ، وليس ذلك بعزيز ، لذلك اقترحت وأقترح عقد مؤتمر دولي لكيفية العرض الجيد للاقتصاد الإسلامي ، والتوصيل الممتاز ، وندوتنا هذا بشارة بسلسلة من التدرج الأحمد للوصول إلى التوفيق المسدد بإذن الله تعالى .
أكرر شكري باسم الضيوف لكم جميعاً ودمتم في رعاية الله وعنايته ووفقكم الله تعالى في هذه الندوة وفي غيرها إلى ما هو الأحسن عملاً والأفضل تخطيطاً ، والأجدى منفعة .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أ.د. علي محيى الدين القره داغي