بسم الله الرحمن الرحيم
ايها الاخوة المؤمنون
إن نعم الله سبحانه وتعالى للانسان لا تعد ولا تحصى، ومن أعظم هذه النعم وأكثرها أهمية، نعمة لا يقدر معظم الناس قيمتها، الا حينما تضيع أو تذهب، وهذه النعمة العظمى هي نعمة الوقت، هذا الوقت الذي نعيشه، وهو عمرك في حقيقته، فما الانسان الا ذلك الوقت، وما الحياة الا تلك الاوقات، من يوم ولادتك الى يوم مماتك، كما قال بعض السلف ما أنت الا كتلة من الوقت فإذا ذهب بعضها انتقصت بعضها واصبحت في انتظار أن تنتهي البقية.
فالوقت ليس أغلى من الذهب فقط وإنما هو الحياة بكل ما تعني هذه الكلمة، والحياة لا تقدر بثمن، ولا تقدر بذهب ولا بما هو أكثر منه قيمة.
وبين الله سبحنه وتعالى أهمية الوقت، ولهذه الأهمية أقسم الله سبحانه وتعالى بالوقت كله، وبأنواع الوقت كلها، فأقسم بالعصر وأقسم بالضحى والفجر والليل، وفي حالات كثيرة جداً،و لِتحوّل الليل والضحى وبغير ذلك من أنواع الوقت، حتى يشعرنا ذلك بأهمية الوقت وأهمية الزمان، وأن الله سبحانه وتعالى يسألنا عن ذلك كما ورد ذلك في الايات القرانية الكريمة حيث يقول الله سبحانه وتعالى (ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ)، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث صحيح ثابت ” لا تَزُولُ قَدَمَا الْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعٍ : عَنْ عُمْرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ , وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَا أَبْلاهُ , وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَا أَنْفَقَهُ , وَعَنْ عِلْمِهِ مَاذَا عَمِلَ فِيهِ “، سؤال عام حينما تقف بين يدي الله سبحانه وتعالى، يسألك عن تقرير مجمل شبه تفصيلي عن حياتك، من يوم ما بلغت الى يوم أن متت، ما الذي فعلت؟ ثم بعد ذلك يعاد السؤال مرة أخرى لأهمية فترة من الزمن (وعن شبابه فيما أبلاه) هذا الوقت العظيم وهو وقت الشباب الذي هو من أعظم الأوقات، وقت القوة ووقت النشاط وقت الحماس والحركة وقت الابداع والتمكين والتعلم والاستثمار.
ولذلك ورد في حديث صحيح آخر يقول فيه الرسول صلى الله عليه وسلم (إغتنم خمسا قبل خمس : حياتك قبل موتك) لا تضيع دقيقة واحدة، ولا ثانية واحدة من حياتك، لأنك حينما تموت وعندما يأتيك ملك الموت ما من عبد الا وهو يطلب العودة الى الدنيا، إن كان صالحا يقول يا ربي أمهلني حتى أزداد من الاعمال الصالحات، وإن كان سيئاً يطلب من الله سبحانه وتعالى أن يعيده الى الحياة حتى يعمل عملا صالحا ليغفر الله سبحانه وتعالى له. وهذا الذي يجري في نفس الانسان عند الموت وكذلك تحدث هذه الحالة عندما يجيى الانسان في قبره او في اي مكان آخر بعد موته فيحي حياة برزخية، فأول ما يحيى ويحس والملك يسأله فيطلب من ربه قبل أن تسأله الملائكة بأن يرده الله سبحانه وتعالى الى الحياة الدنيا، اما في المرة الثالة وهذه المرة لأهل النار، حينها يطلبون من خازن النار أن يعيدهم الى الدنيا حتى يعملوا الأعمال الصالحات، ولكن لا ينفع هذا الطلب لا عند الموت لأن الأجل محدد بالزمن والثانية وأقل من الثانية، ولا كذلك بعد الموت فليس هناك عودة الى الدنيا مرة أخرى، وكذلك بالنسبة لأهل النار فلن يعودوا ابدا الى الدنيا لأن هذه سنة الله سبحانه وتعالى، أعطى الله سبحانه وتعالى الفرصة الكاملة والزمن الكامل للانسان في هذه الحياة الدنيا سواء كان هذا العمر طويلا أم قصيرا أم متوسطا.
أولى الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم عناية قصوى باستثمار هذه الاوقات، وقد قرأت كثيرا عن استثمار الوقت، وهناك آلا ف الكتب عن هذا الموضوع، ولكنني لم أجد كتابا يوضح لنا حقيقة الوقت والخطة الاستراتيجة لاستثمار الوقت مثل القران الكريم، غير أن الله سبحانه وتعالى أراد لهذه الامة أن يبتلي بهذا الوقت، بينما بقية الأمم ولاسيما الامة الغربية قد استفادت بعد ضياع طويل من الحروب والمشاكل والانشغال، فاهتدت الى أنها لا بد ان تعود الى الوسائل التي تحقق السعادة لهم في دنياهم، فقاموا بتربية الاجيال تربية قوية صامدة وحازمة وحاسمة حول مسائل إحترام الوقت وحول احترام العمل وحول احترام الابداع، فبذلك استطاعت هذه الامم الاوروبية خلال أقل من مئة سنة أن تنهض هذه النهضة الكبرى، ولحقت بهم بعض الدول الاسيوية مثل اليابان وكوريا الجنوبية والصين، فاستفادوا من الوقت للابداع والاستثمار فوصلوا الى ماوصلوا اليه، وكل هذه الدول ولا سيما الدول الآسيوية المتقدمة ليس لديهم لا البترول ولا المعادن سوى استثمار العقل والوقت.
وانظر الى رجل واحد مثل بيل غيتس الذي انشأ مايكروسوف كيف استطاع ان يكسب ميزانية بعادل ميزانية الدول الافريقية ما عدا الدول العربية و جنوب افريقيا، وكذلك ستيفن الذي هو من والد مسلم سوري، وضيعه والده وتركه لتتبناه امرأة مسيحية، وأنشأ الأبل، واستثماراته الان اكثر من 60 مليار دولار خلال اعوام قليلة جدا.
كل ذلك دليل على أهمية الوقت واستثمار الوقت، ولكن تزداد في أمتنا الفقر والبطالة والتضخم رغم وجود البترول وكل هذه المعادن والثروات والخيرات، ولكننا لا نستثمر الوقت ونضيع الوقت بالجملة، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم : (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ)
ويجب أن تنتبه أمتنا الاسلامية اليوم في ظل هذه الثورات الى سنن الله التي لا ترحم ولابد أن تطبق ولا يمكن أن نتقدم بمجرد وجودنا في المساجد فقط ،ولابد أن نكون في المساجد لينصلح حالنا حتى نبدع وحتى نكون قادرين، ثم بعد ذلك نستثمر كل أوقاتنا في خدمة الامة، ولم يجعل الله اوقاتا لعبادات الفريضة الا اوقاتا بسيطة، ففي اليوم خمس صلوات لا يتعدي ساعة واحدة و23 ساعة الاخرى لتعمير الكون وهي العبادة الثانية التي كلفنا الله بها .
القران الكريم وضع لنا خطة وخيرنا بين الاختيارات وقال (مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ) ثم قال (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) فبين لنا بأن الاسلام يريد من الامة الاسلامية أن يكون له حسنة الدنيا والآخرة، اذا الخطة الاستراتيجية التي تضعها الامة الاسلامة ويضعها الفرد أن يحقق السعادة الدنيا والسعادة الآخرة، فيجب أن نبذل كل جهودنا لنكون مثل الامم الغربية وأحسن منها في الحياة الدنيوية في الرفاهية والخيرات والحسنات وفي التقدم المادي والصناعي والتقني، وفي نفس الوقت نبذل كل جهودنا لأن تكون لنا حسنة الآخرة كما قال سيدنا علي “اعمل لدنياك كأنك تعيش ابدا واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا” هذه هي الخطة المطلوبة للانسان المسلم أن يعمل لدنيا وأن يعمل لآخرته بهذا الصلاح وبهذه التقوى.
ثم بين الله سبحانه وتعالى في القران الكريم منطلقات الخطة، وبين بأن هذا مطلوب وهناك فوائد كثيرة للوقت، واذا لم توضع لها خطة فسوف تضيع، كما أن لديك مالا إذا لم تقم بإستثمار المال فتأكله الصدقة والنفقة، وربما يأخذها السراق وغير ذلك، لذا الخطة مطلوبة، وأن من سنن الله أن الوقت لايعود ومن هنا أدرك ” اغتنم خمسا قبل خمس شبابك قبل هرمك وصحتك قبل سقمك وغناءك قبل فقرك وفراغك قبل شغلك وحياتك قبل موتك “، وأن تستشعر بأنك في صراع دائم ليس لديك الوقت، كم اعجبني من رجل مسلم عاش في الغرب، وتربى هناك على التربية على الوقت، وقد اصيب بمرض السرطان، وزرته في بيته وهو أخ عزيز، وقال لي يا فلان لك ربع الساعة فقط لزيارتي، لأن الاطباء قالوا لي أنك لا تعيش أكثر من ستة أشهر، لذلك قسمت هذا الوقت على تربية أولادي والدراسة وحفظ القران . وشاء الله أن يعيش وبارك الله في عمره، ولكنه مشى على نفس المنهج، واستطاع ان يعطي بعض الابتكارات في الشركات الخاصة بقناني بيبسي وله 15 ابتكارا خلال فترة وجيزة جدا.
وبين الله سبحانه وتعالى بأنك مسؤول عن هذا الوقت، وبين ايضا كيفية ادارة هذا الوقت من خلال فقه الاولويات، ولذلك جعل لنا الله سبحانه وتعالى الفرائض وسننا، ولم يجعل الاشياء على حد واحد، ولهم وقت محدد، وهناك فرائض ليس بعدها سنة لأن هذا وقت للعمل مثل صلاة العصر .
فكل ما أطلبه منكم أن تضعوا خطة لإدارة وقتكم ووقت أولادكم، ولاسيما نحن في فترة الصيف، فترة ضياع الاولاد إن لم ندركهم، وفترة ضياع أوقاتهم الجميلة الثمينة إن لم تستثمر، لأنكم تسألون عن اوقاتكم وأوقات أولادكم كما في الاية (قوا أنفسكم وأهليكم نارا) فلكل واحد منكم مسؤولية فردية ومسؤولية جماعية والامة لا تنهض الا بالافراد، فإذا كان الأفراد ناجحين فالامة ناجحة، ولذلك المسؤولية كبيرة أمامنا ومسؤوليتنا أكبر من غير المسلمين، لأنهم يعملون من أجل الدنيا فقط، ولكننا نعمل من أجل دنيانا وآخرتنا بل نربط عملنا الدنيوي بآخرتنا ومن يزرع في الدنيا يحصد زرعه في الآخرة.
الخطبة الثانية
إن إهتمامنا نحن جميعاً بهذه الثورات ليست إلا لأجل الأمل الحقيقي بأن هذه الثورات تحقق الخير لأمتنا الاسلامية، لأنه الأمة المكبوتة، والامة التي يتحكم في رقابها الظلمة والمستبدون لا يمكن أن تبدع ولا يمكن أن تنتج، وإنما كما قال القران الكريم في سورة النحل (وَهُوَ كَلٌّ عَلَىٰ مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ)، لأن العبد للآخر والمقيد بإلاغلال والاستبداد والدكتاتورية لا يفكر الا بأن يحمي نفسه، ولا يفكر الا بما يرضي هذا الظالم الطاغي حتى لا يعتدى عليه، ولا يفكر في الغالب ألا بالوسيلة للحصول على المال من هؤلاء المستبدين والظلمة.
فأملنا بالله أن تعود هذه الأمة، ولكن هذه الثورات هي بداية الطريق، والثورات تعطيك الحرية ولكن الأمة بعد ذلك يجب أن تعمل ويجب أن تخطط ويجب أن تأخذ بسنن الله تعالى في النصر .
والجانب الآخر الذي يوجب العناية به هو الجانب الاسلامي الأخوي وقد شبهنا الرسول بالجسد الواحد، فعندما نحس بما يمر به اخواننا في مصر وندعو لهم ونتضرع من الله ان يوفقهم فأنت مأجور على ذلك، لأنك تحقق اوامر الله سبحانه وتعالى وتنفذ أوامره الذي امرك بأن تكون أخا لأخيك، وتحس بألامه وآلامه، فدعائنا الدائم والمستمر أن يوفق الله الدول التي انتصرت فيه هذه الثورات مثل مصر وتونس واليمن وكما ندعو الله سبحانه وتعالى لإخواننا في ليبيا أن يوفقهم الله لإنتخاب مجموعة مخلصة متخصصة قادرة على وضع دستور يعبر عن هوية هذه الأمة وهي الاسلام، ولا يجوز لأمة اسلامية مهما كانت أن تقبل باي هوية إلا الاسلامية (ورضيت لكم الاسلام دينا)، فالله رضي لنا ولا يمكن لمسلم أن يرضى الا بهذه الهوية، وهذه الهوية خير وبركة ورحمة ليس للمسلمين فقط وإنما ايضا لغير المسلمين، ولكن وسائل الاعلام المعادي في الداخل والخارج جعل الاسلام كأنه شبح وخوفوهم من الاسلام ليس للغربيين وانما للداخل اكثر، فما تفعله وسائل الاعلام العلمانية البغيضة الموالية التي من بقايا الفلول ما لا تستطيع أن تفعله وسائل الاعلام الصهيونية أو الامريكية لأنه من داخلنا، ويجب أن نبقى حذرين وداعين أن يوفق أخواننا في هذه المسيرة .
ولا زلنا نرى جريمة العصر وما حدث ويحدث في سوريا لا يمكن أن يوصف الا بجرية العصر كله إذا كان لليهود هولوكوست واحد في المانيا، فإن كل يوم في سوريا محرقة حقيقية.
وكان للاتحاد العلمي لعلماء المسلمين مؤتمر في اسطنبول وحضره عدد كبير من العلماء والسياسيين وابطال الجيش الحر وبقية الفصائل وحضره عدد كبير من العلماء وقادة الحركات الاسلامية والذي سمعناه في هذا المؤتمر منهم، يندى له جبين الانسانية ويشيب لها الرأس وتهتز لها القلوب وتلين لها الجلود، فلا يمكن للانسان أن يصبر أمام ما يحدث من خلا ما عرضوه لنا من صور التي لا يمكن أن يتصور أن يفعلها لا وحش ولا اسد وأي حيوان من الحيوانات، أما هؤلاء الشبيحة فيعملونا من باب الشهوة والانتقام.
وقد نتج من المؤتمر تشكيل هيئة من العلماء ليكونوا بمثابة المرجعية للمجلس الوطني السوري لدعمهم وهذا هو الطريق الصحيح، لأن صلاح الدين الايوبي نجح وحوله علماء وكان يقول:” لم ينصر الله صلاح الدين بما فعله في الحطين وانما نصره بهؤلاء العلماء” وكان يسند النصر الى العلماء لا الى نفسه.
والأمر الاخر تم تشكيل هيئة لمقابلة مسؤولين على مستوى العالم حتى نخبرهم بما يحدث ونطلب منهم أن يفعلوا بما يقتضيه المصلحة بالاضافة الى حملة فضائية لأغاثة المحتاجين واللاجئين .
وهذا واجبنا أيها الاخوة، ويجب على العلماء ان يكونوا في المقام الاول، وأن يقفوا كما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقف موقف القدوة والسبق، قدوة معنوية وفعلية، كما قال سيدنا علي رضي الله عنه: باننا كنا نحتمي بالرسول صلى اله عليه وسلم اذا حمي الوطيس. فلا يمكن للعالِم أن يكون عالماً وهو قاعد في برج عاجي وهو يصدر الفتاوى، فلابد أن يكون العالِم مع شعبه، يعيش مع شعبه، ويستشهد مع شعبه، وقد سيمنا هذه الجمعة بجمعة النصرة وطلبنا من جميع العلماء المسلمين اليوم ان يتضرعوا الى الله وأن يقرئوا القنوت والدعاء في السجود لنصرة إخواننا المظلومين المضطهدين في سوريا ونحن نشاركهم في هذا، ولعل الله أن ينصرهم قبل رمضان أو في رمضان حتى يكون عيدنا أعيادا بإذن الله سبحانه وتعالى .