الدوحة- الشرق
كتاب “إستراتيجية التنمية الشاملة والسياسات الاقتصادية النقدية والمالية في ظل الربيع العربي ، يخص به فضيلة الشيخ د. علي محي الدين القره داغي الشرق في رمضان من هذا العام ليكون عونا لكل شعوب الأمة العربية والإسلامية في مسارها ونهضتها وإنقاذ البشرية مما يعتريها من ظلم وفقر وحرمان، إذ يقدم الكتاب عبر الفصول المختارة التي ننشرها تباعا استراتيجية التنمية الشاملة والسياسات الاقتصادية (النقدية والمالية) في ظل الربيع العربي وهي دراسة فقهية اقتصادية، ومحاولة لبديل إسلامي، مع حلول طارئة.. يكمل فضيلته الحديث عن أسباب الفقر:
أسباب خارجية، مثل:
1) الحروب الداخلية والخارجية، والاضطرابات والفوضى الداخلية، وعدم الاستقرار والأمن
فهذا السبب هو من أهم الأسباب الظاهرية، وهو الواقع والمشاهد فى عالمنا الاسلامي، وفى العالم الثالث، فلننظر كم صرف على الحروب التى وقعت بين العراق وايران، ثم احتلال الكويت، ثم حرب تحرير الكويت، ثم احتلال العراق، فبدون شك يزيد على تريليون، ولو صرف على التنمية، وعلى القضاء على الفقر لتم كل ذلك، ناهيك عن حدوث 400 حرب داخل العالم الثالث خلال السنوات الستين الأخيرة.
2) الاستعمار والاحتلال والاستغلال، حيث بدأ الاستعمار الغربى منذ عدة قرون وظل جاثماً على صدور عالمنا الاسلامي، ينهب ثرواته، ويستغل خيراته لصالح بلادهم، وفى سبيل بقائه يطبق قاعدته (فرّق تسد) واشعال نار الفتنة بين الشعوب الاسلامية، ثم داخل الشعب الواحد، كما رأينا عندما دعمت الثورة العربية الكبرى ضد السلطة العثمانية حتى سقطت، ثم مزق العالم العربي، والعالم التركى العالم الكوردي، ثم غرس داخل العالم الاسلامى والعربى دولة الصهاينة، فتسببت فى عدة حروب، وانشغل العالم العربى والاسلامى بهذه القضية وحق له أن ينشغل بها ولكن توقفت التنمية، وصرفت مئات المليارات لو أنفقت على التنمية لكان وضعه اليوم متطوراً.
3) الظلم بجميع أنواعه، وبخاصة الاعتداء على الأموال والحقوق، والنصب والاحتيال لأخذ أموال محدودى الدخل.
4) الفساد الاداري، والمالي، والاقتصادي، والسياسى الذى قضى على الأخضر واليابس.
5) الكوارث الطبيعية، وما يترتب عليها من تدمير للبنية التحتية، وللزراعة، والصناعة، مثل تسونامى أندونيسيا، والزلازل التى وقعت فى عالمنا الاسلامي، وكذلك الأوبئة والأمراض العامة التى أعاقت التنمية الاقتصادية كما سبق شرحها.
6) وجود حكومات ظالمة فى معظم العالم الثالث، وعدم وجود الحكومة الشورية التى تحب شعبها، وهم يحبونها، بحيث تعمل لأجل الشعب ومصالحه، وليس لأجل نفسها، ومصالحها فقط، فتبحث باخلاص وجدّ ومثابرة وتفان للنهوض بشعبها، ولتحقيق التنمية الشاملة والتعمير، والتقدم والحضارة، وتجمع بين القديم الصالح، والجديد النافع، وتأخذ بكل الأساليب الحديثة التى تعود بالنفع على شعبها، وتستعين فى كل ذلك بأهل الاخلاص والاختصاص والخبرة والقوة والأمانة وتستشيرهم وتلتزم بآرائهم… ولعدم وجود هذه المواصفات فى معظم الحكومات فى العالم الثالث يوجد التأخر بدل التقدم، والهدم بل البنيان، والتخلف بدل التعلم والتحضر.
7) عدم استغلال الموارد أو سوء استخدامها، مع عدم العدالة فى توزيع الدخل، وفى اعادة التوزيع، وعدم تحقيق التكافل المطلوب اسلامياً.
8) عدم الاعتماد على فقه الأولويات، والبدء بالأهم فالأهم مع الموازنة.
9) الزيادة غير المدروسة للنمو الذاتى السكانى دون الرعاية المطلوبة تربوياً، وصحياً، وتعليمياً، ونحو ذلك.
منهج الاسلام فى حل مشكلة الفقر (بايجاز ):
تتسم الحلول الاسلامية بالنظرة الشمولية ومحاولة القضاء على أسبابها من جذورها، ولذلك نستطيع القول بأن الحل الاسلامى يأخذ ثلاثة أبعاد:
• البعد العقدى والفكرى (الأيديولوجى ).
• البعد الذاتى الداخلى (كيان الفقير نفسه )
• البعد الخارجى (المتمثل بما على غير الفقراء للقضاء على الفقر).
البعد الأول البعد الأيديولوجي:
ونقصد به البعد العقدى والفكرى للاسلام نفسه حول الفقر، وهذا يظهر فيما يأتي:
1 — ان الفقر من حيث هو ليس نعمة، وانما هو ابتلاء يجب الصبر عليه وأنه داء يحتاج الى دواء، ومرض يحتاج الى شفاء، ولذلك كان يستعيذ منه الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنه مشكلة جاء الاسلام لحلها، ولكن ان ابتلى به مسلم يوجهه الاسلام للصبر، فيتحول من النقمة الى النعمة من حيث الأجر والثواب، أما الغنى فهو نعمة من حيث هو يستحق الشكر ولذلك كان النبى صلى الله عليه وسلم يطلبه، ولكن اذا لم يؤد صاحبه حقوقه فيتحول من نعمة الى نقمة من حيث آثاره ونتائجه، وعلى هذا أدلة الشرع الكثيرة.
هذه النظرة الخاصة المتوازنة يمتاز بها الاسلام، لا تجدها لدى أى نظام، أو دين وصل الينا، ولها دورها العقدى والفكرى والثقافى لتشكيل عقلية المسلم، وتفاعلها، وتفعيلها لحركة الحياة، وبالتالى فيكون لها دورها فى حل المشكلة، لأن المسلم مؤمن بانه جاء لتعمير الكون ولم يأت لمجرد أداء الشعائر التعبدية فحسب، وحينئذ يسعى لتحقيق رسالة التعمير والدنيا كأنه يعيش أبداً، كما أنه يسعى للآخرة كأنه يعيش الآن، فشعار المسلم الذى أرشده القرآن الكريم فقال تعالى: (رَبَّنَا آتِنَا فِى الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِى الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) وقال تعالى: (وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ اِلَيْكَ) وأن الوقاية من النار بالانفاق ولو بشق تمرة.
ان الغاية من انزال القرآن تحقيق الخير بمعناه الشامل جداً للانسان: (وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ خَيْرًا) وأن الهدف من ارسال محمد صلى الله عليه وسلم هو تحقيق الرحمة والعدل فقال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ اِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ).
فهذه العقلية المسلمة التى تؤمن بأن الفقر مشكلة يجب حلها مع الصبر والقناعة فى حالة وجوده لا يمكن أن تخدر بالكسل والقعود بحجة القضاء والقدر، بل تعمل ليلاً ونهاراً لتحقيق الغنى وافادة الناس مع نفس صابرة راضية غير جشعة ولا طامعة فى أموال الغير، ولا حاسدة.
2 — ان عقيدة المسلم تقوم على أن الموارد التى خلقها الله تعالى فى الأرض تكفى للبشر، ولكن سوء الاستغلال والانتاج وسوء التوزيع، والظلم بمعناه الشامل هو السبب فى وجود مشكلة الفقر.
3 — ان الكون كله ملك حقيقى لله، لكنه سخره كله للاسنان، وبالتالى يجب على المسلم أن يستفيد من جميع ما فيه من خيرات وطاقات، لأن من مقتضى التسخير التمكين منه، ولذلك أمرنا الله تعالى بذلك فقال: (فَامْشُوا فِى مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَاِلَيْهِ النُّشُورُ).