موقف الإسلام من فكرة
المواطنة المعاصرة :
إن مما لا شك
فيه أن الإسلام يقيم المجتمع والأمة والدولة على أساس روابط العقيدة والدين ،
ويسعى جاهداً لتحقيق الاخوة الحقيقية تأصيلاً وتنظيراً وتطبيقاً وتفعيلاً فقال
تعالى : ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ) [1] بهذا الأسلوب الحصري الواضح ، ويفرض على
المسلمين جميعاً حقوق الاخوة من الولاء والنصرة والتعاون والتكافل والتضامن فقال
سبحانه وتعالى : (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ
يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ
وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ
اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) [2] بل
إن الله تعالى بيّن ضرورة هذه الولاية الجامعة على الايمان لحمايته ولدرء العدوان
، أمام الولاية الجامعة على الكفر والنفاق لأجل القضاء على الاسلام والمسلمين فقال
تعالى : (وَالَّذينَ كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ
تَكُن فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ)
[3]
.والسنة قد أفاضت في هذه الاخوة الايمانية وحقوقها وآثارها[4] .
الاسلام راعى الجوانب
الايجابية والإنسانية في المواطنة :
ومع هذه
الاخوة الايمانية الجامعة فإن الاسلام لم يهمل الجوانب الايجابية البعيدة عن
التعصب والتفريق والتمزيق للقومية والوطنية في ضوء ما يأتي :
1- الوطن في المفهوم الاسلامي هو الوطن الكبير للأمة
الإسلامية ، حيث كان المواطن ( مسلماً أو كافراً ) في الدولة الاسلامية منذ
الخلافة الراشدة إلى سقوط الدولة العثمانية يصول ويجول في عرض العالم الإسلامي
وطوله دون قيد ولا شرط ، فكانت جنسيته الاسلام ، فأينما أقام فهو وطنه له حقوقه
وعليه الواجبات ، فالمسلم ولاؤه لوطنه الاسلامي الكبير .
2- ومع ذلك فإن الاسلام راعى الجانب الفطري للإنسان من
حبه لوطنه الذي ولد فيه ، وحنينه لمسقط رأسه ، بل لاقليمه الذي ينتمي إليه :
أ- فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته يحنون
إلى مكة المركمة حنيناً شديداً ، وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لمكة
المركمة : ( ما أطيبك من بلد ، وأحبك إليّ ، ولولا أن قومك أخرجوني منك ما سكنت
غيرك ) [5]
.
والصحابة
الكرام حينما هاجروا إلى المدينة ، حنوا كثيرا إلى مكة المكرمة ، فهذا بلال يقول :
ألا ليت شعري هل أبيتن
ليلة بواد وحولي إذخر وجليل
وهل أردن يوماً مياه مجنة وهل يبدون لي شامة وطفيل
وقد سمعت عائشة هذا فأخبرت رسول الله صلى الله عليه
وسلم بذلك ، فقال صلى الله عليه وسلم : (اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو
أشدّ ، اللهم بارك لنا في صاعنا ، وفي
مدنا ، وصححها لنا ، وانقل حماها إلى الجحفة) [6]
فاستجاب الله دعاؤه فغرس فيهم حب المدينة .
كما أن الشعراء المسلمين قد أنشدوا في حب الأوطان فهذا
ابن الرومي يقول :
وَلي وطنٌ آليت ألا أبيعه
وألا أرى غيري له الدهر
مالكاً [7]
والشاعر ابن الأبار بكى وطنه بقصيدة رائعة فقال :
أنين واشتياق وارتياع لقد حُمّلْتُ ما لا يُستاع
فللعبرات بعدهم انحدار وللزفرات إثرهم ارتفاع
نأوا حقاً ولا أدري أيقضى
&n