بسم الله الرحمن الرحيم
ايها الإخوة المؤمنون
إن الله سبحانه وتعالى أولى عناية قصوى بأخلاقيات الانسان المسلم، حتى يكون متميزا في أخلاقه القولية والفعلية، ولذلك وصف الله سبحانه وتعالى عباد الرحمن الذين يدخلون الجنة – بفضله سبحانه – أول ما وصفهم وصفهم بالأخلاقيات والسلوكيات (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا) ، ولذلك أولى الرسول صلى الله عليه وسلم كذلك في أقواله وفي أفعاله وفي سيرته العطرة بهذه القضية في تربية أمته على هذه الأخلاقيات العظيمة.
ومن هذه الأخلاقيات العظيمة، بل من قممها الشامخة خلق الرفق ، أن يكون الانسان رفيقاً، أي لينا، طيباً، والرفق يبدأ من داخل الإنسان، من خلال الهدوء النفسي، ومن خلال التوازن النفسي، والتوازن الطبيعي، وهذا يمكن تحصيله كما ورد في بعض الاثار يُتحمل حينما يَتحمل الإنسان الكثير ( من تصبّر صبّره الله)، حينما يُجهد الإنسان نفسه، ويروض نفسه، فتستقر نفسه على الإطئنان والهدوء دون الإضطراب والفوضى والعنف، فحينما تكون هذه النفس هادئاً ينتقل هذا الهدوء الى الانسان، ويتحدث الانسان بما ينفعه لا بما يضره (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيرا أو ليصمت)، ثم بعد ذلك ينتقل هذا الهدوء والرفق الى جوارحه، الى جميع أعضائه، الى جميه حركاته وسكناته والى مشيته، وقوله وفعله، وتعامله اليومية مع الناس، فيتعامل الجميع ويضغط على نفسه أن يكون رفيقا، حليما، ولا يكون عنيفاً، والعنف وهو ضد الرفق ايضا يبدأ من الداخل، من خلال الإضطرابات والفوضى، ومن خلال الغضب، والحقد، والكراهية، فحينما تتمكن هذه الصفات السيئة داخل الانسان تكون تصرفاته الخارجية عنيفة، غير متزنة، وغير متوازية، تغضب الله سبحانه وتعالى أولا، ثم تغضب الاخرين، وهكذا لا يبقى معه أحد، لأنه يتصرف بعنف، والعنف ايضا انواع ثلاثة: العنف الداخلي، الذي هو الاساس، ثم العنف في اللسان، من خلال الكلمات الجارحة والمؤذية، والتي لا يفكر الانسان في عواقبها، وقد توصل هذه الكلمة التي ما علمت عواقبها النار سبعين سنة، وقد تؤخرك عن الجنة كذلك سبعين سنة، ومن ثم نيتقل العنف الى الجانب الثالث وهو العنف في بقية الجوارح من الجسد، ويدخل فيه بالتأكيد الاعتداء الجنسي غير المشروع، وغير ذلك من الاغتصاب، وما اشبه ذلك، وكل ذلك عنف محرم في الاسلام يالايات الكريمة والاحاديث النبوية الشريفة.
ولذلك بين الرسول صلى الله عليه وسلم أهمية الرفق في حديث صحيح متفق عليه (إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله) بدون استثناء، وليس الرفق مقصودا به الاذلال، إنما الرفق هو التعامل بما يقتضية الشرع بالهدوء وغير ذلك، ويقول الرسول ايضا (إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا يُنْزَعُ من شيء إلا شانه عابه) ، زانه: أي زينه وجمله، فالتعامل بالرفق، وبكلمة طيبة، وبإسلوب طيب، وبدخول طيب كل ذلك له تأثير، حتى الدخول على الناس في حالة العنف له تاثير ، فدخولك وأنت هائج عنيف وبدون سلام، عنف، وتدخل وعلى وجهك شرارة الغضب، عنف. فالرفق ما كان في أي شيئ يزينه ويحسنه، وبجعل المقابل يحترمك ويقبل ويندم .. أما بنزغ الرفق من أي شئ حتى من الحق إلا عيّبه وجعله معيبا وغير صحيح..
لذلك يجب أن نحفظ قول الرسول، ونجعله منهاجا لحياتنا في أي مكان وفي أي حال، وقد ربط الرسول الرفق بالخير في أحاديث كثيرة، يقول الرسول في حديث صحيح ( من يحرم الرفق يحرم الخير كله)، فبقدر ما يكون عندك من الرفق يكون لديك الخير، فبه يمكن القياس، ويضع الانسان الميزان لنفسه بما عنده من الرفق في الداخل، وفي اللسان، وفي الكلمات، وفي جميع التصرفات، وحتى حركات العين واللسان والشفتين والحواجب فيه دلالات وإشارات على العنف، أو الرفق، فحينما تأتي بوجه مبتسم، غير من أن تأتي عبوسا ومتكهربا، فكل أعضاء الانسان إما على الرفق أو على العنف، وبقدر ما يكون لك من الرفق يكون لك الخير في الدنيا والآخرة.
كان الرسول القدوة في هذا المجال، وكان رفيقا مع زوجاته جميعا، وفي كلامه، وتعامله، وتصرفاته، وتعامله، ويراعي في زوجاته حتى في مسألة السن. فلما كانت عائشة صغيرة يطلب الرسول من بنات الانصار أن يصاحبن ويلعبن معها بالتماثيل- أي ألعاب الاطفال – وحينما احتاجت الى أن تنظر الى ألعاب رياضية، وفي العيد- وبما أن الرياضة جزء من جوهر الانسان لا يمكن ان تترك وإنما يجب أن تنظم – سمح الرسول للأحباش أنم يلعبوا بالحراب داخل مسجد الرسول، وعائشة تنظر اليهم الى أن ملت، والرسول معها، فهو القائد منشغل بأمور الدولة والقيادة، ولكن لم ينسى أنه زوج، ولم ينسى الرفق مع زوجاته، وبناته، ولما تأتي السيدة فاطمة رضي الله عنها، فكان الرسول يقوم لها، ويقبل رأسها وجبهتها، وهكذا مع الاطفال، وقد أطال السجود مرة وهو الامام لأن الحسن، وفي رواية أخرى الحسين، كان قد ركب على ظهره، حتى خاف الصحابة من أن الرسول قد أحدثه أمر ولكن الرسول قال (كُلُّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ وَلَكِنَّ ابْنِي ارْتَحَلَنِي فَكَرِهْتُ أَنْ أُعَجِّلَهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَه )
وفي حديث أنه ((دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَسْجِدَ وَعَلَيْهِ رِدَاءٌ نَجْرَانِيٌّ غَلِيظُ الصَّنْعَةِ فَجَاءَ أَعْرَابِيٌّ مِنْ خَلْفِهِ فَجَذَبَ بِطَرَفِ رِدَائِهِ جَذْبَةً شَدِيدَةً حَتَّى أَثَّرَتْ الصَّنْعَةُ فِي صَفْحِ عُنُقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ أَعْطِنَا مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي عِنْدَكَ قَالَ فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَبَسَّمَ ثُمَّ قَالَ مُرُوا لَهُ))
وفي حديث ( أن أعرابيا بال في المسجد ، فقام إليه بعض القوم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : دعوه ولا تزرموه . قال : فلما فرغ دعا بدلو من ماء ، فصبه عليه) .
ورجل يريد أن يزني فيقول له الرسول برفق مع من تريد أن تزني! أمع أمك! أو أختك! لأن الاخرين إما أن يكون اختاً لفلان أو أمّا لفلان. ويأتيه صحابي عاصيا فيقول هلكت وأهلكت ويكرمه الرسول بسلة من التمر بعد أن وجد أنه ليس هناك أفقر منه في المدينة. وجاء أحد أحبار اليهود يريد ان يختبر النبي فيخاطب النبي بإسلوب لا يليق بمقام الرسول، والصحابة منزعجين، ويقول الرسول اتركوه، إن لصاحب الحق مقال، ولما رأى اليهودي الحلم والرفق من الرسول أسلم واشهد، لأنه نظر في جميع صفات النبي في التوراة ووجدهـ الا صفة الحلم فرأى بأم عينه حلم الرسول يغلب غضبه .
واذا كنا نحب الرسول صلى الله عليه وسلم يجب أن نحول هذه المحبة الى القدوة، والقدوة الاقتاد بما فعله الرسول، وأن نكون رفقاء بأهلنا وزوجاتنا وأولادنا ذكورا وإناثا، والأقارب، والجيران، وبمن يعملون معنا، وتحت أيديناـ ومع الحيونات، والبيئة التي نعيش فيها. فالرفق مطلوب في كل شئ ويقول الرسول (إذا أراد الله بأهل بيت خيرا أدخل عليهم الرفق).
الخطبة الثانية
اذا كان الرفق بهذا الشكل من الأهمية والاعتناء، ومن فعل الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن سيرته العطرة، ولذك وصفه الله (وإنك لعلى خلق عظيم)، والذي يجب أن يقتدي به أمته ، ونسعى اليه بكل تفاصيله، وأن نبتعد عن العنف، الذي هو مقابل للرفق، فقد حرمه الله تحريما شديدا وبيّن آثاره الخطيرة على الانسان في الدنيا والاخرة.
وقد خصص الامم المتحدة 25 من نوفمبر من كل سنة، يوما عالميا لمناهضة العنف ضد المرأة، ولكن نجد أن عالمنا الاسلامي ودولنا العربية والاسلامية فيه نسبة كبيرة من العنف وبخاصة العنف ضد النساء، فالعنف وارد في بيئتنا العربية بسبب التقاليد الجاهلية، والأعراف الفاسدة، والثقافات الفاسدة، وبسبب التربية الغير صحيحة في هذا المجال، التي يجب أن يبتعد عنها أمتنا الاسلامية اقتداء برسول اله صلى الله عليه وسلم، ويقول الرسول (لن يضرب خياركم)، وحتى لو أجيز الضرب فهذا الضرب ليس مبرحا، وفي حالة معينة، وهي مجرد تأديب بالاشارة من السواك والسبحة، وليس ضربا مبرحا حتى تؤدي بالمرأة الى المستشفيات، فهذا ليس في الاسلام من شئ، ولم يريد أبدا، فليس من حق الزوج، ولا الوالد، ولا الأخ الكبير، لأن يضرب هؤلاء، فهذا محرم تحريما شديدا، وهذا هو الاعتداء بعينه على الناس، وعلى أبدانهم وبشائرهم.
واذا نحن لم نشارك العالم بحضارتهم المادية بسبب فرقتنا، وبسبب الاستبداد والدكتاتورية، فلا أقل أن نقود الانموذج الصحيح في الاخلاق .
وتقول الدراسات أن نسبة الضرب ضد النساء في امريكا وكندا تصل الى 60 -65 %، اما في فرنسا تصل الى 95% ، وذكر دراسة في مصر عن نوعية العنف بأنه عنف مشدد يؤدي الى عاهة مستديمة.
واذا كان حال مصر قبل الاحداث هكذا، فقد سمعتم بما حدث في سجن بنات وطالبات ليس لشئ الا لأنهن استعملن بالونات ورفعنا شعار الرابعة وشاركن في المظاهرات وبالتالي كانت العقوبة 11 عاما .
ولأول مرة محكمة الجنح تعطي عقوبة بهذا المستوى، لأنه من عادة محكمة الجنح أن لا تعطي السجن لأكثر من 3 سنوات، فلا توجد محكمة في العالم وتسمى بمحكمة الجنح وتقضي ب11 سنة، أو 17 سنة للأولاد والبنين من طلاب الجامعة. ومع الاسف الشديد أقول هذا بأنه صدر قرار في أحد المحاكم في اسرائيل بمن قتل الجندي الصهيوني – مع انه مجرم ومعتدي – بالسجن لمدة 5 سنوات، لأنهم خاضعون لقوانين وأحكام ، هذا ظلم، وهم مجرمون، ولكن ظلم الاصدقاء أشد، فكيف يُقبل بسجن هؤلاء البنات بدون جرم، ولكن ندعو الله أن لا تستمر هذه الحكومة الظالمة، حتى لا تحرم هؤلاء من حقوقهن، وإن الله ليمهل للظالم حتى اذا اخذه لم يفلته.
اما العنف والتعذيب وعنف رسمي فتحدث ولا حرج، ولكن هذا العنف ليس قاصرا على مصر، فانظر الى سوريا، فتجد القتل والإبادة في قلمون وحلب، ولم يبقى إنسان ولا طفل ولا إمرأة ولا حيوان ولا جماد، وتقول هيئات الامم المتحدة: اذا كان عدد القتلى السوريين تجاوز المئتين ألف فإن عدد الاطفال والمرأة تصل الى 70 بالمئة . فأين الأخلاقيات أمام هذا الشعب.
ولذلك الظلم في بلداننا وصل الى مرحلة لا تتطاق، فعلينا أن نعيد النظر في أنفسنا حكاما ومحكومين، ويجب أن نعلم أن نجاحنا وعزتنا في إلتزامنا بديننا، لأن ديننا يجعلنا غير تابعين لأحد إلا الله سبحانه وتعالى .