أيها الإخوة المؤمنون
أراد الله لهذه الأمة أن تكون خير أمة أخرجت للناس في عقيدتها وأخلاقها وسلوكها وتعاملها مع الناس، وكذلك الخيرية لن تتحقق إلا في ظل عزتها وكرامتها واستقلالها وقدرتها على حل مشاكلها، وولاء بعضها للبعض حتى تكون جسداً واحداً كما أراد الرسول صلى الله عليه وسلم لهذه الأمة.
ولهذه السبب وحتى تكون الأمة الإسلامية خير أمة أخرجت للناس بهذه الشمولية، ركّز القرآن الكريم وكذلك رسول الله العظيم صلى الله عليه وسلم على تربية هذه الأمة على هذه العناصر، وعلى هذه الأركان التي تؤدي إلى تقوية هذه الأمة، ووحدتها وقوتها وعزتها وكرامتها وسيادتها.
ومن أهم أسباب القوة والعزة والكرامة قضية الوعي والإدراك للمستقبل ودراسة الوقائع دراسة حقيقية علمية تحليلية؛ لأن الأمة الغافلة ليست خير أمة أخرجت للناس، والأمة التي يستطيع الآخرون أن يضحكوا عليها بين الحين والآخر ليست هي الأمة التي يريدها الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وإنما الامة التي وصفت بالخيرية هي الأمة العاقلة الفقيهة الواعية القادرة على تحقيق ما يريدها الله لهذه الأمة من العزة والكرامة أن تحققها.
ركز القرآن الكريم والتربية النبوية المشرفة على مسألة العلم والوعي والفقه، وليس حتى على مسألة العلم فقط، فنحن لدينا مصطلحات متدرجة تبدأ بالمعرفة التي هي معرفة الجزئيات وكذلك العلم الذي هو العلم الذي قد يكون ظاهراً والتي قد يكون باطناً للوصول إلى الفقه والوعي، والفقه هو العلم القادر على التحليل وقراءة واقع الأمة ومآلاتها ونتائجها والتفكير فيها في ضوء هذه المآلات والنتائج وهذه الآثار، ولا يكتفى في الفقه الذي يريده الله سبحانه وتعالى الفقه بالعبادات والمعاملات الخاصة وإنما الفقه الذي ورد في القرآن هو هذا الفقه الشامل، إذ بين رب العالمين أنه أنزل القرآن لقوم يفقهون، ووصف المنافقين، ومن يعرض عن هذه الآيات بأنهم لا يفقهون (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ) ومواصفاتهم ( لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا) وهناك فرق بين الرؤية والبصيرة فكل من له عين يرى ولكن ليس كل من له عين يبصر، أي يبصر الحقائق، لذلك يقول الله لرسوله الكريم (وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ) أي يرونك ولكنهم لا يبصرون حقيقتك ، وهؤلاء لهم قلوب ولكن ليس عندهم فقه ( وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا) السمع المطلوب الذي يدخله في القلب ويحلله، أما سمع المنافق أو الجاهل والمنافق فهؤلاء سمعهم عند ظاهرها يسمعون دون تحليل ولا يفقهون.
فإذا وصل الإنسان إلى هذه المرحلة مع وجود كل هذه الأدوات العظيمة (أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ) لأن الأنعام لم تخلق للاستخلاف في الأرض وليست مكلفة بالتعمير وإنما لهم وظيفة هم يؤدونها بكل دقة وضبط، فالحيوانات والنباتات جميعاً وكل مخلوقات الله سبحانه وتعالى هم يؤدون واجبهم على أحسن الوجوه إلا الإنس والجن وهذا إذا لم يسمع كلام الله وصوت العقل الحقيقي حينئذ يصل إلى هذه المرحلة كالأنعام و أولئك هم الغافلون، والغفلة تتعارض مع الإيمان الحقيقي، وحينما تكون الأمة غافلة تتعارض هذه الأمة مع خيرية الأمة، فالأمة الخيرة لا يمكن أن تكون غافلة بل تكون عالمة واعية مدركة ومستدركة وفقيهة.
وحتى هذا العلم الذي عند غير المؤمنين كما وصفه الله في سورة الروم بأن هؤلاء لا يعلمون وحتى لو علموا يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا .
وهناك ثلاثة أنواع من العلم أو المعلومات يجب على المؤمن أن يكون على العلم بها : العلم بظاهر الشيء، والعلم بباطن الشيء ومآلاته ونتائجه وآثاره ثم العلم بالآخرة حتى نعمل للآخرة كما نعمل للدنيا بل أكثر . حينما يتوافر هذه الأنواع من العلم هنا هذا الفقه ( لتعيها أذن واعية ) وليست أذن سامعة فكل أذن تسمع ولكن ليست كل أذن تعي .
حينما تكون الأمة على هذه الحالة التي وقعنا فيها منذ زمن بعيد وكذلك اليوم فقد اختلط فيها الحابل بالنابل واختلطت الحقائق بالباطل وتزين الباطل كأنه الحق واستطاع الإعلام المضلل بأن يظهر الحق كأنه الباطل ولذلك أصبحت يكثر في هذه الأمة كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم الهرج والمرج والقتل الكثير بين المسلمين، واليوم حينما تشاهد وتقرأ خريطة العالم فمن الذي يقتل بالآلاف بل أكثر ؟ هم المسلمون ! وبأيدي المسلمين! بل بالعكس حتى بعض الجماعات التي تدعي أنها على العقيدة الصحيحة والمنهج السلف أشد فتكاً وقتلاً بالمؤمنين من الكفرة والصهاينة ناهيك عما تفعله الصهاينة.
لقد حدث تشدد وعنف باسم الإسلام وقتل الشباب وقادة بأيدي الجماعات الإسلامية، واليوم الجماعات الجهادية في سوريا مهددين بين اثنين بين نظام بشار العلماني الطائفي وكذلك من جماعات متطرفة، فهل هذا هو الوعي؟ وهل هذه هي الخيرية؟
إذا هناك قضية وهناك مشكلة خطيرة جداً فالذي يحدث في سوريا والعراق ولكن الأمة حينما تعالج هذه القضية لا تعالجها وفق الفقه الإسلامي القرآني الرباني الذي نقرأ فيه النتائج والآثار لهذه التحالفات مع أعدائنا, وما الذي استفدنا من تحالفنا مع الأجنبي على مر تاريخنا؟
صحيح ما تفعله الجماعات المتشددة كداعش وغيرها شوهت صورة الإسلام والمسلمين بما فعلوا، ولكن هل هذا هو العلاج الصحيح!! وبهذه الطريقة!! هؤلاء لنا تاريخ معهم خلال قرن، وهناك ثلاث تحالفات عربية أجنبية، فما الذي حدث لهذه التحالفات : التحالف الأول في القرن العشرين حينما اجتمعت ما تسمى بقادة الثورة العربية الكبرى واتفقوا مع الإنجليز والفرنساويين للإطاحة بالخلافة العثمانة وكان هناك ظلم بلا شك وظهرت في الدولة العثمانية فكرة قومية طورانية شديدة آذت العرب بلا شك وكان السلطان عبد الحميد ضدها ولكن حينما تعاونت القومية العربية وكان لمسيحيي العرب دور والفكرة الطورانية التي كانت لليهود فيها دور استطاعوا أن يعملوا تحالفاً مع الإنجليز والفرنساويين، ولكن ما الذي حدث؟ هل وحدوا العرب وهل أعادوا الخلافة للعرب ! بل احتلوا فلسطين وأخذوا أراضينا.وهذه التجربة الأولى لتعييها أذن واعية، أما التجربة الثانية فما حدث أيضاً بالتصرفات المشينة من العلمانين من النظام البعثي الذي فعل ما فعل من احتلال الكويت ثم التحالف الدولى وترتبت عليها كل المشاكل التي نعاني منها الآن، وكلها بسبب التصرفات الحمقاء والاستعانة بالأجنبي وهؤلاء يشتغلون كما يقول كيسنجر عن الفوضى الخلاقة التي تصنع لهم الفرص والعمل ويستطيعون بين كل فترة وأخرى أخذ الخيرات العظيمة التي نمتلكها.
والتحالف الآن هو التحالف الثالث، فهل يمكن أن يختلف هذا التحالف مع التحالفين الأوليين؟ لا والله، بل سترون أن أي حركة إسلامية معتدلة سيدخلونها ضمن الإرهاب ويحاربونها لأن قضية الإرهاب كلمة لا تريد أمريكا أن يكون لها تعريف محدد في الأمة المتحدة بل عائم، واليوم جعل بعض الدول من الجماعات المعتدلة والتي وصفت بالاعتدال من أعدائهم، يصفونهم بأنهم إرهابيون!.
لذا يقول كيري: إن هذا الحرب ستدوم لأعوام عديدة، ولكننا نقول ستكون بأموال المسلمين وبإرادتهم وبأبنائهم.
أسباب وجود التطرف منا ولكن هم يساعدونها، فهذا التطرف جاء بعد الاحتلال الأمريكي للعراق وأنشئت هذه المسألة بالتعاون الدولي والإقليمي ونحن لا نشك في نوايا بعض الشباب العاديين ولكن غرّر بهم ولكن قياداتهم مخترقة ومعروفة.
ولكن إذا كانوا يدعون أنهم ضد الإرهاب، فهل هناك إرهاب أشد من إرهاب الدولة الصهيونية المحتلة لفلسطين فيما تفعله بغزة؟ فلماذا لا يكون الإرهاب شاملاً ؟! ولما لم تجيش لها الجيوش؟.
ولماذا لم يساعدوا الشعب السوري خلال أربع سنوات ضد إرهاب النظام السوري مع نصف مليون شهيد وتسعة ملايين نازح ومليون و نصف بيت مدمر وتراث مدمر ألا يستحق كل هذا تجييش الجيوش !!
ولماذا ترك العراق وسلم إلى دولة إقليمية والعرب ساكتون وهم يعلمون؟ ولماذا ساعد بعض العرب الحوثيين!
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم في حيث صححه السيوطي ورواه الطبراني(سيأتي على أمتي زمان يكثر فيه القراء ، ويقل الفقهاء ، ويقبض العلم ، ويكثر الهرج) يكثر في الأمة القراء الذين يعتمدون على آية أو حديث ويتركون البقية ويؤولها حسب أهوائهم، و يجعلون أنفسهم حاكماً على جميع علماء الأمة، ويقل الفقهاء فاليوم نركز كثيراً على مراكز تحفيظ القرآن وهو مهم جداً ولكن هل يوجد مركز أو مركزين لتفقيه الناس؟ ولتدبر الناس في القرآن الكريم ولفقه المآلات!.
حتى الظلمة مثل القذافي كان يريد أن يجعل من الشعب الليبي كلهم قراء، ما عنده مشكلة، ولكن لا يسمح أن يكون بينهم فقيه واحد . والفقيه اليوم لا يتاح له المجال حتى في الإعلام والذي يحفظ حديثاً أو آيةً ولا يفقه شيئاً من دقائق الأمور ويكفر هذا أو ذاك ويجعل مبالغات من الأشياء الجزئية، هو الذي يطغى على الساحة ، صدق رسول الله بكثرة الهرج.
الخطبة الثانية
الأمة اليوم تحتاج قادتها إلى أن لا يكون لهم استعجال في علاج الأمور بما يترتب عليه الشرور، وحتى لو استعانوا ولا أقصد إجازة الاستعانة، ولكن ولو استعانوا فلا بد أن يكون لهم قدرة على ضبط الأمور.
كما تعلمون أن مشكلة الأمة بدأت حينما أضعف بعضنا البعض وحينما أضعفت أكبر دولة عربية إسلامية، دولة مصر، وبأموالنا وبتخطيط بعضنا، فهذه هي النتيجة، وإلا فكيف بأمة 300 مليون نسمة عاجزة عن علاج جماعة مسلحة ليس عندها دبابات ولا طائرات، ماعدا الذي استولوا عليه من الجيش العراقي والذي تركوه لهم أساساً، فأين السلاح والجيش العربي؟ فالأموال التي صرفت على الجيش العربي الخليجي تصل إلى تريليونات, إذاً أين هذه الأسلحة؟ وأين هذه الجيوش الكبيرة ؟ المشكلة أن الأمة يضرب بعضها البعض، ويقود بعض الدول أناس أسماؤهم إسلامية، ولكن أرواحهم مع الصهاينة ومع المشروع الذي يريدون.
المشكلة الكبيرة والقضية خطيرة جداً ولكننا نحن على ثقة، فمهما فعلوا فإن هذا الدين سينتصر رغم أنهم لا يريدون أن ينتشر هذا الدين بسبب تشويه هؤلاء.
اللعبة واضحة جداً ولكن نشكو أمرنا إلى الله سبحانه وتعالى، ونسأله أن يزيل هذه الغمة عن هذه الأمة.