الشائع استعمال عقد الإجارة على الأشخاص ، وهناك مصطلح آخر يستعمله الفقهاء ،وهو عقد إجارة الأشخاص ، أو عقد الإجارة على العمل ، أو على منافع الأشخاص .
والمصطلحات الثلاثة وإن كانت صحيحة ، ولكن الأدق منها هو الأخير ، وهو عقد الإجارة على العمل أو منفعة الشخص وأن التحقيق أن العمل هنا هو منفعة الشخص ، إذ أن عقد الإجارة لا يرد على الشخص بذاته ، وإنما يرد على عمله ، وهذا هو رأي جمهور الفقهاء الحنفية والمالية وأكثر الشافعية ، والحنابلة في حين ذهب بعض الشافعية إلى أن محل عقد الإجارة هو العين نفسها ، لأن المنافع معدومة ، وذهب ابن تيمية ، وابن القيم إلى أنها ترد على الأعيان المتجددة كلبن المرضعة .
الكراء والإجارة :
ومن حانب آخر فإن الإجارة على عمل الأشخاص هو أحد نوعي الإجارة عند جمهور الفقهاء في حين خصص المالكية لفظ الإجارة للإجارة على عمل الأشخاص ، وعبروا عن الإجارة الواردة على الأعيان بالكراء ، فقالوا : الإجارة تطلق على منافع من يعقل ، وأن الكراء يطلق على العقد الوارد على من لا يعقل .
ونحن هنا نختار هذا العنوان ، وهو عقد الإجارة على عمل أو منافع الأشخاص ، ونعرف بكلماته الأربع :
التعريف بالعقد :
لغة : بمعني الشدّ والربط ، والعهد ونحوها .
وفي الاصطلاح : له معنيان عام وخاص ، بمعناه العام : هو كل تعهد يلتزم به الإنسان سواء أكان له مقابل أم لا وسواء أكان التزاماً دنيوياً أم دينياً ، وهذا ما فسر به قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) أي العهود والواجبات كلها .
أما معناه الخاص : فهو الالتزام الناشئ عن ارتباط الإيجاب بالقبول .
التعريف بالعمل والمنفعة :
العمل لغة : هو الفعل … والمراد بها هنا هو الفعل الصادر من الإنسان ، سواء كان من أعمال الجوارح ، أم اللسان ، ويدخل فيه العمل الذهني والفكري الذي يخرج من دائرة الذهن إلى دائرة القول ، أو الكتابة .
والمنفعة لغة : هي كل ما ينفع به ويستفاد منه ، وجمعها : منافع ، والنفع : الخير ، وما يتوصل به الإنسان إلى مطلوبه .
التعريف بالأشخاص :
الأشخاص جمع شخص ، وهو في حقيقته هو الإنسان وحده ، ولكن اليوم يطلق عليه وعلى الشخص المعنوي ، حيث اعترفت القوانين المعاصرة بالشخصية الاعتبارية للشركات والمؤسسات ، وأثبتت لها ذمة مالية مستقلة عن ذمم الشركاء والمسؤولين ، وكذلك اعترف بها الفقهاء المعاصرون والمجامع الفقهية ، وبالتالي فإن المراد بالأشخاص هنا ، وفي بقية العقود هي الأشخاص الطبيعيون ، والأشخاص المعنويون ( الاعتباريون ، والقانونيون ) وحينئذ يجوز التعامل مع الشركات التي لها شخصية معنوية بعقد الإجارة ، ويمثلها أحد الأشخاص الطبيعيين ، ولذلك فكل ما نذكره في هذا البحث يشمل النوعين إلاّ ما يخص الإنسان ، ولا يتجاوزه إلى الشخص المعنوي مثل ما يخص عوارض الأهلية ونحوه .
الخلاصة مع المقارنة بالقانون :
إن المراد بعقد الإجارة على عمل الأشخاص في الفقه الإسلامي ، هو العقد الوارد على منفعة شخص في مقابل أجر معلوم .
وأما القوانين فتطلق على هذا العقد عقد العمل ، أو نظام العمل في النظام السعودي ، حيث عرفه بأنه : عقد مبرم بين صاحب العمل ، وعامل ، يتعهد الأخير بموجبه ان يعمل تحت إدارة صاحب العمل ، أو إشرافه مقابل أجر ،ويتضمن شروط العمل المتفق عليها بينهما ، وذلك لمدة محددة ، أو غير محددة ، أو من أجل القيام بعمل معين .
وعرفه قانون العمل القطري رقم (14) لسنة 2004م في مادته الأولى بأنه : ” اتفاق بين صاحب عمل ، وعامل ، محدد ، أو غير محدد المدة ، يتعهد بمقتضاه العامل أن يؤدي عملاً ميعناً لصاحب العمل ، وتحت إدراته ، كما عرف صاحب العمل بأنه كل شخص طبيعي أو اعتباري يستخدم عاملاً أو أكثر لقاء أجر” ، وعرف العامل بأنه : “كل شخص طبيعي يعمل لقاء أجر لدى صاحب عمل ، وتحت إدارته أو إشرافه” ، وعرف العمل بأنه : ” كل ما يبذل من جهد إنساني : فكري ، أو فني ، أو جسماني ، لقاء أجر .
وهذا الاختلاف في المسمى لدى القوانين ، وما ذكرناه من تخصيص المالكية الإجارة لعمل الإنسان يدخل ضمن الاختلاف في المصطلحات التي لا مشاحة فيها ، وإن كانت التسمية الفقهية أدق ، وذلك لأن لفظ ( العمل ) أعمّ من العمل الخاص بعقد إجارة الأشخاص ، وأن العامل في الاصطلاح الشرعي يطلق على المشرف على جمع الزكاة فقال تعالى : ( ..وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا ….) وعلى جميع الأعمال الشاملة للدنيا والآخرة ، وعلى المضارب ، والعامل في المساقاة ، والمزارعة ، ولذلك فالأجير أدق من العامل .
ومن جانب آخر فإن قانون العمل في معظم الدول يسري على أصحاب العمل ، والعمال ، ولا يطبق على الموظفين والعاملين في الوزارات والأجهزة الحكومية الأخرى ، والهيئات ، والمؤسسات العامة … ، وعلى ضباط وأفراد القوات المسلحة والشرطة ، والعاملين في البحر ، ولا على المستخدمين في الأعمال العارضة ، ولا على المستخدمين في المنازل كالسائق ، والمربية ، والطاهي ، والبستاني ، ومن في حكمهم … ، والعمال الذي يعملون في الزراعة العادية ، أو الرعي … كما نص على ذلك قانون العمل القطري في مادته (3) في حين أن الأجير في لغة الفقهاء يشمل كل هؤلاء .