أيها الإخوة المؤمنون
خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان ضعيفاً، ولذلك عامله بلطفه وبرحمته ، وحينما يقع الإنسان في السيئات أو الخطيئات بسبب ضعف يعتريه فإن الله سبحانه وتعالى يفتح له أبواب التوبة وأبواب رحمته .
فشرع الله التوبة، وأمر المؤمنين جميعاً من الأنبياء والصالحين والمجاهدين والربانيين والعصاة والطائعين بالتوبة دائماً، فقال سبحانه وتعالى (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا) ، أمرنا أن نرجع إليه وأن نتوب إليه توبة تتعمق في الجذور، وتصل إلى كل أجزاء الإنسان، وإلى مشاعره، بحيث يعود الإنسان ببدنه فتكون أعماله لله، ويعود إلى الله بقلبه وقلبه مرتبط بالله، ويعود الإنسان بنفسه فتكون لذة النفس لا بالشهوات بل تكون في الطاعات (أرحنا بها يا بلال) فكانت الصلاة راحة ولذة، وليس هناك شيء عند الأنبياء والصالحين ألذ من المعيشة مع الله ومن طاعة وذكر الله .
والتوبة النصوحة: هي التوبة الدائمة التي تتمكن من الجوارح، وتجعل هذا الإنسان مرتبطاً بالله سبحانه وتعالى، وتجعل من هذا الإنسان إذا أخطأ أن لن يعود إلى خطئه مرة أخرى.
أما الجزاء على هذه التوبة بفضل الله ومنته فيقول الله سبحانه وتعالى (عَسَى رَبُّكُمْ) وكلمة عسى بالنسبة للقرآن الكريم عندما يسند إلى الله فهي للتحقيق وليس لمجرد القرب كما هو الحال حينما يسند إلى فعل الإنسان. فالجائزة الأولى : (أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ) والجائزة الثانية: (وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ) جنات الفردوس مع الرسول والصديقين والانبياء والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً، والجائزة الثالثة: (يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ) عدم الخزي لا في الدنيا ولا في الآخرة ، فالله يستر عليك وعلى عيوبك في الدنيا ويدخلك الجنة في الآخرة مادمت مع الله، فلن يخزيك الله أبداً، الجائزة الرابعة: (نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ) فهؤلاء لهم أنوار، هؤلاء المؤمنون التائبون التوبة النصوح الدائمة التي تجعل الإنسان يعود إلى الله بظاهره وباطنه وبقلبه وعقله وروحه ونفسه ولسانه وجوارحه وعينه، فيعطيهم الله أنواراً يُعرفون بها بين الأمم، و يحسدهم حتى الأنبياء السابقون من جمال هذا النور، ومن روعته ومن قربهم من الله سبحانه وتعالى ، وهؤلاء التائبون يطلبون المزيد ( يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ) بأن يتمم الله لهم نورهم، وإتمام النور هو الفردوس الأعلى مع النبيين ومع الرسول وأعلى من ذلك التشرف بالرؤية والنظر إلى الله تعالى .
هذه الجوائز كلها لمن يتوب إلى الله توبة نصوحة وهي ليست للعصاة فقط وإنما التوبة دائماً لجميع المؤمنين، فالرسول كان يستغفر في اليوم أكثر من سبعين مرة بل مرات ومرات والعدد لا مفهوم له كما يقال، ويكثر من (لا إله إلا أنت سبحانك إن كنت من الظالمين) وهذا سيد الاستغفار لأنه فيه اعتراف بالذنب والظلم .
وخصص الله المسرفين من المؤمنين بخصوصية فقال (قُلْ يَا عِبَادِيَ) هذه الإضافة الجميلة ” العبودية ” وإلى “ياء” النسبة المفردة فيها دلالة على كمال العطف والمودة وعلى جمال الصنع مع هذا النفس المخاطبة، ومقام العبودية لله من أعلى المقامات ولذلك اختار الرسول هذا المقام حينما أسري به فخاطبه الله وذكره بهذا الاسم ( سبحان الذي أسرى بعبده) والنبي كان يحب هذا الوصف وهو العبودية لله أكثر من أي وصف آخر (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)
هذا هو مقام التوبة من أعظم المقامات ولها كل هذه الجوائز التي تضمنتها الآية السابقة من سورة التحريم ثم تضمنتها كذلك الأحاديث النبوية الشريفة وأن الله يفرح بتوبة عبده رغم أن عبادتنا لن تزيد أو تنقص مما عند الله شيئاً أبداً، بل نحن محتاجون إلى عبادة الله، ولكن الله يفرح أشد الفرح بتوبة أحدنا إليه فقد ورد في الحديث الصحيح (لله أشد فرحاً بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة، فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه فأيس منها، فأتى شجرة فاضطجع في ظلها،وقد أيس من راحلته،فبينما هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده ،فأخذ بخطامها، ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح) فالله سبحانه لأشد فرحاً بعبده حينما يعود إليه ولكن بالتوبة النصوح .
والتوبة النصوح: هي التوبة التي تتوفر فيها شروطها وأول الشروط: الندم على ما فعلت والحس والندامة والبكاء على الذنوب والاعتراف بالخطيئة أمام الله ، والثاني: أن تقلع وأن تترك تماماً كل هذه الذنوب ، الثالث: ألا تعود إلى هذه الذنوب أبداً، والأمر الرابع وهو الأخطر: فإذا كانت الذنوب في حق الله فتكفي الشروط الثلاثة من الاعتراف والإقلاع وعدم العودة إلى الذنب، ولكن إذا كانت الخطئية في حق العباد فجرت سنته وهو قادر على كل شيء أن لا يغفر في حقوق العباد، وإنما حقوق العباد تعود إلى العباد، فإذا أكلت مال شخص فيجب أن ترده إليه، وإذا اعتديت بالغيبة والنميمة فعليك أن تستعفيه وتطلب منه العفو . فإذا توافرت الشروط حينئد تدخل في التوبة النصوح، وإلّا فالله سبحانه وتعالى يقول في سورة النساء (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُولَٰئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا) إذاً بين الله أن التوبة على الله، بنص القرآن الكريم الصريح الواضح الدلالة، حينما الإنسان يعمل السوء بجهالة وليس عن عمد، ولا كما يقال عن سبق الإصرار والترصد، فهذا له أمر آخر وأخطر منه ولن تفتح أبواب التوبة أبداً ولكن له جزاء أكبر ،ولا يدخل في هذا، فحينما يقع الإنسان في شيء بجهالة ثم يتوب من قريب فالله يتوب عليه وهو التواب الرحيم ولا شك في ذلك، ولذلك جاءت الآية الثانية (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّىٰ إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَٰئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا)
لذلك الكثير يتوب اليوم ثم يعود إلى نفس الخطيئة وكأنه يستهزئ والعياذ بالله، ويجب أن ننتبه إلى هناك بعض الوعاظ والدعاة يركزون على هذا الجانب وينسون الجانب الثاني، وبالتالي يحس الإنسان بأنه لا تهمه الذنوب، وأنه سوف يستغفر ربه في رمضان أو في الجمعة وتكفر السيئات وهذا صحيح، ولكن هذه لا تزيل حقوق العباد، ولا يجوز أن تتكرر السيئات، فمن يضمن لك أنك إن عملت المعصية أن تتمكن من التوبة، لذلك يجب علينا أن ننظر إلى الآيات والأحاديث التي ترهبنا نظرة جدية مثلما ننظر إلى الآيات التي فيها الرحمة فالمؤمن دائماً بين حالتي الرجاء و الخوف.
والذي يساعد على بقاء التوبة واستمرارها مجموعة من الأمور أولها: الإخلاص لله تعالى، والثاني أن يفوض أمره إلى الله ويبتعد عن النفاق والرياء ويبتعد عن كل الشركيات الصغرى والكبرى (كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ) فهو من المخلصين ومن المخلَصين، وكذلك يقول الشيطان ( وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) والإخلاص أن يكون قلبك مع الله واستشعار رقابة الله وهو أن تعمل وأن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإن الله يراك.
أسأل الله أن يوفقنا للتوبة ونحن على أبواب شهر رمضان حتى نستعد وندخل هذا الشهر بالتوبة النصوح من اليوم وقد استعددنا لهذا الشهر نفسياً وقلبياً وروحياً حتى يجعلنا الله من المخلَصين ومن المخلصين.
الخطبة الثانية:
كل ما يصيب هذه الأمة حتى من المصائب الدنيوية والتي أصابنا الكثير وسوف تصيبنا والله أعلم أكثر فالأكثر يعود إلى ابتعادنا عن العبودية لله تعالى، وعلينا أن نعودوا إلى الله بالإخلاص المطلوب هذا الإخلاص الذي هو من شروط استمرار التوبة لو وجد فينا وفوضنا أمرنا إلى الله وعملنا له وحده وأردنا إرضاء الله دون الحاجة إلى إرضاء الناس، لما أصاب هذه الأمة ما أصابها.
ومن أشد المصائب ما حدث من غرس هذه الجرثومة السرطانية من خلال وعد بلفور حينما اختلف العرب والترك والمسلمون حتى سقطت دولة الخلافة حينئذ تمكن الإنجليز من إعطاء وعد بلفور وفي سنة 1947 حدثت نكبة الأمة وليست نكبة فلسطين حينما اعترف بالجرثومة في قلب الأمة الإسلامية وهذه الجرثومة تنتشر وكل ما يحدث اليوم في مصر والعراق واليمن وسوريا من وراء هذه الجرثومة ومن يقف معها أو يريد إرضاءها .
نحن انشغلنا بقضايانا وجروحنا فعلينا العودة إلى الله وليس غيره وأن نعتمد عليه وحده لا على أمريكا ولا على غيرها، فهم قد باعوا أقرب أصدقائهم من شاه إيران وغيره
لذا علينا الاعتماد على الله ثم على ما تحقيق مصالحنا، ومصلحتنا في وحدتنا، وعلينا المساهمة بكل إخلاص في حل مشاكلنا ولم شملنا.