بسم الله الرحمن الرحيم
أيها الإخوة المؤمنون
اذا نظرنا الى احوال الأمم المتقدمة والمتحضرة على مر التاريخ نجد أن أهم عنصر ساعد على تقدم الأمم وعلى رقيها وعلى تحقيق حضارتها هو التنظيم، أي التنظيم العملي، والتنظيم الإداري، والتنظيم السياسي، والتنظيم الإجتماعي، فعملية التنظيم للموارد البشرية أي للإنسان فردا وجماعة وحكومة، وللموارد المالية كلها، هذه العملية هي التي تساعد على التقدم، وهي التي تساعد على الرقي، وهي التي تساعد على أن تكون للأمة قوتها وإعتبارها، وأن لا تضيع الموارد البشرية والموارد المالية التي جعلها الله سبحانه وتعالى سببا للرقي المجتمع وقيامه، وسببا للتحرك والحركة بالمجتمع وبالأمة.
فهذان العنصران الأساسيان: الانسان والمال، هما أهم شئ في هذا الكون، اللذان يساعدان على تحقيق السعادة والرفاهية للانسانية جميعا، والذي يجمع ويجعل هذا المال منظما ومفيدا ومؤثراً، ويجعل هذا الانسان كذلك مؤثراً ومفيداً ومحققا للحضارة والرقي والسعادةهو التنظيم.
والتنظيم هو الربط بين الانسان وبين الموارد المالية، وبين الانسان وهذا الكون، فالتنظيم هو الاساس في عملية الرقي وعملية الاستفادة، فحـتى الاستثمارات والتنظيمات الحكومية والسياسية كلها نجاحها يتحقق على التنظيم الجيد، وفشلها يعود الى الفوضى والى عدم وجود التنظيم بصورته المقبولة.
ومن هنا أمر الله سبحانه وتعالى رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم في السور المكية التي نزلت في بداية البعثة النبوية المشرفة والرسول صلى الله عليه وسلم نشأ في بيئة عربية لم تكن فيها التنظيم ولم تكن فيها القوة المنظمة ولم تكن فيها الدولة وإنما كانت على شكل قبائل والعشيرة وكان أقصى شئ فيها هو التنظيم القبلي أو التنظيم العشائري ولكن الله سبحانه وتعالى يهئ رسوله لقيادة الأمة فبدأ به وأمره بأن تنظم وقتها، وأن تنظم عملها، وأن تنظم رؤيتها، وأن تنظم كل شئ يملكها، وهذا ما بينته سورة الانشراح التي فيها دلالة أيضا على السعادة، ودلالة كذلك على انشراح القلب بالعمل المنظم، وأن القلب يكون تعيساً مضطرباً اذا لم يكن عمل صاحبه منظماً، فيقول ( فإذا فرغت فانصب)، وكما يقول علماؤنا اذا للتحقيق، أي إنك إن بدأت بعمل لابد أن تفرغ منه، وبالتالي فمن ترك عملا فإنما يعود الى سوء التنظيم بأنه لم يكن قادرا على الفراغ منه وإنما بدأ به عشوائيا أو اعتباطا، وأنه يا محمد لا ينبغي الا أن تختار العمل الأفضل والأحسن، أو العمل الذي تستطيع أن تفرغ منه وأن تنجزه، ثم اذا أنجزته لا بد أن يكون عندك الأعمال المنظمة الآتية، المخططة والمبرمجة، “فانصب” أي اتجه تماماً للعمل الأول حسب فقه الأولويات الذي وضعنه لنفسك ثم العمل الثاني ثم الثالت.
الاسلام يريد أن يكون الانسان هو نفسه منظماً وأن تكون أسرته منظمة وأن تكون جماعته منظمة، وأن تكون دولته منظمة، ومعنى التنظيم أي إدارة الموارد البشرية والمالية على حسب المعلومات الدقيقة وعلى حسب التخطيط السليم الاستراتيجي والمرحلي، ومن هنا بين الله سبحانه وتعالى في قصة سيدنا يوسف، كيف نجى الله سبحانه وتعالى به من خلال التخطيط والتنظيم، فقال لقومه ولم يكونوا مسلمين آنذاك ولكنهم كانوا بشراً، والانسان المسلم يريد أن يقدم الحياة ويقدم الخير لكل انسان بل لكل حيوان بل لكل جماد، لأنك أنت تقتدي بالرسول صلى الله عليه وسلم ولأن الله سبحانه وتعالى أرسله رحمة للعالمين. فحينما فسر يوسف الرؤيا قام بالتخطيط والعمل لأربعة عشر عاما، ووعد بنجاح الخطة أي في السنة الخامسة عشرة مباشرة.
وقد أثنى الله سبحانه وتعالى على الحيوانت المنظمة بل وضع لحشرتين منظمتين سورتين عظيمتين: سورة النمل وسورة النحل، وما ذلك إلا لأهمية النمل في التخطيط والتنظيم وكذلك في الاقتصاد والتوفير، وكذك النحل في التخطيط والتنظيم والإبداع في العمل، فأكرمهما الله سبحانه وتعالى بالوحي (وأوحى ربك الى النحل) كما أوحى الله سبحانه وتعالى الى الأنبياء، استعمل نفس الكلمة الى النحل لأنها منظمة ومرتبة ولا تعرف الفوضى، ولا تعرف أي شئ يخالف النظام، وأي واحدة من النحل اذا عادت وهي ملوثة او لم تقم بواجبها، فيحكم عليها بالرمي من المكان الذي هم فيه .
وقد سمى الله سبحانه وتعالى أحد أسمائه وصفاته العظيمة بالبديع، والبديع هو المنظم المبدع الذي نظم الكون على هذا الإبداع، ووضع كل شئ في مكانه، وجعل كل شئ يقوم بدوره، ويسبح بحمده أي يقوم بواجبه من الجانب الفعلي ثم بعد ذلك يسبح الله سبحانه وتعالى بلسانه أيضاً والذي نحن لا نعلم لغتهم ولكن الله هو الذي خلق لهم كيفية التعبير عن تسبيح الله سبحانه وتعالى، ولكن الاساس أن كل ذرة من ذرات هذا الكون تؤدي دورها بدقة وليس فيها شئ زائد كما انه ليس فيها شيئ ناقص.
فإذا كان التنظيم بهذا الشكل في الاسلام فإننا نرى أن سبب تخلفنا على مستوى الأمم وعلى مستوى الجماعات هو عدم وجود هذا التنظيم، وحديثي اليوم ليس في تنظيم وتخطيط الدول، ولا في الجماعات ولا في الوزارات التي فعلا تتخبط في كثير من الأحيان، تقرر شيئا ثم تتراجع ثم تعود وتتراجع، وكم تضيع من الأموال وكم تضيع من الجهود ولا يبنى شئ على شئ، وإنما كل شخص او كل مسؤول في معظم البلاد يبدأ بنفسه، وكأنما الكون بدأ به، ولم يبدأ بآلاف سنين التي يعيش فيه الانسان ويحقق التجارب الناجحة والتجارب الفاشلة.
حديثي اليوم بمناسبة بداية السنة الجديدة للدراسة والمدارس لأولادنا الأعزاء ذكورا وإناثا، كيف ننظهم؟ وكيف نضع لهم خطة؟ هذا هو الواجب، فلو الان، في بداية السنة، بدأنا بتنظيم أمورهم حسب ما يريده الله سبحانه وتعالى ووضعنا لهم برنامجا متكتملا فقد أسعدت نفسك، وأسعدت أولادك، لأن التخطيط والتنظيم سعادة وأن الفوضى والعبث قلق واضطراب ومشاكل نفسية، بالاضافة الى الضياع.
فالعملية تبدأ من الأن نبدأ بتنظيم أوقاتهم من الراحة والاستجمام واللعب واللهو المباح والدراسة والتفكير والحوار، لأن الاساس هو البيت، والمدرسة هو المفتاح، وقد التقيت ببعض الإخوة من كوريا الجنوبية وقالوا: بأنهم ينظمون أوقات أولادهم بحيث لا تقل مدة الدراسة مع المدرسة عن تسع ساعات يومياً حتى نجعلهم مبدعين، وبدون ذلك لن نستطيع أن نفعل شيئا، لأننا في صراع مستمر، وليس لدينا بترول نعيش عليه وانما نعيش على عقولنا ونعيش على أفكارنا.
كوريا الجنوبية كانت متخلفة وفي حروب، ولكن خلال ثلاثين سنة وصلت اليوم الى سادس دولة في عالم التقتيات والتكنولوجيا، وفي بعض الأمور التقنية تعتبر الدولة الأولى، وهي تنافس أمريكا بكل جدارة في مجال وسائل التواصل والاتصالات.
وصلت كوريا الى القمة بهذه الجدية وبهذا التنظيم، وبهذا العمل، علما أن مصر كانت تصتع سيارات نصر ولكن بسبب سوء التنظيم والفساد اندثر هذا التصنيع، وكوريا الذي بدأ بعد مصر بعشرات السنين سبقت مصر، علما ان نهضة مصر بدأت في أيام محمد علي باشا، على الرغم ما كان عليه من بعض الأمور، ولكنه بدأ بنهضة، فاستطاع أن يجمع معظم الصناعات داخل مصر حينما لم يكن هناك يابان ولا كوريا، ولكنهم تقدموا بالاصرار على التنظيم والاصرار على التخطيط.
والتخطيط والتنظيم يبدأ من البيت، والفوضى أيضا تبدأ من البيت، فإذا ربينا أولادنا على الفوضي وعلى الرفاهية والدلال فلن يصبحوا ابدا لا مبدعين ولا منظمين، وإنما يصبحون اتكاليين، ويتفنون في ايذاء الناس من خلال اللعب بالسيارات وإهلاك السيارات، بالصورة التي تشاهدونه، وقد يؤدي ذلك الى انتحار بعضهم لأن هذا العمل في الاساس عمل غير شرعي.
أولادكم أمانة في أعناقكم، وليست هذه في مجال الصلاة فقط ، الاسلام ليس مجرد الأمر بالصلاة ومع أهمية الصلاة والجمعة والجماعة، ومع ذلك يجب أن نجعلهم منتجين، وأن نجعلهم بإذن الله تعالى مبدعين، وهذا إنما يتم من خلال تنظيم وقتهم وجلوسنا معهم، ومن خلال ارشادهم، ونحميهم من كثرة استخدام الاجهزة التقنية الحديثة والانترنت للالعاب فقط ، وعلينا ان نحدد لهم ساعات اللعب وهذه مسؤلية امام الله سبحانه وتعالى.
الخطبة الثانية
سأتكلم في هذه الخطبة عن مسألتين أساسيتين:
المسألة الأولى عجز أمتنا العربية والاسلامية في إيقاف هذه المجازر البشعة التي ترتكب جهارا ونهارا في سوريا مع كل إمكاناتنا المالية والبشرية، إلا عن شئ بسيط تقدمها بعض الدول جزاهم الله خيرا ولكنها لا تفي ، اليوم كل الاسلحة التي كانت متوقعة أن توجه الى الاسرائيل من الطائرات المتقدمة والسنتية والدبابات المتقدمة والمدافع وحتى السفن الحربية ، تستخدم ضد شعب أعزل لا يملكون إلا شيئا بسيطا من الاسلحة التي تحمل على الكتف، فأين الدعم؟ وكيف يعالج هذا الوضع والقتل مستمر وانتهاك الحرمات حدث ولا حرج.
لابد أن يكون هناك ضغوط من الشعوب على الحكام للتحرك المطلوب، علما أن هناك دول مثل قطر والسعودية تتحركان التحرك المطلوب ولكن القضية أكبر بكثير من دولتين متحمستين، بل إن بعض الدول العربية نفسها لازالت إما محايدة أو مؤيدة، ناهيك أن أحدى الدول الاسلامية تضع كل إمكانياتها البشرية والعسكرية في خدمة هذا النظام لضرب هؤلاء المدنيين، والغريب أن الدولة نفسها تساند ما يحدث في البحرين، رغم أن ما يحدث في البحرين لم يواجه بالعنف ولا بالدبابة، فانظر الى هذه التناقضات الغريبة داخل أمتنا الاسلامية والعرية بشكل خاص.
المسألة الثانية مسألة الإغاثة، فالأموال تجمع حقا و جزا الله كل من يساعد، وقد اكتشفت عندما ذهبت في رمضان الى الحدود العراقية السورية، فوجت ثلاثين ألف لاجئ موجود على الحدود، ولم تصل اليهم يد المساعدة إلا بعد أن خبرت الأخوة فوصلنا من مؤسة شيخ عيد 100 ألف دولار ومن جمعية قطر الخيرية حوالي 150 ألف دولار فجزاهم الله خيرا، ولكن هذه المبالغ أمام ثلاثين ألف شخص فيه عجز كبير، واكتشقت أيضا ان هناك سوء توزيع وتنظيم للمساعدات، فترسل المساعدات الى لبنان و تركيا والاردن، ولكن ماذا عن الاخرين؟ لذلك جمعنا من أهل المنطقة من إخوانكم من أحفاد صلاح الدين، رغم قلة ما بأبديهم حوالي 350 ألف دولار لنعين بهم إخواننا اللاجئين.
من خلال هذا المنبر أوجه ندائي للجمعيات الخيرية بالتنظيم والتوازن في توزيع المساعدات، فالآن الشتناء القارس على الابواب وقد تصل في المنطقة الكوردية الى 5 أو 10 تحت الصفر، وقد حاولنا نحن من خلال الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بشراء المدفئة والبطانيات ولكن عملنا بسيط مقابل حجم المعانات، وجزى الله خيرا أحد الاخوة في قطر لما سمع ندائنا في مؤتمر الصحفي فاتصل بي وتبرع 200 الف ريال واشترينا به مصنع آلي لعمل الخبز.
وأما بالنسة لأخواننا اللاجئون السوريون مع الأسف الشديد في المناطق التي تشرف عليها الحكومة العراقية، فهم في سجن كبير لا أحد يستطيع أن يدخل أو يخرج إلا بإذن ، وكل شئ ممنوع ، وقد ارسلنا لهم وفدا وترجينا منهم واستطعنا أن نوزع بعض الأشياء، وعملنا على إخراج بعض من العوائل باسم العوائل العربية الموجودة في المنطقة لكفالتهم وقد استطعنا على إخراج 9000 آلاف شخص ولا يزال فيه 10000 شخص في مثل هذه المخيمات.
ومن هنا نوجه دعوة للحكومة العراقية أن تعامل هؤلاء معاملة إنسانية كما ينبغي أن يعاملوا فقد كان سوريا مأوا للاجئين العراقيين.