بسم الله الرحمن الرحيم
أيها الإخوة المؤمنون
هناك فروق كثيرة جدا بين ثقافتنا الاسلامية التي يربى عليها المسلمون منذ عصر الرسول صلى الله عليه وسلم، من حبهم الكثير، الذي يزيد علي حب الفرد لنفسه، للرسول عليهم السلام، الذي أرسله الله رحمة للعالمين، والذي وصفه الله سبحانه وتعالى وشهد له بقوله (وإنك لعلى خلق عظيم)
هذه الثقافة الاسلامية الانسانية التي تحترم الجميع، ولا تريد أن تؤذي احداً أبداً من العالمين مهما كانت دياناتهم ومهما كانت عقائدهم باطلة، حتى ولو كانوا من عباد البقر، فليس من شأن الاسلام الاستهزاء ابدا ولا السخرية، وإنما شأن الاسلام الدعوة الى الله سبحانه وتعالى والدعوة بالحكمة والبصيرة
في حين أن الثقافة الغربية اليوم التي نشأ عليها الغربيون، هي ثقافة التمرد على الله سبحانه وتعالى بكل ما تعني هذه الكلمة، وهي ثقافة أخذوها من القصص والخرافات، ثقافة مبنية على الصراع بين الانسان الذي خلقه وبين الخالق الرؤوف الرحيم، وهذا أمر بعيد عن العقل جداً.
هذه الثقافة الغربية التي تقوم على التمرد على الله، وتقوم على السخرية والإستهزاء بغير المادة ، تختلف تماما عن الثقافة التي ندين بها والتي تؤمن بها جميع الأديان السماوية الحقة، لذا لا يكون بعيداً أن يكون هناك صراعات على مستوى هاتين الثقافتين المختلفتين.
ومن جانب التربية فإن الاسلام تأمرنا على أن نربى أبناءنا على الخلق العظيم، وعلى المعاملة بالإحسان، بل معاملة السيئة بالحسنة (ولا تستوي الحسنة ولا السيئة إدفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم) بينما التربية الغربية قائمة على تفضيل هذا العنصر الغربي، أو الدماء ذو اللون الأزرق إن صح التعبير، على بقية الدماء بالرغم أن لون الدماء لا تختلف عقلا و شرعاً.
ومن هنا ليس بعيدا بين حين وآخر أن تثار هذه المشاكل بين المسلمين، وليست جديدة ولكنها اليوم جديدة من حيث الأسلوب، جديدة من حيث وسائل العرض، لأن العالم اليوم قرية صغيرة، يعلم الانسن من خلال وسائل الاعلام الحديثة معظم ما يحدث في العالم ولا سيما التي تنشر خلال ثوان معدودة.
نحن المسلمين نسمع هذه الاساءات بين الحين والآخر، من الرسوم المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم، واليوم حينما جاءت قلة قليلة هجينة ومشينة وقاموا بهذا العمل الإجرامي، وأثاروا العالم الإسلامي وحق له أن يثور لنبي أحب اليهم من أبناءهم وأموالهم ومن روحهم وقلوبهم.
ولكن الرسول نفسه الذي نثور له، أمرنا وطبقه على نفسه بأن يكون رد الفعل دائما فعلا ايجابيا، وأن لا تقابل الخطيئة بالخطيئة، والجريمة بالجريمة، بل إن منهج الرسول صلى الله عليه وسلم هو إدفع بالتي هي أحسن (ولا تستوي الحسنة ولا السيئة إدفع بالتي هي أحسن) فكان الرسول صلى الله عليه وسلم من مواصفاته في الكتب القديمة وفي القران الكريم أن حلمه يغلب غضبه، وبينما كان الرسول عليه الصلاة والسلام جالسا بين أصحابه إذ برجل من أحبار اليهود يسمى زيد بن سعنه وهومن علماء اليهود، دخل على الرسول عليه الصلاة والسلام، واخترق صفوف أصحابه حتى أتى النبي عليه السلام، وجذبه من مجامع ثوبه وشده شداً عنيفاً، وقال له بغلظة: أوفي ما عليك من الدين يا محمد، إنكم بني هاشم قوم تماطلون في أداء الديون. وكان الرسول عليه السلام قد استدان من هذا اليهودي بعض الدراهم ولكن لم يحن موعد أداء الدين بعد. فقام عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهز سيفه وقال: ائذن لي بضرب عنقه يا رسول الله، فقال الرسول عليه الصلاة والسلام لعمر بن الخطاب رضي الله عنه ( مره بحسن الطلب ومرني بحسن الأداء ) فقال اليهودي: والذي بعثك بالحق يا محمد، ما جئت لأطلب منك دينا إنما جئت لأختبر أخلاقك. فأنا أعلم أن موعد الدين لم يحن بعد، ولكني قرأت جميع أوصافك في التوراة فرأيتها كلها متحققة فيك إلا صفة واحدة لم أجربها معك وهي أنك حليم عند الغضب، وأن شدة الجهالة لاتزيدك إلا حلماً، ولقد رأيتها اليوم فيك، فأشهد أن لا إله إلا الله وأنك محمد رسول الله، وأما الدين الذي عندك فقد جعلته صدقة على فقراء المسلمين .
هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في تعامله مع الناس، كم آذوه في المكة المكرمة وكم عذبوه و جوعوه وحاصروه وارادوا قتله، وفعلوا ما فعلوا، ومع ذلك لما عاد الى المكة فاتحا وهو ساجد غير مستكبر قال: إذهبوا فأنتم الطلقاء . هذا منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم في التعامل، وهذه الأمة يجب أن تقتدي برسول الله صلى اله عليه وسلم، لأن من أهم شروط قبول العبادة أن تكون عبادتنا وفق منهج الله، وأن تكون خالصة لله، وليس للأهواء والعواطف، وحبنا للرسول وثورتنا له ضد الأعداء عبادة، والعبادة يجب أن تسير وفق منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفق منهج الإسلام، وبعيدة عن الأهواء والشهوات والعواطف التي قال سلفنا الصالح إنها مثل العواصف تعصف بالإيمان وتعصف بالقيم والأخلاق.
فما حدث في قتل بعض السفراء، وفي الإعتداء على بعض الأماكن وإحراق السيارات العامة أو الخاصة، كل ذلك بعيد عن منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو كان ذلك في عصر رسول الله لمنعنا منعا باتا، ولعاقب من يعتدي على أموال الآخرين حتى ولو كان على أموال الكفرة، لأن الأموال مصونة، ولاسيما اذا دخلوا بأمان، وإنه الأمان يعطى ويسعى بذمتهم أدناهم فما بالك بالحكومات والدول، وأن الرسل لا يقت،ل وأن الرسول حمى رسل المسيلمة مع أنهم كانوا مرتدين الى أن وصلوا الى منطقتهم، بالإضافة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمنا شيئا يسمى فقه المآلات، يسمى سد الذرائع، وفقه المآلات أي: أننا ننظر في مآلات أفعالنا، ما الذي تترتب على أفعالنا؟ وما هي نتائج أعمالنا؟. وسد الذرائع أي: أن نسد كل وسيلة وإن كانت مباحة ما دامت تترتب عليها مشكلة أو حرمة أو أمر محرم، فيجب أن تسد هذه الذرائع، ولذلك الرسول صلى الله عليه وسلم كان يعلم المنافقين علما يقينيا، وكان يعلم أن بعضهم إرتدوا عن الإسلام تماما، وأنهم يكيدون للإسلام والمسلمين، وأن لهم علاقة مع الروم، وبنوا مسجد الضرار على أساس هذه العلاقة، ومع ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقتلهم على الرغم من طلب بعض أصحابه ذلك، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم معلما أمته فقه المآلات وسد الذرائع: كلا حتى لا يقال إن محمدا يقتل أصحابه. أي الخوف من تشويه سمعة الإسلام، وهذا من باب المآلات السيئة للفعل، فمنع فعلا مشروعا وعقوبة مشروعة من الناحية الشرعية .
منذ 1200 سنة بدأ الصليبيون حملاتهم، وليس العسكرية فقط كما فعلوها في الشام والاندلس، بل حملات فكرية وغزو ثقافي، وترجموا القرآن ترجمة مشوهة ونشروها ونسخوها فقط من أجل أن يبرهنوا أن الاسلام دين الإرهاب والقوة، ولا يعرف الوعود والعقود، فترجوا الله بالقيصر الظالم، أي أن المسلمين يثنون على الظلمة، ولما يوصف الرب بالرحمن الرحيم فترجموها الى شديد العقاب، وأنه متكبر جبار فيصفون الله بأوصاف ليس هو الاله الذي نحن نعبده.
وبعدها بدأ المستشرقون بتشويه صورة الإسلام وتشوية سنة المصطفى لنشر اسلاموفوبيا منذ عهدهم، ولذا فنحن المسلمين حينما نقوم بأي تصرف غوغائي أمام هذا التلفاز العالمي، فتصور، ولو بمكان بسيط، على أن الاسلام دين ارهاب كما هم يصفونه.
الاسلام إنتشر بالأخلاق وبالقيم، ولذلك لم يصف رب العالمين الرسول بأنه الفاتح الأعظم، أو المنتصر أو القوي أو المجاهد الأكبر، إنما قال بهذا القسم العظيم ( وإنك لعلى خلق عظيم)، وجاء الجملة جوابا للقسم أي في قمة التأكيد، وليس في اللغة العربية تأكيد اكثر تأكيدا من القسم، ولفظ “إن”، و كذلك لام التوكيد، واستخدام “على” بدلا من “في”، كل ذلك يدل على أنك يا محمد صلى الله عليه وسلم مسيطر ومهيمن على خلق عظيم، وأن الخلق العظيم جزء اساسي من فطرتك التي تقوده.
اليوم لا بد أن يكون ردنا على هؤلاء بالفعل والأخلاق والقيم، وبصفات الرسول وشمائله، ولكن مع الاسف ليس عندنا مع كل إمكانياتنا العددية والمالية قناة فضائية أو موقع الكتروني كبير، محكمة باللغات الخمس الاساسية تنشر وتدافع عن الاسلام وحتى الكتب قليل جداً بهذه اللغات. وكنا قد حاولنا أن نعمل على نشر صفات الرسول لثلاثين لغة من خلال اسلام أون لاين، لكن مع تغيير الادارة لم نعرف ماذا قدموا حتى الان. فهل نشرنا ما يكفي عن رسول الله وللدفاع عنه من خلال الكتب المترجمة الصحيحة بأموالنا أو أموال البترول ؟ لماذا لا تصرف ملايين بل مليارات من أجل الدفاع عن رسولنا و سمعته وسمعة أمته؟
نحن سعينا من خلال الاتحاد الاسلامي لعلماء المسلمين لجمع التبرعات لعمل وقف فلم نجمع الا مبالغ بسيطة، اما المسيحية في اجتماع واحد للقسس في كولورادوا في سنة 1988 جمعوا الاغنياء، وفي يومها جمعوا مليار دولار، لأن عدد المسلمين آنذاك مليار شخص فقالوا يجب أن نجمع مقابل كل مسلم دولارا لنحوله عن دينه، وجمعوا ذلك من خلال جمعيات تابعة لهم. فالمظاهرات لا تكفي ولا ندخل الجنة فقط به، وإنما ندخل الجنة بالايمان والعمل المنظم وخدمة القران الكريم.
الله سبحانه عندما استهزء به، قال لرسوله ( فاصدع بما تؤمر وأعرض عن الجاهلين) أي أظهر دينك وبلغ رسالتك وهذا هو المطلوب أن تبلغ الرسالة عن طريق الانترنيت والتلفاز والافلام عن الرسول صلى الله عليه وسلم وعن شمائله بصورة مكثفة وبشكل مستمر بدون انقطاع.
نحن في الاتحاد ارسلنا رسالة الى الامين العام في الامم المتحدة وطالبنا فيه بإصدار قرار بمنع الازدراء بالاديان السماوية وبمحمد صلى الله عليه وسلم الذي يمثل اكثر من مليار وسبعمائة مليون مسلم كما تمنع الازدراء بالهولوكوست. فيجب علينا التحرك الصحيح وإلا فيعاتبنا الرسول صلى الله عليه وسلم وإلا لا سامح الله قد يقول: ردوا هؤلاء لأنهم لم يقوموا بواجبهم نحوي .
الخطبة الثانية
أيها الإخوة
على الرغم من كل الإعتداءات ولكن الاسلام ينتشر، ولكن الاسلام يعلو ولا يعلى عليه، ففي كل يوم يسلم ويدخل فيه الكثيرون، وتتحول النقمة الى النعمة، حتى هذه الهجمات تدفع الناس للقراءة عن الرسول صلى الله عليه وسلم فتجعلهم يدخلون في دين الله أفواجا. هذا الدين سيصل الى كل العالم بعز عزيز أو بذل ذليل، هكذا ارادة الله، وهكذا نرى الدين تنتشر، ولكن فليكن لنا شرف المشاركة فيها كما قال أحد كبار العلماء للسلطان ألب أرسلان: يا سلطان، إن قافلة الدعوة والجهاد تسير فليكن لك شرف المشاركة فيها.
وحديثي الثاني في الخطبة الثانية هي عن الجرائم المؤذية التي لا يقبلها الانسان، والتي لا يمكن ان يحدث الا في أيام المغول والتتر، فما يحدث في سوريا، في الشام الحبيبة من قتل وتمدير وانتهاك الأعراض وانتهاك الحرمات بالطائرات والدبابات والاسلحة المدمرة التي اشتريت بأموال الشعب توجه اليوم لتدمير الشعب بالكامل، وقد تحدث عنه اخيرا واعترف بهذه الجرائم المنظمات الدولية، ولكن مازالت الارادة العربية ليست على المستوى المطلوب، فكل ارادة الدول العربية لا تساوي ارادة دولة واحدة تدعم هذا النظام الفاجر بكل قوتها. واتمنى أن تكون الامة الاسلامية كلها تصل في الارادة الى الدولة الواحدة هذه. وكل هذه الدول التي لم تقم بواجبها مسؤولة امام الله سبحانه وتعالى فلا يجوز ان نترك شعبا يقتل بهذا الشكل.
وكذلك اخواننا في بورما فهم ايضا يضطهدون ويقتلون، ولا نجد من يحرك ساكنا، وكذلك اخوانكم في الجماعة الاسلامية في بنغلاديش يحاكم قادتهم كلهم بجرائم لا اساس لها وهم بريئون منها، فيعاملون باسوء معاملة وقد يصل الامر الى الاعدام لأنهم اسلاميون فقط .