العرب – الدوحة
يستكمل الشيخ علي محيي الدين القره داغي، حديثه عن الإجارة في الإسلام، بتطرقه للإجارة في السنة النبوية، فيقول: تكفلت السنة النبوية المشرفة بتفصيل الإجارة وكثير من أحكامها وآدابها، فقد خصص البخاري أحكامها بكتاب خاص سماه: كتاب الإجارة، وذكر فيه اثنين وعشرين باباً، واشتمل على ثلاثين حديثاً، المعلق منها خمسة، والبقية موصولة، ووافقه مسلم على تخريجها سوى أربعة أحاديث، وفيه من الآثار ثمانية عشر أثراً.
وكذلك فعل أبو داود في جامع سننه وقد ذكر باب استئجار الرجل الصالح، ثم باب رعي الغنم على قراريط وذكر فيه حديثاً بسنده إلى أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ما بعث الله نبياً إلا رعى الغنم”، فقال أصحابه وأنت؟ فقال: “نعم، كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة”.
ثم ذكر باب استئجار المشركين عند الضرورة، أو إذا لم يوجد أهل الإسلام، فأورد بسنده عن عائشة رضي الله عنها: “استأجر النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رجلاً من بني الديل، ثم من بني عبد بن عدي هادياً خريتاً” -الخريت الماهر بالهداية-.
ثم ترجم باب: إذا استأجر أجيراً ليعمل له بعد ثلاثة أيام –أو بعد شهر أو بعد سنة– جاز، وأورد الحديث السابق للدلالة على ذلك، ثم ترجم باب الأجير في الغزو، وباب: إذا استأجر أجيراً فبين له الأجل ولم يبين العمل واستدل في ذلك بقوله تعالى: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ} إلى قوله تعالى: {وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ} حيث مال البخاري إلى جواز ذلك، قال الحافظ ابن حجر: “ووجه الدلالة منه أنه لم يقع في سياق القصة المذكورة بيان العمل، وإنما فيه أن موسى أجر نفسه من والد المرأتين”، ثم قال: “قال المهلب: ليس في الآية دليل على جهالة العمل في الإجارة، لأن ذلك كان معلوماً بينهم، وإنما حذف ذكره للعلم به، وتعقبه ابن المنير بأن البخاري لم يرد جوازاً أن يكون العمل مجهولاً، وإنما أراد أن التنصيص على العمل باللفظ ليس مشروطاً، وأن المتبَع المقاصد، لا الألفاظ.
ومنها باب من استأجر أجيراً فترك أجره، فعمل فيه المستأجر فزاد، أو من عمل في مال غيره فاستفضل، فروى فيه قصة الثلاثة الذين دخلوا الغار.
ومنها باب أجرة السمسرة: ولم يرَ ابن سيرين وعطاء، وإبراهيم والحسن بأجر السمسار بأساً، وقال ابن عباس: لا بأس أن يقول بع هذا الثوب، فما زاد على كذا وكذا فهو لك، وقال ابن سيرين: إذا قال: بعه بكذا، فما كان من ربح فلك، أو بيني وبينك فلا بأس به، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: “المسلمون على شروطهم”.
ومنها باب: هل يؤاجر الرجل نفسه من مشرك في أرض الحرب؟ فأورد فيه حديث خباب قال: “كنت رجلاً قيناً، فعملت للعاص بن وائل..”. ووجه الاستدلال: أن النبي صلى الله عليه وسلم قد اطّلع على ذلك وأقره، قال المهلب: “كره أهل العلم ذلك إلا لضرورة بشرطين:
أحدهما: أن يكون عمله فيما يحل للمسلم فعله.
والآخر: أن لا يعينه على ما يعود ضرره على المسلمين”.
وقال ابن المنير: “استقرّت المذاهب على أن الصناع في حوانيتهم يجوز لهم العمل لأهل الذمة، ولا يعد ذلك من الذلة، بخلاف أن يخدمه في منزله، وبطريق التبعية له”.
ومنها باب ما يعطى في الرقية على أحياء العرب بفاتحة الكتاب، وقال ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم: “أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله” قال الحافظ ابن حجر: حديث ابن عباس رضي الله عنهما وصله المؤلف رحمه الله في الطب واستدلّ به للجمهور على جواز أخذ الأجرة على تعليم القرآن، وخالف الحنفية فمنعوه في التعليم، وأجازوه في الرقى كالدواء”.
ومنها باب كسب البغي والإماء. وكره إبراهيم النخعي أجر النائحة والمغنية، ثم أورد فيه حديث أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه: “أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب ومهر البغي وحلوان الكاهن”.
ومنها باب عسب الفحل حيث أورد حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: نهى عن عسب الفحل –أجرة نزوه–.
وختم البخاري بباب: إذا استأجر أرضاً فمات أحدهما، وقال ابن سيرين: ليس لأهله أن يخرجوه إلى تمام الأجل، وقال الحكم والحسن وإياس بن معاوية: تمضي الإجارة إلى أجلها.
وقال ابن عمر: أعطى النبي صلى الله عليه وسلم خيبر بالشطر فكان ذلك على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وصدراً من خلافة عمر، ولم يذكر أن أبا بكر وعمر جددا الإجارة بعدما قُبض النبي صلى الله عليه وسلم ثم أورد أحاديث في الباب.
قال الحافظ ابن حجر: “الجمهور على عدم الفسخ –أي فسخ الإجارة بموت أحد العاقدين– وذهب الكوفيون، والليث بن سعد إلى الفسخ”.;