سنتحدث في هذه الخطبة ان شاء الله على معنى المسابقة في الخيرات << سابقوا الى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض>> وسابقوا هنا يعني أن كل الخيرين يدخلون حلبة سباق وكل منهم يسعى جاهدا أن تكون له الجائزة الأولى في هذا السباق وهذا ما اتفق عليه علماء اللغة في معنى كلمة “سابقوا” أنها من باب المشاركة التي تخص باب المفاعلة  والتي تقتضي هذه المشاركة أنك تشارك مع الآخرين في هذه المسابقة ولكنك تسبقهم وتكون بذلك مشاركتك أقوى من مشاركة الآخرين. إذا ايها الاخوة وها نحن نعيش في شهر علينا أن نتسابق فيه على فعل الخيرات وهو فرصة لا تأتينا الا شهر واحد في السنة فعلينا أن ننتهز الفرصة كما يجب وها نحن اليوم في اليوم السابع عشر من هذا الشهر المبارك ولم يبقى لنا الا أيما قليلة تمر كالبرق الخاطف فلننتهز هذه الفرصة واسبق غيرك في الصلاة والقيام وتلاوة القرآن والصدقات والتوبة والتضرع الى الله سبحانه وتعالى.

بل أن الله سبحانه وتعالى وصف هؤلاء الذين يستحقون الجنة ومن الصالحين بهذه الأوصاف الرائعة الرائدة حيث قال سبحانه << أولائك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون>> وهؤلاء المسابقون يصلون الى مرحلة يكونون فيها من السابقين للخيرات وكيف يسبق الانسان الخيرات؟ هذا لا يتم الا اذا أصبح الانسان شغله الشاغل هو فعل الخيرات تفكيرا وتنزيلا وبهذا وكأن الله سبحانه وتعالى يقول أن هؤلاء قد أصبحوا قدوة للخيرات أي أن الخيرات تتبعهم وهم يقودونها.

ولذلك كان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا سيما المهاجرين والانصار وقد شهد الله لهم بهذه الشهادة<< والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار>> وهذه شهادة أنهم من هؤلاء السابقين وبالفعل فقد كانوا رضوان الله عليهم متسابقين في كل شيئ فكما جاء في الأثر أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه جاء متصدقا بنصف ماله الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد أبا بكر عنده وقد تصدق بماله كله رضي الله عنه والرسول يقول له ماذا تركت لأهلك يا أبا كر قال تركت لهم الله ورسوله يا رسول الله.

وكذلك الأمر بالنسبة للأنصار عندما استقبلوا المهاجرين من مكة فاقتسموا معهم نصف ما يملكون بل ذهب البعض منهم أن يطلق احدى زوجاته ليتزوجها المهاجر فانزل الله فيهم << ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولائك هم المفلحون>> ولذلك أيها الاخوة الأحبة هؤلاء هم السابقون << والسابقون السابقون أولائك المقربون>> ولذلك فلا يمكن أن نصل الى هذه الدرجة إلا بمواصفات عالية وصفات راقية وجهد كبير. فحضراتكم تعلمون أن الله يقسم الخلائق يوم القيامة الى ثلاثة أنواع أصحاب الشمال الذين يساقون الى النار وأصحاب اليمين ثم داخل أصحاب اليمين قسمان هناك السابقون وهناك درجات أخرى بل داخل السابقين والمقربين درجات ولو أتينا لكم بثلاثة نماذج من هؤلاء الذين يستحقون بفضل الله وكرمه ورحمة دخول الجنة مبينا الصفات الاساسية لهؤلاء النماذج الثلاثة فيتحدث سبحانه في سورة المعارج عن الناجين من أمرين عن النار يوم القيامة وعن الجشع والقلق والطمع في الدنيا وهؤلاء الناجون حسب الوصف القرآني يدخلون الجنة ولكن الجنة كما تعلمون لها ثمانية أبواب فهؤلاء كما بينت السورة يدخلون الجنة دون مواصفات عالية فلم يحدد مثلا درجة الفردوس أو ما دونها بل يدخلون الجنة وفقط فيصفهم الله سبحانه بأمرين أساسيين وذلك بأداء العبادات الاساسية والأركان من جهة وحفظ الفروج والحفاظ على النوع الانساني وكذلك الامتناع عن بقية المنكرات والحفاظ عن العهود والمواثيق فيقول << ان الانسان خلق هلوعا إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا إلا المصلين الذين هم على صلاتهم دائمون والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم والذين يصدقون بيوم الدين>> ثم يتحدث القرآن عن << والذين هم لفروجهم حافضين الا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين>> وكما تلاحظون أول مواصفة هي الدوام على الصلاة ولذلك فإن النجاة من النار في الآخرة ومن القلق النفسي في المنيا لا يتحقق بالشكل الكامل الا بالمداومة على الصلاة والوصف الثاني هو أنهم يؤدون الزكاة << والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم>> والحق المعلوم في القرآن الكريم المقصود به دائما الزكاة وهذه المواصفات حسب علم حضراتكم هي أدنى المواصفات لوصول الانسان بفضله سبحانه لدخول الجنة ولكن لننظر الى المواصفات الاعلى في سورة الذاريات << ان المتقين في جنات وعيون إنهم كانوا قبل ذلك محسنين>> أي قبل وصولهم كانوا من المحسنين في الدنيا طيب وما هو الاحسان؟ فقد فسر الله في كتابه العزيز الاحسان كما فسره صلى الله عليه وسلم في ثلاثة معاني، المعنى الأول الاتقان، متقنين في عباداتهم متقنين في أعمالهم متقنين في تصرفاتهم مع الآخرين متقنين في كل شيئ أما المعنى الثاني كانوا يزيدون في الصدقات عن الفرائض المعنى الثالث فسره الرسول صلى الله عليه وسلم وهو أن تعبد الله كأنك تراه فان لم تكن تراه فإنه يراك وهنا العبادة ايها الاخوة ليست مقتصرة على الصلاة والصيام وغيرها انما هي تشمل كل أوامر ونواهي الله سبحانه وتعالى ويواصل سبحانه في وصف هؤلاء<< كانو قليلا من الليل ما يهجعون>> وهنا” كانو” تعني الاستمرار كما عرفها علماء النحو، يقومون الليل الا قليلا يتظرعون اليه سبحانه ويدعونه وكذلك هنا لم يحدد سبحانه الصلاة فقط فمن الممكن أن تسهر الليل وأنت تعمل في مصلحة الامة وقضاء حوائج الناس أو مدارسة العلوم فأنت كذلك مشمولا بهذه اللآية ويواصل سبحانه وصف هؤلاء الذين حين يقترب الصبح وتنتهي رحلتهم مع الله سبحانه يقبلون على الاستغفار خوفا من عدم القبول لكل هذه المجهودات التي بذلوها على امتداد الليل فيقول << وبالاسحار هم يستغفرون>> ويستمر سبحانه في وصفهم في مسألة الزكاة والصدقات فيقول<< وفي أموالهم حق للسائل والمحروم>> وهنا حاءت كلمة “حق” بشكل مطلق غير مقيدة بمعلوم ولا بمقدار أي يعني أن مالي كله حق لي ولحوائج المحتاجين والفقراء في كل وقت وكل حين.

أما الدرجة والصفة الثلاثة فحتى لا أطيل عليكم فإننا سنتطرق اليها في خطبة لاحقة باذنه تعالى.

الخطبة الثانية:

الحمد لله الحكيم القدير مالك الملك وهو على كل شيئ قدير أيها الاخوة الاحبة نحن تحدثنا عن هذه المواصفات العالية لهذه الدرجات العالية ولكن والذي نفسي بيده فإن حتى النجاة من النار فقط وعدم دخول الجنة وحتى لو كنا من أصحاب الاعراف فإنها تستحق منا أن نعبد الله ليلا نهارا لأن النار ولهيبها كما تعلمون وكما جاء في وصفها في أكثر من دليل فإنها بالفعل لا قبل لنا بها فنحن لا نتحمل لهيب شمعة بسيطة في أي عضو من اعضائنا فكيق بنا بنار جهنم والتي تمثل النار التي لدينا واحد من مائة جزء منها فقط.

ولذلك أيها الاخوة الاحبة نحن الآن أمامنا فرص كثيرة جدا لنعتق أنفسنا من هذه النار باذن الله تعالى فنحن في شهر تتضاعف فيه الحسنات وتصفد فيه الشياطين فلننهل منه عبادة وتقوى وخاصة ما تعلق بفعل الخيرات وسد حاجة المحتاجين من المسلمين فأمتنا الاسلامية اليوم في حاجة شديدة وفقر لا مثيل له بين أمم العالم فأفقر شعوب العالم هم من المسلمين وللاسف الشديد ولهذا أيها الاخوة الاحبة ونسأل الله أن يزيد الخيرات على هذه البلاد وغيرها من بلاد المسلمين ولكن نقول كما قال علماؤنا شكر النعمة من جنس النعمة فأن تشكر الله على نعمة المال فما عليك إلا أن تتصدق منه وتؤدي حق الله فيه فلا ينفع الشكر باللفظ وأنت صاحب المال ولهذا أيها الاخوة فلننظر الى اخواننا المشردين في باكستان فالأمر والله جد خطير 20 مليون مسلم مشرد 6 ملايين ونصف بدون مأوى 3 ملايين ونصف من الأطفال معرضون للأمراض والاسهالات نتيجة المياه الملوثة وبالرغم من ذلك مازالت المساعدات شحيحة وغير كافية ونحن في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين شاركنا في حملة تبرعات في دولة الكويت وكنا قبل ذلك قد استنفرنا الامة بالبيانات والتصريحات من أجل الاسراع باغاثة هذا الشعب المسلم الذي لم يتخلف يوما عن مساندة الامة الاسلامية وقضاياها الاساسية ولكن وللاسف كما قلنا لا زالت المعونات دون سد الحاجة بكثير ولهذا أدعوكم اخواني أن تحرصوا على مزيد يد العون من خلال المنظمات الاسلامية الخيرية بكل ما تستطيعون وأنا والله أعتبر وحسب النصوص الشرعية أن دعم هؤلاء المسلمين مسبق على غيره من كثير من أعمال الخير والطاعات الأخرى فمثلا من يرغب في عمرة وهو من المعتمرين كل سنة فأولى له هذه السنة أن يدفع ثمع عمرته هذه الى اخوانه في باكستان وبهذا يكون قد ساهم في انقاذ حياة عدد من المسلمين فهؤلاء يوميا هم معرضون للموت << ومن أحياها فكأنما أحيى الناس جميعا>>

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

((للإستماع الى الخطبة تصفخ: خطب 2010)