بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وخاتم الرسل والنبيين محمد وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه إلى يوم الدين .
وبعد :
فقد أولى الاسلام عناية منقطعة النظير بالرحمة والعدالة والمعاني الانسانية حتى لا نرى مثلها في أي نظام ، أو دين آخر ، ويكفي ان نرى القرآن الكريم يكرر لفظة ” رحم ” ومشتقاتها أكثر من 340 مرة ، تحدث فيها عن عظمة الرحمة ، وكونها صفة لرب العالمين ، بل إنها الكلمة الوحيدة التي اشتقت منها صفتان لله تعالى يذكرهما المسلم في صلاته ، وعند بدئه بأي عمل فيقول : بسم الله الرحمن الرحيم ، بل جعل الله تعالى الغاية من إنزال هذه الرسالة المحمدية هو نشر الرحمة للعالم أجمع وليست للمسلمين وحدهم فقال تعالى : (وما أرسلناك إلاّ رحمة للعالمين)[1] ويقول : ( ورحمتي وسعت كل شيء )[2] ، وجاءت السنة النبوية لتوضيح هذه المعاني السامية من خلال السنة القولية ، والسنة العملية ، فقد وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه بأنه (نبي الرحمة )[3] كما وضع صلى الله عليه وسلم قاعدة في غاية من الأهمية تقضي بأنه ( من لا يَرْحَم لا يُرْحَم )[4] وأن الله لا يرحم من لا يرحم المخلوقات إلى غير ذلك من الأحاديث التي لا يمكن حصرها هنا ، إضافة إلى أن سيرته صلى الله عليه وسلم كانت تطبيقاً لهذه الرحمة حيث كان يؤذى من قبل قومه بشتى أنواع الأذى والإهانة ،ومع ذلك يمتنع عن أن يدعو عليهم ، أو يطلب من الله تعالى أن يهلكهم بصاعقة في الدنيا ، بل كان يدعو لهم ، ويرجو أن يخرج من أصلابهم مَنْ يعبد الله [5] ، وينتصر في فتح مكة ويرى كل أعدائه الذين آذوه فيقول لهم ( اذهبوا فأنتم الطلقاء )[6] .
ومع كل ذلك لم ينج الإسلام من هجمات الأعداء ، فوصفوه بالقسوة في تشريعاته ولا سيما في الحدود ، وبالعنف في استعماله القوة ، وأنه انتشر بالسيف .
ونحن في هذا البحث نتحدث عن ( القوة ) في الاسلام ، وكيفية استعمالها ، وعن وسائل نشر الاسلام هل هي السيف أم غيره ، وكذلك نتكلم عن الجهاد في الاسلام باعتباره أهم مظهر من مظاهر استعمال القوة باذلين جهدنا للوصول إلى ما نصبو إليه .