الوقف
ومؤسسات المجتمع الأهلي :
ظهر
مصطلح ” مؤسسات المجتمع المدني ” أو ” الأهلي ” في العقود
الأخيرة للدلالة على المؤسسات الأهلية غير الحكومية ، ودورها في خدمة المجتمع في
مختلف مجالات الحياة ، وفي خدمة الإنسان من حيث حقوقه ، وحماية كرامته .
ونستطيع
القول : بأن مؤسسات المجتمع الأهلي تسعى جاهدة ـ خارج إطار الدولة ومؤسساتها ـ
لتحقيق المقاصد الضرورية والحاجية للإنسان والمجتمع من خلال حماية الإنسان ،
وحريته الدينية ، وحماية النفس والعرض ، والمال ، وغيرها من المقاصد المعتبرة
بالإضافة إلى تحقيق العدل ، وحماية ممتلكات الشعب من خلال المؤسسات الرقابية
والإعلامية .
يقول
المستشار إبراهيم البيومي غانم : ” وإذا قبلنا بأن المجتمع المدني ـ في أحد
تعريفاته العامة والشائعة يشير إلى ” كل المؤسسات التي تتيح للأفراد التمكن
من الخبرات والمنافع العامة من دون توسط الحكومة ” وباستقلال عن الجهاز
القهري للدولة ، وأن موضوعه ينصب على ” المجال المعرفي الذي يتناول المؤسسات
، والممارسات التي تقع بين مجالي الأسرة والدولة ” ، فإن إدراك علاقة الوقف
بالمجتمع المدني في الوطن العربي على وجه التحديد يتطلب بالضرورة تجاوز المعاني
اللغوية والمشاحات الاصطلاحية المجردة ، والنفاذ مباشرة إلى التجليات العملية
والممارسات الاجتماعية لكليهما في أرض الواقع .. ” ثم ختم ورقته بأن ”
ثمة علاقة أكيدة نشأت بين نظام الوقف والمجتمع المدني / الأهلي العربي بغض النظر
عن النمط الذي أخذته هذه العلاقة ” [1]
.
وقبل
أن أبين هذه العلاقة أود أن أؤكد على أن المجتمع القوي المتحضر هو الذي تقوم
الدولة فيه بواجباتها العسكرية ، والسياسية والاقتصادية ، والاجتماعية من خلال
منظوماتها ومؤسساتها ومواردها المالية الخاصة بها …
وبالتوازي
لأعمال الدولة ينهض المجتمع أيضاً بواجباته الأهلية من خلال مجموعة من المؤسسات
المتنوعة التي لها أيضاً منظومتها ومواردها الخاصة بها .
فحينما
يلتقي هذان الخطّان ، ويتحركان عبر خطة محكمة ، ومنهج صحيح كل في دائرته ومن خلال
منظوماته الخاصة بها يتكامل المجتمع ، فيتقدم تقدماً سريعاً في كافة مجالات الحياة
، ويتكون التكافل الاجتماعي ، والتماسك الداخلي ، والأمن السياسي والأمان
الاقتصادي ، وتتحقق الحضارة والرفاهية ، كما نشاهد ذلك ـ على المستوى المادي ـ في
الدول المتقدمة .
وقد
رأينا من خلال النصوص السابقة التي ذكرناها حرص الإسلام على الوقف والصدقات العامة
، والقرض الحسن حتى وصلنا إلى فكرة الواجب الكفائي في مجال التكافل الاحتماعي ـ
كما سبق ـ
ومما
لا شك فيه أن الوقف الذي حرض عليه الإسلام وطبقه الرسول صلى الله عليه وسلم ومعظم
صحابته ـ إن لم يكن جميعهم ـ يدخل في هذا الإطار الكفائي التكافلي .
ثم
إن الوقف تنوعت أشكاله ، وتعددت مصادره ، وموارده ، ومصارفه ، وشملت مؤسساته مختلف
مجالات الحياة ، نذكر هنا أهمها :
1
ـ أوقاف ضخمة على المساجد والجوامع وعلى رأسها الوقف على المساجد الثلاثة ، المسجد
الحرام ، ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم ، والمسجد الأقصى .
2
ـ أوقاف عظيمة على المدارس والجامعات ، بدءاً من المحاضر ، والكتاتيب ، والمدارس
الملحقة بالمساجد ، ومراكز تحفيظ القرآن الكريم ، والسنة المطهرة ، إلى الجامعات
والمدارس النظامية ، وبشكل متكامل حتى نستطيع القول بأن الوقف هو الذي تحمل أعباء
التعليم في الأمة .
3
ـ أوقاف عظيمة على الأماكن الخاصة بالتربية ، والتزكية كالتكايا ، والخانقاه
ونحوها ، حيث ساهمت هذه الأوقاف في تمويل هذه المؤسسات باستمرار .
4
ـ أوقاف عظيمة على الجهاد في سبيل الله ، وحماية الثغور ، ونحو ذلك ، حيث ساهمت
هذه الأوقاف في تحمل أعباء كثيرة للدفاع عن الأمة ودينها .
5
ـ أوقاف عظيمة على البيمارستانات ( المستشفيات ) بأنواعها الكثيرة وبشكل تكفي
أموال الوقف لإدارة هذه المستشفيات على صورة مؤسسية وعلى الرفاهية .
ولذلك
نستطيع القول بأن الوقف وحده هو الذي تحمل أعباء الصحة والمستشفيات في الأمة الإسلامية
خلال عصورها الزاهية .
6
ـ أوقاف خاصة بالفقراء والمساكين .
7
ـ أوقاف خاصة بالذين انقطع بهم السبيل وهم محتاجون إلى مساعدات لتوصيلهم إلى
بلادهم وأوطانهم .
8
ـ أوقاف خاصة بالخانات ، أي أماكن الاستراحات بين المدن ( أي الفنادق المجانية
للمسافرين ) لتطوير حركة السفر ، وحتى لا يكون عدم المال مانعاً من السفر ،
والرحلات العلمية ، أو التجارية.
9
ـ أوقاف خاصة بالعلماء من الدعاة والمدرسين ، ونحوهم .
10
ـ أوقاف خاصة بطلبة العلم ، لمعيشتهم وكفالتهم حتى يستكملوا العلوم المطلوبة .
11
ـ أوقاف خاصة بالثغور ( أي حماية الحدود الإسلامية ) .
12
ـ أوقاف خاصة بالقرآن الكريم من حيث كتابته ونسخه ، وتعليمه ، وحفظه ، ونشره .
13
ـ أوقاف خاصة بالسنة المشرفة من حيث حفظها وتعليمها ، ونسخها ونشرها بين المسلمين
، بل هناك أوقاف خاصة بصحيح البخاري ، أو صحيح مسلم .
14
ـ أوقاف خاصة بنشر الدعوة من حيث تخصيص ريع الوقف للدعاة ، والمدعوين والمسلمين
الجدد ، أو المهتدين الجدد ، ومن حيث الانفاق على الأدوات والوسائل الجديدة للدعوة
من وسائل الإعلام المرئية والمسموعة ، والمقروءة والمكتوبة .
وفي
عصرنا الحاضر يمكن الوقف على الدعوة من حيث الأشرطة ، ووسائل التواصل الاجتماعي
المعاصرة من الانترنت وهكذا .
15
ـ أوقاف خاصة لتزويج غير القادرين من الرجال والنساء ، بحيث تضمن لهم مصاريف
الزواج ، بل والنفقة إلى أن يجدوا العمل المناسب .
16
ـ أوقاف خاصة بالنساء الأرامل ، وأوقاف خاصة للأرامل اللائي لديهن أولاد ، بل
وجدنا أوقافاً خاصة بالأرامل التي لديها بنات فقط .
17
ـ أوقاف خاصة باليتامى وكفالتهم .
18
ـ أوقاف خاصة بأداء الديون .
19
ـ أوقاف خاصة بالمكتبات ، والكتب للقراءة والبحث ، حتى اشتهرت الحضارة الإسلامية
بالمكتبات الضخمة منذ زمن قديم .
20
ـ أوقاف خاصة للجسور ، والطرق .
21
ـ أوقاف خاصة بمشاريع المياه من حفر الآبار ، وشق الترع ، ونحو ذلك .
22
ـ أوقاف خاصة بالمقابر ، حيث أوقفت أراضي كثيرة لتكون مقابر للمسلمين
23
ـ أوقاف خاصة لصالح العجزة وذوي الاحتياجات الخاصة ، بل وجدنا بعض الأوقاف الخاصة
بالأعمى فقط ، أو بالأصم ، وهكذا .
24
ـ أوقاف خاصة بالمسنين .
25
ـ أوقاف خاصة بالخدم والخادمات في حالات كسر الأواني ، أو الإضرار بأموال أسيادهم
.
26
ـ أوقاف خاصة بمن حبس عنه أجره ظلماً من قبل أصحاب العمل .
27
ـ أوقاف خاصة بالحيوانات أو الطيور عامة ، أو أنواع معينة مثل الخيل .
28
ـ أوقاف خاصة لأماكن الوضوء للنسوة خاصة .
29
ـ أوقاف خاصة لمن يدخل السرور في قلوب المرضى من الوعظاء والقصاصين .