حقوق غير المسلمين في ظل الدولة الإسلامية :
على ضوء المنهج الذي اخترته ، وهو منهج ” فقه الميزان ” فإن غير
المسلمين في ظل ميزان الحرب تختلف حالهم وحقوقهم فيما لو كان الميزان المطبق هو
ميزان السلم ، فعلى ضوء ذلك نقول :
أولاً : إن غير المسلمين اليوم الذين يعيشون في بلاد
الإسلام والمسلمين منذ القدم هم مواطنون لهم حقوق المواطنة ، وعليهم الواجبات ،
ولا يستثنى من ذلك إلاّ ما نص على استثنائه نص صحيح صريح قطعي الدلالة ، أو ما
يتعلق بالحقوق الخاصة الناشئة من دين الأكثرية ، أو الأقلية .
إن هذا الاستثناء معقول حتى في ظل النظم المعاصرة التي يشترط بعضها ، أو
أكثرها في أوروبا والغرب أن يكون رئيس الدولة ممن يدينون بالمسيحية مثلاً ، ولذلك
فاشتراط أن يكون الرئيس من دين الأكثرية أمر مقبول ومعقول ومطبق حتى في عالمنا
الذي يدعي الديمقراطية ، وذلك لأن مثل هذه الشروط لن تؤثر في جوهر المساواة في
الحقوق والواجبات ، ولن تتغير حقوق المواطنة في أركانها وجوهرها .
ويدل على ذلك ما يأتي :
1)
أن الوثيقة ، أو الصحيفة ، ـ أو ما يسمى بدستور المدينة الأول
ـ أعطت حقوق المواطنة والحرية الدينية ،
وحق التحالف إلاّ مع الأعداء[1] كما سبق .
2)
إن القاعدة العامة في حقوق أهل الذمة هي : ( أن لهم ما لنا ،
وعليهم ما علينا ) حيث قال علي رضي الله عنه : ( إنما قبلوا الجزية لتكون أموالهم
كأموالنا ، ودماؤهم كدمائنا )[2] .
وهناك
نصوص كثيرة في الحفاظ على حقوقهم وحمايتهم ـ كما سيأتي ـ .
3)
إن ما فرضه الإسلام على أهل الذمة من الجزية ، والخراج هو من
حقوق المواطنة ايضاً ـ كما سبق ـ .
ومن
الجدير بالتنبيه عليه أن مصطلح ” أهل الذمة ” يعني أنهم أهل عهد وذمة
الله ورسوله .
ثانيا : إن تفاصيل هذه الحقوق قد ذكرها علماؤنا قديماً
وحديثاًَ ، وفصلتها كتب الفقه في المذاهب المعتبرة ، وممن ذكرها بالتفصيل والتأصيل
من المعاصرين الأستاذ الدكتور عبدالكريم زيدان ، والعلامة الشيخ يوسف القرضاوي[3]
معتمدين على نصوص كثيرة من الكتاب والسنة نذكرها بإيجاز :
1)
وجوب حماية الدولة لهم من الاعتداء الخارجي ، والدفاع عنهم ،
ووجوب انقاذ أسراهم ، بل نقل الاجماع على أنه وجب الخروج لقتال من يحاربهم حتى ولو
كانوا في بلاد منفردين[4] ، يقول القرافي : ( إن عقد الذمة يوجب حقوقاً علينا
لهم ، لأنهم في جوارنا ، وخفارتنا ، وذمة الله تعالى وذمة رسوله صلى الله عليه
وسلم ودين الإسلام ، فمن اعتدى عليهم ولو بكلمة سوء أو غيبة في عرض أحدهم ، أو نوع
من أنواع الأذية أو أعان على ذلك فقد ضيع ذمة الله تعالى وذمة رسوله صلى الله عليه
وسلم وذمة دين الاسلام ، وكذلك حكى ابن حزم في مراتب الاجماع له : أن من كان في
الذمة ، وجاء أهل الحرب إلى بلادنا يقصدونه وجب علينا ان نخرج لقتالهم بالكراع
والسلاح ونموت دون ذلك صوناً لمن هو في ذمة الله تعالى وذمة رسوله صلى الله عليه
وسلم )