أيها الإخوة المؤمنون
أراد الله سبحانه وتعالى لرسالة الإسلام أن تكون خاتمة لجميع الرسالات وأن يكون الرسول العظيم صلى الله عليه وسلم صاحب الخلق العظيم خاتم الأنبياء والمرسلين وأن يكون هذا الدين خاتماً لجميع الأديان السماوية بحيث ختمت بختم إلهي والذي لا يفتح لغيره.
لهذا جعل الله سبحانه وتعالى دينه كاملاً وتاماً يقول الله تعالى : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا )، وقد تضمن القرآن الكريم كل ما تحتاجه إليه الأمة الإسلامية وكل البشرية من يوم بعثه صلى الله عليه وسلم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها تبياناً لكل شيء وهدى وشفاء ورحمة وخيراً وبركة للعالمين.
ومن هنا بين الله سبحانه وتعالى لنا نوعين من الأمور:
الأول: كل ما نحتاجه من الأحكام التي تختص بالحلال والحرام.
الثاني: كل ما نحتاجه إليه لتحقيق المصالح والمنافع التي حللها الله لهذه الأمة ومنع كل ما يؤدي إلى المفسدة والمضرة والخبث حتى تكون هذه الأمة سعيدة في الدنيا والآخرة.
ويقول الله جل وعلا مؤكداً على هذا المعنى ومضيفاً إلى هذه الأحكام أمراً آخر تحتاج إليه الأمة في مسيرتها حتى تتحقق لها القوة والحضارة، بيان السنن.
حيث أراد الله جل وعلا بيان السنن وهي السنن التي تقضي ولا تحابي ولا تجامل وهي سنن كتب الله سبحانه وتعالى على نفسه أن تتحقق هذه السنن حين تؤدى وحينما تقوم الأمة بمقتضياتها وبتنفيذها، حينئذ تكون هذه السنن محقِقة نتائجها.
معظم هذه السنن في غير العقيدة والشرائع والأحكام والمعاملات سنن عامة تشمل المسلمين وغير المسلمين، حيث من أخذ بها فاز ونجح في الدنيا، ومن لم يأخذ بها خسر في الدنيا، وأما الآخرة فلها ميزان آخر يقوم على العقيدة الصحيحة والعبادات، وهذا ما أكده الله تعالى لبيان هذين النوعين.
حيث قال الله جل وعلا: (يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ )، ليبين لكم جميع الشرائع والأحكام والعقائد والعبادات التي تتعلق بدينكم ودنياكم.
قوله تعالى: (يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ ). حيث إن هذه السنن العامة والتي تشمل المسلمين وغير المسلمين, وإن هذه القضايا والأحكام والأمور الأساسية التي نجحت فيها الأمم والتي خسرت فيها ( سنن الانتصار والهزيمة والتمكين والاستضعاف والظلم والفُرقة )، كل هذه السنن قد بينها الله جل وعلا في القرآن الكريم، وكذلك يجب علينا أن نسترشد بها وأن نعلمها من خلال دراستنا للتاريخ ولعلم الاجتماع.
ويريد الله سبحانه وتعالى لهذه الأمة الإسلامية أن تكون على هذين الطريقين، طريق الأحكام والقضايا وطريق السنن لكي لا تكون هذه الأمة أقل الأمم، فيعقب على ذلك بقوله تعالى: (وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا )، حيث يريد الله جل وعلا لهذه الأمة أن تكون أمة عادلة شاهدة قادرة على الشهادة وأن تكون أمة فاعلة لا مفعولاً بها كما اليوم، حيث يعبث بها أفسق الفساق وأفجر الفجار ويتنازل عن الأرض المقدسة ويعطيها للصهاينة المحتلين، حيث لم يبقَ للأمة في هذا الوقت غير الاحتجاجات والمظاهرات والتنديد بما يحدث وإن كان هذا أمراً طيباً ولكنه لا يكفي لتحرير القدس.
فالذين يتبعون الشهوات من داخل أمتنا، كشهوة الفرج والبطن والحكم والكرسي والجاه والحكم والمسؤولية والشهرة، حيث يريدون أن تميل الأمة ميلاً، وأن تنحرف انحرافاً شديداً عن العقيدة والأخلاق والعبادات إلى جانب سنن الله جل وعلا.
حيث إن أصحاب هذه الشهوات اليوم لا يرضون بمجرد السكوت والاستسلام، وإنما يريدون بيع الأمة وبيع مقدساتها ومقدراتها المتمثلة بكثير من القضايا سواء أكانت المتمثلة بالمبادئ الإسلامية أو تتمثل بقضايانا الأساسية.
وكما هو معروف لا أحد يرضى أن تُحتل أرضه، كما أن الحيوانات تستميت في الدفاع عن أوكارها، وحتى داخل جسم الإنسان منظومات دفاعية، لا تقبل دخول جسم غريب فيها.
فهكذا يجب أن تكون أمتنا الإسلامية تدافع عن أرضها ومقدساتها، ولا يجوز لأي فرد من الأمة أن يبيع أو يتنازل عن شيء من المقدسات، خاصة إذا كان هذا الفرد ممن يميل مع شهواته ميلاً عظيماً.
إن القرآن العظيم ما ترك لنا شيئاً إلا وبينه، حتى قضايا العلوم، فكل ما يظهر في أي ميدان من جديد نجد له أصلاً وذكراً في القرآن الكريم.
بين الله تعالى لنا جملة من السنن منها:
النوع الأول: هي الخاصة بما كتب الله على نفسه وهي مجازاة المسيء مهما فعل، إما في الدنيا أو الآخرة.
وكذلك مجازاة المحسن في قوله تعالى: ( لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ ۗ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا )، فسنة الله تعالى فوق إرادة الإنسان وإرادة الأمم، وما يتعلق بهذا النوع من الأجر : حيث يضاعف الحسنات دون السيئات، وقد وردت في ذلك آيات كثيرة منها: (مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا ۖ وَمَن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَىٰ إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ )، وسنة الله في الظلم، حيث يعجل لصاحبها العقوبة في الدنيا غالباً، فما من ظالم إلا سينال خزياً في الدنيا، والآخرة أشد وأبقى.
هذه هي سنة الله تعالى التي لن تجد لها تبديلاً، وقد رأينا مصارع الظلمة في عصرنا، حيث أذلهم الله تعالى، وادخر لهم العذاب الأكبر في الآخرة.
النوع الثاني: سنن علم الاجتماع: حيث أمرنا الله تعالى بالسير في الأرض لنأخذ العبر ونستفيد من تاريخ الأمم السابقة، يقول الله تعالى: ( قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ).
فسنن الأمم السابقة جزء من سنن الله تعالى في علم الاجتماع، وقد طالبنا الله تعالى أن ننهل من حضاراتهم بما يتوافق مع شرعنا الحنيف، وأن ننبذ من صفاتهم وعاداتهم ما يجر الويل والهلاك والثبور علينا، أفراداً و جماعات و أمماً.
كما علينا أن نتدبر سنن الرسل في قوله تعالى: ( سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن رُّسُلِنَا ۖ وَلَا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلًا )، ما هي سنن الرسل؟
هذه السنن خاصة بالعلماء وقادة الفكر الساعين لتطبيق تعاليم الإسلام ونهجه، ومن سنن الرسل التي بينها الله تعالى للرسول صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى: (وَإِن كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ ۖ وَإِذًا لَّاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا )، فبُغض الكفرة والمشركين والمنافقين وأصحاب الشهوات لك ولمن يقتدي بك من علماء وأمراء مردّه أمر واحد: وهي التزامك بالمبادئ والمنهج وبتعاليم الشريعة، وعدم استعدادك للانحراف، ولو وجد هؤلاء الطامعون منك انحرافاً ولو بسيطاً لاتخذوك خليلاً لهم، فبُغض الكفرة والمشركين والمنافقين وأصحاب الشهوات للعلماء الربانيين والقادة العادلين، والمفكرين المبدعين شرف لهم، ودليل التزامهم بالمنهج القويم.
القضية تطيش بحلم الحليم، يحتاج المرء فيها إلى تثبيت من الله تعالى: (وَلَوْلَا أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا ).
وقد علمنا القرآن الكريم كيف نعالج هذه القضية، حيث نجد لها العلاج الناجع لها في الصلاة " أرحنا بها يا بلال"، ثم في القرآن الكريم واتباع منهجه، يقول الله تعالى: ( وَنُنَزِّلُ مِنَ القُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا ).
أسال الله أن يجعلنا ممن ينتهج نهج الأنبياء والمرسلين.
الخطبة الثانية:
ضمن سنن الله تعالى في الذين ظلموا ما نراه اليوم من ضعف واضح وبيّن لبعض دولنا الإسلامية التي ترزح تحت النكبات والويلات، وقد خذلهم الصديق قبل العدو، حيث رغبهم الصديق بادئ الأمر، وأعلنوا استعدادهم لتأييد قضاياهم وإمدادهم بما يحتاجون إليه من قوة وعتاد، ثم أخلفوا مواعيدهم، ونقضوا مواثيقهم، وسيتحملون مسؤوليتهم أمام الله تعالى، وسوف ينالون جزاءهم في الدنيا قبل الآخرة.
وإننا نرى آثار هذا الذلّ على الحاكم نفسه، هل هو منتصر؟ حينما يمنعه جندي من الالتحاق بالرئيس الروسي. هذا منتهى الذل. وما قيمة الرئاسة. إذ يمنعك جندي من السير في موكب الرئيس الآخر.
والذين شاركوا في قتل أهل الشام، الذين دعا لهم النبي صلى الله عليه وسلم وذكرهم في أحاديث كثيرة، والتي تبين أن مرجع أهل الإسلام إلى الشام، لن ينجو المشاركون في قتلهم من عقوبة الله عز وجل، وسينالهم الجزاء الأوفى، ونشاهد اليوم بعض الآثار التي ظهرت في بلاد المشاركين في قتل السوريين والعراقيين واليمنيين, والخزي الأكبر هو ما ينتظرهم يوم القيامة.
فلنصبر ونحن في معية الله تعالى، ولا نستعجل، ولتبقَ صلتنا بالله تعالى، وأن لا تتزعزع ثقتنا بالله تعالى، مع زيادة يقين وإيمان.
اللهم أصلح أحوالنا.
5 / 1 / 2018 م