كان علماؤنا في العصور الخيرة ( القرون الثلاثة الأول ) لا يكتفون ببيان الأحكام الشرعية لمستجدات عصرهم فحسب ، بل كانوا يستشرفون المستقبل من خلال وضع الحلول الشرعية لما كانت تجول في أفكارهم من مسائل مستقبلية احتمالية اشتهر بها علماء العراق ( الأحناف ) حتى سموا ( أريتيّة ) أي : أرأيت إن كان كذا ، وبعبارة أخرى استحضار الاحتمالات المستقبلية من خلال الحصر العقلي لها ، ثم بيان الحكم الشرعي لكل حالة محتملة حيث قالوا : أرأيت لو أن امرأة من المغرب تزوجها رجل من المشرق عند الغروب ، ثم مات عند الشروق ، ثم تبين أنها حامل فولدت بعد ستة أشهر من هذا العقد ؟ قالوا : إن الحمل يثبت منه بالفراش لاحتمال أنه طار بالليل إليها ، ثم عاد فمات ، وهكذا …. .
وإضافة إلى ذلك فكان الزمن له دوره في التأثير في الفتاوى الاجتهادية ، حتى عقد الإمام ابن القيم فصلاً مهماً من كتابه القيم ( اعلام الموقعين عن ربّ العالمين ) خصصه لتغيير الفتاوى بتغيير الأزمنة والأمكنة ، والأحوال والنيات والعوائد ، وقال : ( هذا فصل عظيم النفع جداً ، وقع بسبب الجهل به غلط عظيم على الشريعة ، أوجب من الحرج والمشقة ، وتكليف ما لا سبيل إليه ما يعلم أن الشريعة الباهرة التي هي في أعلى رتب المصالح لا تأتي به ، فإن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد ، وهي عدل كلها ، ورحمة كلها ، ومصالح كلها ، وحكمة كلها ، فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور ، وعن الرحمة إلى ضدها ، وعن المصلحة إلى المفسدة ، وعن الجد إلى العبث ، فليست من الشريعة وإن أدخلت فيها بالتأويل ، فالشريعة عدل الله بين عباده ، ورحمته بين خلقه ، وظله في أرضه ، وحكمته الدالة عليه وعلى صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم أتمّ دلالة وأصدقها ، وهي نوره الذي به أبصر المبصرون ، وهداه الذي به اهتدى المهتدون ، وشفاؤه التام الذي به دواء كل عليل ، وطريقه المستقيم الذي من استقام عليه فقد استقام على سواء السبيل ، فهي قرة العيون ، وحياة القلوب ، ولذة الأرواح ، فهي بها الحياة والغذاء والدواء والنور والشفاء والعصمة ، وكل خير في الوجود فإنما هو مستفاد منها ، حاصل بها ، وكل نقص في الوجود فسببه من إضاعتها ، ولولا رسوم قد بقيت لخربت الدنيا وطوي العالم ، وهي العصمة للناس وقوام العالم ، وبها يمسك الله السموات والأرض أن تزولا ، فإذا أراد الله سبحنه وتعالى خراب الدنيا وطي العالم رفع إليه ما بقي من رسومها ، فالشريعة التي بعث الله بها رسوله هي عمود العالم ، وقطب الفلاح والسعادة في الدنيا والآخرة )[1] .
ومن هذا الباب كثير من الفتاوى الصادرة المتعارضة في الظاهر من علمائنا الأعلام ، حيث نجد لهم جميعاً آراء متنوعة ، وروايات مختلفة وأقوالاً متعارضة في الظاهر ، فهذا الإمام الشافعي حينما دخل مصر أعاد النظر في جميع ما كتبه ، حتى يقول تلامذته إنه أعاد كتابة كل ما كتبه قبل دخوله مصر إلاّ كتاب الصداق ، فظهرت له أقوال جديدة في مقابل أقواله القديمة[2] .
ولكن معظم العلماء في العصور المتأخرة لم يستفيدوا من هذه القدوة المباركة ، فصدرت منهم فتاوى متعجلة في عصرنا الحاضر بمنع البنات من التعليم الابتدائي والثانوي ، ثم التعليم الجامعي ، ثم لما صار ذلك أمراً واقعاً صدرت الفتاوى بجوازه ، وكان المفروض أن تصدر الفتاوى منذ البداية بحل ما هو حلال مع وضع الضوابط الشرعية المطلوبة .
وهذا ما نراه أيضاً في مسألة المشاركة السياسية للمرأة ، حيث وقف بقوة وعزم معظم الفقهاء ضد ذلك في بداية الأمر ، ثم بدأت الفتاوى تترى فتجيز ذلك .
فقد كانت لجنة الفتوى بالأزهر الشريف برئاسة رئيسها الشيخ محمد عبدالفتاح العناني رحمه الله ، قد أصدر فتوى مطولة في رمضان 1371هـ الموافق 1952م بشأن : (حكم الشريعة الإسلامية في اشتراك المرأة في الانتخاب للبرلمان ) بدأت بتمهيد جيد وذكر فيه : ( ان طبيعة الاجتماع تقضي باختلاف الآراء وتشعب الأفكار …. ) ثم انتهى بعد مناقشات وأدلة مستفيضة إلى أن المشاركة السياسية للمرأة بأن تكون عضواً في البرلمان ، وأن تشترك في انتخاب من يكون عضواً فيه من الولاية العامة ، لأن البرلمان هو المختص بولاية سنّ القوانين ، وبالتالي فلا يجوز للمرأة كلا الأمرين السابقين استناداً إلى الحديث الصحيح المعروف الذي رواه البخاري ، وأحمد والنسائي والترمذي بسندهم عن أبي بكرة قال : ( لما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أن فارس ملكوا ابنة كسرى فقال : ( لن يفلح قوم ولوا أمرهم لامرأة )[3] ، فقالت الفتوى : ( ولا شك أن النهي المستفاد من الحديث يمنع كل امرأة في أي عصر من العصور أن تتولى أي شيء من الولايات العامة….. )[4] .
ثم تغيرت الفتاوى في الأزهر الشريف ، وفي العالم الإسلامي اليوم نحو الاجازة ، حيث يتجه معظم علماء المسلمين ، والحركات الإسلامية إلى جواز المشاركة السياسية للمرأة بكونها عضواً في البرلمان ، أو منتخبة لأعضاء البرلمان بضوابط شرعية .
وكان من أواخر المعارك السياسية والفقهية حول المشاركة السياسية للمرأة ما حدث في الكويت ، حيث كانت المادة الأولى من قانون رقم 35 في 1962م تقصر حق الانتخاب على الذكور ممن بلغوا سنّ 21 سنة دون الاناث ، وكان هذا التوجه مؤيداً بفتوى لجنة الافتاء التابعة لوزارة الأوقاف الكويتية ، وبتوجيه معظم الإسلاميين ، والتوجه القبلي في البرلمان ، ثم صدر مرسوم أميري في عام 1999م بإعطاء المراة الكويتية حق الانتخاب والترشيح ، ولكن البرلمان رفضه بالأغلبية ، ودامت المعركة فأشغلت معظم ساحات المجتمع إلى أن حسمت في البرلمان نفسه في أواخر عام 2005م لصالح مشاركة المرأة في الانتخاب والترشيح مع اشتراط التزامها بآداب الشريعة ، وتأييد التوجه الأخير أيضاً بفتاوى من الفقهاء داخل الكويت وخارجها .
وهذا التعارض الواضح في الفتاوى ـ مهما حاولنا تبريرها ـ فإنما يدل على أنها لم تدرس دراسة عميقة ، بل كانت متأثرة بالظروف والتقاليد ، ولذلك حينما تغيرت ، تغيرت الفتوى ، كما أنها تدل على أن مثل هذه الفتاوى لم تكن قائدة ، بل كانت تابعة ، وكان المفروض أن تكون الأولى وليست الثانية .
نحو منهجية دقيقة في بحث هذا الموضوع :
وإذا نظرنا إلى التأريخ الإنساني وتجاربه نرى أن أكبر المشاكل والمصائب تكمن بين طرفي الأمر الافراط والتفريط ، فإما أن يفتح الباب على مصراعيه دون قيود ولا ضوابط فيؤدي ذلك إلى الفوضى الشاملة ، أو يغلق الباب غلقاً محكماً ، ويسدّ بالمسمار لمنع أي تسرب حتى للهواء الطلق ، فيفسد ما في داخله .
ومن جانب آخر فإن الافراط ، أو التفريط نفسه إنما يحدث لدى التحقيق وفي معظم الأحيان بسبب النظرة الأحادية إلى الشيء ، والانحسار في دائرة واحدة أو زاوية واحد أو حتى مجموعة من الزوايا ، ولكن دون نظرة شمولية جامعة تحيط بذات الشيء وواقعه ومقاصده ، ووسائله ، وبما يترتب عليه من نتائج أو ما يسمى بفقه الواقع ، وفقه المآلات ، وسد الذرائع .
ونحن نحاول في هذه المسألة الخطيرة أن نطبق هذه المنهجية القائمة على النظرة الشمولية الجامعة على ضوء النقاط الآتية :
أولاً ـ المرأة باعتبار إنسانيتها ، وحقوقها الإنسانية مساوية للرجل تماماً ، فهي مُكَرَّمّةٌ مثل الرجل ( وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ )[5] ولفظ بني آدم يشمل الذكور والاناث بالاجماع ، فلا يجوز التقليل من شأنها ، ولا التمييز بينها وبين الرجل في كرامتها ، والحفاظ على حقوقها ، وأمام القضاء ، وفي حريتها الفكرية والدينية والتعبدية ، وحتى إنها تزيد على الرجل في انها لا يجوز قتلها في ساحات القتال ، ولا بسبب ردتها عند الحنفية حيث تحبس [6].
وكذلك فهي مساوية للرجل في اهليتها المالية الكاملة ( وجوباً وأداءً ) التي لم تصل إليها التشريعات والقوانين إلاّ في القرن العشرين[7] ، بل حتى في أهليتها الشخصية حيث لها القدرة على تزويج نفسها وغيرها عند جماعة من الفقهاء قديماً وحديثاً.
فالمرأة في الإسلام ليست تابعة لا في دينها ولا في نسبها ، ولا في اهليتها وأموالها لأحد ، حتى ولا لزوجها ـ كما هو الحال الآن في الغرب ـ بل هي الجزء المكمل للحياة الإنسانية ، ولذلك سماها الله تعالى مع الرجل : الزوج ـ والزوج يتكون من عددين متساويين ، لها الحرية الكاملة مثل الرجل في فكرها ، وإرادتها ، واختياراتها.
ولكن الحرية في الإسلام ليست مطلقة لا للرجل ولا للمرأة ، بل منضبطة بضوابط القيم العليا والأخلاق الفاضلة .
فهذه المساواة هي التي منحها الإسلام دون مطالبة من اتحاد نسائي أو مظاهرات في الوقت الذي كانت المرأة ينظر إليها باعتبارها شراً لا بدّ منه ، أو متاعاً يورث ، فقال تعالى : ( وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ)[8] وقال الرسول صلى الله عليه وسلم في آخر وصية له : ( ألا واستوصوا بالنساء خيراً ……… )[9] .
ثانياً ـ هل المرأة مثل الرجل في كل شيء ؟
الجواب الطبيعي والواقعي الذي لا يختلف فيه اثنان هو أنه : ( وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى )[10] ولا الانثى كالذكر .
هذه حقيقة لا يمكن أن ينكرها أحد لا عقلاً ولا طبعاً كياناً وخِلقَة ، ولا من حيث وظائف الأعضاء ( الفسيولوجي ) من النواحي الآتية :
1. الرجل يتكون عند الخِلقة من Y+X في حين أن المرأة تتكون من X+X
2. الاختلاف على مستوى الخلايا ، فالحيوان المنوي له رأس مدبب ، وعليه قلنسوة مصفحة ، وله ذيل طويل سريع الحركة يسعى للوصول إلى هدفه أو يموت ، أما البييضة[11] فهادئة ساكنة ، باقية في مكانها لا تبرحه منتظرة للحيوان المنوي السعيد الذي ينجو بين مئات الملايين من الحيوانات المنوية ، إذن فكل واحد من الحيوان المنوي الخارج من الرجل وبييضة المرأة يعبر عن خصائص صاحبه[12] .
3. الاختلاف على مستوى الأنسجة والأعضاء ، والخلايا ، يقول الدكتور البار : ( والفرق تراه في الرجل البالغ ، والمرأة البالغة ، كما تراه في المنوي والبويضة … ليس في ذلك فحسب ، بل ترى الفرق في كل خلية من خلايا المرأة ، وفي كل خلية من خلايا الرجل … ، وإذا أردنا أن نقلب الموازين ـ وكم من موازين قد قلبناها ـ فإننا نصادم بذلك الفطرة التي فطرنا الله عليها ، ونصادم التكوين البيولوجي والنفس الذي خلقنا الله عليه)[13].
وحتى في مجال الدم فإن الخلايا الدموية البيضاء للرجال بين 4000و8000 كرية /مم3 ، وللنساء 4000و7000 كرية/مم3 …[14] .
4. الفروق الهرمونية وعمل الغدد الصماء ، فمثلاً للرجل الخصية التي تفرز الهرمونات المذكرة ( تستستيرون ) وللأنثى المبيض التي تعتبر من وظيفتها الرئيسية : تكوين وطرح البييضات ، وإفراز الهرمونات الأنثوية (الاستروجين ، البروجسترون ، الريلاكسين ) .
فهرمون الاستروجين يعتبر مسؤولاً عن زيادة وتكاثر الأنسجة ومسؤولاً عن تركيز الشحم للمراة وإلى زياة الشعر في فروة الرأس وتقليله في الجسم ، في حين أن هرمون التستستيرون في الرجل يؤدي إلى تركيز البروتين في العضلات ، كما أن هرمونات الرجولة أكثر ميلاً للعدوان من هرمونات المرأة .
5. الحيض الذي تتراوح مدته من يوم وليلة إلى سبعة أيام ، والذي له علاقة مباشرة بالتركيب الجسدي والنفساني للمرأة ، حيث ينخفض الخصاب الدموي قليلاً ، كما ينخفض تعداد الكريات الحمراء ، وتركيز جديد للمصل الدموي ، أما أثناء الطمس ( أي ما بين 2-7 أيام أي 5 أيام في الغالب ) فتنخفض مقاومة البدن العامة مع انخفاض معتدل في عدد الكريات البيضاء ، وارتفاع سرعة التنقل الدموي ، ومن آثار ذلك التوتر العصبي والنفسي ، وسرعة الإثارة ، والكآبة ، والقلق ، وقد تصاب بعض النساء بالصداع النصفي ، وفقر الدم ( الانيميا ) بسبب النزف الشهري الدموي حيث تفقد ما بين 60ملل و240 ملل ، وإصابة الغدد الصماء بالتغير أثناء الحيض ، كل ذلك له دوره في العمل والتفكير والإنتاج[15] وصدق الله تعالى إذ يقول : (وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ)[16] ولذلك خفف الله تعالى عليها الصلاة فلا تصلي أثناء الحيض ولا يجب عليها القضاء ، وكذلك تؤخر الصيام .
تأثير الحمل والولادة والنفاس والرضاعة :
حيث تصاب الحامل بفقر الدم ، ويتحمل القلب الحامل أضعاف ما يتحمله قبل الحمل إذ يقوم بدورتين دمويتين كاملتين ، دورة للأم ، ودورة للجنين ، حيث يضخ القلب قبل الحمل حوالي 6500 لتر يومياً ، أما عند الحمل وبالأخص قبل نهايته فتصل الكمية التي يضخها القلب إلى 15000 لتر يومياً ، وقد عبّر ـ عما سبق ، وعن غيره مما ذكره الأطباء وما لا يسع المجال لذكره هنا ـ بدقة قوله تعالى : ( …. حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ )[17] وحقاً إنه ضعف في كل الجوانب على ضعف .
وكذلك الحال بالنسبة لفترة النفاس ، وأما في حالة الرضاع فالأم بحاجة إلى التفرغ لرضاعة وتربية ولدها لمدة عامين على الأقل ، ولذلك طالب تقرير منظمة الصحة العالمية المنشور عام 1981م ، طالب حكومات العالم بتفريغ المرأة للمنزل والرضاعة ، ودفع راتب شهري لها إذا لم يكن لها من يعولها[18] .
وهناك فوارق أخرى تخص نوعية التفكير والمخ ، فقد ذكرت مجلة العلوم الأمريكية ( Seientifc American ) في عدد مايو/ أيار 1994 بحثاً بعنوان ( الفوارق في الدماغ بين الزوجين ) للدكتورة دورين كيمورا ، أستاذة علم النفس ، وزميلة الجميعة الملكية الكندية في عام 1992 ، حيث استعانت بتجارب كثيرة ونتائج تجارب لعدد من المتخصصين في هذا المجال مثل ( V.N واطسون) بجامعة غربي ابتارو و ( M . إيك) جامعة يورك ، ودراسة ( A.R كورسكي) وزملائه من جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلس ، وغيرهم ، وتوصلت إلى ما يعتبر اكتشافاً مذهلاً ، وهو ( أن تخزين المعلومات والقدرات في الدماغ يختلف في الذكر عن الأنثى ، ففي الفتى تتجمع القدرات الكلامية في مكان مختلف عن القدرات الهندسية والفراغية بينما هي موجودة في كلا فصي المخ لدى الفتى …. )[19] .
وقد عرضت مجلة تايم الأمريكية في 31 يوليو 1995 ص 39 نتيجة دراسة علمية تتمثل في عرض صورة لدماغ المرأة عندما تستغرق في الحديث والكلام ، وحينئذ ينشغل كلا جانبي المخ تماماً ، فيستخدمان في معالجة اللغة ، كما عرضت صورة لدماغ الرجل عند حديثه فلم يستعمل إلاّ جانباً واحداً منه مما يجعله أكثر تخصصاً ودقة لأنه عند الحديث يستعين بالجزء الثاني من دماغه للتذكير في حين ينشغل الجزءان من مخ المرأة عند الكلام وهذا [20] ـ والله أعلم ـ هو السر في قوله تعالى : ( فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى)[21] .
المقصود بهذا العرض :
المقصود بهذا العرض ليس تفضيل الرجل على المرأة ، ولا العكس ، وإنما بيان وجود فوارق طبيعية وخلقية وبدنية ، وهرمونية ، وعناصر حيوية ، وبالتالي لا بدّ أن يكون لها آثارها في نطاق العمل والاستخلاف والاستعمار الذي خلقنا الله تعالى لأجله بعد أداء العبودية لله تعالى التي لا يختلف فيها الرجل عن المرأة ، وإنما الاختلاف في مجال توزيع الأدوار لتحقيق عمارة الأرض .
فلا يجوز عقلاً ولا شرعاً إهمال هذه الفوارق في مجال تعمير الكون الذي هو يتكون أساساً من الزوجين في كل شيء ، زوجية محققة للتوازن فقال تعالى : ( وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ)[22] .
وهنا يأتي الجواب بأن الحل هو المنهج الوسط الذي يراعي أصل المساواة ، ويراعي كذلك الفوارق المذكورة ، ويراعي كذلك التزاوج والتكامل للوصول إلى أسرة موزونة ، وبالتالي مجتمع موزون وأمة موزونة ، وعندما يتحقق هذا التوازن للكون الموزون الذي وضع فيه كل شيء منه بمقدار ، وروعي فيه حجم الصغير والكبير ، والثقيل والخفيف ، ووضع كل شيء في مكانه واستفيد منه لتحقيق دوره الرائع .
وهذا ما سنتحدث عنه لاحقاً