إذا لم يقم المستأجر بدفع الأجرة المستحقة فإن للأجير الحق في حبس العين المصنوعة في الإجارة القائمة على العمل ، أو الامتناع من استكمال بقية الزمن في الإجارة المحددة بالزمن .
ثانياً ـ تزويد الأجير بمستلزمات عمله ، فإن كان أجيراً مشتركاً يقدم إليه الشيء الذي يراد صنعه ، وإن كان أجيراً خاصاً يبين له المطلوب منه خلال الفترة المتفق عليها ، وهكذا ، وإذا لم يقم بما سبق فإن الأجير الخاص يستحق الأجر على حبسه نفسه لصالحه حتى ولو لم يعمل ، وان الأجير المشترك يكون غير ملزم بإنجاز عمله في الفترة المتفق عليها .
ويدخل كذلك ضمن هذا الالتزام ترتيب مكان العمل ، ومستلزمات المكتب وتهيئة وسائل النقل للعمال ، ووسائل الوقاية من أخطار العمل ونحوها ان كان العمل يقتضي ذلك .
ثالثاً ـ التزامات أخلاقية :
أوجب الإسلام مجموعة من القيم الأخلاقية الرائدة للتعامل مع الناس ، وخص منها العامل بكثير منها ، وهي :
1ـ النظرة إلى العامل والأجير نظرة قائمة على المساواة والاخوة دون إحساس بالتعالي والاهانة ، حيث أصل الإسلام هذا الجانب ، وبين أن الجميع من آدم ، وآدم من تراب ، وان الفضل بالتقوى فقال تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ …) وقال الرسول صلى الله عليه وسلم : ( إخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم ، فمن كان اخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل ، وليلبسه مما يلبس ، ولا تكلفوهم ما يغلبهم ، فإن كلفتموهم فأعينوهم ) أي ان هؤلاء الذي يخدمونكم اخوانكم في الدين ، إن كانوا مسلمين ، أو في الإنسانية إن كانوا غير مسلمين ، ويقول تعالى : ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) .
2ـ المعاملة الطيبة الحسنة اللائقة بالإنسان في جميع الأحوال بالقول ، والفعل ، والنظرة ، والسماح والمغفرة عند وقوع الخطأ ، قال تعالى : ( وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) .
3ـ عدم تكليف العامل والأجير بما لا يطيقه ، حيث ورد بذلك آيات وأحاديث صحيحة منها قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( لاتكلفوهم مالا يطيقون ) وقوله صلى الله عليه وسلم : ( المسلم أخو المسلم لا يظلمه ، ولا يخذله ، ولا يحقره… ) .
رابعاً ـ التزامات قانونية :
تلزم قواينن العمل في عصرنا الحاضر أرباب العمل مجموعة من الاجراءات مثل :
1. منح الاجازات الاسبوعية ، والسنوية ، والاجازات المرضية .
2. توفير وسائل الاسعافات الطبية والعلاجية ، بل انه في بعض الأحيان إذا زاد عدد العمال يوجب القانون وجود طبيب أو مستشفى لهم .
3. وجود لوائح تنظيمية وجزائية .
فهذه الأمور إذا صدر بها قرار من السلطة الشرعية يصبح ملزماً ، لأن قراراتها في دائرة المصالح ملزمة شرعاً .
4. توفير الخدمات الاجتماعية .
5. ترتيب التأمين الصحي ، والتأمين لحالات الاصابة ، والعجز والهلاك .
وهذا إذا كان عن طريق التأمين التكافلي الإسلامي فهو حلال ، وإلاّ فلا يجوز إلاّ في حالات الضرورة أو وجود قانون ملزم ، وذلك لترتيب تعويض مناسب للعامل في هذه الحالات إما لنفسه ، أو لأهله .
وقد تطرق فقهاؤنا إلى حالة ضمان الأجير عند هلاكه إذا كان صغيراً ، حيث ذهب المالكية إلى أن صاحب العمل إذا استأجره دون إذن وليه فهلك أثناء المدة فإنه يضمنه إذا كان عمله مما يعطب في مثله ، أما إذا لم يكن العمل مما يؤدي إلى هلاك مثله فإنه لا يضمنه ، في حين ذهب جمهورهم ـ كما قال الحافظ ابن حجر ـ إلى أن من استعان بصبي لم يبلغ دون إذن وليه فهلك في ذلك العمل فهو ضامن ، وتكون ديته على عاقلته .
وأما الكبير فإذا أصابه شيء فإنما يضمن المستأجر إذا كان بسبب تعديه ، أو تقصيره .
وقد اختار الشيخ وهبه الزحيلي : ( أن المحكم في شأن إصابات العمال فقهياً هو القواعد العامة في الضمان ، فيسأل المباشر للضرر وإن لم يتعد ، أو التقصير وعدم التحرز في الإضرار والإهمال ) .
واليوم ومع وجود التأمين التكافلي أصبح العمال في مأمن بفضل الله تعالى في جميع الحالات ، وهذا أمر يتفق مع مقاصد الشريعة الغراء .
التزامات الأجير :
هناك التزامات على الأجير يجب عليه أداؤها وهي :
أولاً ـ انجاز العمل على الوجه المطلوب المتفق عليه في الإجارة المشتركة وتسليمه إليه ، أو تسليم نفسه في الزمن المحدد في الإجارة الخاصة .
ثانياً ـ قيامه بنفسه ان كانت الإجارة خاصة ، أو مشتركة ، ما دامت على غيرما في الذمة ـ كما سبق ـ وذلك الأصل في الإجارة المعينة أن يقوم الشخص بنفسه بالعمل إلاّ إذا كان الاتفاق يجيز النيابة .
والتحقيق أن هناك ثلاث حالات للإجارة المعينة الخاصة :
الحالة الأولى : النص على أن يقوم الأجير بنفسه ، وحينئذ لا يجوز ان ينيب غيره فيه .
الحالة الثانية : النص على الإذن للأجير بأن يقوم بنفسه أو بغيره ففي هذه الحالة تجوز الانابة بلا شك لأن المؤمنين عند شروطهم .
الحالة الثالثة : الاطلاق ، ففي هذه الحالة الأصل أن يقوم الأجير بنفسه ، لأن ذاته قد تكون مطلوبة لدى المستأجر ، ولذلك اختاره ، ولكن بعض الحنفية أجازوا الاستنابة إذا كان المناب عنه أحسن منه .
وأما الإجارة الخاصة الواردة على ما في الذمة فلا يشترط فيها أن يقوم العاقد الأجير بالعمل بنفسه ، لأنها واردة على ما في الذمة وحينئذ يكون المطلوب تحقيق الأوصاف وليس تحقيق الذوات والأشخاص .
وأما الإجارة المشتركة فإن كانت واردة على ما في الذمة فلا خلاف في عدم اشتراط قيام الأجير المشترك بالعمل بنفسه ، لأنها واردة على عمل موصوف في الذمة .
وأما الإجارة المشتركة الواردة على غير ما في الذمة فقد اختلف فيها الفقهاء فذهب جمهورهم في جواز أن يعمل بنفسه ، أو أجرائه إذا لم يشترط عليه في العقد أن يعمل بيده .
ثالثاً ـ عدم الغياب عن العمل أثناء فترة العمل في الإجارة الخاصة :
إن الأجير الخاص مرتبط بالزمن بالدرجة الأولى في علاقته بالمستأجر ، ولذلك لا يجوز له أن يغيب عن العمل إلاّ بإذن ربّ العمل ، او للضرورة ، أو الحاجة الملحة التي تنزل منزلة الضرورة ، وإلاّ فإن غاب وترتب على غيابه ضرر فإنه يجب عليه تعويضه ، وأن المستأجر له الحق حينئذ أن يرجع عليه بقيمة ما فوّت عليه في جميع الأحوال ، وهذا هو الرأي المعتمد عند الحنابلة .
وذهب الحنفية إلى أنه ينقص من أجر الأجير بقدر تقصيره في عمله .
وذهب المالكية إلى أن الأجير إذا قام بعمل بأجرة كانت تلك الأجرة لسمتأجره الأول ، وخيّر صاحب العمل في المدونة بين أجرة الأجير التي حصل عليها من المستأجر الثاني ، وبين اسقاط حصة مدة غيابه من أجرته عنده ، أما إن عمل بالمجان فيسقط من أجرته بقدر ما فوّت على صاحب العمل .
وقد حرص العلماء على هذه المسألة حرصاً شديداً ، حتى إنهم اختلفوا في وقت الأكل والنافلة هل يحسب من زمن العمل أم لا ؟ ، قاصدين بذلك التشدد والتحوط في ضرورة احترام زمن الإجارة فلننقل بعض النصوص بهذا الصدد ، حيث جاء في المغني : (وليس له ـ أي الأجير الخاص ـ محادثة غيره حالة النسخ ـ أي نسخ كتاب بالأجرة ـ ولا التشاغل بما يشغل سره ، ويوجب غلطه ، ولا لغيره تحديثه ، وشغله ، وكذلك كل الأعمال التي تخل بشغل السر والقلب … ) وجاء في حاشية الشرقاوي : ( ولو صلى ، ثم قال : كنت محدثاً مكن من الاعادة ، وسقط من الأجر بقدر الصلاة الثانية ) .
وحدد الفقهاء زمن فعل المكتوبات والنوافل بأقل زمن ممكن ، حيث جاء في حاشية الجمل على شرح المنهج : ( ويستثنى من زمن الإجارة فعل المكتوبة ، ولو جمعة لم يخش فواتها… ، وطهارتها ، وراتبتها ، وزمن الأكل ، وقضاء الحاجة ، وظاهر أن المراد أقل زمن يحتاج إليه فيهما ) .
والخلاصة ان الوقت الذي حدد في العقد بالنسبة للأجير الخاص يقتضي أن ينشغل بالعمل المطلوب منه دون تضييعه ، ولا التفريط فيه إلاّ ما هو مستثنى لحق الله تعالى كالعبادات ، أو للضروريات والحاجيات التي لا غنى للإنسان عنها مثل الأكل والشرب بالمعروف ، أو لانقاذ آخر كما في حالة الغرق والحرق .
والمعيار في العمل هو بذل الرجل المعتاد المتوسط ، فإن قدمت إليه فأنجزه في اليوم ، وبقي من الوقت فإن حق المستأجر لا يسقط في بقية الزمن ، حيث يجب عليه الالتزام بالوقت ، فالموظف الذي حدد له وقت من الساعة الثامنة صباحاً إل الثانية ظهراً ـ مثلا ًـ يجب عليه الحفاظ على البقاء طوال هذا الوقت مع العمل إن وجد ، وأن لا يشغل نفسه إلاّ بمصلحة عمله طوال هذه الفترة سوى الاستثناءات الي ذكرناها وحتى في هذه الاستثناءات يجب مراعاة انجازها بشرعة ، بل إن الفقهاء يقولون : لو كان المسجد بعيداً يستغرق ذهابه إليه وقتاً طويلاً ، وذهب إليه العامل فإنه ينقص من أجرته بمقدار غيابه عن العمل ، لأن الأجرة في مقابل المنفعة فتوزع عليها ، أو يقوم الأجير ـ الموظف ـ بتعويض الوقت الذي فات .
رابعاً ـ وجوب الحفاظ على ما تحت رعايته من آلات وأدوات ومعدات وأعمال ، فهذا ما تقتضيه الأمانة والقواعد العامة في الإسلام .
خامساً ـ تنفيذ أوامر ربّ العمل بالقدر الذي يخص العمل ، أو الوقت المحدد بالمعروف ، فإن كان العمل مفصلاً في العقد فالمرجع هو العقد ، وإلاّ فحسب العرف .
سادساً ـ التزامات قانونية مثل الالتزام بلوائح وقوانين العمل ، والاجراءات التنظيمية مما يدخل في السياسة الشرعية القائمة على المصالح المرسلة .
سابعاً ـ التزامات أخلاقية تفرضها الأخلاقيات الإسلامية من الأمانة والصدق ، وعدم الغش ، ومن السعي الحثيث للاتقان ، والابداع وحسن السلوك والأخلاق في تعامله والنصح والارشاد والبيان ، ونحو ذلك .
ومن أهم هذه الالتزامات الأخلاقية أيضاً عدم قيام الأجير بإفشاء أسرار العمل وربّ العمل ، أو أهله ، أو كل ما يطلع عليه بحكم كونه أجيراً أو عاملاً أو موظفاً ، فلا يجوز له إفشاء كل ما فيه إضرار بمصلحة ربّ العمل من أسرار العمل والصنعة ، والأشياء الخاصة بصاحب العمل ، حيث تدل النصوص الكثيرة على منع أسرار الآخرين .