ايها الاخوة المؤمنون لازلنا معكم حول مائدة عباد الرحمن.
الاية التي بدانا بها مازلنا معها <<وعباد الرحمان الذين يمشون على الارض هونا واذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما>>
لقد بقي لنا مما نذكره في هذه الاية دون الخوض في التخصصات اربعة تعليقات او اربع اضاءات لهذه الاية الكريمة .
هذه الاية الكريمة ايها الاخوة الاحبة قد بدأت بالواو وعلماء اللغة يقولون ان الواو للعطف وعلماء البلاغة يقولون –وعلى فكرة ان هذا العلم اي علم البلاغة ببيانه ومعانه وبديعه قد انشئ لفهم القران الكريم- استعمل للوصل والوصل يعني انه لابد ان يكون هناك علاقات وارتباطات بين السابق واللاحق. اذن ماهي هذه العلاقات والاررتباطات بين آية “وعباد الرحمان” والاية التي سبقتها.
الآية السابقة ايها الاخوة الاحبة تقول <<تبارك الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن اراد ان يذكر او اراد شكورا>> فالربط ايها الاخوة الاحبة من عدة جوانب الجانب الاول فقد قال الله سبحانه وتعالى في الاية الاولى “تبارك” اي تعاظمت قدرته بخلق هذه المخلوقات العظيمة وعظمته في الارض تتجلى من خلال عباد الرحمان الذين يعبدون الله بارادتهم ويسبحونه ويعظمونه بالليل والنهار. هذا الربط الاول.
الربط الثاني
لقد بين الله تعالى في الاية الاولى البروج التي نعرف من خلالها اختالاف الفصول والشمس والقمر فان عبادات عباد الرحمان مرتبطة هي الاخرى بهذه الكواكب السيارة فنجد ان الصلاة مرتبطة بالشمس في حين يرتبط الصوم والحج بالقمر
الارتباط الثالث هو انه يا عباد الرحمن عليكم ان تستفيدوا من هذه الاشياء وهذه المخلوقات بالقدر الذي يقربكم الى الله اكثر بعباداتكم بتعمير الارض وخلافته سبحانه وتعالى عليها باحسن ما تكون صورة الاستخلاف
الارتباط الرابع لقد ذكر الله تعالى السراج المنير اي الشمس والقمر فالشمس يعني الجلال اي القوة والقمر يعني الجمال وعباد الرحمان كذلك يجمعون بين القوة والجمال اعزاء على الكفار اقوياء في الحرب وأذلاء ومتواضعون مع المؤمنين وكذلك في التعامل مع عامة الناس في السلم هينون وطيبون
هذه هي الارتباطات الاربعة التي يمكن ان نستخلصها بين هذه الاية والتي سبقتها
بقي لنا ان نتدبر في الاية كيف ان الله تعالى وصف المؤمنين بالجملة الاسمية والجملة الاسمية دائما للثبوت والاستقرار اي ان صفات هؤلاء العباد ليست صفات عرضية او انها تكلفية او انها بين حالة وحالة بل هي ثابتة مستقرة فاذا كانوا مع الجاهلين يقولون سلاما فكيف يكون حالهم مع الاخرين. ولا شك ان هذه الصفات في البداية تحتاج الى شيء من التكلف ولا يصبح صاحبها من عباد الرحمان بالوصف الذي جاءت به الاية الا اذا اصبحت هذه الصفات من طبعه
وعموما لا تسمى الاخلاق اخلاقا الا اذا كانت نابعة من الطبع ومن السجية
فالاخلاق المتكلفة لا تسمى اخلاقا طبيعية
الجانب الاخر ايها الاخوة الاحبة في هذه الاية الكريمة هو كلمة اذا وفي اللغة العربية الشرط يكون اما ب”اذا” او ب”إن” فاذا جاء بإن” فانه يفيد عدم التاكد من حدوث الشيء اما اذ كان ب”إذا” فهو محقق.
ولهذا فان “اذا” جاءت هنا لتؤكد لعباد الرحمن بان مخاطبة الجاهلين مؤكدة لديهم ولذلك فهو خطاب لهم لكي يعدوا انفسهم لان يخاطبهم الجاهلون
وكلمة اخرى كذلك في هذه الاية متمثلة في “خاطبهم” ولم يقل سبحانه وتعالى كلمهم فالمخاطبة تعني المباشرة وجها لوجه اما الكلام فقد يكون غير مباشر والمخاطبة اشد من الكلام واقوى ولذلك فالصبر عليها وقول السلام دليل على قوة وحلم المخاطب
والامر الاخير في هذه الاية هو ان الاجابة جاهزة فلم يقل رب العزة اذا خاطبهم الجاهلون “ف”…قالوا سلاما اي ان الاجابة مباشرة.
ايها الاخوة الاحبة لننتقل الى صفة اخرى من صفات عباد الرحمن :<والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما> فاذا كان تعامل عباد الرحمن مع الخلق بهذه الرقة والجمال والصبر فكيف سيكون تعاملهم مع رب العباد والخلق
وهنا ننتقل بهذه العلاقة من الارض الى السماء وهنا مقام العبودية الخالصة والحب والخلود
وهنا لا يشبع هؤلاء من عبادتهم لله ومع الله فقد خصصوا النهار للعمل وتعمير الارض وخصصوا الليل او جزءا منه للسجود والقيام بين يدي الله سبحانه وتعالى ويبيتون يعني في العربية ينوون قيام الليل كله فيكتب لهم قيام الليل كله حتى وان قاموا جزءا منه
ايها الاخوة الاحبة : ومن مواصفات عباد الرحمن بطبيعة الحال المحافظة على الصلوات وكذلك لا ينسون ولا يغفلون عن قيام الليل ولذلك امر الله تعالى نبيه بقيام الليل وكانت فريضة على النبي صلى الله عليه وسلم وفي بعض الروايات كانت فريضة على المؤمنين كافة في بداية البعثة فجعلها عليهم نافلة بعد ان كانت فريضة. اذن مسالة قيا م الله ايها الاخوة لا يجب ان تترك. تقول السيدة عائشة رضي الله عنها كنت أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم الليل حتى تفطر قدماه فقلت له يا رسول الله قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تاخر قال افلا اكون عبدا شكورا. انظر ايها الاخوة الاحبة كيف يرتبط هذا الحديث باية عباد الرحمن والاية التي قبلها. فعباد الرحمان مرتبطة بانهم يشكرون الله تعالى ولذلك لا يرضى صلى الله عليه وسلم ان يبيت الليل غافلا دون ان يشكر الله ومن هنا قوله افلا اكون عبدا شكورا. والرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن يترك صلاة الليل وكان يصلى على اقل تقدير احدى عشرة ركعة كل ليلة والافضل ان يترك الانسان صلاة الليل الى قبيل صلاة الفجر بنصف ساعة او بساعة او بأي وقت ولكنه يبيت ناويا من الليل ولذلك كان بعض السلف الصالح يتركون صلاة الوتر الى ما قبل صلاة الفجر حتى يكون لهم كل الليل متاحا وتكون لهم نية. والرسول صلى الله عليه وسلم كما ذكر في الحديث المتفق عليه انه يذكر عبد الله بن عمر فيقول نعم الرجل ابن عمر لو كان يقوم الليل فلما سمع ابن عمر هذا ما ترك صلاة الليل بعد ذلك.
كما قال صلى الله عليه وسلم لعبد الله ابن عمرو بن العاص لا تكن مثل فلان كان يقوم الليل ثم تركه. فالانسان لابد ان يواضب عليه ولو لمدة خمس دقائق، عشر دقائق او نصف ساعة….ولذلك ورد في الحديث الثابت الصحيح ان الشيطان ليعقد على قافية احدكم ثلاث عقد ويقول نم وارقد فالنوم طيب ثم يجد هذا الانسان نفسه بين امرين : هل يسمع للشيطان ام يسمع للرحمن.فاذا قام قبل الفجر انفكت العقدة الاولى ثم اذا ذكر الله وتوضأ انحلت العقدة الثانية واذا صلى انفكت العقدة الثالثة واصبح عندها طيب النفس لانه مع الله. اما اذا سمع للشيطان ولم يصل الفجر فهذا خطر لان صلاة الفجر هي صلاة تشهدها الملائكة <ان قران الفجر كان مشهودا> فيصبح الانسان خبيث النفس كسلانا . وبالتجربة ايها الاخوة الاحبة ليس هناك وقت لتدبر القران او للتاليف افضل من بعد صلاة الفجر والافضل ايها الاخوة الا ينام الانسان ولكنه اذا نام فانه لابد ان يكون قد صلى الفجر .
ايها الاخوة المؤمنون اراد الله تعالى ان يذكر لنا هذه المواصفات او التوصيفات فمن يتدبر هذه الايات ويحاول ان يطبق هذه الصفات حتى يستطيع بعد ذلك ان يقول يا ربي اني كنت من عباد الرحمن. ان هذه المسالة ليست صعبة فاذا قصد الانسان ذلك فانها لن تاخذ منه الكثير ولكنها تجلب لنا الكثير وتحقق لنا سعادة الدنيا والاخرة
ما احوجنا ايها الاخوة المؤمنون ان نعود الى القران، هذا النبع الصافي والى هذه المواصفات لما في ذلك من خير لهذه الامة التي تعاني من المشاكل ومن النفسيات التي تجد في ما ذكرنا علاجا شافيا يحقق ذلة- المؤمنين على اخوانهم المؤمنين