بسم الله الرحمن الرحيم

ملخص خطبة الجمعة للشيخ القره داغي بتاريخ 9 جولاي 2010 بمسجد عائشة

أيها الأخوة المؤمنون إن مسؤولية الانسان بهذه الدنيا لا تنحصر في المسؤولية على نفسه وانما تتجاوز الى كل من تحت إشرافه أو  تحت رعايته وعنايته، ولذلك يسأل الله سبحانه وتعالى يوم القيامة بعدما يسأل عما فعلت يسألك عما فعلت فيمن هم تحت يديك، كل على مستواه، كل حسب مسؤوليته وكلما كبرت الرعية، كبرت المسؤولية والمحاسبة أمام الله سبحانه وتعالى إذا لم يؤدي الانسان حقها. وهذا ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم حينما قال في هذه المسؤوليات العامة والخاصة: “إنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي و ندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها”. وتتبادر  أذهان البعض الى أنها مسؤولية سياسية وأنها خاصة بالحكام والأمراء والعلماء والسلاطين ولكنها في الواقع ليس الأمر كذلك. نعم، أن هؤلاء مسؤوليتم أعظم عند الله ولكن هذه المسؤولية كل يتحمل بقدرها، وهذا ما عبر عنه الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث صحيح متفق عليه يرويه البخاري ومسلم بسندهما عن ابن عمر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ” كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، الأمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده ومسؤول عن رعيته, وكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته” والمقصود بالامام هنا أي أولوا الأمر ويشمل الملوك والأمراء والحكام والوزراء والمسؤولين وكل من هو مسؤول، مسؤولية عامة، وكذلك كل من هو مسؤول مسؤولية خاصة ولو لشخص واحد. ثم قال الرسول صلى الله عليه و سلم و كررها مثلما بدأ به الحديث :” فكلكم راع ومسؤول عن رعيته ” هذه الكلمة الجامعة، أو هذا الحديث الجامع لا يترك لنا مجالا، بل هذا الحديث النبوي الشريف يستحق ان يكتب بماء الذهب ويوضع امام كل انسان داخل بيته وخارج بيته، حينما يدخل بيته يجد امامه “كلكم مسؤول عن رعيته ” وحينما يخرج هو مسؤول كذلك عما انيط به، حتى لا ينسى هذه المسؤولية امام الله سبحانه وتعالى.
ان القرآن الكريم استعمل اسلوبا دالا عن المسؤولية المباشرة ودالا كذلك على فرضية الوقاية والحماية الشاملة من الجانب الديني والاخلاقي والصحي والاجتماعي، كل ما يتعلق بالانسان فانت مسؤول عن هذه الوقاية بنفسك ولاهلك “يأيها الذين آمنوا قوا انفسكم و أهليكم نارا” وكل مؤمن مسؤول عن نفسه وعن اهله، كل ما هو داخل في هذه الكلمة الشاملة من أهله وزوجته واقرانه الذين تحت رعايته ومن كونك وصيا على هؤلاء فانت مسؤول امام الله سبحانه وتعالى على ان تبذل كل جهدك وان تسأل عمن عنده الخبرة في كيفية الوقاية والحماية.
الله سبحانه و تعالى فرض علينا هذه الحماية، وفرض علينا هذه الوقاية، وكلمة “قوا” من الوقاية الشاملة لم تتقيد بأي شيئ، ولم يقل رب العالمين “قوا انفسكم و أهليكم” من الجوانب اللااخلاقية، او من الجوانب الشركية، بل وقاية شاملة، ولذلك قال علماؤنا ان هذه الوقاية تشمل كل انواع الوقايات سواء كانت تتعلق بالجانب العقيدي او الاخلاقي او التربوي او يتعلق بجانب التزكية او يتعلق كذلك بالجانب البدني والعقلي والنفسي، فأنت مسؤول امام الله سبحانه وتعالى عن هذه المسؤولية، واستعد لهذا السؤال بدء عندما تموت وانت في القبر الى ان يأتي الحساب المباشر امام الله سبحانه و تعالى.

فالعاقل من يعد نفسه لهذه الاسئلة حينما يموت ويسأل، حتى لا يتحول قبره الى حفرة من حفر النيران، وانما يتحول قبره الى روضة من رياض الجنة، فهنا يأتي التخيطيط ايها الاخوة الاحباب، من الان و ليس حينما يموت، و يتمنى الانسان ان يعود الى الدنيا وليس هناك عودة للحياة الدنيا، ولات ساعة مندم، وهذا الوقت ليس وقت الندم انما وقت ان تحضر معك العمل والاجابة الشافية باذن الله تعالى مع الرعاية، فلذلك ايها الاخوة الاحبة، نحن في هذه الدنيا تحت رصد، و تحت الرعاية و المسؤولية، كل عمل نعمل، وكل حركة نتحركها فهي مرصودة عن اليمين و عن الشمال قعيد، “لا يلفظ من قول الا لدية رقيب عتيد”.
انت ماذا اعددت، فالموت حق و نحن نراه في كل يوم، ولكن الشيطان يلهينا فكأننا لا نموت و كأننا لا ندخل القبر، وكأننا لا نحاسب امام الله سبحانه و تعالى، وهنا تأتي الطامة الكبرى.

ان العاقل هو الذي يفكر، ولا يضيع ثانية ولا يضيع وقته، وكم اعجبني شخص حينما ابلغه الاطباء بانه سيموت بعد ستة اشهر بمرض السرطان – عافانا الله واياكم – فكان وجهه مشرقا، وقلت له: لما ذلك يا اخي، و لقد حاولت ان اخفف وقع الموت عليه عندما زرته، فرد علي: انني اشكر الله على ذلك لانني اعددت لنفسي خطة لعبادة الله الى الموت، وليس لك ان نتحدث الا ربع ساعة من الان، والوقت كله امضيه في التقرب الى الله ثانية بالثانية، ودقيقة بدقيقة وساعة بساعة، فقلت له: بارك الله فيك. ولقد رأيت الرجل حين موته وهو ضاحك مبتسم ووجهه مشرق، هذا هو الانسان العاقل الذي احسن استغلال ما لديه من وقت، فاذا كان هذا الرجل قد ايقن بأنه يموت بعد ستة اشهر، فقد خص وقته لاهله و لزوجته الى ان مات، ولم يبخل بثانية واحدة عن ذكر الله سبحانه و تعالى، فاذا كان هو يعلم بانه ربما يموت بعد فترة، فنحن معرضون للموت في كل دقيقة وكل ثانية ومع كل دقة قلب.
دقات قلب المرء قائلة له                    ان الحياة دقائق و ثوان
اذا لم يتحرك القلب مرة ثانية، فستموت، واذا تنفست في الاولى ولم يدخل النفس الثانية فانت مت، فلذلك ايها الاخوة الاحبة يجب علينا ان نجلس الان و ان نحسب امرنا، و ما بقي لنا طويلا او قصيرا، كيف نستغله و كيف نشغله في طاعة الله، كيف نعد الجواب للقبر، كيف نعد الجواب عند الله، عندما نقف امام الله “وكل آتيه يوم القيامة فردا”
ولو كان هذه المسؤولية مسؤولية شخصية لربما كانت اهون او اسهل، ولكن مسؤوليتك تتجاوز الى كل من هو تحت رعايتك، فاذا لم تقم بتربية اولادك تربية صحيحة ولم تجلس مع اولادك واهلك ومن تحت يديك، ولم تعطهم الوقت المناسب وانما اشغلتهم بامور اخرى في المجالس العادية او نحو ذلك، ثم لا سمح الله ضل احد اولادك او اخطأ خطأ كبيرا، فانت مسوؤل امام الله، لانك قصرت في اداء الواجب باداء اكبر امانة وهي امانة الاهل والاولاد ، فانت لم تقم بحمايتهم ولم تقم بعنايتهم بل ربما عرضتهم للمصائب واخذتهم الى اماكن الفساد وعرفتهم مع اصدقاء السوء وانت لا تفكر فيهم ولا تهتم بهم، فكل هذه مسؤولية امام الله سبحانه وتعالى، حيث سيأسلك الله مباشرة عما فرطت في هذا الفرض العظيم “قوا انفسكم و اهليكم نارا” ولذلك كان الرسول صلى الله عليه وسلم سيد المربين والمزكين كان هكذا يفعل مع صحبه و امته، وكان كذلك يفعل مع اهله واحفاده واولاده، وكان حينما رأى الحسن بن علي رضي الله عنه في حديث عن ابي هريرة رضي الله عنه: “اخذ الحسن بن علي تمرة من تمور الصدقة، فجعلها في فيه، فقال رسول الله: كخ كخ، ارم بها اما علمت انا لا نأكل الصدقة” تمرة واحدة لم يقبل بها الرسول صلى الله عليه وسلم ان يأكلها حفيده وهو طفل صغير، وحينما رأى ايضا ان احد الاطفال يأكل معه وهو ابن عباس في احدى الروايات وفي رواية اخرى احد الصحابة من اقرباء الرسول صلى الله عليه وسلم: وكانت يده تبطش في القصعة فقال: “سم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك” لم يترك الرسول صلى الله عليه وسلم يعبث في هذه الامور، ونحن في بعض الاحيان ندع الاطفال يفعل ما يشاء ولا نخاف ان اي لحم ينبت من حرام فالنار اولى به.
فلذلك ايها الاخوة الاحبة، المسؤولية في غاية الاهمية، لان المسؤولية تقتضى منا ان نخطط لها التخطيط الصحيح، وخاصة ولا سيما في ما يسمى في فترة العطل وهذه التسمية خطأ، لان المسلم يمكن ان يكون في اجازة من عمل او وظيفة، ولكن الانسان المسلم دائما يعمل: “فاذا فرغت فانصب” فاذا فرغت من اي عمل ابدء بعمل آخر وعمل ثان وثالث ورابع … وهذا يقتضي امرين: يقتضي تنظيم الانسان نفسه: ماذا يفعل الان و ماذا سيفعل في ما بعد، و كذلك يقتضي التخطيط اليومي والاسبوعي والشهري ، ويقتضي كذلك ان تفرغ من اعمالك اي ان تنهييه لا ان تتركه دون اتمام، ولابد ان نخطط التخطيط الجاد لمستقبل اولادنا ولا سيما في فترة الاجازات.
وكما يقول المهتمون من الشرطة ووزارة الداخلية، والمهتمين من علماء الاجتماع: ان نسبة الاطفال الذين يقعون في المشاكل والجرائم والمخدرات والفساد، معظم هذه النسبة تأت في اوقات الفراغ، لان الاباء مشغولون اذا كانوا داخل البلد واذا كانوا خارج البلد لا يهتمون بأي بلد هم فيه، وهؤلاء اعداء الاسلام يرصدون شبابنا، شباب المسلمين و يأخذونهم الى الفساد من خلال عصابات منظمة، و من خلال ايضا نساء قد يكن مصابات بالايدز بالاضافة الى المخدرات، و يجربون في شبابنا مرة او مرتين مجانا، فالطفل او المراهق يحب التجربة، ثم يبتلى ويؤخذ منه كل شيئ: امواله و صحته واخلاقة و…..
هذه المسؤولية ليس لنا ان نغمض اعيننا أمامها او ان نضع رؤوسنا في الرمال، انما لابد ان نعلم وان نعلم اولادنا عن مخاطر الفساد ومخاطر الفواحش والمخدرات وان اخطر شيئ هو اصدقاء السوء، ومن الافضل ان نعرض لهم بعض الافلام الوثاقية عن هؤلاء الذين اصابهم شرور الزنا والفواحش، وما اوصل بهم المخدرات من سوء عاقبة، حتى يعلم شبابنا ان من عمل بعملهم سيكون مصيره مثلهم، وكذلك الامر بالنسبة الى الخمور و التدخين.
ويجب ان تعلم ايها الاخوة ان اعظم ثروة عندك هم اولادك واعظم استثمار هو الاستثمار في الاولاد، فهو احسن تجارة، فالاولاد هم من يحفظون اسمك والناس يترحمون عليك بعد موتك من خلالهم .

الخطبة الثانية

ايها الاخوة المؤمنون
لي كلمتان في الخطبة الثانية:
فالكلمة الاولى: اننا حينما نريد ان نحفظ اولادنا، علينا ان نبحث عن ملء الفراغ لاهلنا واولادنا ببرنامج شامل يشمل جزءا من الامور الترفيهية المباحة والانشطة الرياضية.
وان يأتي التخطيط والبرنامج من الطفل ولكن بارشادنا، حتى لا يحس الطفل او المراهق او الشاب بأننا نفرض عليه شيئاً بل يحس ان البرنامج منه وله ولذا الطريق الصحيح هي التشاور والتحاور والتراضي مع الاهل والاولاد.
و الكلمة الثانية: ان هذه الامة فيها خير كثير، وخيرها دائما في شعوبها وكذلك في علمائها وامرائها الصالحين، فقد اجتمع علماء الامة في استطانبول بفضل الله، بأكثر من ستمائة عالم، يمثلون اكثر من 30 الف عالم من علماء بلادهم ، ناقشوا امور هذه الامة، و انا سميتهم بأنهم قلب هذه الامة، لان الامة كالجسد كما قال الرسول صلى الله عليه و سلم ” … كجسد واحد”: لها البدن و هم عامة الناس وفيها الصحوة المباركة، وهناك القلب وهم العلماء والمفكرون الصالحون، وهناك الرأس وهم الامراء الصالحون. وكنا قبل فترة كان الجسد مفصولا عن الراس وكذلك ربما عن القلب، واليوم فالجسد وهو انتم تتحركون بحركة القلب والحمد لله، كما ظهرت حركة الرأس مع القلب والجسد كما هو الحال في بعض المسؤولين وهذا امر طيب، فكانت مشكلتنا في هذه الامور الثلاثة: الجسد والقلب والرأس. ولكن ان شاء الله سيتلاحم العلماء والامراء مع عامة الشعب في اظهار الحق، وحين يصلح الاثنان: القلب والرأس يصلح الجسد كله كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم في حال القلب: “اذا صلحت صلح الجسد كله واذا فسدت فسد الجسد كله ” فادعوا لاخوانكم العلماء ان يكونوا في خدمة هذه الامة جمعاء .
الأمر الأخير الذي أود أن أبشركم به هو إننا في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين اشترينا سفينة تحمل ألف طن، وخمسين شخصاً لتكون مع الأسطول الثاني للحرية. والله الموفق